مجلس النواب يوافق على استقالة عبد الهادي القصبي ويعلن خلو مقعده    حلقات ذكر ومديح وانشاد في الليلة الختامية لمولد "السيد البدوي" بمدينة طنطا    النواب يوافق على تأجيل تطبيق قانون الإجراءات الجنائية الجديد لمدة عام    جامعة بني سويف في المركز السابع محليًا وال99 عربيًا بتصنيف «QS» العالمي    العنف ضد المرأة وآثاره النفسية والاجتماعية في ندوة بكلية التمريض جامعة بنها    استقرار وانخفاض طفيف في أسعار الحديد بأسواق المنيا اليوم الخميس 16 أكتوبر 2025    أسعار الذهب الآن في مصر ب الجنيه المصري    وزير الخارجية يلتقي رئيس مجموعة شركات Sun الهندية    «النواب» يحيل 9 اتفاقيات دولية و5 مشروعات قوانين من الحكومة إلى اللجان المختصة    نائب محافظ القاهرة يتابع إجراءات التصالح على مخالفات البناء بحي الأميرية ويوجه بسرعة البت فيها    إسرائيل: موعد فتح معبر رفح أمام حركة الأشخاص سيتم الإعلان عنه في وقت لاحق    رئيس مجلس النواب: قمة شرم الشيخ أكدت ريادة مصر كجسر للسلام    ب«زاد العزة» ال51.. الهلال الأحمر يدفع ب10 آلاف طن مساعدات إغاثية عاجلة إلى غزة (تفاصيل)    "إكسترا نيوز" تكشف تفاصيل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة    حصاد زيارة الشرع لروسيا.. ومصير الأسد في يد بوتين    بعثة الأهلي تغادر مطار القاهرة إلى بوروندي استعدادًا لمواجهة إيجل نوار في دوري أبطال إفريقيا    «رجال يد الأهلي» يتحفز لتخطي «البوليس الرواندي» في بطولة أفريقيا    صفقة تبادلية بين الزمالك وبيراميدز؟ شوبير يكشف الحقيقة    اعرف حالة الطقس اليوم الخميس 16-10-2025 في بني سويف    ضبط 4 تجار مخدرات بحوزتهم هيروين وحشيش في حملة أمنية موسعة بشبرا    ضبط شخصين بتهمة استخدام أحد التطبيقات الهاتفية للترويج لممارسة أعمال الفجور بالجيزة    صدر الآن| قرار جمهوري من الرئيس السيسي والجريدة الرسمية تنشره    ب8 ملايين جنيه.. «الداخلية» توجه ضربات أمنية ل«مافيا الاتجار بالدولار» في المحافظات    ضبط 11 طن دقيق «مدعم وحر» في حملات تموينية على الأسواق    بعد توقف 7 سنوات.. انطلاق الدورة الرابعة من معرض الأقصر للكتاب    الفيلم العراقي كعكة الرئيس يفوز بجائزة مهرجان هامبتونز الأمريكي    مجلس الوزراء يكشف اللمسات الأخيرة قبل افتتاح المتحف المصري الكبير    الصور الأولى من تحضيرات غادة عبد الرازق لمسلسل "عاليا" مع محمد رياض وصبري فواز    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 16اكتوبر 2025 فى محافظة المنيا    شوقي علام: سأنضم للجنة الشئون الدينية بالشيوخ لمواصلة الجهد الوطني في مجال الدعوة    الصحة تنصح بتلقي لقاح الإنفلونزا سنويًا    وزير الصحة يبحث مع نظيره السعودي تعزيز التعاون الصحي المشترك وتوطين الصناعات الدوائية    الهرم الغذائي السليم.. استشاري تغذية يوضح مفهوم الغذاء المستدام    فنزويلا تدين العمليات السرية الأمريكية: انتهاك للقانون الدولي    شبكة بريطانية تحذر منتخبات كأس العالم 2026 من ثنائية محمد صلاح ومرموش    سياسي ألماني: نزع سلاح حماس شرط أساسي لتحقيق السلام في غزة    محافظ الجيزة يتابع استعدادات انطلاق المهرجان الدولي الثامن للتمور المصرية بالواحات البحرية    رئيس الوزراء يصدر قرارًا بإسقاط الجنسية المصرية عن 4 أشخاص    وزير المالية يزف أخبارًا سعيدة للمستثمرين لتخفيف الأعباء | فيديو    السيطرة على حريق نشب فى بدروم بقنا    سعد شلبي: لا ديون على الأهلي ونسعى لفرع جديد.. ونستهدف عقود الرعاة بالدولار    الصحة: فحص 19.5 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    أغذية الشتاء الذهبية.. 10 أطعمة تمنحك الطاقة والمناعة والدفء    «الري»: مشروع مشترك بين مصر والأردن وتونس والمغرب لتحلية المياه لإنتاج الغذاء    كوريا الجنوبية.. عودة خدمة "يوتيوب" للعمل بشكل طبيعي بعد انقطاع مؤقت    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 16كتوبر 2025    تجهيزات مسرح النافورة لفعاليات مهرجان «الموسيقى العربية» ال33    محسن صالح: شخصية الخطيب ستتغير في الولاية المقبلة للأهلي    في العمرة.. سهر الصايغ تشارك جمهورها أحدث ظهور لها أمام الكعبة    دوري المحترفين.. «وي» يواجه الترسانة في الجولة التاسعة    ننشر أسماء مرشحي انتخابات النواب 2025 بالفيوم بعد غلق باب الترشح    مشكلة الميراث    بعض المهام المتأخرة تراكمت عليك.. حظ برج الدلو اليوم 16 أكتوبر    أسعار التذاكر بعد حفل افتتاح المتحف المصري الكبير    أوسكار يجتمع مع حكام تقنية الفيديو بعد عودته من تشيلي    أحمد الجندي: هدفي ذهبية أولمبياد لوس أنجلوس.. وظروف طارئة منعتني من التواجد بقائمة أسامة أبوزيد في نادي الشمس    .. ورضي الله عن أعمال الصالحين الطيبين لاغير    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 15-10-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جمعتهما الحياة ولم يفرق بينهما الموت
نشر في الأهرام اليومي يوم 25 - 02 - 2016

شاء القدر أن يرحل عن دنيانا قامة سياسية دبلوماسية رفيعة هو الدكتور «بطرس بطرس غالى»، وأن يرحل فى اليوم التالى له مباشرة قامة صحفية وفكرية عالية هو الأستاذ «محمد حسنين هيكل».
ومن المثير أنهما جمعت بينهما الحياة حين عمل الأستاذ الأكاديمى بالصحافة فى فترة من حياته حين كلفه الأستاذ «هيكل» بتأسيس مجلة «الأهرام الاقتصادى» ومجلة «السياسة الدولية»، وفى نفس الوقت يتحول الصحفى المرموق إلى مؤرخ ومفكر استراتيجى عظيم القدر فى النصف الثانى من حياته المديدة حين أخرج كتبه الشهيرة التى أرخ فيها للمعارك السياسية العربية الكبرى وللأحداث السياسية المصرية البارزة.
وتبدو حياة كل منهما -والتى كانت سيرة استثنائية بكل المقاييس- وكأن الدكتور «بطرس» كانت لديه نزعة صحفية كامنة فى حين أن الأستاذ «هيكل» الصحفى المرموق -والذى كان يحب أن يسمى «الجورنالجى» اعتزازاً بمهنته التى مارسها باقتدار طوال حياته- بدا كما لو كانت لديه نزعة أكاديمية مستترة كشفت عن نفسها بوضوح بارز حين أخرج كتبه الأساسية -وخصوصا بعد أن ترك رئاسة تحرير الأهرام- وبذلك حول نفسه إلى مؤرخ لأهم الأحداث العالمية والعربية والسياسية وفقا للتقاليد الأكاديمية السائدة فى علم التاريخ.
ومما لا شك فيه أن النزعة الأكاديمية التى كانت كامنة لدى الأستاذ «هيكل» هى التى دفعت به إلى تأسيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيحية لكى يقدم بحوثا علمية موضوعية عن التحولات العالمية والسياسات العربية والمواقف المصرية. بعبارة أخرى أراد الأستاذ أن يؤسس لخطاب استراتيجى علمى لأول مرة فى تاريخ الفكر العربى- كجزء أساسى من رسالة جريدة الأهرام- والتى حولها بعد أن تولى رئاسة تحريرها إلى مصدر للتحليلات السياسية الرصينة من ناحية، ومنبراً للتنوير الثقافى من ناحية أخرى.
ومن بين الأسباب التى دعت الأستاذ إلى تأسيس مركز الدراسات بالأهرام أنه أراد أن يستبدل الخطابات الإنشائية التى كانت سائدة قبل هزيمة يونيو 1967 فيما يتعلق بإسرائيل إلى خطابات علمية تقوم على التوثيق الدقيق والتحليل العلمى العميق.
ومما يؤكد هذا الاتجاه أحداث بارزة شاركت فيها وأدركت مدى عمق نزعته الأكاديمية فى مجال معالجة الأحداث الدولية والعربية. فقد قدمت لمركز الدراسات السياسية بالأهرام عام 1968 بعد أن أنشأت فيه «وحدة لدراسة المجتمع الإسرائيلى» مقالا للنشر عن «التركيب الطبقى فى المجتمع الإسرائيلى». وكانت المقالة أكاديمية زاخرة بالمصطلحات العلمية وأسلوبها بالغ الصعوبة ويفتقر إلى الكتابة الصحفية السلسة التى يمكن أن تصل إلى جماهير القراء.
كنت وقتها خبيرا منتدبا من المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية أفتقر إلى مهارات الكتابة الصحفية التى تتسم بالوضوح والقادرة على الوصول إلى عامة الناس. وقد أدركت إدارة المركز فى هذا الوقت أنه يصعب نشر المقالة بأسلوبها المعقد، ولذلك أعطى نصها لأحد الكتاب الصحفيين البارزين فى الأهرام لإعادة صياغتها. وفعل ذلك وأخرج منها مقالة رائعة احتفظت بالتحليل العلمى لمقالتى ولكن صيغت بأسلوب شيق بالفعل.
وقد سعدت بهذه الصياغة الجديدة واقترحت أن ينشر المقال بدون توقيع لأن الغرض كان هو التعريف بالتركيب الطبقى للمجتمع الإسرائيلى. وحين عرض الموضوع على الأستاذ «هيكل» رفض اقتراح المركز وأشار بنشر المقال الأصلى مع ذكر الصفة العلمية لكاتبها وكأنه أراد أن يؤسس لخطاب صحفى جديد فى تناول المجتمع الإسرائيلى يعتمد على التحليلات العلمية حتى لو كان فى ذلك صعوبة أسلوبية.
وفى غمار تعمقى فى المجتمع الإسرائيلى أعددت دراسة موجزة بعنوان «قراءة سياسية لخريطة الشخصية الإسرائيلية» وقدمتها للمركز إلا أنه قيل لى بعد جمع المقالة انها لن ننشر لضيق المساحة.
وقد اهتم الأستاذ فعلا بالموضوع وبعد أن قرأ المقال وجه بنشرها على حلقتين فى يومين متتالين مع أنه لم يكن يرحب بنشر مقالات مسلسلة لكتاب الأهرام.
وتأكيدا للنزعة الأكاديمية التى كان يمتلكها كان يحضر كل الندوات العلمية التى ينظمها مركز الدراسات بالأهرام والتى كان يشارك فيها خبراء أجانب أو عرب يقدمون تحليلات منهجية جديدة للصراع العربى الإسرائيلى وبوجه خاص بتطبيق منهج «تحليل النظم» وهو منهج كان جديدا فى تحليل العلاقات الدولية.
ولعل هذه النزعة الأكاديمية العميقة لدى الأستاذ هى التى أتاحت له فى مؤلفاته المهمة المتعددة أن يمارس تحليل الثورات والأحداث الدولية الكبرى بمنهج علمى عميق، وبقدرة فائقة على استشراف المستقبل.
أما الدكتور «بطرس غالى» الأستاذ الأكاديمى الرفيع المقام والذى كان متخصصا فى القانون الدولى والعلوم السياسية فقد مارس الصحافة العلمية باقتدار وبحس صحفى نادر. وقد تعاملت معه حين كان رئيسا لتحرير مجلة «السياسة الدولية» وكنت مسئولاً عنها بعد تعيينه وزيرا للدولة، ولم يفقد اهتمامه أبدا بتتبع كل عدد كنا نصدره من المجلة ويبدى ملاحظاته النقدية الشكلية والموضوعية.
وتشاء الظروف أن يلعب الدكتور «بطرس غالى» دورا دبلوماسيا بالغ الأهمية حين كان وزيرا للدولة للشئون الخارجية. فقد أسس لعلاقات مصرية إفريقية على أعمق مستوى إدراكا منه للأهمية الاستراتيجية الكبرى لعلاقة مصر بافريقيا، كما أنه لعب دورا حاسما فى مفاوضات كامب داڤيد واستطاع الدفاع باقتدار عن المصالح الحيوية لجمهورية مصر العربية.
ويلفت النظر حقا أن كلا الرجلين الأستاذ هيكل والدكتور «بطرس» كان يشتركان فى سمات شخصية متشابهة. كانا يؤمنان أولا بالمنهج العلمى فى معالجة الأمور سواء فى مجال الصحافة أو فى ميدان السياسة، كما كانا يؤمنان بالقدرة الفائقة لحيوية الشباب، ولذلك استطاعا فتح أبواب واسعة وعريضة أمام شباب الصحفيين من ناحية، وأمام شباب الدبلوماسيين من ناحية أخرى. ولذلك تخرج فى مدرسة «هيكل» الصحفية نجوم صحفية بارزة أتاح لهم الأستاذ العمل الصحفى تحت إشرافه فى الأهرام. أما الدكتور «بطرس بطرس غالى» فقد أسس مدرسة دبلوماسية متكاملة تخرج فيها عشرات الدبلوماسيين الشباب الذين أصبحوا من بعد من أشهر السفراء الذين مثلوا مصر تمثيلا مشرفا حقا فى جميع المنظمات الدولية.
الأستاذ «هيكل» من ناحية والدكتور «بطرس» من ناحية أخرى كانا يؤمنان بأهمية العمل المنظم طوال الحياة. ولذلك لم يتوقف «هيكل» عن الإنتاج بعد تركه رئاسة تحرير الأهرام وتحول إلى مؤرخ عالمى مقتدر أصبحت كتبه مراجع أساسية، أما الدكتور «بطرس غالى» فقد تجاوز حدود وطنه بعد أن أصبح أمينا عاما للأمم المتحدة، واستطاع -نتيجة عمق وتنوع خبراته- أن يلعب دورا تاريخيا فى تحقيق السلام فى العالم ونشر الديمقراطية والدفاع عن قضايا العالم الثالث والاهتمام بحقوق الإنسان بعد أن أصبح رئيسا للمجلس القومى لحقوق الإنسان.
«هيكل» الصحفى المرموق «وبطرس غالى» الدبلوماسى الشهير قامتان مصريتان سامقتان جمعت بينهما الحياة ولم يفرق بينهما الموت!
لمزيد من مقالات السيد يسين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.