مما لاشك فيه ان الصحافة والإعلام المملوك للشعب لا غنى عنه فى دول العالم الثالث تحديدا حيث زيادة نسبة الأمية وارتفاع معدلات الفقر، وذلك باعتباره فلسفة يقدم خدمة للمواطن تتصل بدور تنويرى للمجتمع باعتبار ان ذلك شرط أساسى للتنمية المجتمعية، بما تعنيه، من إضاءة فكرية وثقافية وترسيخ وعيِّ مغاير يجعل التقدم والتنمية هدفاً وطنياً ولا سيما فى ظل إعلام دولى شرس يروج لنموذج أحادى الثقافة فكراً واستهلاكاً. إلا أنه فى لحظة تاريخية فارقة يعانى هذا «الإعلام» المجتمعى نسبة الى ملكيتةهالمفترضة من حالة ضعف وهزال تقنى ومهني، لأسباب متنوعة يمكن إجمالها فى ضبابية الرؤية التى عانت منها القيادة السياسية ، تغييب مؤسسات المجتمع المدنى عن ممارسة دورها المأمول، فى التقييم والتقويم لهذا الكيان المجتمعى باعتباره أصلا مملوكاً للشعب. ومن ثم جاء دستور2014، ينص صراحة على إقامة كيانات وطنية الهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام ليتوليا وفقاً للمواد 212 ، 213 من الدستور مسئولية إدارة هذه المؤسسات، زيادة عن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الذى يتولى ضبط الأداء الإعلامي، وفقاً للمادة 211من الدستور، أى أننا بصدد هيئات متنوعة تهدف فى النهاية الى ضبط الأداء. ومن هنا يدور تساؤل هام، عن دور الهيئات الوطنية للصحافة وللإعلام هل هما إعادة إنتاج للمجلس الوطنى للصحافة بتشكيله القانونى الذى رسخ تبعية الصحف القومية للدولة، والأمثلة التاريخية الدالة التى يندى لها الجبين تملأ مئات الرسائل الجامعية، ومن ثم فهى ضمانة دستورية لعدم خروجها عن السياسة وخدمة النظام او توظيفها لصالح تيار سياسى بمصادفة تاريخية. ويشكل ذلك قفزا على نتائج القراءة التاريخية لأحداث الخمس سنوات الأخيرة منذ أحداث 25 يناير، التى تكشف بوضوح أن هذه المؤسسات فشلت فشلاً ذريعاً فى حماية النظام، حيث ساهمت فى مزيد من الاحتقان بفعل الضعف المهنى الذى آلت اليه، مما ترتب علية خلو الساحة، للإعلام الخاص والعابر للدول فى لحظة الأزمة، وتحول المشهد الإعلامى برمته الى عبث يهدد مصالح الدولة والمواطن بل ويهدد استقرار المجتمع برمته، من أجل تحقيق مصالح خاصة لفئة من المنتفعين. من ثم فإن شرط مهنية هذا الإعلام أظن وليس كل الظن من حسن الفطن ، كان ينبغى أن يتسيد رؤية الدولة والمجتمع معاً، ولن يتأتى ذلك من خلال المجالس الوطنية التى تشكلها الحكومات، لإحكام سيطرتها على الإعلام المكتوب والمرئى والإلكتروني، بل من خلال خارطة طريق تتضمن بنودا هي:- 1- إطار تشريعى ينص على الدور التنويرى والوطنى لهذه المؤسسات القومية التى لا غنى عنها فى مجتمعنا فكراً وممارسة، يترتب عليه التزام أخلاقى لهذه المؤسسات ورجالاتها بمصالح هذا الوطن واستقلاله وسيادته. 2 إطار إدارى يسند الأمر الى أهلة وفقاً لمعايير الكفاءة والمهنية وليس الولاء، يستلزم تفعيلاً حقيقياً لدور النقابات المهنية (نقابة الصحفيين ونقابة الإعلاميين) فى تقييم وتقويم أداء رجالها لتقوم بواجباتها تجاه المجتمع وأعضائها ثم الحرص على استقلالية الجمعيات العمومية لهذه المؤسسات، بما يسمح لها بممارسة دورها الفعال فى التعبيرعن مصالح العاملين ومراقبة وتقويم مجالس الإدارات. 3 تفعيل مؤسسات المجتمع المدنى من خلال تشجيع إنشاء كيانات مدنية أهلية تقوم بمراقبة وتقويم الأداء الإعلامى بمشاركة من الجهات الأكاديمية والبحثية والمهنية المختلفة، وبذلك تمارس دور الجمهور (الحاضر الغائب) فى إعلام العالم الثالث، الذى هو الضلع الثالث المكمل للعمل الإعلامي. أظن أن اللحظة التاريخية المفعمة بالتهديدات التى تنذر بخراب هذا الوطن، تتطلب تكاتف كافة الأطراف من جماعة مهنية (صحفيين وإعلاميين) ورجال قانون، ومفكرين وأكاديميين، وأحزاب، وجمعيات أهلية وغيره بشكل من التجرد، وإنكار الذات، لصناعة تشريع يضمن استقلال المؤسسات الصحفية والإعلامية القومية، ويضمن مهنية أدائها لتؤدى دورها الوطنى المنوط بها فى تنوير المجتمع والحفاظ عليه فى ظل منافسة شرسة لن يحسمها إلا تطوير الأداء، باعتبار أن الإعلام المستنير يساوى مجتمعاً مستنيراً. لمزيد من مقالات د. ياسر الأنصاري