«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا لم تكتمل ثورات الربيع العربي؟ (2-2)

التأثير السلبي «للناتو» علي ثورة مصر وتونس
أجابت الحلقة الأولي من هذه الدراسة المهمة علي التأثير السلبي للجغرافيا السياسية علي تطور العملية الثورية في تونس وعلي سياستها الخارجية في المرحلة الانتقالية من عدة اعتبارات رصدتها الدارسة وكان رابع هذه الاعتبارات وجود الناتو وتقسيم النفط الليبي.
وفي هذه الحلقة يستكمل الكاتب الحديث عن التأثير السلبي لوجود الناتو علي الحدود المصرية التونسية وعلي مسار العملية الثورية في كلا البلدين إلي جانب الاعتبارات الأخري التي تشكل ديكتاتورية الجغرافيا السياسية ومحاولات الثورية العربية.
إن وجود الناتو علي حدود مصر وتونس قد يؤدي إلي التأثير السلبي علي مسار العملية الثورية في تونس ومصر كالآتي:
أ ممارسة الضغوط علي مسارات عمليات الانتقال وعديد مراحلها علي نحو يؤدي إلي تفاقم التوترات السياسية الداخلية في كلا البلدين وهو ما قد يشكل ابتزازاً وتأثيراً علي السلطتين الانتقالية في كلا البلدين وذلك بالخضوع للإملاءات الأمريكية الإسرائيلية والأوروبية فيما يتصل بضرورة حصر الانتفاضة الثورية من خلال العملية الانتقالية في حدود جزئية أو إصلاحية والتركيز علي ضرورات مواجهة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية مع تغييرات سياسية محدودة وذلك في ظل حضور مؤثر للمؤسسة العسكرية في خلفية المشاهد السياسية لعمل مؤسسات الدولة والنظام وأجهزته علي اختلافها.
ب أن انتقال السلاح إلي أيدي بعض القوي السلفية الجهادية أو جماعات صغيرة أخري قد يؤدي في بعض التصورات الشائعة إلي استغلال السلطة الانتقالية في مصر وتونس الحاجة الاجتماعية والاقتصادية إلي نشر وتحقيق الأمن ومواجهة هذا النمط من العنف إلي اتخاذ إجراءات استثنائية تفرض قيوداً علي الحريات العامة والخاصة للمواطنين عن طريق قانون الطوارئ وما ينطوي عليه من صلاحيات واسعة للحاكم العسكري أو ما ينيبه وهو ما اتخذته حكومة السيد باجي قائد السبسي في تونس والمجلس العسكري في مصر.
ج الفجوات الأمنية وارتفاع معدلات التضخم والبطالة وتدني مستويات الأجور وانطلاق مظاهرات واعتصامات فئوية متزايدة ومتصاعدة وذات مطالب اجتماعية ومن ثم قد تؤدي في بعض السيناريوهات المحتملة إلي بروز ضغوط شعبية توظف من قبل بعض أركان النظام السابق الذي لا تزال أسسه وقوائمه تعمل وكذلك من عناصر تدير المرحلة الانتقالية تؤدي إلي استخدام العنف في مواجهة القوي الثورية التي يتم إبرازها بوصفها متشرذمة ومتشظية وصل عدد الائتلافات الثورية في بعض التقديرات إلي 200 ائتلاف وفي بعضها الآخر إلي 150 ائتلافاً وبلا قيادة أو مشروع علي نحو يؤدي إلي تيسير عملية الانقضاض عليها لا سيما في ظل إمكانية وصول جماعة الإخوان المسلمين ومعها حلفاؤها من السلفيين والجماعات الإسلامية وبعض الأحزاب الضعيفة كحزب الوفد الذي أصبح موئلا لبعض عناصر تنتمي إلي الحزب الوطني المنحل والأحزاب الجديدة التي تضم بعض وجوهه ونوابه السابقين.. هذا التوجه هو تعبير عن تأثير الجيو سياسة في هذا الجزء من الإقليم علي العمليات الثورية في البلدين.
5 الحالة الثورية المصرية تمثل الوجه الآخر للخصوصية الجيو سياسية والجيو دينية والجيو ثقافية لمصر التي لا تزال تمتلك بعضا من إمكانيات التأثير الإقليمي علي عديد من المحاور العسكرية والسياسية والثقافية.
إن تراجع المكانة والدور الإقليمي لمصر في عهد الرئيس السابق حسني مبارك يعود إلي أسباب مختلفة علي رأسها خضوعه للضغوط والإملاءات الأمريكية والإسرائيلية والسعودية والخليجية بدعوي أن مصر قوة استقرار في الإقليم والتركيز علي الاستقرار الداخلي وضرورة أن تكون مصالح مصر أولا وسياسة ما أطلق عليه الإصلاحات الاقتصادية التي أدت إلي إشاعة الفساد السياسي والاقتصادي إلخ.. تبرز الانتفاضة الثورية المصرية وتشير وبوضوح إلي أن تراجع تأثير مصر الإقليمي في الدور والمكانة فتح المجال لتمدد أدوار عديد الفواعل الإقليمية وهي تركيا وإيران وإسرائيل ولبعض الفواعل ما دون الدولة مثل حزب الله في لبنان قبل الانتفاضة الثورية في المنطقة،لاشك أن تراجع الدور والتأثير المصري يجعل من الجيوسياسة أحد المؤثرات علي التطور السياسي الديمقراطي والثوري في مصر والذي يمكن لنا أن نحدده فيما يلي من ملاحظات:
1 الموقع والموضع المركزي لمصر بتعبير الجغرافي المصري جمال حمدان في كتابه ذائع الصيت «شخصية مصر» علي الخريطة الجيو سياسية للمنطقة ساهم في تأثيرها السياسي والعسكري والثقافي والديني في المنطقة العربية ومن ثم شكلت التحولات السياسية والدينية والثقافية الداخلية مركزاً للتأثير الإقليمي في عديد من المجالات من هنا كانت تحولات الإقليم تعكس في بعض جوانبها وأبعادها طبيعة التحول السياسي في مصر من ثورة 23 يوليو 1952 إلي حرب 1973,1967,1956 مع إسرائيل إلي الخروج من رأسمالية الدولة الوطنية والحزب الواحد إلي نظام التعددية السياسية المقيدة والشكلية إلي حركات الاحتجاج السياسي والحركات الاجتماعية الجديدة أو بعضها ذات المطالب الاجتماعية.
كل التحولات في النظم والسياسات العامة والخارجية المصرية يمكن ملاحظة بعض من تأثيرها علي سياسات الإقليم من هنا نستطيع القول إن الانتفاضة التونسية الثورية محكومة بضغوط الجغرافيا السياسية التي يمكن أن تجعلها رهينة الحدود التونسية وبعض من آثارها قد يجد ظلا في بعض من الإصلاحات السياسية والدستورية في المغرب وبعض قليل منها في الجزائر مع بعض الرشاوي الاجتماعية التي قدمتها السلطة الحاكمة مثلها في ذلك مثل السعودية والكويت والإمارات.. إلخ.
الحالة الثورية المصرية تبدو أكثر تأثيرا في الإقليم من هنا يمكن القول أن الإطار الجيو سياسي للثورة المصرية يمكن أن تؤثر علي تفعيل العمليات والانتفاضة الثورية الأخري كما حدث في ليبيا في ظل دور الناتو المؤثر وفي اليمن وسوريا وبعض من آثار ذلك في البحرين والعملية الاحتجاجية المستمرة في الأردن والتعديلات الدستورية التي أدخلت إلي دستور البلاد. 2 الجيو سياسة التي ساعدت مصر علي ممارسة دورها وتأثيراتها علي الإقليم هي ذاتها التي أصبحت تشكل بعض القيد علي تطور العملية الثورية داخلها وكذلك علي قرارات السلطة الفعلية في المراحل الانتقالية وإدارة سياساتها الخارجية وذلك لعديد من الاعتبارات وعلي رأسها ما يلي:
أ السياسة الإسرائيلية إزاء الإقليم وفي علاقتها مع مصر إذ تخشي من أن تؤدي العملية الثورية إلي تغيير هيكلي في تركيبة النظام السياسي وصعود دور القوي الإسلامية السياسية بقيادة جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين والجماعة الإسلامية والجهاد وآخرين ومعهم بعض الناصريين والقوميين العرب واليساريين.
هذا التغير حال حدوثه تخشي إسرائيل من تأثيره علي اتفاقية السلام ومن تنامي الشعور المعادي لها بين عديد الشرائح الاجتماعية وكذلك بين بعض القوي الشابة.
هذا التغير السياسي الذي يلعب الإسلاميون خلاله دورا مؤثرا سوف ينعكس سلبا علي السياسة الإسرائيلية في المنطقة إزاء إيران وحزب الله في لبنان وحماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة بل وتمتد آثاره إلي الأردن من خلال الحركة الإسلامية وتظاهراتها ورفضها للتطبيع وتمتد إلي اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية.
من هنا تضغط إسرائيل ومعها الولايات المتحدة ودول المجموعة الأوروبية علي السلطة الانتقالية لضبط عملية التحول السياسي بالإضافة إلي كبح جماح بعض العناصر الشابة التي قامت بالهجوم علي السفارة الإسرائيلية بالقاهرة ورفع العلم المصري عليها ترتب علي الواقعات السابقة قيام السلطة الفعلية في البلاد بتفعيل قانون الطوارئ واستمرارية المحاكمات العسكرية للمدنيين.
2- أحد أبرز المصالح الإسرائيلية مع مصر، هو ضمان أمن الحدود بين كلا البلدين من بعض المخاطر المحتملة من عناصر سلفية جهادية، أو أخري تنتمي إلي تنظيم القاعدة في سيناء، أو من خلال قطاع غزة. من ناحية أخري ضرورة استتباب الأمن في شبه جزيرة سيناء ووقف عمليات التهريب للبشر، والأسلحة، والبضائع إليها، أو منها إلي قطاع غزة أو إسرائيل.
في هذا الإطار يبدو أن الحكومة الإسرائيلية تستشعر الخطر من وصول الإسلاميين وبعض القوميين واليساريين إلي البرلمان القادم علي نحو يساعد علي فتح معبر رفح بشكل دائم ومساعدة جماعتي حماس والجهاد الإسلامي من قبل السلطة الجديدة المنتخبة في البلاد خلال المرحلة القادمة.
تسعي أمريكا وإسرائيل والمجموعة الأوروبية إلي تغيير جزئي في تركيبة السلطة السياسية والضغط السياسي والاقتصادي والعسكري علي السلطة الفعلية في البلاد من أجل الإبقاء علي المصالح الإسرائيلية - الأمريكية والسياسات الداخلية والخارجية السابقة لسلطة مبارك مع تغيير جزئي وطفيف وفي أضيق نطاق ممكن في مقابل المعونات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية. من الشيق ملاحظة ما قالته إيلينا روس رئيس لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي في تصريحات لصحيفة واشنطن بوست من « تخوفها » من طبيعة القيادة المصرية القادمة. وتري أن ثمة «العديد من الأسئلة حول جدول أعمال الحكومة الجديدة فيما يخص عملية السلام، والأهم من ذلك الالتزام بوجود علاقات قوية مع الولايات المتحدة ».
هذا التصريح هو تعبير عن بعض القلق الأمريكي من تطورات الحالة الثورية المصرية والخوف من انفلاتها من إسار محاولات الترويض السياسي وضبطها والحيلولة ما أمكن دون إحداث تغيير جوهري في تركيبة السلطة والسياسات الاقتصادية والخارجية إزاء إسرائيل والولايات المتحدة، والأخطر من امتداد شرارة التغيير إلي إقليم النفط حيث الموارد، والأسواق في ظل بعض المشكلات الاقتصادية والمالية التي تواجه الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي.
4- أحد مؤثرات العملية الثورية في مصر علي الإقليم تتمثل في أن نجاحها وقدرة النخبة المصرية الجديدة حال تشكلها علي استعادة زمام المبادرة في الإقليم، من خلال تجديد الدور الإقليمي، وكذلك عبر القدرة علي استيلاء النماذج الجديدة والملهمة للتغيير السياسي والاجتماعي سوف يؤدي إلي زلزلة التوازنات السياسية في الإقليم كله.
هذا التوجه يعني انقلاباً في المكانات والأدوار الإقليمية ، ومن ثم سيؤثر علي نمط التحالفات الذي كان سائدا في ظل حكم حسني مبارك، وكان يقوم علي التحالف مع العائلة السعودية الحاكمة، وكذلك في الإمارات، والكويت وعمان والأردن.
من هنا سعت السعودية - ومعها الإمارات - إلي ممارسة الضغوط الاقتصادية علي السلطة الفعلية من أجل حصر التغيير السياسي في نطاقات محدودة، وذلك خشية من امتداده ودعمه للانتفاضة في اليمن، ومن ثم امتدادها إلي داخل المملكة العربية السعودية من خلال المثال المصري - التونسي الملهم.
- ثانيا : ضغوط الجغرافيا السياسية وأثرها في إقليم النفط والمشرق العربي تبدو الجيو - سياسة ذات ظلال شبه صارمة إلي حد ما علي بعض التطورات السياسية في شبه الجزيرة العربية، والمشرق العربي، وذلك لعديد الأسباب نرصد بعضها تمثيلا لا حصرا فيما يلي :
1- أن شبه الجزيرة ومنطقة الخليج تمثل أحد أبرز مكامن الثروة النفطية في عالمنا، ومن ثم أي تغيير ثوري في مصر، أو اليمن سيؤثر علي أمن الطاقة، والأسواق ومن ثم علي الاقتصاد الأمريكي والعالمي.
2- أن التغيير السياسي في اليمن عبر الانتفاضة الشعبية السلمية سيؤدي إلي ميلاد مثال يحتذي في المنطقة وخاصة في ظل وجود للعمالة اليمنية في السعودية ودول الخليج، بالإضافة إلي انعكاسات ذلك علي بعض التوازنات الجيو - مذهبية بين الإسلام السني الأكثري، وبين الإسلام الشيعي الأقلوي عبر جماعة الحوثيين ومن ثم إلي المنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية، والغنية بالنفط داخل السعودية، في إمكانات تواصلها مع بؤر شيعية في دول الخليج، والأغلبية الشيعية من سكان مملكة البحرين.
3- في هذا الإطار ثمة خوف من أن يشكل الوجود الشيعي في هذه المناطق من اليمن إلي المنطقة الشرقية إلي البحرين إلي الكويت إلي العراق، أحد أبرز محركات السياسة الخارجية الإيرانية ودورها المتنامي في الإقليم.
من هنا يمكن فهم ما يلي من بعض القرارات والسلوك السياسي :
أ - الضغط السعودي - بالمال والسلاح والمبادرات - الداعم للرئيس اليمني علي عبدالله صالح وأسرته وعائلته ومحالفيه من بعض القبائل وذلك بهدف الحيلولة دون أن يقدم الشعب اليمني مثالاً علي انتفاضة شعبية سلمية قادرة علي فرض التغيير في السلطة عبر آليات الاحتجاج والتظاهر والاعتصامات السلمية لا عبر اللجوء إلي السلاح في مجتمع قبلي مسلح.
ب - التدخل العسكري عبر دول مجلس التعاون الخليجي في البحرين لدعم الحكومة السنية في قمع المظاهرات الشعبية المطالبة بالتغيير الديمقراطي.
ج- دعم اقتصادي سنوي لدولتي البحرين وعمان بلغ 20 مليار دولار مناصفة بين البلدين وذلك لدعم حكومتي البلدين من أجل تلبية بعض احتياجات السكان حتي لا تؤدي الضغوط الاقتصادية إلي تظاهرات وغضب وحركات احتجاجية علي المثال المصري والتونسي واليمني.
د- دعوة المملكة الأردنية والمملكة المغربية للانضمام إلي عضوية مجلس التعاون الخليجي لدعم النظم الملكية في العالم العربي خشية من امتداد الانتفاضات الثورية التي قد تصل إلي تغيير في طبيعتها أو لتحولها لنظم ملكية دستورية علي نحو ما تطالب به الحركة الوطنية البحرانية.
ه - تحاول المملكة السعودية أن توظف حركة الاحتجاجات الجماهيرية السورية المطالبة بتغيير النظام من أجل تغيير يضمن حضوراً فاعلاً لبعض القوي الإسلامية المحافظة، ومن أجل بناء حائط صد سني من سورية إلي لبنان يؤدي إلي ضبط التمدد الإيراني في الإقليم.
و- يبدو وضع الأردن حرجا بتركيبته السكانية، وموقعه الجيو سياسي وموارده المحدودة، من هنا اعتمد دائما علي سياسة خارجية نشطة ويقظة من أجل اللعب مع توازنات إقليمية ودولية دقيقة، بل وخطرة في بعض الأحيان بين مصر والعراق وسورية والسعودية، وإسرائيل. من هنا تبدو أحيانا بعض مهارات العائلة الهاشمية الحاكمة ومعها بعض النخبة السياسية الأردنية هي الوجه الآخر لمخاطر الجغرافيا السياسية وبعض من ظلال حتميتها النسبية. من هنا نستطيع القول أن المثال المصري حال تطوره إلي عملية ثورية كاملة سيؤثر علي جميع المعادلات الإقليمية سواء في تطوير النظام الدستوري الذي تعرض إلي انتقادات حادة ورفض من قبل عديد الجماعات علي رأسها جماعة الإخوان المسلمون وحزبها، ومعها بعض اليساريين والنشطاء الشباب، وإذا حدث إصلاح سياسي، سيؤدي حال نجاحه إلي بعض التأثير في المملكة السعودية، مع الانتفاضة السلمية في اليمن حال نجاحها وحدوث تغيير سياسي ما في تركيبة النظام السياسي اليمني.
من هنا تميل النخبة الحاكمة إلي تطوير العلاقات مع السعودية ودول الخليج لاستقرار النظم الملكية - النفط بأسعار خاصة، والمعونات، وسوق عمل للأردنيين، ومحاولة توظيف الوضع السوري لضبط التمدد الإيراني وضغوطاته في الإطار الفلسطيني وقطاع غزة وسلطة حماس والجهاد الإسلامي.
إن الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل ستقف ضد أي تغيير جذري في تركيبة نظام الحكم الملكي في الأردن أو طبيعته، أو محاولة تغييره في نظر بعض المراقبين وذلك لأن أي تغيير سيؤدي إلي المساس بالمصالح الاستراتيجية لهذه الأطراف في المنطقة.
يمكن القول أن بعض حتميات الجيو - سياسة تقف بمثابة عائق إزاء تطور الانتفاضات الثورية العربية، أو بعض أشكال الاحتجاج الشعبي.
- ثالثا : المشرق العربي : الجغرافيا السياسية للأديان والملل والنحل والقوميات تبدو حالة الاحتجاجات السورية الشعبية أحد أكثر الأمثلة تعبيرا علي ضغوط الجغرافيا السياسية، والجغرافيا الدينية والمذهبية والعرقية والقومية وتأثيرها علي إمكانات التطور السياسي، والتغيير الثوري في هذه المنطقة من العالم، وذلك لعديد الاعتبارات التي نرصد بعضها فيما يلي :
1- سوريا والمشرق العربي، هو مركز التعدديات الدينية والقومية والعرقية والمذهبية في الإقليم الذي يمتد إلي مناطق في غرب آسيا، وأكثر وحداته السياسية ومجتمعاته تشظيا في إطار من الفسيفساء التي تعتمد علي توازنات سكانية دقيقة تمتد إلي لبنان، والعراق، وتركيا، وإيران التي تشتمل علي مكونات سكانية تتمدد بين هذه الدول وتؤثر علي الاستقرار السياسي والديني والاجتماعي داخل هذه الدول علي اختلافها.
2- تركيبة نظام الحكم البعثي في سوريا تعتمد علي شبكة من التحالفات العرقية - الدينية والمذهبية والإقليمية والدولية، ولاشك أن هذه التركيبة الدقيقة تعتمد علي تماسكها ومن ثم علي مخاوفها من أي تغيير قد يؤدي إلي الإطاحة بنمط من الاستقرار النسبي - السياسي والاجتماعي والديني والعرقي - الذي يؤمن التوازنات الدقيقة في سوريا وخارجها ولاسيما لبنان، والعراق.
3- يعتمد النظام السوري وسياساته الخارجية علي تحالف مع إيران وبعض المنظمات الفلسطينية - حماس والجهاد والجبهة الشعبية - وحزب الله في لبنان وقوي أخري، ومن ثم علي أوراق قوة مستمدة من هذا التحالف سواء في داخل لبنان، أو جزء من الورقة الفلسطينية، أو دعمها لبعض الجماعات العرقية، وذلك لاستخدامها في السعي لدعم مكانتها الإقليمية لحين العودة إلي مسار التسوية السلمية مع إسرائيل لاستعادة الجولان.
من ناحية أخري السياسة الإيرانية تسعي لتعظيم دورها بناء علي دعم المجموعات الشيعية في العراق والبحرين والمنطقة الشرقية في السعودية، وحزب الله في لبنان، وحماس والجهاد الإسلامي، من ناحية أخري تمتد علاقاتها الإقليمية إلي السودان. تحاول إيران أن تستفيد من أوراقها الإقليمية ودعمها المالي وبالسلاح والتدريب لحزب الله، وحماس والجهاد الإسلامي وبالنظام السوري أن تكرس دورها الإقليمي المتعاظم في مواجهة إسرائيل وإزاء تنامي دور تركيا الإقليمي والدولي والسياسة السعودية في المنطقة وإزاء الأقليات الشيعية في المنطقة الشرقية والخليج والعراق ولبنان.
4- أدت الانتفاضة الثورية العربية إلي صدمة في إيران، لاسيما ما يتم في سوريا لأنها أقرب حلفائها في الإقليم، وبما يؤثر علي التوازنات داخل لبنان وسلاح حزب الله بما يؤدي إلي الحد من تمدد الدور الإقليمي الإيراني علي نحو يؤدي إلي انعكاسات تبدو سلبية في المناورة مع الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية وإسرائيل إزاء الملف النووي الإيراني، بالإضافة إلي وضع الأقليات الشيعية في الإقليم.
5- تدعم إيران النظام السوري، ولكنها تحاول ألا تخسر في ظل أي تغيير يعتري رموزه أو بعض مكوناته.
6- ثمة عائق جيو - ديني، وجيو - سياسي يؤثر علي تطور الاحتجاجات في سوريا، والذي يتمثل في أوضاع المسيحيين في المشرق، وخشيتهم من وصول قوي إسلامية سلفية في سوريا، يؤدي إلي التأثير علي التوازن الطائفي اللبناني الصعب، وذلك بالخوف من تحالف سني سوري - لبناني يؤثر علي وضعية المسيحيين، والشيعة في لبنان. من هنا يمكن فهم هواجس مواقف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي التي تجسدت في دعمه لحزب الله وسلاحه من ناحية ، ومخاوفه من وصول الإسلاميين للسلطة في سوريا بما يؤدي إلي تهجير المسيحيين بعد سقوط النظام.
7- تعتمد سوريا في مواجهة سياسة الضغوط الأمريكية - الأوروبية في مجلس الأمن علي الفيتو الروسي والصيني كما حدث مؤخرا.
8- السياسة التركية انتقلت من سياسة صفر أعداء إلي بروز توترات وخصومات سياسية مع إسرائيل، والنظام السوري، ولكنها تحاول توظيف الحالة الثورية في بعض دول الإقليم لدعم الحضور والتمدد التركي الإقليمي، وذلك بسياسة نشطة فعالة وذات تأثير علي قطاعات شعبية في الإقليم لاسيما في مصر وتونس إلي حد ما، وتعتمد علي ما يلي :
«1» انتقادات حادة للنظام السوري، وتحذيرات متعددة للضغط من أجل وقف الاستخدام المفرط للقوة والعنف إزاء الاحتجاجات الشعبية المختلفة، وتفتيش السفن الحربية التركية بعض السفن التي تحمل سلاحاً للنظام.
«2» الانتقادات الشديدة للحكومة الإسرائيلية، وتجميد بعض الاتفاقيات العسكرية والأمنية معها، وترك السفن الحربية التركية في البحر المتوسط للإيحاء بسياسة تركية مختلفة عن السياسة الوثيقة التي سادت العلاقات في المرحلة السابقة.
«3» توظيف فائض الشعبية الجديدة للانتفاضات العربية إزاء تركيا، ونموذج حزب العدالة والتنمية في إيجاد ركائز شعبية للدور التركي في الإقليم إزاء الدور الإيراني الذي يواجه بعقبات مذهبية، ومواقف الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية ودول الخليج من السياسة الإيرانية في المنطقة.
نستطيع أن نوجز ما سبق فيما يلي:
أن الجغرافيا السياسية تفرض بعض ضغوطها إزاء تطور بعض الحالات الثورية العربية، وتؤدي إلي حصارها، والانقضاض علي بعضها - كما في اليمن والبحرين، أو إعاقة تطورها كما في سوريا، والأردن، أو محاولة وقفها عند حدود إسقاط رموز النظام لا جوهره كما في الحالتين التونسية والمصرية.
ثمة مسعي إقليمي تركي يجد بعض القبول والشعبية في مصر وبعض المجتمعات العربية من أجل تطوير العلاقات التركية العربية، ومع مصر في أعقاب العملية الثورية، وهو ما لوحظ أثناء زيارة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان إلي مصر وتونس، وهو الأمر الذي يجد بعضاً من التحفظ داخل بعض الجماعات الإسلامية السياسية وعلي رأسها جماعة الإخوان المسلمون وتحفظهم علي قوله عن علمانية الدولة والدستور في تركيا والإشارة إلي أهمية ذلك في مصر وأيضا في نطاق بعض دوائر التركيبة التسلطية للنظام في المرحلة الانتقالية التي يشوبها التردد، ويعتري سياستها عديد من الضغوط الإقليمية - إسرائيل - والدولية من أجل الحدّ من بناء مواقع قوة جديدة في الإقليم حول تركيا - مصر في المرحلة المقبلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.