منذ تاريخ الحياة البرلمانية المصرية وإنشاء المجلس العالى بمصر المحروسة فى 27 نوفمبر 1824 وصدور لائحته واتخاذها دستوراً ، ومن بعده مجلس شورى النواب فى 22 أكتوبر 1866 والذى نصت لائحته فى المادتين الحادية والخمسين، والثانية والخمسين على ألا يُصْدر أحد النواب مسبة لأحد، ولا إشارة بالاقرار أو بغيره على قول أحد، واذا حصل أمر مخل بانتظام حال المجلس، لزم التنبيه، ثم يحرر محضر ثم الحكم عليه بإخراجه من المجلس، ولا بأس أن يؤمر بالإعلان عن صورة الحكم بالجهة التى أنتخب منها، وأنه لا يجوز الخروج عن المادة المعنى الكلام فيها، واذا خرج لزم منعه من الكلام بقية الجلسة.. «وأن يأتى العضو بملابس الحشمة اللائقة .. وأن يجلس على هيئة الأدب » ، وفى اللائحة الاساسية الصادرة فى 7 فبراير 1882 والتى قررها المجلس نص المادة التاسعة والأربعين.. «بألا تكون اللائحة نافذة الحكم ألا بعد صدور أمر من الحضرة الخديوية، وهو النص الذى عاد اليه دستور 2014 لأول مرة، بالمادة 118، على خلاف كل الدساتير السابقة منذ دستور 1923، حيث قررت المجالس النيابية جميعاً أن تصدر اللائحة وتصير نافذة بصدروها من البرلمان، كذلك أكدت الأحكام والشروط أن المداولة لا تكون صحيحة ألا بحضور ثلثى أعضاء المجلس على الأقل وألا كانت لاغية». واستمر البرلمان بمجلس شورى القوانين عام 1883 ومن بعده الجمعية التشريعية عام 1913، ثم برلمان مجلسى الشيوخ والنواب فى ظل دستور 1923، وإلغاء كل ما يتعلق بالجمعية التشريعية، ليكون النص فى الدستور أن يضع كل مجلس لائحته، وبعدها مجلس الأمة فى دستور 1956 ثم مجلس الشعب، واستمر الحال كذلك حتى دستور 1971 وتعديلاته، ليضع كل من مجلس الشعب ومجلس الشورى، لائحته ويصدرها.. ثم وصلنا إلى المحطة الأخيرة فى دستور يناير 2014 بتشكيل مجلس النواب، ليعود بنا الدستور الى الحضرة الخديوية إذ يوجب بنص المادة 118 أن تصدر اللائحة بقانون!! ومنذ انعقاد أولى جلسات المجلس فى 10 يناير 2016، وبعد سنتْين من صدور الدستور، وقد مضى من عمره حتى الآن شهران بالتمام والكمال، ونحو ربع المدة من دور الانعقاد العادى الأول، والمجلس غارق فى مناقشة لائحته وحتى الآن وبعدها تصدر بقانون.. وكان حصاد الأعمال.. ونتائجها على مستوى مسئولياته ومصالح الشعب صفراً !! كل هذه التصرفات التى جرت تحت قبة البرلمان ياحضرات ، أفقدت الثقة فى بعض أعضاء المجلس الذين بدوا موتورين، وسكوت المجلس مجتمعاً على تصرفاتهم وسلوكهم يؤدى الى أن يفقد الناس الثقة والاعتبار فى المجلس كمؤسسة دستورية عالية المقام، بعد أن بدا أمام الرأى العام عاطلاً عن ممارسة مسئولياته الدستورية.. وُيصَدّر تصرفات غير مسئولة تمثل إخلالاً بمقتضات واجبات العضوية، الأمر الذى قد يدفع بالمجلس كله وبكل أسف الى طريق الحل.. وهو أبغض الحلال!! وخطورة هذا الحل، الذى لا يتمناه أحد، أنه يعيدنا الى المربع صفر، لبناء السلطة التشريعية من جديد، وتعود السلطة التشريعية مرة أخرى الى أحضان السلطة التنفيذية بغير رقيب أو حسيب، كما أن إجراء الانتخابات التشريعية مرة أخرى فى مثل هذه الأجواء المضطربه فضلاً عن تعطيل دولاب الحياة ، سوف يفرز نواباً أسوأ مما كان، ويفتح الأبواب للاضطراب والتراجع الى الخلف.. فى وقت كان السباق والرهان فيه على الزمن فى البناء والتنمية واعتبارها فريضة واجبة.. لتحقق حاجات الناس الأولى بالرعاية، نبراساً ومنهاجاً بعد أن تحملوا العناء الكثير لسنوات. حضرة البرلمان.. ماذا دهاك؟! حتى تُوقعنا فى الخطايا والموبقات.. وتعود بنا الى الوراء.. رغم تراث الحياة البرلمانية الحافل بالعطاء، ويدعونا ذلك للتأمل والدراسة.. وفرض القدوة.. الحسنة.. واستنهاض العلم والخبرة والمسئولية.. واستلهام الأمل فى المستقبل.. وعليك الانتباه قبل فوات الأوان!! حتى بعد إسقاط العضوية عن أحد نوابه بجلسة الأربعاء الماضى وبأغلبية 465 نائباً ، لأن ذلك رغم أنه قرار صارم وحاسم.. فلقد اتسم بالتسرع والانفعال.. ورد الفعل، لهذا تجاوز اجراءات إسقاط العضوية باللائحة القديمة أو مشروع اللائحة الجديدة وقد خصتها بأربع مواد حتى ولو كان المجلس سيد قراره لأن ذلك قد يمثل تهديدا لباقى الاعضاء ، لمجرد المعارضة والكلام!! والسؤال حضرات السادة هل ذلك الذى جرى كان بسبب عيب الدستور الذى أقام البرلمان بغرفة واحدة حتى ولو كنا أمام عربه طائشة، أم أنه عيب النظام الانتخابى ذاته فى ظل الحياة الحزبية على طول عهدها منذ عام 1977.. أم بسبب بساطة الناخبين الذين أفرطوا فى حسن النية عند الاختيار، ومع ذلك ففى كل الأحوال يتحمل النواب جميعاً مسئوليتهم أمام الشعب، والأخطر من هذا ما يجرى من صراع بين أروقة المجلس على التكويش والاستئثار والسيطرة، كل ذلك نشاهده يحدث أمامنا ولم يبدأ مجلس النواب فى ممارسة مسئولياته بعد.. لا فى منافشة برنامج الحكومة ومدى الثقة فيها، ولا فى سلطة التشريع أو الرقابة، ولا فى إقرار الخطط والموازنة، ولا الاجتهاد فى مناقشة قضايا الناس ومشكلاتهم وتحقيق مصالحهم. وكان على المجلس ببساطة إنقاذاً للوقت والجهد، وبدلاً من الإغراق فى تفاصيل مواد لائحية استصحاباً للماضى، لأنها ببساطة تصدر من المجلس ويمكن له تعديلها فى أى وقت، كان عليه أن يواجه الحاضر بعد أن أوجب الدستور صدورها بقانون، بأن تقصر اللائحة على المبادئ العامة والكليات ، وترك التفاصيل، التى يكمن فيها الشيطان، ليواجها عند الواقع ، لأن النصوص مهما بلغت تتناهى، وواقع الحال لا يتناهى، وكان عليه أن ينهض بمسئولياته الدستورية منذ اليوم الأول لانعقاد جلساته.. لم يعد أمامنا ألا أن يمضى المجلس بقوة وحزم لتحمل مسئولياته الدستورية.. ويواجه الخارجين بعد أن أسقط العضوية عن أحد أعضائه، بصرامة وشدة، والبعد عن الانفعال والانحراف والتحلى بالموضوعية، واتباع الشروط والأحكام حتى لو كان المجلس سيد قراره !! لمزيد من مقالات د . شوقى السيد