نخطئ كثيرا إذا توقفنا الآن أمام تفاصيل المشهد السياسي الراهن, وإذا وجهنا اهتمامنا فقط إلي الإجابة عن تساؤلات تخص أحداثا جزئية او مطالب وقتية. لأننا بذلك سنغفل عن السياق العام التي تجري في إطاره هذه الاحداث, ولم نفهم بدقه المنطق الذي يحكم حركتها. فما يجري في مصر منذ52 يناير1102 تحكمه ثلاث حقائق كبري من المهم للغاية ان نستوعبها وان نتصرف علي اساسها وان ننظر إلي التطورات في ضوئها: الحقيقه الاولي: ان مصر دخلت مع52 يناير مرحلة جديدة من تطورها هي مرحلة ثورية بالمعني الحقيقي للكلمة, اي تستهدف إجراء تغييرات جذرية في الاوضاع السائدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تقيم نظاما جديدا يتمتع فيه المصريون بحقوقهم كاملة في إدارة شئون البلاد علي اساس ديموقراطي ولن تتوقف التطورات إلي ان تتحقق اهداف هذه المرحله الثورية كاملة, وتتجسد شعارات الثورة الكبري في مؤسسات جديدة ابتداء من الدستور إلي البرلمان إلي الحكومة بحيث تتحقق هذا الشعارات عمليا وهي الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. قد تبطئ حركة الثورة او تسرع. قد تتراجع قوة الدفع الثوري او تتواصل. قد يسقط الشهداء والضحايا بأعداد كبيرة او قليله. ولكن السياق العام لهذه المرحله هو الاستمرار حتي تتحقق اهدافها كاملة. ربما يستغرق ذلك سنة او سنتين او اكثر ولكن العملية الثورية لن تتوقف إلا عندما تتحقق هذه الاهداف وتشهد مصر نظاما جديدا يجسد التغيير الثوري المطلوب. في هذا السياق يمكن ان ننظر إلي ما يجري الآن, ويمكن ان نفهم ان المطالبة بحكومة انقاذ وطني تتمتع بصلاحيات كاملة تمكنها من مواجهة المشكلات الكبري الراهنة إنما هي خطوة ضرورية لضمان استمرار الثورة إلي ان تحقق اهدافها كاملة. ويمكن ايضا في هذا السياق ان نفهم اهمية المطالبة بجدول زمني في توقيتات محددة لمهام المرحله الانتقاليه بحيث يتم تسليم السلطه إلي هيئات مدنية منتخبة في موعد اقصاه خلال2102. الحقيقه الثانية: التي تحكم ما يجري الآن في مصر وما سوف يجري خلال السنوات القادمة إلي ان تتحقق اهداف الثورة كاملة هي ان الشباب هم القوي المحركة للثورة وهم الذين يدفعون الامور للامام, وهم الذين يقدمون أرواحهم فداء لها وهم الذين يواصلون الضغط من اجل تحقيق اهدافها كاملة هؤلاء الشباب هم امتداد لأجيال سابقة من شباب مصر اخرجوها من ازمات مماثلة في ثورة1919 وثورة1935 وقبل ثورة1952 وبعد هزيمة يونيو1967. والجيل الجديد من شباب مصر يختلف عن النخبة السياسية التي تدير الحركة السياسية الان فهم ليسوا علي استعداد لأنصاف الحلول, وهم مسلحون بقيم جديدة وافكار جديدة استلهموها من روح العصر وافضل ما وصلت إليه البشرية من معارف وخبرات. قادرون علي التعامل مع الاحداث من خلال اساليب فعالة ابتكروها في سياق الثورة خاصة الحشد الجماهيري للضغط علي صانع القرار وتعويض نقطة الضعف الحقيقية في الثورة المتمثلة في عدم وجود قيادة سياسية متبلورة للثورة قادرة علي تسلم السلطة, وهم من خلال نضالهم المتواصل قادرون علي بلورة هذه القيادة من صفوفهم ودفعها إلي مواقع السلطة في الوقت المناسب. اما الحقيقة الثالثة التي تحكم مسار الثورة فهي ان الاحزاب والقوي السياسية في مصر تمارس دورها بخبرات واساليب وافكار موروثة من تعاملها مع نظام مبارك والتي تدور اساسا حول التكيف مع الاوضاع السائدة, وهي خبرات و اساليب وافكار تختلف جوهريا مع خبرات واساليب الشباب المتمرد علي هذا النظام والذي رفض التكيف مع الاوضاع السائدة, من هنا فإن ما تطرحه الاحزاب والقوي السياسية من حلول للأزمات التي تقابل الثورة في كل مرحلة من مراحلها لا يكفي لإيجاد الحل الحقيقي للأزمة برغم أنه قد يكون نابعا من تحليل منطقي لمعطيات الوضع. وسيبقي الحل دائما في يد الشباب الذي تمرد علي الواقع ولديه بالفعل القدرة علي طرح ما لا تتصوره النخبه السياسيه ممكنا في اللحظة الراهنة علي ضوء معطيات الواقع( مثال ذلك المطالبه بتنحي مبارك من قبل ورحيل المجلس العسكري الآن). تؤدي هذه المفارقة بين القدرة المحدودة للنخبة السياسية علي التعامل مع الازمات التي تمر بها الثورة وبين الفعالية التي يتمتع بها شباب الثوار إلي طرح مسألة مستقبل هذه النخبة السياسية و ضرورة ان تعيد القوي و الاحزاب السياسية النظر في اوضاعها وان تطور قدراتها بالعمل في اتجاهات ثلاثه: الاتجاه الاول هو العمل الجماهيري المكثف خاصة في صفوف الشباب لكسب عضوية جديدة وتكوين قاعدة جماهيرية واسعة تمكنها من اكتساب الفعالية المطلوبة لما تطرحه من افكار. والاتجاه الثاني هو تجديد قيادتها بإدخال الشباب في صفوف القيادة العليا لهذه الاحزاب, والاستفادة من روح الشباب في التعامل مع الاحداث والتطورات. لم تعد الاجيال الحالية من قيادات الاحزاب قادره علي التفاعل بكفاءة مع المستجدات والاحداث والتطورات الجارية, وعليها ان تمنح الفرصه للشباب في قيادتها لضمان الاستمرار لاحزابها مع كل التقدير والاحترام لما قدمته من تضحيات في نضالها ضد النظام السابق. اما الاتجاه الثالث الذي يتعين علي الاحزاب ان تعمل من اجله فهو ان تكثف حوارها مع بعضها من اجل التوصل إلي رؤية سياسية مشتركة حول اهداف ومهام العملية الثورية و اساليب تحقيقها ومراحل نضالها. خلاصة القول ان ثورة52 يناير ليست حدثا طارئا يمكن لأي قوة مهما تكن ان تصفيه بل هي ثورة مستمرة لا يمكن ان تعود مصر بعدها إلي ما كانت عليه بل سوف تظل جذوتها متقدة إلي ان تنير البلاد بثمارها اليانعة من خلال التغيير الجذري الشامل الذي ستحققه في اوضاع البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية من نظام سياسي ديموقراطي إلي اقتصاد متقدم إلي عدالة إجتماعية متحققة. وسيبقي الشباب القوة الدافعة لعملية التغيير المطلوبة وعلينا جميعا ان نتقبل كل التضحيات المطلوبة من اجل تحقيق هذا الإنجاز العظيم الذي ناضل من اجله الشعب المصري علي امتداد القرنين التاسع عشر والعشرين. المزيد من مقالات عبدالغفار شكر