المحترفون الأجانب في الدوري المصري - نيجيريا الأكثر تمثيلا.. و4 قارات مختلفة    أسعار الذهب اليوم في مصر.. تراجع مفاجئ وعيار 21 يسجل رقمًا جديدًا وسط ترقب السوق    زيلينسكي: لا مؤشرات على استعداد روسيا لإنهاء الحرب    الاحتلال يعتدي على فلسطينيين ومتضامنين أجانب في خربة ابزيق شمال طوباس    برلين تدين الهجمات الإسرائيلية على الصحفيين في غزة    صفعة جديدة على وجه الاحتلال.. قرار صندوق الثروة السيادية النرويجى بسحب استثماراته من إسرائيل إشارة لتغير ميزان الموقف الأوروبى مستقبلا.. حظر الأسلحة على الكيان ضربة موجعة يجب استثمارها دوليا    "بلومبرغ": البيت الأبيض يدرس 3 مرشحين رئيسيين لرئاسة الاحتياطي الفيدرالي    حقيقة رفض الأهلي عودة وسام أبو علي حال فشل انتقاله إلى كولومبوس    المصري يتعاقد مع الظهير الأيسر الفرنسي كيليان كارسنتي    الأهلي مهدد بخسارة نجميه أمام فاركو    ديانج ينتظر موقفه مع ريبيرو ويؤجل ملف التجديد    الكشف المبكر عن تعاطي المخدرات لأعضاء الرياضة في مصر ضمن الاستراتيجية القومية    تضم 14 متهما.. حبس شبكة دعارة داخل نادٍ صحي بالعجوزة    حجز عامل نظافة بتهمة التحرش بسيدة داخل مصعد في الشيخ زايد    دنيا سمير غانم: "أول مرة أقدم أكشن كوميدي وسعيدة بوجود كايلا"    د. آلاء برانية تكتب: الوعى الزائف.. مخاطر الشائعات على الثقة بين الدولة والمجتمع المصري    الآن رسميًا.. موعد فتح تقليل الاغتراب 2025 وطريقة التحويل بين الكليات والمعاهد    المحادثات الأمريكية الروسية تدفع الذهب لخسارة جميع مكاسبه    رسميًا بعد الانخفاض الجديد. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 12 أغسطس 2025    نجم الأهلي السابق: صفقات الزمالك الجديدة «فرز تاني».. وزيزو لا يستحق راتبه مع الأحمر    استبعاد مصطفى شوبير من تشكيل الأهلي أمام فاركو.. سيف زاهر يكشف مفاجأة    طلبات جديدة من ريبيرو لإدارة الأهلي.. وتقرير يكشف الأقرب للرحيل في يناير (تفاصيل)    مصطفى شلش يكتب: التحالف التركي- الباكستاني- الليبي    وسائل إعلام سورية: تحليق مروحي إسرائيلي في أجواء محافظة القنيطرة    متطرف هاجمته الخارجية المصرية.. 22 معلومة عن وزير مالية إسرائيل بتسلئيل سموتريتش    محكمة الأسرة ببني سويف تقضي بخلع زوجة: «شتمني أمام زملائي في عملي»    رئيس «الخدمات البيطرية»: هذه خطط السيطرة علي تكاثر كلاب الشوارع    تبين أنها ليست أنثى.. القبض على البلوجر «ياسمين» بتهمة نشر فيدوهات خادشة للحياء العام    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الثلاثاء 12 أغسطس 2025    عليك التحكم في غيرتك.. حظك اليوم برج الدلو 12 أغسطس    أصالة تتوهج بالعلمين الجديدة خلال ساعتين ونصف من الغناء المتواصل    بدأت حياتها المهنية ك«شيف».. 15 معلومة عن لارا ترامب بعد صورتها مع محمد رمضان    استغلي موسمه.. طريقة تصنيع عصير عنب طبيعي منعش وصحي في دقائق    «مشروب المقاهي الأكثر طلبًا».. حضري «الزبادي خلاط» في المنزل وتمتعي بمذاق منعش    محمد سعيد محفوظ يروى قصة تعارفه على زوجته: رسائل من البلكونة وأغاني محمد فؤاد    أحاديث السياسة على ألسنة العامة    انتشال سيارة سقطت بالترعة الإبراهيمية بطهطا.. وجهود للبحث عن مستقليها.. فيديو    انقلاب مقطورة محملة بالرخام أعلى الطريق الأوسطى...صور    أهم الأخبار العربية والعالمية حتى منتصف الليل.. دعم أوروبي للخطوات الأمريكية لوقف حرب أوكرانيا.. الأمم المتحدة: مستشفيات غزة تكتظ بالمرضى وسبل النجاة من المجاعة منعدمة.. واستشهاد 13 بينهم 8 من منتظري المساعدات    إطلاق منظومة التقاضى عن بعد فى القضايا الجنائية بمحكمة شرق الإسكندرية.. اليوم    التنسيق يكشف الخطوة التالية ل364946 ترشحوا بالمرحلتين الأولى والثانية 2025    حدث بالفن | حقيقة لقاء محمد رمضان ولارا ترامب وجورجينا توافق على الزواج من رونالدو    نظير عياد يستقبل مفتي القدس والديار الفلسطينية    كيفية شراء سيارة ملاكي من مزاد علني يوم 14 أغسطس    أخبار 24 ساعة.. 271 ألفا و980 طالبا تقدموا برغباتهم على موقع التنسيق الإلكترونى    8 سبتمبر نظر دعوى حظر تداول "جابابنتين" وضمه لجداول المخدرات    الشاي الأخضر.. مشروب مفيد قد يضر هذه الفئات    هل يشعر الموتى بالأحياء؟.. أمين الفتوى يجيب    4 تفسيرات للآية «وأما بنعمة ربك فحدث».. رمضان عبدالمعز يوضح    أجمل عبارات تهنئة بالمولد النبوي الشريف للأهل والأصدقاء    محافظ الأقصر يبحث رفع كفاءة الوحدات الصحية واستكمال المشروعات الطبية مع وفد الصحة    قيادات تعليم السويس تودّع المدير السابق بممر شرفي تكريمًا لجهوده    الهيئة الوطنية للانتخابات تعلن نتيجة انتخابات مجلس الشيوخ مساء غد    أنا مريضة ينفع آخد فلوس من وراء أهلي؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    التعليم تصدر بيانا مهما بشأن تعديلات المناهج من رياض الأطفال حتى ثانية إعدادي    أمين الفتوى: الحلال ينير العقل ويبارك الحياة والحرام يفسد المعنى قبل المادة    الصحة: 40 مليون خدمة مجانية في 26 يومًا ضمن «100 يوم صحة»    بعد تعنيفه لمدير مدرسة.. محافظ المنيا: توجيهاتي كانت في الأساس للصالح العام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوغوسلافيا الشرق الأوسط
نشر في شباب مصر يوم 31 - 10 - 2011

(إن مجموعة من العوامل قد حولت سورية الى خط أحمر لامتحان حدود قوة الناتو والولايات المتحدة، يقرر تجاوزهما له أو عجزهما عن تخطيه إما ظهور نظام دولي جديد متعدد الأقطاب، أو يستكمل هيمنة الحلف وقيادته الأميركية اقليميا)
بقلم نقولا ناصر*
تجد سورية نفسها اليوم في الموقف الذي وجدت يوغوسلافيا السابقة نفسها فيه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، في مركز شبكة تطوقها من الدول الإعضاء في حلف شمال الأطلسي "ناتو"، متحالفة كرها أو طوعا مع القيادة الأميركية لهذا الحلف الغربي، وأمامها خيار واحد: إما الانضمام الى النظام الاقليمي الجديد الذي رسمه الحلف للمنطقة، لاستيعاب دولة الاحتلال الاسرائيلي كقوة اقليمية مهيمنة فيه، أو الانضمام الى مصير "العصور الوسطى" الذي آلت اليه دول "مارقة" على الحلف وقيادته الأميركية مثل العراق وليبيا. غير أن مجموعة من العوامل تشير الى أن الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة إنما يواجه خطا أحمر في سورية سوف يجنبها على الأرجح المصير الذي لاقته يوغوسلافيا السابقة.
بعد الانتصار العسكري الذي حققه الناتو والولايات المتحدة بفتح البوابة الليبية أمامهما الى القارة الافريقية، يبدو الحلف وقيادته الأميركية قد مهدا الطريق لنقل تركيزهما من شمال افريقيا العربي الى المشرق العربي، للتعامل مع العقبة السورية الأخيرة أمام استكمال هيمنتهما الاقليمية، وتبدو إدارة الرئيس باراك أوباما مصممة اليوم على "الحسم" مع سورية والتخلي عن سياسة "إدارة الأزمات" التي انتهجتها الإدارات السابقة طوال عقود من الزمن.
غير أن مجموعة من العوامل الجيوبوليتيكية والذاتية والاقليمية والمتغيرات الدولية قد حولت سورية الى خط أحمر لامتحان حدود قوة الناتو والولايات المتحدة، يقرر تجاوزهما له أو عجزهما عن تخطيه إما ظهور نظام دولي جديد متعدد الأقطاب، يضع نهاية لحقبة التفرد الأميركي بالقطبية الدولية، أو يستكمل هيمنة الحلف وقيادته الأميركية اقليميا، بكل ما يعنيه ذلك من مضاعفات مدمرة عربيا على الصراع مع دولة الاحتلال الاسرائيلي، وعلى ما تبقى من حطام النظام الاقليمي العربي، وعلى ما زالت الدول العربية وغير العربية في الشرق الأوسط تحتفظ به من مظاهر السيادة على ثرواتها الوطنية، وأولها طبعا النفط والغاز، وعلى قرارها الوطني.
* وفي رأس هذه العوامل العامل السوري الذاتي: فالبنية التحتية للدولة قوية، ومؤسسة الحكم متماسكة جيشا وأمنا ودبلوماسية وسياسة، والدولة غير مثقلة بالدين الخارجي، والبلد مكتفي ذاتيا بالنفط والحبوب والغذاء والكساء، وفرض حصار اقتصادي مطبق عليه مستحيل عمليا، وكذلك حصاره دبلوماسيا، وبالرغم من اتساع الحراك الشعبي وشعبية المطالبة بالاصلاح والتغيير فإن التعددية الدينية والطائفية تحرم الحركة الاسلامية التي تقود الحراك الشعبي عمليا في تونس ومصر واليمن وبالتالي تحتكر قيادة المعارضة من أي دور مماثل في سورية وتحاصرها لكي تنكفئ طائفيا أو كي ترتبط أو تستقوي بالخارج وكلا الأمرين مرفوضان شعبيا ورسميا، أما استقواء هذه الحركة بالسلاح فيجرها الى ساحة صراع مكروهة شعبيا لأنها تهدد بحرب أهلية يرفضها الشعب المتمسك بسلمية احتجاجاته أيضا وهي ساحة ميزان القوى فيها محسوم لصالح النظام، بينما احتمالات الدعم بالتدخل العسكري الأجنبي ضئيلة.
* وخلافا للتحليلات الغربية التي توقعت أن يكون تغيير النظامين الليبي والعراقي مثالين يشجعان على الاقتداء بهما في سورية، فإن الصحفي العربي المصري المخضرم محمد حسنين هيكل في مقابلته مع فضائية الجزيرة القطرية يوم الجمعة الماضي كان على حق عندما قال إن المثالين الليبي والعراقي كقدوة سيئة مسؤولين عن استنكاف الطبقة الوسطى السورية في المراكز الحضرية، وبخاصة في دمشق وحلب، عن الاقتداء بهما، فتدمير البنية التحتية للدولة وتسليم قرارها الوطني للهيمنة الأجنبية باسم تغيير النظام ليس ثمنا مقبولا ومجديا للتغيير والاصلاح، بالنسبة للأغلبية الساحقة من الشعب السوري وليس بالنسبة لطبقة اجتماعية واحدة منه.
* وفي الجغرافيا السياسية، صحيح أن القوى الغربية نجحت بعد الحرب العالمية الأولى في تقزيم سورية الى حدودها الحالية، لكن نفوذها الاقليمي لم ينحسر لينحصر داخل حدودها ولا يزال فاعلا ضمن ما سماه المؤرخ فيليب حتي "سورية الكبرى"، "البلد الصغير الأكبر على الخريطة، دقيق في حجمه لكنه كوني في تأثيره" لوقوعه جغرافيا عند ملتقى أوروبا وآسيا وافريقيا، حيث يجسد "نسخة مصغرة جدا من تاريخ العالم المتحضر"، حسب اقتباس روبرت دي. كابلان من حتي في مقال نشرته "فورين بوليسي" في الحادي والعشرين من نيسان / ابريل الماضي. وعلق كابلان على ما قاله المؤرخ العربي اللبناني قائلا: "هذه ليست مبالغة. ولأنها ليست مبالغة، فإن الاضطراب الراهن في سورية أهم كثيرا من أي اضطراب آخر شهدناه في اي مكان آخر في الشرق الأوسط". ومثلما تثبت حكومة نجيب ميقاتي اللبنانية الحالية فإن هذا النفوذ ليس مرتبطا بالتواجد العسكري. لذلك فإن جولة أميركية جديدة ل"تغيير النظام" في سورية لن تحقق الأمن والاستقرار في المنطقة، بل على العكس، فإنها كما يقول المثل الغربي سوف تفتح "صندوق باندورا" ليعم الاضطراب الاقليم بكامله.
* وفي هذا الاطار الجيوبوليتيكي، يمثل رد الفعل السوري المباشر وغير المباشر المتوقع ضد دولة الاحتلال الاسرائيلي عاملا رادعا لأي تدخل عسكري أجنبي أيضا. لذلك لن يكون مثل هذا التدخل على جدول اعمال الناتو والولايات المتحدة قبل توفير ضمانات كافية تجنب دولة الاحتلال الاسرائيلي آثار أي رد فعل سوري متوقع أو ايراني مساند.
* والعامل الايراني بدوره عامل رادع للتدخل العسكري الأجنبي في سورية. فخسارة ايران لجسرها السوري الى البحر الأبيض المتوسط بينما طرقها البحرية اليه يمكن بسهولة إغلاقها عبر الخليج العربي وبحر العرب وباب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس التي يمخر عبابها الأسطولان الخامس والسادس الأميركيين وسفن الناتو واسرائيل الحربية، وبينما تحرس ضفافها حكومات حليفة للولايات المتحدة والناتو، هي خسارة تمثل بالتأكيد خطا ايرانيا أحمر مما يجعل أي تدخل عسكري أجنبي في سورية يخلق وضعا محفوفا بمخاطر اندلاع حرب اقليمية.
* كما يتزامن انتقال تركيز الناتو وقيادته الأميركية الى سورية مع وصول عملية السلام الفلسطينية الاسرائيلية الى طريق مسدود ومع فشل الولايات المتحدة في الوفاء بوعودها لحلفائها العرب لتستعدي بذلك الأكثر اعتدالا منهم، أي الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يجد نفسه اليوم على مسار تصادم مع الراعي الأميركي لهذه العملية. وكانت النتائج السلبية لفشل وسيط السلام الأميركي أكثر وضوحا على المسار السوري. وهذا الفشل الأميركي يضعف نفوذ العرب المتحالفين مع الولايات المتحدة، ويؤخر إنشاء جبهة عربية – أميركية – اسرائيلية ضد أيران ما زالت الولايات المتحدة تسعى جاهدة من أجل اقامتها، مما يعزز "الممانعة والمقاومة" السورية شعبيا ويضيف الى الصمود السوري. إن اتفاق المصالحة الفلسطينية الذي ابرمه عباس قبل خمسة اشهر مع حركة حماس الفلسطينية التي تتخذ من دمشق مقرا لقيادتها هو مثال جدير بالتفكير، وكذلك إعلان عباس يوم الأربعاء الماضي بأن لجنة متابعة "مبادرة السلام العربية" كانت سوف تبحث أمس في "مستقبل" سلطة الحكم الذاتي الاداري المنقوص (السلطة الفلسطينية)، وسط تقارير إعلامية عن التوجه الى "حل" هذه السلطة.
* وفي هذا السياق لا بد من التوقف عند ما قاله الرئيس عباس الأربعاء من أن "الربيع العربي" لم يحدث اي تغيير لصالح القضية الفلسطينية، فالعرب "لم يتغيروا، لا مسؤولين ولا شعب" بعد هذا "الربيع" لا في مصر ولا في غير مصر، وعلى الأرجح أن يكون تغيير الموقف السوري الحالي "الشاذ" عن كل الحالة العربية هو التغيير الوحيد الذي يطمح الناتو والولايات المتحدة أن يغيره "الربيع العربي"، وهذا تغيير غير مقبول للشعب السوري الذي خاض كل الحروب العربية الاسرائيلية من موقع قيادي فيها، بغض النظر عن النظام الحاكم، خصوصا وأن أراضيه محتلة. ولذلك لا يعود مستغربا أن لا يخرج "الربيع العربي" في سورية الى الشوارع الملايين التي أخرجها في الأقطار العربية الأخرى.
* دوليا، يشير حق النقض "الفيتو" الذي استخدمته روسيا والصين في مجلس الأمن الدولي مؤخرا ضد مشروع قرار لدول الناتو يكرر منحها شرعية الأمم المتحدة لتكرار السيناريو الليبي في سورية الى أن الحلف وقيادته الأميركية يواجهان في سورية خطا أحمر روسيا وصينيا، فخسارة تسهيلاتها البحرية في سورية سوف يخرج روسيا عسكريا من البحر الأبيض المتوسط ويحوله الى بحيرة للناتو والولايات المتحدة. أما الصين التي وجدت قدرتها التجارية المنافسة في افريقيا مهددة بعد تغيير النظام في ليبيا فانها تتحسب من أن أي تغيير مماثل للنظام في سورية سوف يحولها الى قاعدة لتهديد شراكتها الاقتصادية الهامة مع دولة نفطية مثل ايران، ويمكن الناتو والولايات المتحدة من استكمال سيطرتهما الاستراتيجية على الحوضين النفطين في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، مما يرتهن العملاق الاقتصادي الصيني الصاعد لهذه السيطرة، وهذا بالتأكيد خط صيني أحمر. وبذلك يفتقد الناتو والولايات المتحدة عامل "شرعية الأمم المتحدة" الذي توفر لهما في العراق وليبيا.
* وبصورة مماثلة يفتقد الناتو "شرعية جامعة الدول العربية" التي توفرت غطاء له في ليبيا، فشرط اجماع دولها الأعضاء على تجميد عضوية أي منها حرم الحلف من تكرار تجميد عضوية ليبيا في الحالة السورية.
* واقليميا، يتزامن انتقال تركيز الناتو وقيادته الأميركية الى سورية مع استكمال الانسحاب المقرر لقوات الاحتلال الأميركي من العراق بنهاية العام الجاري، وهذا عامل سلبي آخر لا يعزز احتمال التدخل العسكري المباشر في سورية، لا بل إنه يخلف وراءه نظاما محسوبا على إيران يعارض تغيير النظام في سورية لهذا السبب بالذات ويوفر لسورية عمليا الآن بديلا للعمق التركي الذي خسرته بعد عودة تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة الى الحضن الدافئ للتحالف مع الولايات المتحدة وعضويتها في الناتو والى التنسيق معهما من أجل "تغيير النظام" في سورية.
وهذا هو الاطار الاستراتيجي الذي تحاول فيه عملية التحول الديموقراطي في سورية الافلات من الوسائل غير الديموقراطية التي يلجأ اليها الناتو وقيادته الأميركية لارغام سورية على الامتثال لاملاءاتهما. إن العوامل السابقة وغيرها تدفع النظام والمعارضة الرئيسية في الداخل على حد سواء الى اعتماد القواسم المشتركة للحوار والاجماع على الاصلاح ومعارضة التمرد المسلح والتدخل العسكري الأجنبي كمخرج وحيد من الأزمة الراهنة، تمهيدا لما اصبح مألوفا وصفه بالتأسيس لل"جمهورية الثانية" في سورية. غير ان أنصار "المسؤولية عن الحماية للمدنيين" في محور الناتو – الولايات المتحدة مصرين على خلق حقائق على الأرض السورية تمكنهم من مبادلة دعمهم لاجماع النظام والمعارضة على الاصلاح في الداخل بالتخلي عن سياسة مقاومة الاحتلال والهيمنة الأجنبية في السياسة الخارجية. وهذا الاصرار لا يترك أمام هذا المحور سوى خيارين:
أولا، الضغط على تركيا للانقلاب على سياسة "تصفير المشاكل" مع دول محيطها العربي الاسلامي، وهي السياسة التي انتهجتها أنقرة منذ بداية الألفية الجديدة وقادتها الى التعاون "الاستراتيجي" مع سورية، من أجل ما وصفه ليام ستاك في النيويورك تايمز يوم الخميس الماضي ب"استضافة جماعة معارضة مسلحة تشن تمردا مسلحا ... وسط حملة تركية أوسع لاسقاط حكم السيد (الرئيس بشار) الأسد".
والمفارقة أن هذا هو السبب ذاته الذي كان طوال السنوات الماضية يدفع تركيا الى انتهاك السيادة العراقية بالتدخل العسكري المباشر وهو ذاته السبب الذي كاد يضع تركيا على شفير الحرب مع سورية عندما كانت "تستضيف" قيادات حزب العمال الكردستاني المعارض فيها في أواخر تسعينيات القرن العشرين الماضي. ولا يمكن تفسير هذا الانقلاب في السياسة الخارجية التركية بضغوط استحقاقات عضوية تركيا في الناتو وتحالفها مع الولايات المتحدة فقط، فالعامل الذاتي موجود أيضا لمن يتذكر بأن الشعب التركي ممثلا ببرلمانه هو الذي عارض المشاركة في الحرب الأميركية على العراق عام 2003 وليس حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي قدم رئيسه رجب طيب أردوغان اقتراحا بالمشاركة في تلك الحرب أفشله البرلمان التركي آنذاك.
ثانيا، عسكرة الاحتجاجات السلمية السورية، التي تتخذ الان من هذه الاحتجاجات دروعا بشرية لها مما سيقود حتما الى وقوع ضحايا مدنيين في تصدي قوى النظام لها. في الرابع عشر من آب / أغسطس الماضي، على سبيل المثال، جاء في تقرير لموقع "ديبكا" الالكتروني الاسرائيلي وثيق الصلة باستخبارات دولة الاحتلال: "يفكر الاستراتيجيون في حلف الناتو بصورة متزايدة في ضخ كميات كبيرة من الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات، ومدافع المورتر، والرشاشات الثقيلة في مراكز الاحتجاج لكسر ظهر القوات المسلحة الحكومية" في سورية. ونسب التقرير الى "مصادر اسرائيلية" لم يسمها قولها إن القيادة العليا التركية وحلف الناتو يدرسان تنظيم "جهاد" بتجنيد آلاف من "الإسلاميين" على نمط "الجهاد" و"المجاهدين" الذين نظمتهم وكالة المخابرات المركزية الأميركية "سي آي ايه" ضد الغزو السوفياتي السابق لأفغانستان".
ومع أن افتتاحية منبر رئيسي للرأي العام الأميركي مثل الواشنطن بوست حذرت في الثامن والعشرين من أيلول / سبتمبر الماضي من أن "ظهور مثل هذه القوات لا ينبغي الترحيب به، حتى ممن يأملون في نهاية لنظام الأسد"، فإن محور الناتو – الولايات المتحدة يبدو الآن في سباق مع الزمن لتحقيق هذا الهدف تحديدا، من أجل استباق أي اجماع سوري على تنفيذ حزمة الاصلاحات الجذرية التي تطال حتى احتكار الحزب الحاكم للسلطة دستوريا، حتى يمتثل النظام لمبادلة دعم هذه الاصلاحات بسياسته الخارجية.
لكن لأن السياسة الخارجية السورية، مثل مثيلتها في كل البلدان، تخدم الاستحقاقات الداخلية في المقام الأول، وأهم هذه الاستحقاقات في الحالة السورية هي تحرير الأراضي السورية التي تحتلها اسرائيل، فإنه ليس من المتوقع أن تمتثل سورية. لذلك فإنها سوف تستمر في سياسة الممانعة ودعم المقاومة، وسوف تستمر الأزمة السورية وتتصاعد، ويستمر معها الصراع الاقليمي كذلك.
في الثلاثين من آب / اغسطس الماضي كتب نيك كوهين في "الجويش كرونكل": "إن سورية هي قصة إخبارية تصرخ من أجل تغطيتها إعلاميا. لكنها لا تحصل على التغطية التي تستحقها". لقد كان كوهين، ولا يزال، مصيبا، لكن عليه أولا أن يتناول القصة السورية من منظور مختلف تماما، غير ما قصده.
* كاتب عربي من فلسطين
* [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.