حصد الفيلم التونسى الروائى الطويل «نحبك هادى » جائزتين فى مهرجان برلين الدولى للسينما : واحدة للعمل الأول لمخرجه «محمد بن عطية» والثانية لتمثيل بطله «مجد مستورة» . هذا علاوة على انه أول فيلم من تونس يجرى عرضه فى المسابقة الرسمية للمهرجان منذ عشرين عاما . وهذا التكريم الذى حققه الفيلم للسينما العربية فى مهرجان بهذه الأهمية يلفت النظر الى صناعة الأفلام فى تونس والى جيل جديد من المخرجين هناك. ويؤرخ لأول فيلم روائى طويل فى تونس وان كان صامتا ب « زهرة» للمخرج «ألبير شمامه شيكلى « عام 1924 .و أول فيلم تونسى بعد الاستقلال هو «الفجر» ل « عمار الخليفي» .وقد احتفى الإعلام فى تونس هذا الشهر بمرور خمسين عاما على انتاجه عام 1966. لكن السينما التونسية تنتج خلال الأعوام الأخيرة فى المتوسط ثلاثة افلام روائية طويلة فى العام الواحد . وفى هذا الحوار مع محمد بن عطيه (40 عاما ) مخرج فيلم «نحبك هادي» والذى أجرته معه « الأهرام» فى تونس محاولة للتعرف على ملامح جيل جديد فى السينما التونسية .جيل يبدو أنه لم يتأثر كثيرا بالسينما المصرية ، ولا حتى بالدراسة الأكاديمية أو بتجارب نوادى السينما التى عرفتها بلاده فى عقدى السبعينيات والثمانينيات . كيف تطورت علاقتك بالفن السابع ؟ منذ بلغت 14 عاما كنت مغرما بالفرجة على الأفلام الفرنسية، وبدرجة أقل الأمريكية . وكنت أيضا أقرأ الروايات الرومانسية . وقرأت لاحقا كتبا فى كيفية كتابة السيناريو . ولأننى نشأت فى أحد احياء الطبقة المتوسطه بتونس العاصمة ( حى المنار ) فقد كانت السينما بالنسبة لى مجرد هواية .ولم يكن حولى من يشجعنى على المضى فى هذا الطريق. والحق يقال فأنا لم أدرس فى معهد السينما بتونس . بل اتجهت الى علوم التجارة وعملت فى ترويج مبيعات احدى شركات السيارات الفرنسية بتونس بين عامى 2001 و2013 . وهى نفس مهنة بطل فيلم «نحبك هادى ». لكنى كنت قد ذهبت عام 2000 فى منحة علمية لمدة عام الى فرنسا لدراسة إدارة الإعلام . وحينها اتيحت لى فرصة أهم لمتابعة الحركة السينمائية وبخاصة الأفلام الاجتماعية. وعلى نحو أخص أفلام المخرج «جاك أوديار». لكن علاقتى بالسينما شهدت تحولا بعد عودتى الى تونس حين تعرفت على المنتجه « درة أبو شوشة » . وهى ايضا منتجة « نحبك هادى ». وكان لديها ورشة تدريب على كتابه السيناريو باسم « الكتابة الجنوبية « وتضم أفارقة وعربا . ومع هذه المنتجه بدأت أخرج كل افلامى القصيرة التى سبقت الفيلم الروائى الطويل الأول هذا . وأظن أن التيمة الرئيسية فى هذه الافلام ( سلمى .. وموجة ..وكيف الآخرين.. وقانون 76 ) هى مناقشة مدى قبولنا للاختلاف فى المجتمع التونسي. هل استفدت من تجربة نوادى السينما فى المدن التونسية ؟ لم يكن لى أى علاقة بها .. أنا أحب الناس وأستمع لهم وأراقبهم فى حياتهم العادية .وأظننى فى هذا ملاحظ عبقرى .وهذه هى مدرستى .لم أذهب الى نوادى سينما أو كلية أو معهد للسينما. وهل عملت من قبل مساعدا لمخرج كبير ؟ لا .. لم يحدث مطلقا. هناك من النقاد من وصف فيلمك الفائز فى برلين بانه كوميدى رومانسى .. وفى العرض الخاص للفيلم بتونس لاحظت شخصيا تجاوب الجمهور بالضحك غير مرة .. ماهو رأيك فى هذا التوصيف؟ أنا ضد هذا .. فالفيلم من حيث الظاهر قصة حب تنطوى على فكاهة بعض الشىء. لكن هو فى العمق فيلم اجتماعى يناقش قضية مجتمعية .والأهم فى رأيى هو هذا التوازى بين القصة الصغيرة للشاب «هادي» وبين القصة الكبيرة لتونس بعد ثورة 2011 .وأعتقد انه خلف قصة «هادي» تلك الصغيرة قصه كبرى عن تونس . معذرة .. يبدو الفيلم بسيطا الى حد السذاجة؟ لنقل أنه أشبه بالسهل الممتنع .. وحقا أنا لااستطيع أن أدعى ان الفيلم عميق . لكنى اعتقد بأن وراء كل مشهد أو شخصية أعماقا أخرى .وعلى اى حال فأنا اتقبل كل الآراء حتى لو ذهبت الى انه ساذج. قد يبدو مستغربا فى المدن التونسية التى تتسم بالحداثة هذه العلاقة بين أم مسيطرة وابنها كما هو عليه فى الفيلم ؟ الى هذه اللحظة هناك أمهات فى تونس يسيطرن على ابنائهن. وربما على نحو اكبر من تلك العلاقة بين الأم فى الفيلم والإبن .وهذا يحدث حتى فى تونس العاصمة وليس فى مدينة الى الجنوب كالقيروان التى تدور فيها معظم أحداث الفيلم . يلعب التمثيل دورا محوريا فى هذا الفيلم ..كيف اخترت أبطالك؟ «مجد مستورة» مثل من قبل فى فيلم «الجيلانى السعدنى » (بدون) والبطلة الشابة « ريم بن مسعود » مثلت من قبل فى مسلسلات تليفزيونية .أما الأم المسيطرة فقد أدت دورها « صباح بو زويته »، وهى بالأصل ممثلة معروفة هنا على خشبة المسرح . هل كنت تتوقع ان يحصد فيلمك جوائز فى مهرجان برلين الدولي؟ حقا .. لم أكن أتوقع .. فوجئت .. وبالفعل هذا أول فيلم تونسى يحصل على جائزة من برلين. ما تبعات هذه الجائزة التى تشعر بها؟ هذه الجائزة شرف وفرحة بلاشك . لكنها لاتحملنى أى مسئولية زائدة أو اضافية أو المزيد من المسئولية .هكذا عدت من برلين الى حياتى العادية هنا . لم يتبدل شئ بالنسبة لى . ولدى أفكارى للسينما . وهى ظلت على حالها لم تزد ولم تنقص . وكل ما يشغلنى هو أن أكتب فيلمى الجديد ليس إلا. هل تفكر فى كتابة واخراج فيلم سياسي؟ «نحبك هادى» فيلم سياسى .. وفى الفيلم القادم ربما تكون السياسية أكثر وضوحا . كيف تقيم حال السينما التونسية الآن؟ منذ الثورة (2011) ظهرت أفلام جديدة تنطوى على صدق .وهذا لم يكن مسموحا به من قبل . وحقا لم يكن ممكنا الحديث بهذه الجرأة عن مشاكلنا الاجتماعية والسياسية والدينية . هل تعتقد بمولد جيل جديد للسينما التونسية ؟ نعم هناك أسماء مثل فارس نعناع مخرج « شبابك الجنة « و راجيه بوزيد «على حلة عينى « .. وآخرون . لكن من قبل أيضا كانت هناك اسماء مهمة مثل الجيلانى السعدى « عرس الذيب» و راجية عمارى « الستار الأحمر « . ومن الناحية الفنية فان ملامح جيل مابعد الثورة تتجلى فى تقنيات جديدة أكثر ديناميكية فى الديكوباج ( فن التقطيع ) وفى زوايا التصوير والتى أصبحت أكثر حركية. للتو بدأ عرض فيلمك فى دور السينما بتونس .. هل عندك طموح لعرضه فى دول عربية اخرى .. أم ان اللهجة التونسية المحلية ستشكل عائقا ؟ ربما يتعين على المشاهد العربى خارج تونس بذل مجهود كى يتابع الفيلم ويفهم . لكن يمكن ترجمة الفيلم الى العربية الفصحى والانجليزية . وحتى الآن لاتوجد اتفاقات لعرض الفيلم خارج تونس تجاريا ، وإن كنت أتمنى ان يحدث مستقبلا .وفى دور العرض المصرية .. ولم لا. هل لديك انطباعاتك عن السينما المصرية ؟ معرفتى بالسينما المصرية محدودة جدا . ولم أشاهد أفلامها باستثناء بعض الأفلام الاخيرة ليوسف شاهين . وربما أطلعت اكثر على السينما الجزائرية وبدرجه أقل المغربية .