يحتفل الدكتور بطرس بطرس غالي الأمين العام الأسبق للامم المتحدة ورجل الدبلوماسية المصرية والدولية البارز بذكرى ميلاده التسعين غداً الأربعاء وقال غالي فى تصريحات صحفية إنه يشعر بالتفاؤل والأمل فى مستقبل أفضل لمصر فى السنوات القادمة. وأضاف غالى – فى تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط بهذه المناسبة – إن مبعث هذا التفاؤل يرجع إلى أنه طالما توجد مجموعة من القيادات المصرية تؤمن بالانفتاح على الخارج والتعامل والتفاعل معه من أجل مقتضيات المصلحة المصرية فإن المستقبل سيكون أفضل ومشرق. وأعرب غالي عن ثقته فى أن مشاكل مصر سوف تحل بمزيد من العمل والعمل الجاد وأن القاهرة ستستعيد مكانتها ودورها فى المنطقة والعالم، وقال إنه لا يجب أن نخاف الأخر بل يتعين الحوار معه ، فالعالم أصبح مترابطا أكثر من ذى قبل وقد قربت التكنولوجيا المتطورة السريعة والمتلاحقة المسافات البعيدة وأصبح الاتصال ومعرفة ما يدور فى أركان كوكب الأرض معروفا لحظة بلحظة. وتحدث الدكتور بطرس بطرس غالي عن الديموقراطية وحقوق الانسان ، وقال إن هناك ترابطاً وتلازماً بين الديموقراطية واحترام حقوق الانسان والتقدم والتنمية فلا غنى للواحد عن الأخر وأنه لاغنى لمصر سوى السير فى طريق الديموقراطية وتحقيق العدل والمساواة بين الجميع. ومن المقرر أن يقيم سفراء مصر القدامى من مواليد شهر نوفمبر احتفالية غداً الأربعاء بمقر المعهد الدبلوماسي احتفاء بمرور 90 عاما على مولد الدكتور بطرس غالى ، وذلك فى ختام حفل تخريج دفعة جديدة من الدبلوماسيين الأفارقة من دول الانجلوفرانكوفون. والدكتور غالي وهو الذي بلغ عامه التسعين مازل منارة متوهجه ويعمل ويلبى كل الدعوات لحضور العديد من الندوات والمؤتمرات ويلقى المحاضرات أمام الطلبة والسياسيين ورجال الفكر والاعلام والاكاديميين ، وقد انتهى منذ أيام قليلة من ترجمة ومراجعة كتاب حول المنازعات الدولية من الفرنسية إلى العربية، كما أعد مقالاً مطولاً حول قضايا مياه النيل الموضوع المحبب إلى قلبه. وقال الدكتور بطرس بطرس غالي أمين عام الأممالمتحدة الأسبق إن الجيل الجديد من الشباب والمتسلح بالعلم وأدوات عصره من التكنولوجيا الحديثة وانفتاحه وإطلاعه المستمر على الخارج والاطلال عليه قادر على أن يلعب دورا كبيرا فى حل الكثير من المشاكل والنهوض بالوطن. وسأل أحد الطلبة بالقسم الفرنسي بكلية الحقوق بجامعة القاهرة الدكتور غالى الأسبوع الماضى كيف أصبح أمينا عاما للامم المتحدة..وفي وقت ضجت فيه القاعة بالضحك أجاب الدكتور غالي وبكل جدية على الطالب وقال له بالعمل الجاد والتفاني بالعمل والاندماج في المجتمع العالمي ومشاكله وقضاياه”..ونصح الطلاب بضرورة تعلم اللغات الأجنبية لمعرفة أحوال وأوضاع العالم والاطلاع المستمر، وكان يفاجىء الطلبة فى حوارته العديدة معهم بسؤالهم كم منكم دخل المكتبة اليوم ليستعير كتاباً أو ليقرأ فى المكتبة. ويعتبر الدكتور بطرس بطرس غالي أحد رجالات العالم المعدوددين الذين يدعون إلى قيم السلام والحرية والعدل والمساواة وهو رائد من رواد حقوق الإسنان على المستوى الدولي وكان أحد الداعين فى مؤتمر الاممالمتحدة فى فيينا عام 1993 إلى إنشاء مجالس ومؤسسات وطنية مستقلة فى دول العالم لمساعدة الحكومات بالرأى والمشورة فى النهوض والارتقاء بحالة حقوق الانسان ، كما كان هو الداعى إلى أنه إذا ما رغبنا فى الدعوة إلى الحوار وإنشاءديموقراطية عالمية مفتوحة وتشاركية روحية فإنه يجب أن نأخذ فى الاعتبار تطلعات الجهات الاجتماعية والثقافية وتصرف الجهات الاقتصادية إلى جانب رغبة الشخصيات السياسية وتعزيز التنوع الثقافى وحوار الثقافات وردم الهوة بين الشمال والجنوب بين العالم الفقير والعالم الغنى. ينتمى الدكتور بطرس غالي إلى أسرة مصرية تقطن إحدى قرى بنى سويف وهو ينحدر من الطبقة البرجوازية العليا، وكانت دائما فى خدمة مصر فقد كان جده لوالده الدكتور بطرس غالي وزيراً للعدل ثم الخارجية ثم رئيسا للوزراء كأول رئيس وزراء قبطي فى تاريخ مصر الحديثة. وقبله كان جده الاكبر ناروز باشا ناظر مالية الخديو إسماعيل كانت أسرته تفرض عليه حصاراً فى طفلوته ولم يكن مسموحا على الاطلاق أن يخرج ليلعب فى الشارع مع أولاد الجيرن البسطاء الذين يعيشون بجوار الفيلا الفخمة التى يعيش فيها بشارع كامل صدقى بحى الفجالة بوسط القاهرة فكان يلجأ إلى بواب الفيلا ويرشيه ببضعة نقود حتى يسمح له بالخروج مع ابنه على دراجته ليتعرف على الشارع والمنطقة التى يعيش فيها. حصل أمين عام الأممالمتحدة الأسبق الدكتور بطرس بطرس غالي على درجة الدكتوراه من جامعة السوربون عام 1949 بعد ثلاث سنوات فقط من حصوله على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة ليصبح أصغر طالب فى جيله يحصل على درجة الدكتوراة وكان موضوع الرسالة حول دراسة المنظمات الإقليمية والتى ترأس العديد منها بعد انخراطه فى العمل السياسيى وتوجها باختياره فى منصب الامين العام للامم المتحدة فى العام 1992. وفى هذا المجال يعترف الدكتور غالى أن ممارسة مسيحى قبطى لوظيفة عامة فى بلد غالبيته العظمى من المسلمين لم يكن أبدا عائقا أو حائلا أمام أى من أفراد أسرته من أجل الانخراط فى العمل السياسي ، كما قام بتدريس علوم القانون على مدار 30 عاما وكانت البداية فى جامعة القاهرة ثم الجامعات الأوروبية والأمريكية والآسيوية فى كوريا الجنوبية..وكان أحد الداعين إلى إشناء كلية الاقتصاد والعلوم السياسية. وهو صاحب مبادرة إصدار مجلة السياسة الدولية وكان واحدا ممن وضع أسس العمل فى المجلة وترأس تحريرها منذ أول عدد صدر فى شهر يوليو عام 1965 وحتى يناير عام 1992 وهو الشهر الذى تقلد فيه رئاسة منظمة الاممالمتحدة ، كما ترأس الدكتور بطرس غالى مجلس تحرير مجلة الاهرام الاقتصادى التى تصدرها مؤسسة الاهرام لتكون أول مجلة اقتصادية متخصصة من نوعها فى مصر..وتشير سطور حياة الدكتور غالى إلى أنه جمع بين العمل الاكاديمى والعمل الصحفى المتخصص فى الشئون الدولية بل إنه جمع بينهما فى تكامل تام وقد ظل يحاضر فى جامعات القاهرة والسوربون وكولومبيا ونيويورك جنبا إلى جنب مع نشر مقالات منذ وقت مبكر فى الصحف المصرية ، وقلما بل وندر أن تكون هناك شخصية مصرية جمعت بين العمل الاكاديمى والعمل الصحفى والسياسى فى أن واحد. تقلد بطرس غالى منصبه الوزارى لأول مرة فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات عام 1977 كزير دولة للشئون الخارجية. كان الدكتور بطرس بطرس غالي يدير السياسة الخارجية المصرية كوزير للخارجية بعد استقالة إبراهيم كامل اعتراضا على رحلة الرئيس السادات إلى القدس فى نوفمبر عام 1977 ، وقبيل رحيله إلى الاممالمتحدة كسادس أمين عام لها بعام تقريبا عين نائباً لرئيس الوزراء فى الحكومة المصرية وهو أيضا يعتبر أول منصب على هذا المستوى يحصل عليه مسيحي منذ ثورة 23 يوليو عام 1952. واختير فى وقت مبكر كعضو فى أكاديمية القانون الدولى فى لاهاى وهى أكبر محفل قانونى عالمى إلى أن اختير كرئيس للاكاديمية فى عام 2004 وهو العام الذى وقع فيه الاختيار ليرأس أول مجلس وطنى لحقوق الانسان فى مصر لنشر ثقافة حقوق الانسان والقضاء على الانتهاكات ودعم الحركة الحقوقية فى مصر حيث أصدرالمجلس – وعلى غير هوى الحكومة – تقارير قوية أشاد بها المجتمع الدولى وكبريات دول العالم. أصدر الدكتور غالى أول كتاب له باللغة العربية عام 1956 وكان بعنون المدخل لدراسة التنظيمات الدولية ثم تبعه بكتاب أخر حول دستورية التنيظيات العالمية عام 1957 ، وقد بلغ انتاجه العلمى باللغة العربية اكثر من 22 كتاباً إلى جانب 11 كتاباً باللغات الأجنبية فضلا عن العشرات من الدراسات والابحاث وبلغ عددها 42. وقد عاب عليه البعض أنه لم يكن وحدويا ملتزما بأيدولوجية القومية العربية إلا أنه ومن خلال كتاباته المتعددة والمتنوعة فى القضايا العربية كشفت عن إيمانه وقنعته بتيار العروبة وموقفه من القضية الفلسطينية وارهاصاتها دليل على صحة هذا التوجه وقد أجمل افكاره عن العروبة والتشكيل التنظيمي لها فى عدة كتب ودراسات ومقالات حملت العديد من العناوين منها /المجتمع العربى عام 1960 وأزمة الدبلوماسية العربية فى عام 1969 والجامعة العربية وتصفية المنازعات المحلية فى العام 1977. وكانت أفريقيا بالنسبة للدكتور بطرس بطرس غالي هى حياته وملعبه ودائرة اختصاصه ومثلت الدائرة الافريقية الأولوية الثانية فى السياسة الخارجية وكان هو صاحب فكرة إنشاء الصندوق المصرى لمساعدة الدول الافريقية والذى أنشىء بوزارة الخارجية عام 1980 تحت اسم الصنوق المصرى للتعاون مع أفريقيا. وقد أسهم فى حل العديد من الازمات الافريقية من خلال وساطة مصر ونظرا لعلاقات الصداقة القوية والمباشرة مع معظم قادة ورؤساء الدول الأفريقية ومنذ تحرير واستقلال الدول الافريقية وكان أخر عمل قام به أثناء وجوده فى الخارجية المصرية إعلانه لمبادرة اقامة تجمع لدول حوض النيل تحت اسم (الاندوجو) والتى تعنى باللغة الافريقية السواحلية (الإخاء) وكان الهدف هو ربط مصر وهذه الدول بمصالح تزيد من دعم العلاقات من أجل استقرار مياه النيل لدول المصب. لقد كان الدكتور بطرس غالى صاحب مبادرة إصدار وزارة الخارجية للكتاب الابيض وقد صدر حتى الأن كتابين أبيضيين كان الدكتور غالي من أبرز دعاة الحوار بين الشمال والجنوبب وكان إيمانه شديدا بقدرة الانسان الابداعية فقد أشار فى أحد حوارته أن الانسان وحده هو القوة التى تحدد التاريخ وأن ذكاء وخيال الإنسان الإبداعى يبقيان القوة الحقيقية التى تعمل وراء كل التحولات وكان يعتقد أن الأخلاق هى الأساس للتصرف وحل المشاكل فلا يمكن أن تكون وسيطاً إذا كان لديك مواقف غير اخلاقية وان كل مهنة تتطلب وجود الاخلاق لنتخيل ان السلطة تفرض أنه فى بعض المواقف من الممكن التصرف بشكل غير أخلاقى وأن هذا ليس رأيا وهنا دائما نحتفظ بخط الرجعة والاستقالة أو وضع موقفك المخالف على الورق. وقال الدكتور بطرس غالي إن اليوم الذى تمارس فيه أمة سلطة مطلقة دون رقيب من المجتمع الدولى واللاعبين الاخرين فإن الامر باختصار هنا يتعلق بسلطة فاسدة مفسدة ويقول أيضاً اذا لم نتمكن من الوصول إلى التعددية القطبية فإننا سنواجه صعوبات خطيرة إن دولة واثنتين لا تستطيعان وحدهما حل كل مشاكل العالم انهما لا يملكان القدرة ولا الارادة السياسية. لقد أصبح الدكتور غالي فى ضوء كل هذه الاطروحات أبو المجتمع المدنى فى العالم وداعمه الاساسى فى مختلف مراحل نشأته وبروزه خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار حائط برلين والانفتاح العالمى وقلما تتوافر فى شخصية فى مثل الدكتور غالى وبهذا التنوع والثراء فى الفكرالسياسى والفلسفة السياسية والفكر القانوني الدولى وأيضاً فى كل المناصب التى تولاها سواء كانت أكايمية أو سياسية أو دولية.