اكتسبت ثورة 25 يناير فاعليتها من قدرتها علي حشد الجماهير للاعتصام في ميدان التحرير وميادين مصر الكبري في معظم محافظات الجمهورية, ونجحت بفضل هذا الحشد الجماهيري في خلع رأس النظام. كما نجحت بفضل المليونيات الجماهيرية خلال الشهور الثلاثة التالية لخلع مبارك في تحقيق العديد من المكاسب والإنجازات منها تصفية أهم مؤسسات النظام الحزب الوطني الحاكم ومجلس الشعب ومجلس الشوري والمجالس الشعبية المحلية, وتقديم رموز النظام إلي المحاكمة بتهمة قتل المتظاهرين ونهب ثروات البلاد والإثراء غير المشروع واستخدام الوظيفة لتحقيق ثروات حرام. وفي كل مرة يتأزم وضع الثورة تخرج الملايين في تظاهرات كبري تنجح في الضغط من أجل دفع حركة الثورة إلي الأمام خطوة أو خطوتين. وبعد مرور ما يقرب من سنة ونصف علي خلع مبارك ما يزال النظام القديم قائما في أهم مؤسساته وسياساته بل تم إستعادة بعض كبار المسئولين فيه لتولي رئاسة الوزارة وبعض المناصب الوزارية. ولازالت أهم سياساته قائمة ومطبقة في كثير من المجالات وهكذا فإن المظاهرات والاعتصامات وحدها ليست كافية لتحقيق أهداف الثورة ومهما كان عدد المشاركين فيها كبيرا وقد وصل إلي أكثر من عشرين مليون مواطن فإنها لا تستطيع أن تحقق التغيير المطلوب, فالثورة عملية تغيير جذرية وشاملة في كل أوضاع المجتمع السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي لا يمكن أن تتحقق بدون وصول قوي الثورة إلي السلطة وإستخدامها في تحقيق التغيير المطلوب. ونقطة الضعف الرئيسية في ثورة25 يناير أنها لم تكن نتاجا لحركة قوي منظمة تحت قيادة ثورية قادرة علي حسم الصراع بالوصول إلي سلطة الدولة, ولكنها كانت نتاجا لحركة شعبية واسعة افتقدت القيادة المؤهلة والقوي المنظمة, وكان أقصي ما حققته مفاقمة أزمة الحكم التي تم حلها بخلع مبارك وتكليف المجلس الأعلي للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد وهذا المجلس هو جزء من النظام القديم فأدار المرحلة الانتقالية علي نحو يؤدي إلي استمرار النظام القديم مع تغيير بعض الوجوه وبعض السياسات. وها نحن نعيش تحت وطأة أزمة مستحكمة لا يبدو في الأفق القريب أي حل لها. ولن ينجح أسلوب المظاهرات وحده في إخراج البلاد منها. وعلينا أن نواجه أنفسنا بكل شجاعة وجدية وأن نمارس نقدا نزيها لمسيرة الثورة خلال السنة ونصف الماضية, وأن نعترف بأننا أخطأنا عندما اكتفينا بالمظاهرات شكلا وحيدا للعمل الثوري مهما كانت قدرته علي الضغط وأيا كانت النتائج التي حققها وعلينا أن نتدارك أمرنا بسرعة, وأن نلتفت إلي الحقيقة الكبري بشأن الثورة وهي أن الطبقات والشرائح الاجتماعية والقوي السياسية صاحبة المصلحة في الثورة عليها أن تنظم نفسها في أحزاب سياسية جماهيرية ونقابات عمالية ومنظمات جماهيرية وحركات احتجاجية قادرة علي تعبئة ملايين المواطنين أصحاب المصلحة في الثورة لممارسة تحرك شامل علي كل الجبهات يمكنها من تولي السلطة في كل موقع من مواقع العمل والنشاط والمسئولية. وأن تدفع في إتجاه إنجاز العملية الأساسية لإقامة نظام حكم جديد, نظام حكم ديمقراطي يتولي الشعب بمقتضاه المسئولية الأكبر في اختيار حكامه وتحديد سياساته, هذه العملية الأساسية هي وضع الدستور الجديد وتطبيقه بانتخاب المؤسسات الدستورية التي ينص عليها سواء كانت المجلس التشريعي أو المجالس الشعبية المحلية أو رئيس الجمهورية. أن صياغة وتطبيق الدستور الجديد هي حجر الزاوية في عملية التغيير الكبري المطلوبة لأنه يهييء البلاد لانتقال السلطة إلي قوي الثورة بطريق ديمقراطي أي من خلال الانتخاب. ولكن هذه العملية لا تكتمل ما لم تكن قوي الثورة قادرة علي كسب ثقة الشعب من خلال انتخابات حرة ونزيهة, وهو أمر مشكوك فيه لأن قوي الثورة لم تنظم صفوفها حتي الآن بالدرجة التي تمكنها من الوجود الفعال وسط جماهير الشعب علي امتداد أرض مصر. وهناك فراغ سياسي قاتل تعاني منه البلاد تملؤه جماعات دينية بعضها هو في الحقيقة امتداد لمنظمات جهادية مارست القتل والترويع في مصر لسنوات طويلة, وهي لا تملك برنامجا سياسيا لتغيير البلاد نحو الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية بقدر ما تملك رؤية تكفيره تشهرها في وجوه خصومها. وإذا كانت هذه القوي قد نجحت في الحصول علي الأغلبية في أول انتخابات تشريعية فإن هذا الفوز كان من مخلفات الماضي في ظل النظام السلطوي البائد. ولا يعبر بأي حال عن قوي وروح وبرنامج ثورة25 يناير. ولعل الأداء البائس لمجلس الشعب يؤكد هذه الحقيقة ويدعو قوي الثورة إلي تعزيز قدراتها من خلال التنظيم الواعي الذي يمكنها من جذب ملايين المواطنين إلي مساحة العمل المنظم الواعي, وما يمكن أن يترتب عليه من الوصول إلي سلطة القرار في مختلف المواقع ابتداء من القرية والحي إلي المحافظة إلي السلطة المركزية بالطريق الديمقراطي أي من خلال الانتخاب أو بحكم الأمر الواقع الذي يمكنها من فرض إرادتها إذا تجاهلتها القوي المضادة للثورة أيا كان موقعها في السلطة الحالية. لقد دخلت مصر بالفعل مرحلة تغيير ثوري يعطلها الآن الفراغ السياسي وضعف وتشتت قوي الثورة وعجزها عن تنظيم صفوفها كقوي فاعلة علي امتداد البلاد. وكذلك تصورها الساذج أن المظاهرات وحدها كفيلة بتحقيق أهداف الثورة. هذه ليست دعوة إلي التخلي عن حق التظاهر والاعتصام بل هي دعوة التمسك به والوعي في نفس الوقت أنه ليس الشكل الوحيد للعمل الثوري, فهناك أشكال أخري يمكن أن يحققها تنظيم قوي الثورة في أشكال تنظيمية عديدة تتحالف معا من أجل تحقيق هدف الثورة الكبير. المزيد من مقالات عبدالغفار شكر