عاش الدكتور بطرس بطرس غالي 36 عاما متصلة من أجمل سنوات عمره وقمة نبوغه الفكرى والسياسي والصحفى بين جدران مؤسسة الأهرام الصحفية العريقة يتنقل بين مبانيها ومناصبها . والتي مازلت تحتفظ بمكتبه ومكتبته فى مركز الدراسات التى مثلت ركنا هاما فى حياته داخل الأهرام،واللوحة التذكارية لصورته المصنوعة من البرونز أمام مكتبه تحمل أسمه والمناصب التي تولها خلال عمله بالاهرام فى رئاسة تحرير مجلة الأهرام الإقتصادي ورئاسة تحرير مجلة السياسية الدولية ورئاسة مركز الأهرام للدراسات السياسية والأستراتيجية . وحرص غالى المفكر والمثقف على أن تضم مكتبة مركز الدراسات مئات من الكتب العلمية والسياسية القيمة التي عمل جاهدا علي أضافة كل جديد منها أمام الباحثين والصحفيين ،لتضم في النهاية عدد من كتبه التي أصدرها خلال فترة وجوده بالأهرام، ومازالت تحتفظ بها حتي الآن، شاهدة علي عصر من النبوغ والذكاء والكتابة الفكرية والعلمية والسياسية للدكتور بطرس غالي، ولاتزال كتبه التى وضعها بيده ومجلدات مجلة السياسية الدولية التى كان يحرص على تواجدها بها تشهد على حبه الشديد لكل ماقدمه للأهرام . ولاتزال جدران الأهرام والدور السادس بالمبني الرئيسي شاهد حي وتحمل نهرا من الذكريات وعبق التاريخ عن الفترة الزمنية التي قضاها الدكتور بطرس غالي به ،حيث تنقل بين مبني الأهرام القديم المعروف بديوان المحاسبة الذى تحول إلى مبنى للاصدرات الصحفية بعدها، إلي الدور السادس في مبني الأهرام الرئيسي العتيق المعروف بمقر المبدعين والمفكرين العظام بالأهرام. حيث تقع غرفتى مكتب الدكتور بطرس غالى رقمى 625 و627وبالقرب منها تقع مكتبة مركز الدراسات شاهدا عن الفترة التى قضاها بالاهرام. دخل الدكتور بطرس بطرس غالي جريدة الأهرام أول مرة في عام 1956، بعد أن بزغ نجمه داخل كلية الحقوق بجامعة القاهرة عقب عودته من فرنسا وحصوله علي درجة الدكتوراه عاما 1949، بعد تخرجه من جامعة القاهرة بثلاث سنوات وبلغ عمره وقتها 27 عاما، حيث ولد في 14 نوفمبر 1922، وذاع صيته من خلال محاضراته وآرائه السياسية وأهتماماته الدولية ،ولفتت مقالته التي كان يرسلها للأهرام الأستاذ محمد حسنين هيكل ولاحظ قدرته الثقافية العالية وإنفتاحه علي العالم .
* مكتب ومكتبة ولوحة تحكى 63 عاما من عمره فى بلاط صاحبة الجلالة * كيف جعل من مجلة «السياسة الدولية» أهم مجلة سياسية عربية؟ * ماذا قدمت له مجلة «الأهرام الاقتصادى» عند تعيينه امينا عاما للأمم المتحدة؟ واختاره الأستاذ هيكل في عام 1959 ليتولي تأسيس ورئاسة تحرير مجلة الأهرام الإقتصادي،ليصدر أسم بطرس غالى عليها فى عام 1960وإستمر في رئاسة المجلة حتي عام 1975، لمدة 15 عاما متصلة لأول مجلة إقتصادية متخصصة تصدر عن مؤسسة صحفية فى العالم العربى وأهتمت وقتها بالقضايا الإقتصادية في مصر والدول العربية والعالم، وقام الدكتور بطرس غالي خلال رئاسته لها بالتوسع في تناولها لأخبار المال والتجارة والإقتصاد والسوق والتبادل التجاري بين مصر والدول ونشر مقالات علمية متخصصة، مما جعلها مجلة ذات قيمة صحفية عالية تغطي كل ما يرتبط بالقضايا الإقتصادية. وقدمت مجلة الأهرام الإقتصادي أغلى تهنئة للدكتور بطرس غالى يوم 25 نوفمبر1991 أعتز بها، تحت عنوان "مبروك للدكتور بطرس غالي"، وأسفل صورته كتب الأهرام الإقتصادي "أنه أسعد ما يكون بإنتخاب الدكتور بطرس غالي سكرتيرا عاما للأمم المتحدة، وقد كان أول رئيس لتحرير المجلة بالإضافة إلي نشاطته المتعددة العلمية والعالمية والمجلة يسعدها تهنئة الدكتور بطرس غالي ومصر كلها متمنية له كل التوفيق". السياسة الدولية كما تولي الدكتور بطرس بطرس غالي أستاذ القانون الدولي ذو السمعة السياسية المرموقة رئاسة تحرير مجلة السياسة الدولية التي أسسها وأصدرها في عام 1965 وأستمر في رئاستها حتي ديسمبر عام 1991، لمدة 26عاما متصلة، ،ومازالت تحتفظ بصورته على صدر صفحاتها كمؤسس لها ، كأول مجلة أكاديمية سياسية تصدر عن مؤسسة صحفية في الدول العربية بصورة دورية منتظمة كل 3 شهور، حتي أصبحت أبرز الدوريات العلمية العربية المهتمة بالعلوم السياسية والعلاقات الدولية والسياسة العامة وأصبح لها مكانتها الدولية . وجعلها الدكتور بطرس غالي مصدرا لكل المهتمين بالسياسية والراغبين في الإلتحاق بالعمل الدبلوماسي، لأنه وضع سياسة تحريريه للمجلة تهدف للقيام بدور تعليمي وتنويري، وتنشر مقالات وتحليلات يشارك فيها أكاديميين ومفكرين وتقوم علي معايير علمية وأن تكتب لها بحوث وموضوعات خصيصة تصلح صحفيا للقارئ، ولا تكون مجرد مساحة لنشر البحوث أو الدراسات المطولة. وبدأت مجلة السياسة الدولية عند تأسيسها علي يد الدكتور بطرس غالي مهتمة بإفريقيا وآسيا والعالم النامي ،نظرا لأن مصر كانت مهتمة في ذلك الوقت بالعالم الثالث وحركة عدم الانحياز وحركات التحرر ومن الافتتاحيات الرائعة للمجلة التي كتبها الدكتور بطرس غالي عقب حرب يونيو 1967، تحت عنوان "المعركة مستمرة"، قال "أن المعركة في الصراع العربي الاسرائيلي مازالت في أولى معاركها وأن هناك معارك كثيرة لابد أن يخوضها الوطن العربي إن شاء أن يحتفظ بحقه في الحياة الحرة الكريمة بشرط أن هدفنا واضح الرؤية". ولم تمضي سنوات قليلة حتى كتب الدكتور بطرس غالي في عدد المجلة يناير 1974 إفتتاحية عن نصر أكتوبر تحت عنوان "الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة"، وقال "أخيرا تحقق الانتصار العربي الذي كان ثمرة استراتيجية سياسية مدروسة وخطة عسكرية متقنة لتحقيق أهداف واضحة يؤيدها القانون الدولي"، وعاد وكتب الدكتور بطرس غالي في إبريل 1974وأستمر لفترة طوبلة بعدها عن قضايا تسوية الصراع فى المنطقة العربية أستمرارا لنهجه السياسى وأهتماماته الوطنية بضرورة السلام، وتناول في افتتاحية المجلة استراتيجية السلام في الشرق الأوسط. وبعدها عمل الدكتور بطرس غالي رئيسا لمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية أرفع مركز فكرى وعلمى بمصر والمنطقة العربية والقارة الأفريقية في الفترة من عام 1975 والذي أسس كمركز للتفكير عام 1968 بعد هزيمة يونيو 1967 وخلال عمله بمركز الدراست أهتم بالبحوث عن أفريقيا وأعطي أهمية كبيرة لتزويد مكتبة مركز الدراسات بالكتب الأجنبية التي تتناول العلاقات الدولية والقضايا المرتبطة بالشرق الأوسط. الأحلام بالأهرام تتحول لواقع ومن المرات النادرة التي تحدث عن حياة بالأهرام التى كان يعتز بها وبقدر مؤسسة الأهرام ودورها فى حياته ،قال الدكتور بطرس غالي إنه قبل ذهابه للأهرام كان الأهرام لديه مشروعين الأول عن مجلة الأهرام الإقتصادي ، والثاني تأسيس مجلة للسياسة الدولية ،وأسند لي الأستاذ هيكل رئاسة الأهرام الإقتصادي ثم السياسة الدولية وقال لي أنني واثق في قدراتك وأقدرك. وأضاف عشت فى الاهرام سنوات طويلة سواء فى مجلة السياسة الدولية ومجلة الاهرام الأقتصادى، وأهتمت فى عملى بالقضايا السياسية والأقتصادية والقانون الدولى وقضايا الصراع العربى الأسرائيلى والعلاقات الدولية والنظام الدولى وبتزويد مكتبة مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالكتب الجديدة لتكون امام الباحثين والصحفيين . وقال كتبت فى رسالة للأهرام بعثت بها إلي مركز الأهرام للدراسات خلال أحتفاله باليوبيل الفضي ومرور 25 عام علي تأسيسه ، "إنني سعدت برئاسة مركز الأهرام للدراسات الأستراتيجية من عام 1975 لأعوام طويلة حتى عام 1991 ،وتمثل لي أمتع فترات البحث العلمي والسياسي والإستراتيجي وهي المتعة التي يشعر بها الباحث الأكاديميي عندما يترجم أفكاره وآراءه في شكل دراسات وأبحاث تعميقا للفكر وإثراءا للمفاهيم وتوضيحا للرؤي ، فتلك هي المهمة السامية للباحثيين حتي يشكل في النهاية عملهم قوة دفع فكرية وعلمية ثقافية في خدمة الإنسانية مهما تنوعت الحضارات واختلفت الثقافات". وأضاف أنه من ضمن أوراقي بتلك الرسالة التي قلت فيها يحق لمؤسسة الأهرام أن تفخر بما قدمه من إسهامات وإنجازات أكاديمية وفكرية وعلمية وثقافية، وقدمت وقتها تهنئة لمؤسسة الأهرام وللمركز وللقائمين عليه. وقال إنني قبل منصب الأمين العام للأمم المتحدة قدمت أكثر من 40مؤلفا ومئات من المقالات والنشرات عن السياسة الخارجية والعلاقات الدبلوماسية والعلوم السياسية والتنمية الإقتصادية والإجتماعية وحقوق الإنسان والتبادل والتعاون الدولي والإشتراكية الدولية والقانون الدولي والشرق الأوسط والإصلاح الإجتماعي خلال وجودى بالاهرام وأستاذ فى جامعة القاهرة بكليات الحقوق و التجارة والاقتصاد والعلوم السياسية . مكتبه بالاهرام وعندما تولى الدكتور بطرس غالى منصب الامين العام للأمم المتحدة ترك مكتبه بمؤسسة الاهرام العريقة فى الدور السادس بمبناها الرئيسى ، والذى مازال يحمل عبق تاريخه وذكرياته به ورحلة عطائه ،ووضعت مؤسسة الأهرام لوحة تذكارية من البرونز تحمل صورته ومناصبه داخل الاهرام عرفا بدوره ، أمام مكتبه و مكتبته التى تضم مئات من الكتب العلمية. بينما من المرات القليلة النادرة التي تحدثت زوجته السيدة ليا ندلر عن علاقتها بزوجها قالت أنه يحب العمل بإستمرار وأنها تشفق عليه من كثرة الإجها د في العمل وإلتزامته ومسئوليته الجسام. وأضافت أنها تعرفت علي بطرس غالي في الإسكندرية في منطقة المنتزه ، وأن هوايته الأولي هي القراءة والكتابية ويعشق الموسيقي الكلاسيكية ورياضته المفضلة المشي وكان يمشي علي نهر النيل أو في البلكونة الدائرية لمنزلنا أمام نهر النيل ،وأن يفضل اللون الأخضر بينما يفضل الزي الكلاسيكي ،وطعامه المفضل هو عيش التوست وقطع الجبن والعسل الأبيض وعصير البرتقال والخضار السوتيه. وصايا سياسية ومن أهم وصايا الدكتور بطرس غالي التى ذكرها فى حواراته معى أنه سيظل يؤمن بأن الدولة المصرية قادرة علي العمل وتقديم الكثير رغم حالة الضعف الشديد التي مرت بها عقب ثورة 25 يناير و30يونيو، وأن دور مؤسسات الدولة القوية سيعود تدريجيا ،وستكون في وضع أحسن مع مرور الوقت، وأنه يجب الحفاظ على الدولة من تيارات العنف والجماعات الأصولية المتطرفة. وبقى الدكتور بطرس غالى مهتما طوال حياته بالحلول السياسية للمشاكل السياسية الدولية والإقليمية ،ويردد أنه ذكر للأطراف المتحاربة فى فلسطين ورواندا والصومال وأنجولا ويوغوسلافيا وسراييفو عندما كان وسيطا أنكم ستجلسون فى نهاية المطاف للتفاوض وحقنا للدماء نجلس للنقاش وطرح الحلول بدلا من إزهاق الأرواح، كما بقى مؤمنا بوحدة الصف العربى ويتألم كثيرا لحالة الانقسام العربى بين الدول ويرى أن مصالح أسرائيل وامريكا وراء الخلافات العربية ،كما يصف الانقسام داخل الصف الفلسطينى بأنه أخطر على القضية الفلسطينية من الاستيطان الإسرائيلى. وتناول فى توصياته أهمية أن ندرك أن العالم به قوي جديدة يجب علي مصر التركيز والتعاون والإنفتاح عليها وفي مقدمتها الصين و اليابان وكوريا والبرازيل والهند وإندونسيا، وعدم التركيز علي الدول الأوروبية وأمريكا لأن مراكز صناعة القرار في العالم لم تعد بها وحدها فقط، وأن ندرك أنه لاغنى لمصر عن إفريقيا ولاغنى لإفريقيا عن مصر، وأن نهر النيل ومشكلاته يمكن أن تكون مصدرا للتعاون والتقارب فى عدة مجالات. وأهتم غالى بالبعد الوطنى فى أهمية دعوة الشباب المصري إلي الاهتمام بتعلم اللغات والثقافات الأجنبية لأن مصر جزء من العالم ، وحتمية الإنفتاح علي العالم وعدم الإنغلاق علي الداخل والتعلم من تجارب الدول والإنفتاح علي الثقافات الأخري، لأننا جزء من العالم ولن نعيش فى معزل عنه وأن العولمة جعلت جانبا من القضايا المحلية تحل فى إطار دولى مثل قضايا الصحة والطاقة والتكنولوجيا والهجرة .