قرارات الرئيس خارطة طريق للعاملين فى الميديا والصحافة    أين هم الآن «معتصمو رابعة والنهضة» ؟    وزير الرى يتفقد مجرى نهر النيل فى 6 محافظات لمتابعة إزالة الحشائش    سؤال صلاح.. وبيليه فلسطين!!    من يوقف جنون نتنياهو؟    بتروجت يمنح الزمالك أولوية التعاقد مع حامد حمدان فى يناير بشروط    تشكيل البنك الأهلي لمواجهة غزل المحلة في الدوري    القبض على السائق المتسبب فى حادث الشاطبى    إنسانية اللا طمأنينة    محمود عصمت: شراكة "أميا باور" نموذج يحتذى به في مشروعات الطاقة    الأمن الغذائى    عبد الصادق الشوربجي: زيادة بدل التدريب والتكنولوجيا تعكس تقدير الرئيس لدور الصحافة المصرية    ضبط 300 ألف بيضة فاسدة تحتوي على دود وحشرات في الغربية    مهرجان شرم الشيخ للمسرح يطلق استمارة المشاركة في مسابقات الدورة العاشرة    بسنت شوقي تجرب "حمام الثلج" لأول مرة: "مستحيل أعمله في مكان أحلى من الساحل"    «الصحة» تنظم زيارة لمستشار الرئيس الكولومبي لتفقد منشآت طبية    بدء اختبارات المرشحين للعمل بالأردن في مجالات اللحام وتصنيع وتركيب هياكل معدنية    بحوزته كمية كبيرة من البودرة.. سقوط «الخفاش» في قبضة مباحث بنها بالقليوبية    بروتوكول تعاون بين البنك الأهلي المصري وشركة "بيرنس كوميونتي"    الداخلية تكشف ملابسات واقعة التعدي على صاحب محل بشبرا الخيمة    البورصة تتلقى طلب قيد شركتى جيوس للمقاولات واعمل بيزنس للتدريب    محافظ بورسعيد يستقبل الطفلة فرح ويعد بفتح حساب التضامن فى اسرع وقت    زلزال بقوة 3.7 ريختر يضرب عاصمة مدغشقر ويثير قلق السلطات    الجوازات والهجرة تواصل تقديم خدماتها للمترددين عليها    تفاصيل انتهاء المدة المحددة للتظلم على نتيجة الثانوية العامة 2025.. فيديو    حبس المتهم بإلقاء ماء نار على طليقته فى الوراق    قطع المياه فى مدينة نبروه بالدقهلية غدا لمدة 12 ساعة لإصلاح تسريب بالمنطقة    فلوريان فيرتز يتوّج بجائزة أفضل لاعب ألماني لعام 2025    "كيف وأين ولماذا مات؟!".. محمد صلاح يهز عرش الاتحاد الأوروبي بتساؤلات جريئة حول استشهاد بيليه فلسطين.. صحف العالم تحتفي بشجاعة "الفرعون" فى مواجهة يويفا.. و800 شهيد حصيلة جرائم الإبادة الإسرائيلية بحق الرياضيين    مصادر إسرائيلية: ترامب يضغط لمنع احتلال قطاع غزة والتوصل إلى صفقة    تفاصيل لقاء أشرف زكى مع شعبة الإخراج بنقابة المهن التمثيلية.. صور    فى انطلاق ملتقى "أهل مصر".. 8 ورش إبداعية استكمالا لمسيرة دعم وتمكين المرأة    الإمارات ترحب بإعلان التوصل إلى اتفاق السلام بين أذربيجان وأرمينيا    إصابة 6 أشخاص بينهم طفلة بإطلاق نار جماعى فى بالتيمور الأمريكية    التعليم العالى: براءة اختراع جديدة لمعهد تيودور بلهارس فى إنتاج بروتينات علاجية    الصحة: حملة "100 يوم صحة" قدّمت 38.3 مليون خدمة طبية مجانية خلال 25 يومًا    تحرير 125 مخالفة عدم الالتزام بغلق المحلات خلال 24 ساعة    النصر السعودي يتعاقد مع مارتينيز مدافع برشلونة    بيلد: النصر يتوصل لاتفاق مع كينجسلي كومان.. وعرض جديد لبايرن    كهرباء الإسماعيلية يتعاقد مع لاعب الزمالك السابق    السيسي يوافق على صرف البدل النقدي المقترح من الحكومة للصحفيين    موعد إجازة المولد النبوي 2025 وأبرز مظاهر الاحتفال في مصر    لست قادرا على الزواج ماذا افعل؟.. يسري جبر يجيب    حكم قضاء المرأة الصلاة التي بدأ نزول الحيض في أول وقتها.. المفتي السابق يوضح    ملتقى المرأة بالجامع الأزهر: تجربة المدينة المنورة في العهد النبوي نموذجا يحتذى به في جهود النهوض بالأمة    أمين الفتوى يوضح حكم الصلاة أو الصيام عن المتوفى غير الملتزم وطرق إيصال الثواب له    ميكروباص يصدم 9 أشخاص على طريق كورنيش الإسكندرية (صور)    محاولة تفجير فاشلة.. محاكمة المتهمين في قضية «خلية المطرية الإرهابية»    سلامة الغذاء: حملات رقابية ميدانية استهدفت 333 منشأة غذائية الأسبوع الماضي    وزير الري يتابع حالة المنظومة المائية بالمحافظات وموقف إيراد نهر النيل    جيش الاحتلال يعلن اعتقال 70 فلسطينيا في الضفة الغربية    فران جارسيا يربح رهان ألونسو ويثبت أقدامه في ريال مدريد    في هذا الموعد.. علي الحجار يحيي حفلًا غنائيًا في مهرجان القلعة للموسيقى والغناء    مقتل 6 جنود لبنانيين بانفجار ذخائر أثناء محاولة تفكيكها في جنوب لبنان    حظك اليوم الأحد 10 أغسطس 2025 وتوقعات الأبراج    دعاء صلاة الفجر.. أفضل ما يقال في هذا الوقت المبارك    سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن في عطلة الصاغة الأسبوعية الأحد 10 أغسطس 2025    «لا أريد آراء».. ريبيرو ينفعل بعد رسالة حول تراجع الأهلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نقولا ناصر : تكامل أدوار فرنسي – أميركي
نشر في شباب مصر يوم 11 - 07 - 2011


تكامل أدوار فرنسي – أميركي
من المؤكد ان الشعب الفرنسي الذي فجر الثورة الفرنسية التاريخية الشهيرة ما كان يحلم في أي يوم من الأيام أن تتحول الجمهورية الفرنسية إلى زعيمة للثورة المضادة في العمق الاستراتيجي العربي الجنوبي لفرنسا
بقلم نقولا ناصر*
عندما تولى نيكولا ساركوزي الرئاسة الفرنسية في السادس عشر من أيار / مايو 2007، "تمنى" العرب أن تتمكن ثوابت المصالح المشتركة من التغلب على تغيير استراتيجي هددت رئاسته بإحداثه في العلاقات العربية – الفرنسية نتيجة عوامل مثل كونه الرئيس الفرنسي الأكثر دفاعا عن "أمن" دولة الاحتلال الإسرائيلي، وإنهاء الاستقلال الفرنسي عن التبعية للولايات المتحدة، وعسكرة السياسة الخارجية الفرنسية، وطموحه إلى إحياء الدور الفرنسي الاستعماري في الوطن العربي وإفريقيا تحت مسميات وعناوين مختلفة، ناهيك عن "خؤولته" اليهودية. وكان "التمني" العربي مدفوعا بحقيقة أن "النظام العربي" الذي استطاع في معظمه التعاطي مع كل هذه العوامل في نسختها الأميركية يمكنه أن يتعامل مع نسخة فرنسية لها.
لكن أربع سنوات من حكم ساركوزي أثبتت بأن التكامل الفرنسي في عهده مع الدور الأميركي إقليميا وعالميا مثل انقلابا كاملا على سياسات اسلافه يهدد الآن كل الانجازات والايجيابيات التي تحققت في العلاقات العربية الفرنسية منذ أنهى الزعيم الفرنسي شارل ديغول "العصر الذهبي" في علاقات بلاده مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بعد عدوانها الذي قاد الى احتلال أراضي أربع دول عربية في سنة 1967.
وتهديد سياسات ساركوزي للمصالح الفرنسية لا يقتصر على العلاقات مع العرب. ففي 24 شباط / فبراير الماضي على سبيل المثال نشرت لوموند الفرنسية بيانا لمجموعة من ثلاثين دبلوماسيا فرنسيا عاملا ومتقاعدا وجه نقدا لاذعا لسياسته الخارجية التي جعلت "أوروبا لا حول لها ولا قوة، وإفريقيا تفلت منا، والبحر الأبيض المتوسط لا يتحدث معنا، والصين تسحقنا، وواشنطن تتجاهلنا" بسبب "سياسة خارجية هاوية ومزاجية تركز على المجد الشخصي" لساركوزي الذي حول فرنسا من دولة داعية للسلام الى دولة مثيرة للحروب كما قالت فضائية "فرانس 24" في الثامن من نيسان / أبريل الماضي، والذي "سيعلن حربا كل أسبوع" إذا استطاع كي يحرك المشاعر الوطنية ويعزز شعبيته التي وضعته في الترتيب الثالث بعد مارين لوبن الزعيمة الجديدة ل"الجبهة الوطنية" اليمينية المتطرفة وأي زعيم للحزب الاشتراكي المعارض، كما قال المعارض له ديديير ماثوس في مقابلة من النيويورك تايمز الأميركية.
لقد كان "تسلل" السفيرين الأميركي روبرت فورد والفرنسي ايريك شوفالييه الى مدينة حماة السورية في الثامن من الشهر الجاري دون التنسيق مع السلطات كما تقتضي الأعراف الدبلوماسية هو المثال الرمزي الأحدث على التكامل الأميركي – الفرنسي في عهد ساركوزي الذي حول بلاده الى شريك منافس أو "شريك مضارب" للولايات المتحدة يحاول انتزاع حصة لنفسه من "الكعكة" العربية، في نسخة أميركية – فرنسية معاصرة للشراكة التنافسية البريطانية الفرنسية التي أنتجت اتفاقية سايكس – بيكو التي تقاسم بموجبها البريطانيون والفرنسيون الوطن العربي في مطلع القرن العشرين الماضي.
لقد أخرج ديغول فرنسا من القيادة العسكرية لحلف شمال الأطلسي "ناتو" واستقل ببلاده عن المحور الأنغلو – أميركي في قيادة الغرب، مما أرسى أساسا موضوعيا لشراكة عربية – أوروبية على أساس الند للند والمصالح المشتركة والاحترام المتبادل ومنح الأمل للعرب في دور أوروبي مستقبلي مستقل عن التبعية للولايات المتحدة، وقد اكتسب هذا الدور الأوروبي المأمول عربيا أهمية أكبر بعد انهيار المنظومة الاشتراكية الدولية بقيادة الاتحاد السوفياتي السابق. وكانت سورية، على سبيل المثال، في طليعة الدول العربية التي بنت علاقاتها الخارجية مراهنة على هذا الدور لتخص أوروبا بحوالي نصف تبادلها التجاري.
لذلك فإن تصريح وزير الخارجية السوري وليد المعلم في الثاني والعشرين من الشهر الماضي بأن لدى فرنسا "أجندة استعمارية" وبأن سورية "ستنسى أن أوروبا على الخريطة" كان تعبيرا عن صدمة خيبة أمل عميقة تعكس إحساسا جريحا بالخيانة بعد تاريخ طويل من الرهان على موقف أوروبي مستقل يوازن الانحياز الأميركي السافر غير المشروط إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي في الصراع العربي معها بعد أن أسقطت أوروبا بقيادة ساركوزي هذا الرهان الذي رعته سورية بحرص وعناية طوال حوالي خمسة عقود من الزمن، أكثر مما كان تصريح المعلم تعبيرا عن سياسة سورية مدروسة للتوجه "شرقا وجنوبا" ونفض اليد نهائيا من أوروبا.
لقد أظهر غياب أي تمثيل سوري له حد أدنى من الصدقية في المؤتمر الذي استضافته العاصمة الفرنسية خلال الأسبوع الماضي ضد سورية بحجة "التضامن" مع المعارضة للنظام أن سياسات ساركوزي العربية تورط فرنسا في رسم صورة سلبية لها تتعزز في الأوساط العربية ولا تقتصر على الحكومات بل تمتد إلى المعارضة أيضا. وقد نظم هذا المؤتمر برنارد – هنري ليفي وبرنار شالشا وكلاهما معروف بولائه للحركة الصهيونية ودفاعه عن دولة الاحتلال الاسرائيلي ومشروعها الصهيوني وأمنها واحتلالها وتوسعها الاقليمي والاستيطاني. وافتتح المؤتمر بعرض شريط تحول الى ما وصفته صحيفة الأخبار اللبنانية الى "مرافعة ضد القومية العربية" بدأ بانتقاد حزب البعث ثم انتقد الزعيم العربي المصري الراحل جمال عبد الناصر بحجة أن "الوحدة" بين سورية ومصر، لا "الانقلابات العسكرية"، هي التي قضت على "الديموقراطية" في سورية. وقد تحول ليفي بخاصة الى مستشار أول للرئيس ساركوزي في الشؤون العربية فكان فيلسوف الانقلاب على السياسة الفرنسية المعارضة للحرب الأميركية على العراق، ومنظر تحويل فرنسا الى كاسحة ألغام أمامية للتدخل العسكري الأميركي – الفرنسي الذي يستخدم الناتو من أجل تغيير النظام في ليبيا، وها هو الآن يمهد الرأي العام الفرنسي لتكرار السيناريو الليبي في سورية.
لقد فاجأت ثورتا تونس ومصر إدارة ساركوزي، فأطاحت الأولى بنظام تونسي كان على علاقات وثيقة معها، بينما أطاحت الثانية بالرئيس السابق حسني مبارك الشريك المصري لفرنسا في رئاسة الاتحاد المتوسطي. وقادتا الى تعديل وزاري فرنسي حل فيه آلان جوبيه محل برنار كوشنير في وزارة الخارجية. ورافق هذا التعديل تغيير استراتيجي في السياسة الخارجية الفرنسية حاول أن يعوض بالتدخل العسكري الفرنسي عن العجز الأميركي عن التعامل عسكريا مع المضاعفات الاستراتيجية لتغيير النظامين في تونس ومصر، وكلاهما كان محسوبا على الغرب.
وربما لا يرى المراقب غير المتعمق أي علاقة بين التحرك المصري بعد ثورة 25 يناير نحو فك الشراكة المصرية مع دولة الاحتلال الاسرائيلي في حصار قطاع غزة الفلسطيني، أو نحو توجه مصري باتجاه "تطبيع" العلاقات مع إيران، لكن هذين التحركين على وجه التحديد لهما علاقة وثيقة بالقرار الأميركي – الفرنسي للتدخل العسكري في ليبيا، ثم للتمهيد لتدخل مماثل في سوريا، لأن تدخلا كهذا فقط هو الذي يمكنه حرف الحراك الشعبي العربي من حراك يستهدف الأنظمة المتحالفة أو المتساوقة مع الاستراتيجية الأميركية – الغربية في الوطن العربي الى حراك يستهدف الأنظمة المعارضة لهذه الاستراتيجية، لقطع الطريق على أي تنسيق مصري – سوري كان تاريخيا هو المحور العربي القادر على احباط كل الأطماع الخارجية في الوطن العربي.
وقد فتحت الثورة المصرية الباب موضوعيا أمام إعادة بناء المحور المصري - السوري. إن دول الخليج العربية التي انساقت مع التكامل الفرنسي – الأميركي في الاحتواء العسكري لمضاعفات تغيير النظامين في تونس ومصر مدفوعة بمخاوف مشروعة من ملئ إيران للفراغ الناجم عن غياب التضامن العربي قد غاب عنها أن إحياء التنسيق المصري السوري هو وحده الكفيل بتأمين بديل عربي للنفوذ الآيراني المتنامي، وهو بديل إذا ما تعزز بالدعم العربي الخليجي له في مواجهة الأطماع الغربية – الاسرائيلية التي تستهدف العرب كافة فإنه كفيل بإحياء التضامن العربي وتحييد البديل الايراني له دون خسارة الاضافة الايرانية الهامة الى أي نظام أمن اقليمي خارج إطار الاستراتيجية الأميركية – الغربية التي تعتمد دولة الاحتلال الاسرائيلي محورا أساسيا لها.
وقد نجح التدخل العسكري السافر الأميركي – الفرنسي في ليبيا، ونجح الاستقواء بالتهديد بتكرار هذا التدخل في سوريا، في تركيز الاهتمام الدولي على الدعوة الشعبية الى الاصلاح والتغيير في هذين البلدين العربيين بينما ما زالت القيادة الأميركية – الفرنسية لهذا التدخل تراوغ إعلاميا في تأييدها اللفظي الخجول للدعوة الشعبية المماثلة الأوسع نطاقا والأكثر صدقية في البلدان العربية "الشريكة" لهذا التدخل في إطار حلف الناتو (البحرين مثالا) أو في البلدان العربية التي يكون لتغيير النظام فيها نتائج تهدد مصالح الشراكة العربية مع التدخل العسكري الغربي كما هو الحال في اليمن، وهذه المراوغة الأميركية – الفرنسية بالكاد تستر الدعم الغربي للأنظمة في مواجهة الاحتجاجات الشعبية في مثل هذه البلدان العربية.
وقد كان الدور الفرنسي حاسما في هذا التحول في الاهتمام الدولي، وكان سافرا حد أن يتحول الى مصدر فخر واعتزاز لساركوزي وحكومته، في ليبيا وفي سوريا على حد سواء، وحد أن يتحول الى العنوان الغربي للثورة المضادة الوطن العربي. ومن المؤكد ان الشعب الفرنسي الذي فجر الثورة الفرنسية التاريخية الشهيرة ما كان يحلم في أي يوم من الأيام أن تتحول الجمهورية الفرنسية إلى زعيمة للثورة المضادة في العمق الاستراتيجي العربي الجنوبي لفرنسا. والمفارقة ان رئاسة ساركوزي تحاول مخاطبة "المجد الاستعماري" الكامن في ذاكرة غلاة اليمين الفرنسي من أجل تحسين شعبية ساركوزي التي كانت تتدهور في استطلاعات الرأي العام الفرنسي حتى بلغت حوالي 25% قبل التدخل العسكري في ليبيا.
وكان التدخل الفرنسي مكملا للتدخل العسكري الأميركي حيث حالت أسباب عملية دون التدخل الأميركي المباشر. ومن هذه الأسباب الأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف بالولايات المتحدة منذ عامين. ومنها نشر القوات الأميركية الى الحد الأقصى الذي يحول دون نشر المزيد منها من دون اللجوء الى التجنيد الاجباري بعد مضي عشر سنوات على احتلال أفغانستان والحرب الأميركية المستمرة عليها دون حسم عسكري حتى الآن، ومضي ثماني سنوات على احتلال العراق والحرب الأميركية المستمرة عليه دون حسم عسكري حتى الآن.
فالرئيس الأميركي باراك أوباما الذي اضطر لاتخاذ قرار الحرب في ليبيا دون مشورة الكونغرس ومصادقته قد فعل ذلك لفترة قصيرة معتمدا على أن يسلم المهمة لفرنسا ساركوزي كي تكملها تحت مظلة الناتو. وإذا كانت الحالة الليبية هي خير مثال واضح على التكامل الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وبين فرنسا، فإن الشريك الفرنسي المنافس أو المضارب كان الى جانب الولايات المتحدة منذ تولى ساركوزي الرئاسة في كل المبادرات الأميركية الدبلوماسية والسياسية في إطار الأمم المتحدة ومجلس أمنها أو خارج هذا الاطار في أفغانستان والعراق وليبيا ولبنان وسورية والصراع العربي الاسرائيلي.
فمشروع الاتحاد المتوسطي الذي كان عماد سياسة ساركوزي الخارجية في "الشرق الأوسط وشمال افريقيا" هو نسخة فرنسية لمشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير الأميركي، وكلا المشروعين يستهدف إنهاء أي نظام عربي ما زال واقفا على قدميه من أجل دمج دولة الاحتلال الاسرائيلي في المنطقة ضمن نظام اقليمي اوسع من أي نظام عربي. وكانت المبادرة الفرنسية الأخيرة لاحياء المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية الثنائية المباشرة هي النسخة الفرنسية لمبادرة باراك أوباما الأميركية في مستهل عهده وربما لهذا السبب كان مصير النسخة الفرنسية هو الفشل الذي أصاب المبادرة الأميركية الأصلية. ويكفي اي مراقب أن يلحظ الرعاية الأميركية – الفرنسية المشتركة لكل القرارات التي اتخذها مجلس الأمن الدولي خلال السنوات القليلة الماضية بشأن القضايا العربية حتى يدرك التكامل الفرنسي – الأميركي في الهيمنة على الوطن العربي. وبعد أربع سنوات على وجوده في الرئاسة الفرنسية يتأكد اليوم أن التهليل الاسرائيلي لفوزه كان في محله.
لقد كان ساركوزي هو الذي فك العزلة الغربية التي فرضتها الولايات المتحدة على ليبيا معمر القذافي وسورية بشار الأسد. فقد فرش السجاد الأحمر للقذافي في كانون الأول / ديسمبر عام 2007، واعتبر أنه "لايعتبر دكتاتورا في العالم العربي" وأن كونه "رئيس الدولة الأطول حكما في المنطقة هو ما يهم"، مع أن طول حكم القذافي هو الذي فجر الانتفاضة الشعبية عليه، ثم فرش السجاد الأحمر للأسد في تموز / يوليو العام التالي ليضعه الى جانبه في الموكب المهيب بشارع الشانزليزيه أثناء الاحتفال بالعيد الوطني لفرنسا.
إن انقلاب ساركوزي على الرجلين اليوم يظهره كشخصية لا يؤتمن جانبها وينبغي الحذر من "ضيافتها" والتفكير مليون مرة قبل الثقة فيها. ومن المؤكد أن العلاقات الدولية، ومنها العلاقات العربية مع فرنسا، لا يمكن بناؤها على مثل هذا النوع من السلوك المتقلب والغادر وبخاصة إذا كان مدعوما بعسكرة للسياسة الخارجية لدولة نافذة في صنع القرار الدولي مثل فرنسا وتعتبر القوة العسكرية الثانية بعد الولايات المتحدة اقليميا والقوة الدبلوماسية الثانية بعدها عالميا.
إن "الربيع العربي" هو "نقطة تحول كبرى في التاريخ، ربما يمكن مقارنتها بسقوط جدار برلين" كما قال وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه، وما يحدث في "الشرق الأوسط الآن يمكن أن يكون التغيير الجيوستراتيجي الأهم منذ سقوط جدار برلين" كما قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي جون كيري، وهو "الحدث الرئيسي حتى الآن في القرن الحادي والعشرين، فهو أهم من الأزمة المالية عام 2008 .. وأهم في نتائجه في الأمد الطويل من الحادي عشر من سبتمبر" في الولايات المتحدة كما قال وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ.
وقد وصف أمين عام حلف الناتو، آندرز فوغ راسموسن، في خطاب له في الأول من الشهر الماضي ما يحدث في الربيع العربي بايجاز بليغ: "ما الذي تغير؟ جيل أصغر سنا يطالب بغد أكثر إشراقا. لسنوات طالت أكثر من اللازم سمع هذا الجيل عن النمو الاقتصادي، لكنه لم يشعر بفوائده. لقد شاهد الثروة، لكنه كان عاجزا عن المشاركة فيها. وبعضه شاهد حتى الانتخابات، لكنه لم يعش الديموقراطية. والآن يريد هذا الجيل أن يحصل على كل ذلك في الواقع. وهذه بداية تحول طويل ومعقد يمكن أن يكون مضطربا، لكنه سوف يصوغ شكل المنطقة والعالم لسنوات مقبلة".
إنه حقا تحول ثوري تاريخي يضع فيه ساركوزي فرنسا في جانب الثورة المضادة ضد حركة التاريخ، وقد أثبت التاريخ ان من يعاند حركته يكون خاسرا في النهاية. والمفارقة أن راسموسن الذي أجاد في وصف هذا التحول لم يجد في خطابه ذاته ما يقتبسه من العرب سوى ما قاله رجل "في الرابعة والثمانين من العمر من مصراتة" الليبية التي تحاصرها قوات القذافي: "لو لم يرسل الله الناتو، لكانوا أحرقونا جميعا"، ليوحي راسموسن أن حلف الناتو والله سبحانه يقفان في خندق واحد، ومعاذ الله جل جلاله!
* كاتب عربي من فلسطين
* [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.