لقد أفرز التقدم العلمي خلال المائة سنة الأخيرة معطيات أكثر مما توافر خلال آلاف السنين, مما جعل التعليم والتثقيف من حقوق الإنسان الأساسية كالحرية والماء والغذاء والمسكن. ولاجدال في أن التعليم العالي سواء في الجامعات أو المعاهد هو المدخل الحقيقي للتقدم المذهل في العلوم الإنسانية والتقنية اللازم للإنجازات الحضارية,مما يوجب أن ننظر لمستوي خريجي التعليم العالي في العصر الحاضر بقلق شديد ودراسة مخلصة بشفافية لمستقبل الوطن والمواطنين, وفي تقديري أن ذلك يستدعي مراجعة أمور كثيرة في حياتنا: أولا: التعليم العالي يعتمد علي المدخل من التعليم الأساسي والمتوسط, مما يستدعي تطويرهما للاعتماد علي الفهم والبحث والدراسة لا علي التلقين والتقليد. ثانيا: أهمية تدعيم التعليم الفني الصناعي والتجاري والزراعي... الخ بشقيه المتوسط والعالي مع ربطه بالمراكز الفنية العالمية وتغير النظرة المجتمعية لخريجيه مع الوضع الحالي في زيادة الطلب عليه في مصر والبلاد المحيطة وارتفاع دخولهم حيث أصبح لزاما علينا أن نواكب التكنولوجيا الحديثة وامكانياتها التي تحتاج تشغيلا وصيانة وابتكاار من عمال وخبراء أكفاء من فتح الباب للمتميزين منهم لعمل الدراسات العليا بالجامعات. ثالثا: وضع استراتيجية واضحة للتعليم الجامعي ليس كمرحلة حتمية بعد الثانوية وإنما لاعداد مدروسة تتماشي مع قدرة الجامعات الحقيقية ومستوي الطلاب مع توفير تكافؤ الفرص أخذا بمجموع الثانوية العامة والسماح بامتحان القدرات في القليل من الكليات وبلا اختبار شخصي وبلا النظر للجنس أو الدين أو النسب أو القدرة المالي, مع منح الميزات اللازمة للمتفوقين وتبني النابغين. إن التعليم الجامعي بتكلف الكثير نحو20 ألف دولار للطالب في الولاياتالمتحدة وعشرة آلاف دولار في إسرائيل, وفي مصر نحو ألف دولار في المتوسط ناهيك عن التكلفة الحقيقية في الكليات العملية كالطب والهندسة والعلوم ولعل قلة الميزانية مع الاعداد المهولة في جامعاتنا من الأسباب المهمة لتدني التعليم الجامعي. رابعا: طريقة التدريس والتقييم بالجامعات, يختلف التعليم الجامعي عن المدرسي بأنه يجب ألا يعتمد علي كتب محددة ودراسات مقررة وإنما علي منهاج واضح موثق متوافق مع المستويات العالمية ويقوم الطلبهةباعداد الدراسات من المراجع الموصي بها, عملا بالمثل الصيني لاتعطني سمكة وأنما سنارة لصيدها وقد طبق هذا النظام ببعض الأقسام بطب القاهرة وأفرز نجاحا باهرا. أما الكتاب الجامعي فإنني أراه تكريسا للتلقين في المدارس الثانوية وليس مجهود الجامعات لطبعه وتنظيمه إلا جهدا محدودا لتقليل اضراره, وتحضرني الامتحانات التي تشمل صفحات من كتاب استاذ المادة والاسئلة عليها أو الاستاذ الذي يلغي أجزاء من مقرر ضروري يمثل مخالفة صارخة للتعليم الجامعي. خامسا: الجامعات الجديدة( وهي جامعات حكومية أو أهلية أو أجنبية( فإنشاء الجامعات الحكومية يجب أن يراعي البعد الجغرافي والاحتياجات المجتمعية والامكانيات المتاحة, فلا تترك لطموح المحافظين لاحتضان جامعة وتأسيسها في مبني مدرسة ثانوية بلا امكانيات مالية أو بشرية مع وضع سمات واضحة للدراسة في الجامعات الإقليمية لتلبية احتياجات المجتمع المحلي وتفريخ خريجين حسب العرض والطلب. الجامعات الأهلية نوعان جامعات لاتهدف إلي الربح تمولها جهات طوعية أو رجال أعمال وليس هناك مايمنع من تسهيلات حكومية, ويجب أن تكون مصاريفها معقولة وتصرف جميع الأرباح لتنمية الجامعة وأبحاثها وتلزم بمستوي مرموق للطلبة والاساتذة. وإاما جامعات أجنبية باهظة التكاليف تتبع النظام الاجنبي وقدتؤدي علي المدي البعيد إلي تطوير الجامعات الأخري أو جامعات أهلية تهدف الي الربح فلا تلتزم بمستوي المقبولين وتضطر للاستعانة بالجامعات الحكومية للتدريس العملي لعدم توافر امكانية لديها, وهذه تنتج خريجين مختلفي الكفاءة, واخيرا وليس آخرا مراكز تميز بديء في إنشائها ولكن حولها مخاوف كثيرة في اختيار الطلبة والأساتذة وهذه يجب ألا تعمل لمنح البكالوريوس وأنما تنشئ تخصصات دقيقة لاتتوافر في الجامعات الأخري للحاق بركب المدنية. مصر لاينقصها الاساتذة المرموقون بل والعالميون الذين يمكن أن يقودوا عملية التطوير بالجامعات مع احتمال الاستعانة بالخبرة الاجنبية في الفروع المستحدثة عن طريق ارسال شباب الباحثين للخارج, وتطبيق تفرغ القادة ورؤساء الأقسام بالجامعات وظيفة التعليم الجامعي والبحث العلمي الذي يجب أن تحدد له سياسة بحثيه تخاطب المشاكل البيئية والمجتمعية يتم تمويله جزئيا بواسطة الدولة وجزئيا بواسطة الشركات الصناعية الرائدة لتوفير إاجتياجاتها مما يقلل من الاعتماد علي استيراد التكنولوجيا المتقدمة وقلقي علي اولادنا الباحثين الذين يطلب منهم ابحاث بمجلات علمية مرموقة دون امكانيات. لانستطيع أن ننكر أ النجاح التعليم العالي متطلبات كثيرة من تطوير التعليم الاساسي والمتوسط مع الترويج لعدم حتمية التعليم الجامعي والالتزام باستراتيجية واضحة وتعديل المستوي المالي للاساتذة والاحتكاك الدولي لهيئة التدريس ولاغبار علي الاستفادة من خبرة من سبقونا في هذا المجال بدلا من الجري وراء أنظمة مستحدثة نجربها لأول مرة حتي تلحق مصر أم الدنيا بركب العلم الذي وضعت أولي لبناته.