وفقا لتقديرات أجهزة مخابرات أوروبية، أكدها مسئولون أوروبيون لوسائل الإعلام الألمانية والنمساوية فإن الجهود الأوروبية المحمومة لتأمين الحدود الخارجية للإتحاد الأوروبى وإغلاق طريق غرب البلقان أمام المهاجرين واللاجئين القادمين من تركيا عبر اليونان دفع مافيا التهريب العالمية لتكثيف عمليات التهريب عبر ساحل شمال إفريقيا من جديد مع التركيز هذه المرة على السواحل المصرية بسبب ما تشهده ليبيا من إضطرابات ورقابة متزايدة على شواطئها. وفى برلين طالب خبراء ألمان بزيادة الدعم اللوجيستى والفنى والمالى للقاهرة لمواجهة هذا التحدى الجديد. فقد نشرت صحيفة "فيلت ام زونتاج" الألمانية أن أجهزة مخابرات عدة دول تقدر عدد اللاجئين الذين ينتظرون فى ليبيا تحسن الطقس لبدء محاولة عبور المتوسط إلى لامبيدوسا وصقلية الإيطاليتين بين 150 ألف و200 ألف لاجئ. غير ان التطور اللافت هو وجود عدد متزايد من اللاجئين السوريين بين هؤلاء المهاجرين المنتظرين فى ليبيا وهم تقليديا من دول جنوب الصحراء مثل اريتريا و نيجيريا والصومال وغيرها من البلدان الإفريقية. وبسبب الفوضى فى ليبيا وتنامى نفوذ داعش وتركيز الوحدات البحرية الأوروبية والإيطالية على مراقبة السواحل الليبية بدأت عصابات التهريب المنظمة فى إرسال اللاجئين والمهاجرين إلى السواحل المصرية كنقطة إنطلاق للعبور إلى اليونان وإيطاليا أيضا. وقد سجلت المنظمة الدولية للهجرة زيادة ملحوظة فى عدد المهاجرين الذين يصلون قبرص من السواحل المصرية. ولا تقتصر مخاوف الأجهزة الأمنية الأوروبية هنا كما تقول الصحيفة على إيجاد طريق بديل لعبور المهاجرين واللاجئين إلى أوروبا، وإنما أيضا من تسلل عناصر إرهابية من شمال سيناء وسط اللاجئين. ورغم الرقابة المشددة التى تفرضها السلطات الأمنية المصرية ومحاربتها لعمليات تهريب المهاجرين واللاجئين بشكل ملحوظ إلا أن تكثيف مافيا التهريب لنشاطها خلال الفترة القادمة سيضع السلطات المصرية أمام تحد لقدراتها فضلا عن المرحلة الاقتصادية الصعبة التى تمر بها البلاد وبالتالى تحتاج القاهرة إلى دعم أوروبى فعال.فى الإطار نفسه حذر تقرير للمخابرات العسكرية النمساوية نشرته صحيفة دى برسه النمساوية من ان أعداد اللاجئين القادمين إلى اوروبا هذا العام من كل صوب ستفوق أعداد العام الماضى بكثير وستأتى عبر عدة طرق بديلة منها مصر أيضا وليس تركيا فقط. التقرير حذر من خطأ تقع فيه المستشارة الألمانية انجيلا ميركل بمراهنتها بالكامل على إغلاق طريق اللاجئين القادمين من غرب البلقان بالتعاون مع تركيا. ويشير التقريرالإستخباراتى إلى أن تركيا لا ترغب ولا تملك القدرة على الإلتزام باتفاقها مع الاتحاد الأوروبي. فعدد اللاجئين بها يقدر بحوالى ثلاثة ملايين لا يرغبون فى العودة الى سوريا أوالعراق أوأفعانستان، كما ان بإمكانهم الضغط لمغادرة تركيا الى أوروبا التى تقع على مرمى حجر. فضلا عن اللاجئين القادمين من افغانستان التى يغادرها نحو 80 الف شهريا متوجهين نحو اوروبا وسيصل منهم ما بين 800 الف الى مليون ونصف مليون لاجئ خلال عام 2016 وحده! بالإضافة إلى اللاجئين التقليديين من دول إفريقيا جنوب الصحراء الذين يتجمعون فى ليبيا. ونظرا للتدخل العسكرى الدولى المتوقع قريبا فى ليبيا لمحاربة داعش، أصبح تهريب المهاجرين عبر السواحل الليبية مهمة صعبة. ما يعنى ان اوروبا ستواجه مشكلة حقيقية إذا ما كثفت عصابات التهريب نشاطها انطلاقا من السواحل المصرية كخط بديل عن ليبيا. وحسب المنظمة الدولية للهجرة لاتوجد أرقاما معلنة عن حجم عمليات تهريب المهاجرين من السواحل المصرية ولكنها كانت حتى الآن تمثل نسبة ضئيلة، ففى العام الماضى قدم 80% من اللاجئين والمهاجرين إلى أوروبا عبر تركيا واليونان والباقين أغلبهم عبر ليبيا وإيطاليا. وتوقع المتحدث باسم المنظمة ليونارد دويل زيادة نشاط مافيا التهريب التى تبحث دائما عن طرق جديدة فهى تحقق مكاسب بالمليارات كما ان هذه العصابات تحرص على وصول المهاجرين لوجهتهم النهائية حتى تقبض باقى اتعاب عملية التهريب. ومع تحسن الطقس فى الربيع يتوقع دويل ان تنشط من جديد قوارب المهربين عبر البحر المتوسط ولكن بشكل متزايد من مصر. هذا التحدى الجديد يثير قلق المسئولين فى برلين حيث ان المانيا هى الوجهة النهائية للغالبية العظمى من اللاجئين السوريين والعراقيين والأفغان وحتى المهاجرين الأفارقة ومن دول شمال أفريقيا الذين يتسللون ضمن القادمين وقد استقبلت المانيا فى العام الماضى وحده أكثر من مليون ومائة الف لاجيء ومهاجر. ويدرك وزير شئون المستشارية الألمانية بيتر التماير وهو المسئول الأول عن تنسيق السياسات فى ملف اللاجئين أن عصابات التهريب لا تعرف حدودا وانه إذا ما نجحت الجهود الالمانية فى سد طريق الهجرة من تركيا عبر إيجه إلى اليونان ثم دول البلقان فإن تنشيط التهريب عبر البحر المتوسط قادم لا محالة وربما أيضا من خلال روسيا وجورجيا! ولذلك تسير برلين على كافة المسارات بالتوزاي، فهى تحاول تأمين الحدود اليونانية وتفعيل الإتفاق مع تركيا للاحتفاظ باللاجئين هناك، مع توزيع عادل لحصص من اللاجئين السوريين بشكل شرعى على الدول الأوروبية وفى الوقت نفسه ترحيل سريع لمائتى ألف شخص رفضت طلبات لجوئهم فى المانيا.وهنا بدأت برلين فى اتباع سياسة العصا والجزرة مع مجموعة من 17 دولة ترفض استقبال مواطنيها المرحلين من المانيا وفى مقدمتها دول المغرب والجزائر وتونس, فقد أرسلت خطابات احتجاج دبلوماسية لحكومات هذه الدول التى ترفض التعاون فى إصدار وثائق سفر مثلا لمواطنيها المرحلين او ترفض إستقبالهم لأسباب أمنية او لأنها تستفيد اقتصاديا من وجودهم فى المانيا. ومع الإحتجاج والضغط تتعهد برلين لهذه الدول برفع مستوى التعاون والعلاقات وتلوح بمساعدات تنموية واقتصادية. اللافت للنظر ان مصر من بين هذه الدول التى تضم السنغال وبنين ونيجيريا والمغرب وتونس والسودان كما نشرت صحيفة فيلت الألمانية. وقد رفضت وزارة الداخلية الألمانية التعليق على فحوى الخطاب وأسماء الدول التى تسلمته. غير ان معهد السياسة الخارجية يشير إلى ان المانيا تنظر لمصر كشريك رئيسى فى الحرب على الإرهاب وفى محاربة الهجرة غير الشرعية، كما ان هناك ثقة المانية فى الإجراءات المصرية لحماية الحدود والسواحل المصرية .