انطلق مهرجان برلين السينمائى الدولى ببداية عربية، والتى لم تكن من قبيل المصادفة، حاصة وأن ديتر كوسليك مدير المهرجان يملك من الخبرة والرؤية الثاقبة الكثير، وهو لا ينفصل عما يدور فى العالم، وله فى كل دورة رسالة ولمحة دائما لمبدعين حقيقيين فى مجتمعات تعيش تقلبات سياسية، وفى العام الماضى أصر على عرض فيلم «تاكسى» للمخرج الايرانى جعفر بناهى، والذى فرضت عليه السلطات فى بلده حصارا طويلا، وعرض الفيلم دون حضور مخرجه الممنوع من مغادرة إيران، وحصد جائزة الدب الذهبى، وكسب ديتر كوسليك الرهان. وهذا العام أراد مدير المهرجان أن تكون ضربة البداية فى المسابقة الرسمية لفيلم من تونس، ليؤكد قدرة سينمائييها على تقديم أعمال جيدة، مهما كانت معاناة مجتمعاتهم السياسية والاجتماعية. الفيلم التونسى بنحبك هادى • «نحبك هادى» انتفاضة سينمائية عاطفية شبيهة لما حدث خلال ثورة الياسمين جاء الفيلم التونسى «نحبك هادى» كصورة سينمائية رائعة نال بها استحسان الجميع الذين صفقوا له طويلا عقب نهاية العرض، والتى انتصرت لقيم التضحية الانسانية، وعش الجمهور معه حالة حب شديدة الرومانسية سارت فى خط متواز مع منظومة تمرد على واقع إرادات الاسرة فرضه على بطل العمل «هادى». المخرج التونسى محمد بن عطية، قدم لوحة سينمائية واقعية، وتدور أحداث الفيلم فى أعقاب الثورة التونسية فى عام 2011 حول الشاب «هادى» الذى يبدو أن حياته تدار من جانب أشخاص آخرين، ومن بينهم رئيسه فى العمل وأخوه الاكبر ووالدته التى رتبت له الزواج من عروس صغيرة لم يشعر معها بأى عواطف، لكن «هادى» يتمكن فجأة من فرصة للسيطرة على عالمه عندما يلتقى بامرأة أخرى أثناء رحلة عمل، ويعيش معها حالة حب حقيقية، وتفيض مشاعره وتنمو لحظة بلحظة فى عدة مشاهد، وبأداء شديد التلقائية، وعندما يقترب موعد زفافه، لم يكن «هادى» موجودا، ويخبر حبيبته بقصة زواجه، ويقرران معا الهجرة إلى مونبيليه بفرنسا، وليلة السفر يبحث عنه أمه وأخوه، ويجدانه يجلس على البحر وحيدا، وكان مشهد النهاية مؤثرا للغاية، حيث قرر العودة إلى امه، إلى وطنه الاصلى تاركا وطنه الجديد، ويترك المخرج النهاية ليجيب عن تساؤلات كثيرة، حول الاستسلام للقدر، والخطى التى يرسمها لنا الآخرون، دون ان تكون لخياراتنا الحقيقية مكان فى هذا العالم. «بنحبك هادى».. يعد بحق انتفاضة عاطفية شبيهة بما حصل خلال ثورة الياسمين بتونس، رغم انه يخلو من أى رسائل سياسية، بحسب تأكيد مخرجه فى تصريحاته عن عمله الروائى الاول، والذى أكد بأنه لم يتصور ابدا اختيار فيلمه هذا فى المنافسة على دب برلين الذهبى. بن عطية دخل بتلك اللحظة نادى المخرجين الكبار، واتاح لبطله مجد مستوره الذى جسد دور هادى فرصة كبيرة لينافس وسط نجوم ونجمات العالم، وهو فى الفيلم شخص ليس عاطلا عن العمل وعائلته لا تواجه مشكلات أو أزمات سوى الاطمئنان عليه، لكنه لم يعد يجد نفسه فى هذا المجتمع الذى ألفه إلى ان وقع فى غرام «ريم» التى كشفت له مناطق اخرى لديه بعيدا عن كل الاعراف السائدة، وقدم مجد الدور بشفافية كبيرة ينطوى على مشاعر مشتركة يمكن للمشاهد ان يلمسها ويعيشها، فالعمل يقدم شابا عاديا ادرك ان الامور ليست كلها بهذه البساطة، ويريد تصديق قصة الحب الجديدة، لكن عليه ان يختار بين البقاء أو الرحيل، ويتمسك بالبقاء فى تونس، وربما هذه رسالة غير مباشرة قدمها المخرج عبر سيناريو ذكى للغاية.
الفيلم الصرى اخر ايام المدينة • «آخر أيام المدينة» فيلم مصرى يقتحم المنطقة الشائكة بمخرج يبحث عن ذاته بمدينة على وشك الانفجار الفيلم العربى الآخر الذى عرض على شاشة المهرجان فى أول يوم رسمى للعروض هو «آخر ايام المدينة» للمخرج المصرى تامر السعيد، وبطولة خالد عبدالله، وجاءت التجربة فى حد ذاتها لتثير كثيرا من الجدل، فأحداث الفيلم بدأت فى ديسمبر من عام 2010، وهو يتحدث عن حالة تمرد جديدة لمجموعة من الشباب من مصر والعراقولبنان، وعربى مهاجر إلى ألمانيا على أوضاع بلادهم السياسية والاجتماعية. ويتحدث العمل كثيرا عن مظاهر مقدمات الثورة المصرية، وذلك عبر عدة مشاهد بدت وكأنها مألوفة وشاهدناها فى أعمال كثيرة مشابهة، وربما طول الفترة الزمنية لتنفيذ العمل، والتى استغرقت سبع سنوات، وهو ما جعلنا نشعر بهذا الاحساس، فكثيرا ما شاهدنا مظاهرات فى شوارع القاهرة ضد حكم مبارك، ونظامه السياسى، وربما لم يتعامل المخرج بذكاء مع تلك الاحداث بفيلمه الذى بدأه مبكرا قبل الثورة، رغم ان به مناطق شديدة الثراء الدرامى حيث قدم حدوتة الرئيسية بلغة سينمائية معاصرة، وصورة واقعية لشوارع القاهرة فى زمنها. وفى الفيلم نرى مخرجا شابا اسمه خالد «خالد عبدالله» يعيش فى وسط القاهرة، ويحاول أن يصنع فيلما عنها فى لحظة يكاد يفقد فيها كل شىء.. شقته وحبيبته، يمتزج الفيلم الذى يصنعه بين حياته وقصص اصدقائه الثلاثة العراقىواللبنانى رحلة عن فقد الشعور بالأمان فى ظل مدن تشهد حالة من الانهيار السياسى، فبغداد وبيروت تعيشان حالة حرب، والقاهرة منقلبة اوضاعها، ويتطرق للوحدة والصداقة واكتشاف الذات وسط حياة على وشك الانفجار، تلك الحيرة التى عشناها مع الفيلم عبر عنها ذلك المشهد الذى قال فيه احد اصدقاء خالد: «انت يا خالد مش عارف عايز تعمل ايه، لازم تبدأ من جديد. الفيلم ملىء بالمناطق الشائكة وبالتحديد فى شعارات المظاهرات، وربما يمثل ذلك عائقا امام عرضه جماهيريا بالقاهرة. وبعيدا عن الملاحظات الفنية التى لم تقلل من التجربة، فإن مشاركة الفيلم فى قسم المنتدى بمهرجان برلين الكبير، وميلاده عبر شاشته حدث مهم، يساهم فى صناعة المؤلفة رشا بسطى والمخرج تامر السعيد وابطاله خالد عبدالله وليلى سامى وحنان يوسف ومريم سعد وعلى صبحى مع حيدر حلو وباسم حجار من العراق وباسم فياض من لبنان.
ميريل ستريت • ميريل ستريب رئيس لجنة التحكيم حول التفرقة بين البيض والسود: كلنا من أصول أفريقية النجمة ميريل ستريب التى ترأس لجنة التحكيم قالت فى المؤتمر الصحفى الذى عقد مع انطلاق فاعليات المهرجان أنها ملتزمة بمبدأ المساواة بين جميع الأجناس والأعراق والأديان وأنها بالفعل بدأت الاندماج مع جميع الأعمال التى تشكل مباراة كبيرة فى السينما. وأثيرت خلال اللقاء مسألة التفرقة بين السود والبيض فى الترشح للجوائز أو نيلها كما حدث فى الأوسكار، وهنا فاجأت ستريب الجميع بقولها: «الشىء الذى لاحظته هو أن هناك جوهرا إنسانيا يصل بين كل الثقافات، وبخلاف ذلك نحن جميعا ترجع أصولنا إلى افريقيا.. تعلمون ذلك.. نحن جميعا نحب مهرجان برلين.. ونحن جميعا أفارقة». جورج كلوني • لقطات على هامش المهرجان * النجم الأمريكى جورج كلونى بطل فيلم الافتتاح «يحيا قيصر» اجتمع مع المستشارة الالمانية انجيلا ميركل للحديث حول ازمة اللاجئين الذين تجاوز عددهم المليون شخص فى ألمانيا وحدها استقبلتهم خلال عام 2015، واستمر اللقاء نحو ساعة وحضره ديفيد ميليباند، وزير الخارجية البريطانى السابق والذى يرأس حاليا لجنة الإنقاذ الدولية، وكذلك امل علم الدين زوجة كلونى. وناقش كلونى مع ميركل ما يمكن أن تقوم به بلدان العالم لحل «ما يعتبر مشكلة عالمية وليست فقط مشكلة سورية أو قضية ألمانية». جورج كلونى وزوجته المحامية الحقوقية أمل علم الدين، كشف عن قيامهما بزيارة أحد الملاجئ المخصصة لللاجئين فى العاصمة الألمانية الجمعة الماضى، وكان كلونى قد أعرب عن املة فى الوصول لطريقة ملائمة للمساعدة فى تخفيف أزمة اللاجئين بأوروبا، قائلا: «يجب معرفة أى رسائل يمكن تمريرها وما بإمكاننا أن نفعل للمساعدة». * يكرم مهرجان برلين السينمائى النجمين الراحلين ديفيد بوى، وآلن ريكمان فى دورته الحالية بعرض عدد من أفلامهم المميزة. وكان نجم الموسيقى ديفيد بوى قد توفى فى يناير الماضى، وكذلك الممثل آلن ريكمان عن عمر يناهز ال69 عاما، وعليه قررت إدارة المهرجان تقديم تحية لروحيهما. ويعرض المهرجان فيلمى The Man Who fell To Earth للفنان بوى من إنتاج عام 1976و sense and sensibility لريكمان من إنتاج 1995، وذلك خلال فعاليات الدورة الحالية. * ديتر كوسليك مدير المهرجان، قال: «إن الحق فى السعادة للناس فى أرجاء العالم هو الموضوع الاساسى لمهرجان برلين هذا العام».