جامعة بنها ضمن أفضل 10 جامعات على مستوى مصر بتصنيف كيواس للتنمية المستدامة    وزير التعليم العالي يبحث سبل تعزيز التعاون مع السفير السعودي بالقاهرة    أسعار النفط تهبط بعد تقرير ارتفاع مخزونات الخام والوقود في أميركا    19 نوفمبر 2025.. أسعار الأسماك بسوق العبور للجملة اليوم    رئيس الجمارك: وزير المالية يسعى لتخفيف الأعباء عن المستثمرين لتيسير حركة التجارة    التضخم في بريطانيا يتراجع لأول مرة منذ 7 أشهر    تداول 97 ألف طن و854 شاحنة بضائع بموانئ البحر الأحمر    منال عوض تترأس الاجتماع ال23 لمجلس إدارة صندوق حماية البيئة    ما هي مبادرة الرواد الرقميون وشروط الالتحاق بها؟    "الأونروا" تؤكد استعدادها لإدخال مساعدات لغزة وتحذر من تفاقم الأزمة الإنسانية    حريق هائل يلتهم أكثر من 170 مبنى جنوب غرب اليابان وإجلاء 180 شخصا    رئيس القابضة لمصر للطيران في زيارة تفقدية لطائرة Boeing 777X    برشلونة يعود رسميا لملعب كامب نو في دوري أبطال أوروبا    ضبط 5.4 طن دجاج وشاورما غير صالحة في حملة تموينية بأجا بالدقهلية    أخبار الطقس في الإمارات.. ارتفاع نسب الرطوبة ورياح مثيرة للأتربة    الحبس 15 يوما لربة منزل على ذمة التحقيق فى قتلها زوجها بالإسكندرية    6 مطالب برلمانية لحماية الآثار المصرية ومنع محاولات سرقتها    معرض «رمسيس وذهب الفراعنة».. فخر المصريين في طوكيو    مهرجان مراكش السينمائى يكشف عن أعضاء لجنة تحكيم الدورة ال 22    وفد من المجلس العربي للاختصاصات الصحية يزور قصر العيني لاعتماد برنامج النساء والتوليد    جيمس يشارك لأول مرة هذا الموسم ويقود ليكرز للفوز أمام جاز    اليوم.. أنظار إفريقيا تتجه إلى الرباط لمتابعة حفل جوائز "كاف 2025"    موعد مباراة الأهلي وشبيبة القبائل بدوري أبطال أفريقيا.. والقنوات الناقلة    تنمية متكاملة للشباب    إطلاق أول برنامج دولي معتمد لتأهيل مسؤولي التسويق العقاري في مصر    وزير الري يؤكد استعداد مصر للتعاون مع فرنسا في تحلية المياه لأغراض الزراعة    ندوات تدريبية لتصحيح المفاهيم وحل المشكلات السلوكية للطلاب بمدارس سيناء    الإسكندرية تترقب باقي نوة المكنسة بدءا من 22 نوفمبر.. والشبورة تغلق الطريق الصحراوي    مصرع 3 شباب فى حادث تصادم بالشرقية    أبناء القبائل: دعم كامل لقواتنا المسلحة    زيلينسكي: الهجوم الروسي أدى لمقتل 9 أشخاص    بولندا تستأنف عملياتها في مطارين شرق البلاد    هنا الزاهد توجه رسالة دعم لصديقها الفنان تامر حسني    «اليعسوب» يعرض لأول مرة في الشرق الأوسط ضمن مهرجان القاهرة السينمائي.. اليوم    رحلة اكتشاف حكماء «ريش»    بعد غد.. انطلاق تصويت المصريين بالخارج في المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    الصحة: «ماربورج» ينتقل عبر خفافيش الفاكهة.. ومصر خالية تماما من الفيروس    صحة البحر الأحمر تنظم قافلة طبية مجانية شاملة بقرية النصر بسفاجا لمدة يومين    المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026 بعد صعود ثلاثي أمريكا الشمالية    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    أسعار الفاكهة اليوم الاربعاء 19-11-2025 في قنا    بعد انسحاب "قنديل" بالثالثة.. انسحاب "مهدي" من السباق الانتخابي في قوص بقنا    الضفة.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 100 فلسطيني شمالي الخليل    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    زيلينسكي يزور تركيا لإحياء مساعي السلام في أوكرانيا    بحضور ماسك ورونالدو، ترامب يقيم عشاء رسميا لولي العهد السعودي (فيديو)    زيورخ السويسري يكشف حقيقة المفاوضات مع محمد السيد    انقلاب جرار صيانة في محطة التوفيقية بالبحيرة.. وتوقف حركة القطارات    ما هي أكثر الأمراض النفسية انتشارًا بين الأطفال في مصر؟.. التفاصيل الكاملة عن الاضطرابات النفسية داخل مستشفيات الصحة النفسية    النائب العام يؤكد قدرة مؤسسات الدولة على تحويل الأصول الراكدة لقيمة اقتصادية فاعلة.. فيديو    أبرزهم أحمد مجدي ومريم الخشت.. نجوم الفن يتألقون في العرض العالمي لفيلم «بنات الباشا»    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    دينا محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة    مشروبات طبيعية تساعد على النوم العميق للأطفال    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    هل يجوز أداء العشاء قبل الفجر لمن ينام مبكرًا؟.. أمين الفتوى يجيب    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هيكل فى حوار خاص مع‮ «‬السياسة الدولية‮»‬:
عبدالناصر كان يحلم بالكتابة فى «الأهرام» بعد الرئاسة
نشر في الأهرام اليومي يوم 30 - 03 - 2015

الحوار مع الأستاذ محمد حسنين هيكل يكتسب مضمونا مختلفا،‮ ‬ومذاقا خاصا حين يكون عن السياسة الدولية ومجلتها،‮ ‬وهيئة تحريرها،‮ ‬فهو ليس مجرد حوار إعلامي‮. ‬إنه كذلك، وأكثر‮. ‬فالرؤية فى هذا الحوار‮ ‬غالبة على الرأي،‮ ‬والنظر إلى المستقبل‮ ‬غالب على تحليل ما هو حاصل فى الواقع الراهن‮.‬
قدم الأستاذ فى هذا الحوار رؤية جديدة لأوضاع العالم الآن، مقارنة بما كانت عليه قبل‮ ‬50‮ ‬عاما،‮ ‬حين رأى ضرورة إصدار مجلة‮ «‬السياسة الدولية‮». ‬وحظيت السياسة الخارجية المصرية، والتحديات التى تواجه عملية إعادة بنائها وتفعيلها،‮ ‬بعد أربعة عقود كاملة تقريبا من التخبط والركود، باهتمام خاص‮.‬
كما شغلت أوضاع المنطقة المفتوحة على مزيد من الاضطراب والصراع مساحة كبير فى هذا الحوار، الذى كان طبيعيا أن يروى فيه الأستاذ قصة إصدار‮ «‬السياسة الدولية‮» ‬فى لحظة لم يعرف فيها العالم العربى كله هذا النوع من المطبوعات الدورية شبه الأكاديمية‮. ‬وكان ضروريا أن نسأله فى هذا السياق عن مشروعه المعرفى والتنويرى الذى شرع فيه منذ أن تولى رئاسة تحرير جريدة‮ «‬الأهرام‮»‬،‮ ‬وظروف انتقاله إليها ليجعلها أكبر مؤسسة صحفية فى العالم العربي‮.‬
‮ ‬كانت‮ «‬السياسة الدولية‮» ‬هى المطبوعة الأولى من نوعها فى العالم العربى كله، كما كانت تلك هى المرة الأولى التى تصدر فيها مؤسسة صحفية عربية مجلة أكاديمية دورية‮ .. ‬فكيف فكرت فى إصدارها؟
هيكل‮: ‬لم يكن فى العالم العربى عام‮ ‬1965‮ ‬مجلة دورية،‮ ‬ومراكز تفكير مهتمة بالعلاقات والقضايا الدولية‮. ‬وكانت فكرة تأسيس مجلة‮ «‬السياسة الدولية‮»‬،‮ ‬وكذلك مركز الدراسات، جديدة فى ذلك الوقت‮.‬
وكان نموذج‮ «‬فورين أفيرز‮» ‬ماثلا أمامي،‮ ‬ورأيت وقتها أن هناك ضرورة لاستشراف ما هو أبعد عن المرئى على الساحة الدولية‮. ‬ولذلك،‮ ‬وبعد أن ذهبت إلي‮ «‬الأهرام‮» ‬مع السيد بشارة تقلا «الحفيد» ، وكان لديه مشروع بإصدار مجلة الأهرام الاقتصادي،‮ ‬بإشراف الدكتور بطرس‮ ‬غالي، وكانت فكرة مجلة ل‮ «‬السياسة الدولية‮» ‬فى الوقت نفسه تلح علي، واقترحت على بشارة تقلا أن يتولى د‮. ‬بطرس‮ ‬غالى رئاسة تحريرها‮. ‬وكنت أثق به وأقدره،‮ ‬رغم اختلافنا فى أمور كثيرة‮.‬
وكنت حريصا على أن يقوم الأهرام بدور معرفى وتنويري، وأن تكون له مطبوعاته ومنابره التى تسهم إلى جانب الصحيفة اليومية فى هذا المجال، وأن تكون هذه المطبوعات متنوعة‮. ‬ولذلك،‮ ‬أصدرنا مجلة‮ «‬الطليعة‮» ‬أيضا فى ذلك الوقت‮. ‬وجاء إنشاء مركز الدراسات فى هذا الإطار، حيث بدأ بوحدة للدراسات الفلسطينية والصهيونية‮. ‬وبعدها،‮ ‬أنشأنا وحدة التاريخ المصرى المعاصر من قسمين، الأول بدأ يؤرخ الفترة من عام‮ ‬1919‮ ‬بافتراض أنه كان بداية مرحلة جديدة، وكلفت حسن يوسف باشا بإدارة هذا القسم، لأنه كان ملما بالعصر الملكي‮. ‬أما القسم الأخير من وحدة التاريخ المصرى بالمركز،‮ ‬فبدأ بعام‮ ‬1945،‮ ‬وتولى مسئوليته الدكتور محمد أنيس‮. ‬وتتالت بعد ذلك الوحدات،‮ ‬فتم افتتاح وحدة خاصة للشئون العسكرية حتى تطور المركز،‮ ‬وأخذ شكله الحالي‮.‬
كيف رأيت الأعداد الأولى من‮ «‬السياسة الدولية‮» ‬من حيث المحتوي، خاصة أنك متابع جيد لمجلة‮ «‬فورين أفيرز»؟
هيكل‮: ‬كانت هناك مرحلتان، الأولى كانت بمنزلة مرحلة‮ «‬تجريب‮». ‬فالفكرة كانت حديثة وقتها، والكتاب والباحثون الأكاديميون كانوا يكتبون دراسات طويلة، بينما المجلة كانت فى حاجة إلى موضوعات متوسطة الحجم،‮ ‬وتصلح لدورية تباع للقارئ‮.‬
أما المرحلة الأخيرة التى يمكن أن نسميها مرحلة‮ «‬الانتشار‮»‬،‮ ‬فقد بدأت ضعيفة فى ظل الاهتمامات العامة فى البلد فى هذا الوقت‮. ‬فتجربتى في‮ « ‬الأهرام‮ « ‬علمتنى أن هناك ثلاثة أهداف رئيسية فى المهنة‮ (‬الصحافة‮) ‬وهي‮: ‬الإخبار، والتعليم، والترفيه، والجزء الأصعب جدا من هذه الأهداف هو التعليم الذى كانت تقوم به‮ «‬السياسة الدولية‮» ‬أكثر من أى مطبوعة أخري‮.‬
وأتذكر أننا منذ عام‮ ‬71،‮ ‬كنا نفكر فى التحضير للاحتفال بالعيد المئوى للأهرام فى عام‮ ‬1975،‮ ‬ونفكر أيضا فيما بعد الحرب، فأسسنا لجنة يرأسها الدكتور محمود فوزي‮ (‬نائب رئيس الجمهورية،‮ ‬وزير الخارجية الأشهر‮)‬، ومن أعضائها بطرس‮ ‬غالي، وتوفيق الحكيم، وأحمد بهاء الدين، وعبدالملك عودة، وسماها فوزي‮ «‬مهمة التعمير الحضاري‮». ‬وبدأنا نفكر فى كتابة تاريخ مصر الذى لم يكتب بعد،‮ ‬على الرغم من أن العديد من ظواهره يجرى بحثه فى الخارج‮. ‬وكان من أحلامى آنذاك أن نقوم بإرسال بعثات من دارسى الدكتوراه إلى الأماكن التى لنا بها صلة فى التاريخ الحضارى لعصر النهضة‮.‬ وبالفعل،‮ ‬رتبنا لإرسال بعثات إلى جنوة، وفينيسيا، وفلورنسا‮. ‬ففى هذا المناخ الذى كنا نفكر فيه بإعداد دراسات جادة عن التعمير والتنوير، صدرت مجلة‮ «‬السياسة الدولية‮».‬
هل ترى أن‮ «‬السياسة الدولية‮» ‬كانت تخدم‮ «‬أجندة‮» ‬النظام السياسي، أم أنها كانت تتجاوز ذلك لتعكس‮ «‬أجندة‮» ‬المجتمع ككل؟
هيكل‮: ‬لا، لم تكن‮ «‬السياسة الدولية‮» ‬ولا مؤسسة‮ «‬الأهرام‮» ‬عامة تتبع‮ «‬أجندة‮» ‬النظام السياسى بخلاف ما كان شائعا فى هذا الوقت،‮ ‬ولكن ربما ظهرت هذه الفكرة بالضرورة فى فترة ما بعد حرب سنة‮ ‬1967‮ ‬فى مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، حيث كانت هناك وحدة صغيرة جدا تقوم بعمل تقرير يومى عن الأولويات فى ظروف الحرب، وإرسال نسخة منه كل يوم إلى الرئيس جمال عبد الناصر، يحملها إليه الأستاذ حاتم صادق، وهو زوج هدى عبدالناصر، وكان هو بدوره يناقشنى فيه‮. ‬لكن عندما تولى السادات رئاسة الدولة،‮ ‬توقفت هذه التقارير، لأنه لم يكن يحب القراءة، وكان يرى أن عبدالناصر مات تحت ثقل الورق الذى كان يطلع عليه‮.‬
وأتذكر أننى كنت فى القناطر ذات مرة مع الرئيس السادات على ظهر الذهبية‮ «‬ستار‮» ‬الراسية إلى جوار استراحة الرئيس، وجاء سكرتيره فوزى عبد الحافظ يحمل بعض الملفات‮.‬ وعندما رآه السادات،‮ ‬قال له‮: «‬ارجع، دول عاوزين يموتونى تحت الورق اللى مات تحته جمال‮»‬، فأوقفنا هذه التقارير‮.‬
بمناسبة الإشارة للرئيس جمال عبدالناصر، هل هو من طالبكم بإنشاء مجلة‮ « ‬السياسة الدولية»؟
هيكل‮: ‬هذا لم يحدث حقيقة،‮ ‬ولكن عبد الناصر كان مهتما ب‮ «‬الأهرام‮»‬، وكان حلمه بعد أن يترك رئاسة الجمهورية‮ -‬كان يتصور ذلك‮- ‬أن يعمل كرئيس تحرير‮ «‬الأهرام‮». ‬وهناك ثلاث صور موجودة فى مكتبي، الأولى وأنا أجلس على مكتبى في‮ «‬الأهرام‮»‬، وصورة أخرى لعبدالناصر وهو يجلس مكانى على الكرسي، والثالثة والأخيرة للسادات على كرسى رئيس تحرير‮ «‬الأهرام‮». ‬وكان عبدالناصر يهوى الكتابة،‮ ‬ومهتما بالصحافة‮. ‬وأود أن أشير إلى أنه لم يفتتح مبني‮ «‬الأهرام‮» ‬الذى أقمناه عام‮ ‬1968،‮ ‬وإنما زاره مدعوا من هيئة تحريره،‮ ‬بعد أن سمع عنه من زوار له، حدثوه عما رأوا، وهكذا كان هو الذى تفضل وطلب زيارة‮ «‬الأهرام‮»‬، وسعدنا بزيارته‮. ‬ولعلى أضيف هنا أن مشروع‮ «‬الأهرام‮» ‬الجديد لم يأخذ مليما من الدولة، وقد حقق ما حقق بموارده‮.‬ وحتى العملة الصعبة التى احتاج إليها فى ذلك الوقت،‮ ‬وفرتها مبيعات مطبوعاته فى العالم العربى والعالم الخارجي‮.‬ وكانت‮ «‬الأهرام‮» ‬من كبار دافعى الضرائب،‮ ‬لأنها كانت تحقق أرباحا ضخمة فى تلك الفترة‮.‬
معظم الشباب، بل أغلب المصريين لا يتذكرون ظروف انتقالك إلي‮ «‬الأهرام‮»‬، والذى كان بداية تحوله من صحيفة إلى مؤسسة كبرى حملت مشروعا معرفيا تنويريا؟
هيكل‮: ‬بدأت مشوارى المهنى فى جريدة ال‮ «‬إيجيبشيان جازيت‮»‬، ثم شاركت مع مراسل الجريدة مساعدا له فى تغطية معركة العلمين، ومعركة تحرير فرنسا، وعملت لفترة فى مجلة‮ «‬آخر ساعة‮»‬،‮ ‬ثم انتقلت بعدها ل‮ «‬أخبار اليوم‮»‬، وكنت سعيدا بتجربتى فيها، وفيها قمت بتغطية أحداث الحرب الأهلية فى إيران وكوريا، حيث كان على أمين مديرا متميزا‮.‬
وعندما ذهبت‮ ‬إلي‮ «‬الأهرام‮»‬،‮ ‬مكثت فى مكتبى شهرا لدراسة الوضع، وكانت المفاجأة أنه لا أحد من أصحابها يقرأ العربية، فقد كتبت تقريرى الأول باللغة الإنجليزية‮. ‬ووقتها،‮ ‬كانت‮ «‬الأهرام‮» ‬توزع‮ ‬68‮ ‬ألف نسخة، وتخسر منذ عشر سنوات سابقة على رئاستى لتحريرها‮. ‬وقالت لى مدام تقلا‮ -‬حين قابلتها فى أول مرة‮- ‬إن الأسرة ضاقت ذرعا بخسائر الأهرام، وإنها فكرت جديا فى الهجرة إلى لبنان، وهى ستسافر،‮ ‬لأنها ورثت حصة عائلتها فى بنك تجارى فى بيروت، ولديها ثلاثة طلبات‮: ‬الأول أنها لا تريد أن تخسر أموالها، فوافقت‮. ‬والثانى أن تقوم‮ «‬الأهرام‮» ‬بدفع قيمة زياراتها للأوبرا، فقلت لها لا أستطيع،‮ ‬لأن هذا فيه خلط للخاص بالعام‮. ‬والطلب الأخير أن زوجها كانت له شقة فى باريس باسم‮ «‬الأهرام‮» ‬كمراسل،‮ ‬وهى تريد تسجيل هذه الشقة باسمها،‮ ‬فوافقت، وانتهى الأمر‮.‬
‮ ‬نريد أن نلقى نظرة مقارنة على وضع العالم عند صدور مجلة‮ «‬السياسة الدولية‮» ‬عام‮ ‬1965،‮ ‬مقارنة بالوضع الحالي، وكيف ترى التغير بين هاتين الفترتين،‮ ‬بعد مرور نصف قرن؟، ونود أن نذكرك ببعض العناوين التى تصدرت أغلفة المجلة فى عدديها الأول والثاني، والتى تعبر عن الاتجاهات السائدة فى المجتمع الدولى آنذاك‮: ‬فقد تناولت المجلة فى عددها الأول مثلا أزمة فيتنام والسلام العالمي، ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية وعلاقته بعدم الانحياز، والقنبلة الذرية الصينية وآثارها الدولية، ورياح الثورة فى البحر الكاريبي‮. ‬وفى عددها الثاني، تناولت السياسة السوفيتية والدول الأفرو-آسيوية، والحزب الشيوعى فى الصين الشعبية، والجامعة العربية،‮ ‬والطيران المدني، والصحراء، والاشتراكية الإفريقية‮.‬
هيكل‮: ‬لابد أن نعرف أن الصحافة جزء من العالم السياسي، أو،‮ ‬بمعنى آخر،‮ ‬هى مرآة‮ ‬للاهتمامات السياسية لبلد ما فى فترة زمنية من تاريخها، لذا كانت مجلة‮ « ‬السياسة الدولية‮ « ‬سابقة فى مجال اهتمامها فى هذا الوقت، ومتماشية فى هذا مع السياسة المصرية‮. ‬لكن ما حدث الآن ل‮ «‬السياسة الدولية‮» ‬و»الأهرام‮» ‬هو أنه بمقدار ما انكمشت السياسة،‮ ‬انكمشت الصحافة‮. ‬فى أحيان كثيرة،‮ ‬يتصور الناس أن المؤسسات مستقلة عن السياسة، لكن الحقيقة أننا فى هذه المهنة‮ (‬الصحافة‮) ‬أقرب مما يمكن تصوره إلى سياسة البلد،‮ ‬والحكم،‮ ‬والاتجاهات السائدة فيه‮. ‬فنحن أثرنا بشكل أو بآخر‮.‬ ولكن ما إن تنكمش السياسة،‮ ‬ينكمش كل شئ آخر‮.‬
وكانت‮ «‬السياسة الدولية‮» ‬فى بدايتها مهتمة بالعالم الإفريقى والآسيوي، ومواكبة لعصرها،‮ ‬وفاعلة فيه، لأن مصر كانت فاعلة وقتها فى قلب حركات التحرر، والعالم الثالث، ومنظمة الأمم المتحدة‮. ‬ولا أبالغ‮ ‬حين أقول إن مجموعة الدول الآسيوية والإفريقية سيطرت فى ذلك الوقت على منظومة الأمم المتحدة حتى انصرفت الدول الكبرى عنها لتدبير أمورها فى مكان آخر‮. ‬ومجلة‮ « ‬السياسة الدولية‮ « ‬هنا كانت تعبيرا ومرآة عكست ذلك التحرك‮.‬
كيف تري،‮ ‬إذن،‮ ‬العلاقة بين تطور الوضع السياسى فى مصر وما حدث فى الصحافة عموما،‮ ‬و»الأهرام‮» ‬بصفة خاصة؟
هيكل‮: ‬لم تشهد‮ «‬الأهرام‮» ‬منذ تأسيسها وحتى تركتها‮ (‬نحو مئة عام‮) ‬سوى أربعة رؤساء تحرير،‮ ‬وتوالى عليها بعد ذلك أكثر من عشرة رؤساء تحرير في‮ ‬40‮ ‬عاما‮. ‬وبالتالي،‮ ‬فالمؤسسة تعرضت لظروف صعبة‮. ‬وقد كنت أقول دائما إن‮ «‬أخبار اليوم‮»‬،‮ ‬بعد‮ «‬آل أمين‮»‬،‮ ‬تعاقبت عليها الدول مثل أوروبا الشرقية‮.‬ وفى مرحلة من المراحل،‮ ‬أصبحت‮ «‬الأهرام‮» ‬مثلها، مما أدى إلى تراكم مشاكلها‮. ‬فعندما تركت‮ «‬الأهرام‮» ‬عام‮ ‬1979،‮ ‬كانت بها احتياطيات بالملايين من النقد الأجنبى والمصري‮.‬ وبسبب اكتساحنا السوق فى بيروت،‮ ‬طلبت نقابة الصحفيين هناك عدم توزيع‮ «‬الأهرام‮» ‬فيها قبل الساعة الخامسة صباحا،‮ ‬لكن المشاكل تراكمت بعد ذلك‮.‬
فى الوقت الذى صدرت فيه‮ «‬السياسة الدولية‮»‬، كان هناك هيكل للنظام العالمي، ومصر كان لديها اتجاه واضح فى التعامل مع القوى الدولية الرئيسية، والآن هناك هيكل آخر ينطوى على تغير فى القوى الموجودة على قمة النظام العالمي، ومصر خارج هذا كله منذ ثلاثين عاما، واليوم تحاول أن تجد مكانا لها‮ .. ‬كيف ترى حركة مصر الخارجية لإيجاد موقع جديد لها؟
هيكل‮: ‬أرى أن ما نحن فيه الآن ما هو إلا محاولة من النظام الجديد لتقديم نفسه للعالم الخارجي‮.‬ وحتى نكون واضحين، لا يستطيع طرف أن يجازف ويخرج للعالم الخارجي،‮ ‬ويكون طرفا فيه،‮ ‬إن لم تكن قاعدته الوطنية الداخلية مستقرة‮.‬

[نص الحوار الكامل فى العدد الجديد من مجلة السياسة الدولية]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.