لم أشاهد الفيلم المسجل لأحداث الجمعة4 مايو2012, ولم أشاهد لقطات قنوات التلفزيون المحلي والفضائي لها; كنت أسمع وأشاهد واقع المشهد حيا من شرفة بيتي في الدور الثاني عشر المطلة علي جامعة عين شمس وجامع النور وميدان العباسية وشارع أحمد لطفي السيد. قبل ذلك اليوم وقبل أحداثه كنت قد تعودت علي سماع الطلقات والفرقعات, التي كنت أحيانا أحسبها صواريخا أو غير ذلك أحيانا أخري, أسمعها نهارا وعصرا ومغربا وتزداد ليلا, لا تتوقف ولا تخلف مواعيدها حتي أصبحت من المألوف الذي يصاحب أوقاتي في عقر داري ويتراوح بين المعقول واللامعقول; بين ما أبرره بمناوشات إحتياطية أو أنكره تصعيدا مخيفا, كذلك الذي ساد مساء الثلاثاء1 مايو2012 متواصلا حتي بلغ أشده مروعا وأنا أهرع بوضوئي لصلاة فجر الأربعاء2 مايو2012 أبتهل إلي الله أن يمن باللطف علي المعتصمين وقد علت إستغاثاتهم بالتكبيرات تكررها مكبرات الصوت بآذان الفجر والإقامة من مسجد النور, إستغاثات من كانوا قد أتموا الوضوء إستعدادا لصلاة الفجر حين باغتتهم المجزرة ووقع من وقع من الشهداء والجرحي, أما في مشهد ما حدث بعد صلاة الجمعة4 مايو2012 فقد هطلت الفرقعات والطلقات في عز الظهيرة بدوي مهول أرعب عصافير حدائق جامعة عين شمس وكلابها. كانت جماعات العصافير تطير فارة يمينا ناشدة مهربا لا تجده فتعود شمالا ولا ملاذ لها يهدئ من فزعها, وكانت قبيلة الكلاب, التي طالما أرقني نباحها الجماعي, تندفع جريا نحو السور الحجري الفاصل بين الجامعة ومساكننا,( مساكن هيئة تدريس جامعة عين شمس بأرض الزعفران), قبيلة الكلاب لا تجد منفذا في السور فتكر راجعة في حيرة المحاصر بين النار والنار لا تصدر صوتا فقد كتم الهلع قدرتها علي النباح, والله إنني لأصف ما رأيت حتي أنني بكيت شفقة علي العصافير والكلاب فكيف لا ينخلع قلبي من أجل الإنسان المتظاهرين وأنا أراهم عزلا فارين من ميدان العباسية نحو شارع أحمد لطفي السيد تطاردهم فيالق الجنود بالحجارة والقنابل يتقدمون بكل قوة في تفوق كاسح مبين وراء شباب من أهلهم ومن لحمهم ودمهم!علا نحيبي وأصابني المغص وأنا اشاهد القبح المستعيد لذكريات حوادث كوبري عباس فبراير1946 وغيرها من ممارسات القمع التي لا يجوز, مهما كانت مبرراتها, أن نورط فيها جنودا مصريين يضربون مظاهرات واحتجاجات شعبية سلم الجميع بمشروعيتها وكان الوعد هو حمايتها. كان هناك علي قناة المحروسة رجل عريض المنكبين, لم أتنبه لاسمه, يزعق بتحريض فاقد لكل صواب يطالب المسئولين بأن يضربوا الناس بيد من نار, وهو إبداع جديد لم أسمعه من قبل في موسوعة التحريضات المتنوعة التي شملت من أول التوصية بالضرب بيد من حديد و التجهم للشعب ب العين الحمراء, حتي المناشدة بإعلان الأحكام العرفية فورا,( بيان د. عصمت الميرغني الأهرام14 أكتوبر2011 ص9)! يا أخي المسئول: صديقك من صدقك بمناشدة, لا نفاق فيها, تبني الثقة و تداوي الثارات وتخمد نيرانها, و تعالج الجراح لا أن تزيدها تقيحا وإدماء, إن من مسئولية المسئول الحكمة وهي تقتضي عدم الإلتفات إلي من يزينون لكل الحكام والمسئولين في كل العهود الإغترار ب عنجهية القوة التي ما اغتر بها مغتر إلا هلك. بقي أن أتعجب من فقرة, نسبت إلي حضرة اللواء عادل المرسي رئيس هيئة القضاء العسكري في الأهرام9 مايو2012 ص7, تفيد بأن القضاء العسكري سيواجه التهكم علي القوات المسلحة بالقانون; والله أنا لم أصدق عيني: إذا أردنا أن نطاع نطلب ما يستطاع, نحن هنا في مصر التي لايمكن لأهلها العيش من دون التهكم ومشتقاته; هكذا خلقنا ربنا, وآدي ألله وآدي حكمته, بالإضافة إلي أن هذا الكلام يشبه تماما ما كان يسمي في الأزمنة البائدة: العيب في الذات الملكية, وما كان يروي عن تجريم النكت في الحقبة الناصرية وكان هذا الأمر في حد ذاته: نكتة!