بموجب الدستور، أعد مشروع «الهيئة الوطنية للإعلام والصحافة»، بمعرفة عدد من الخبراء والجهات المختصة فى شئون الإعلام والصحافة، بما يتضمنه من ضوابط ومعايير لضمان الحرية والمهنية، وحيادية وسائل الإعلام، واستقلالها، وحماية حقوق العاملين، وفقاً لمرحلة التحول التاريخى التي تمر بها مصر وأولوياتها وسياساتها وثوابتها الوطنية، ومن المنتظر إقراره فور انعقاد مجلس النواب. وبالتالى وضع استراتيجية تجعل من الإعلام شريكاً أساسياً فى التنمية – هى ضرورة ملحة – فى إطار وضع آليات جديدة وواضحة تضمن التطبيق الصارم لضوابط العمل الإعلامى، وتفعيل ميثاق الشرف الأخلاقى والمهنى، بما يتلاءم مع طبيعة المرحلة الراهنة. ويحتوى مشروع القانون على عديد من الإيجابيات، ويعد صمام الأمان لعودة الحرية والمهنية لمنظومة الإعلام ككل، باعتبار «الهيئة الوطنية للإعلام» جهة مستقلة، هى المنوط بها وضع ميثاق الشرف الإعلامى، وتنظيم شئون الإعلام بكل فروعه المقروءة والمرئية والمسموعة، ومتابعتها، من أجل ضبط الأداء المهنى والإخلاقى، وحماية وحرية الصحافة والإعلام ككل، والحفاظ على استقلالهما. والسؤال الذي يفرض نفسه: متى يقوم الإعلام ككل بدوره فى إطار المصلحة الوطنية.. وماذا عن الحريات والحقوق والواجبات التى تمت مناقشتها فى أخلاقيات الإعلام.. وما العقوبات القانونية الخاصة بالعمل الإعلامى ومهنة الصحافة؟! فيما يلي نرصد آراء المفكرين والمثقفين والأكاديميين والقانونيين فى هذا الشأن. بداية يؤكد الدكتور صفوت العالم، أستاذ بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، أحد أعضاء لجنة تشريعات الإعلام: إننا نريد مؤسسات إعلامية تقوم بدورها فى ضبط الأداء الإعلامى.. فنحن طالبنا مراراً وتكراراً بوجود ميثاق شرف إعلامي متكامل، من حيث الضوابط والشروط فى الممارسة ويكون مكتوباً وواضحاً ومحدداً، مع أهمية وجود نقابة للإعلاميين تقره طواعية مع أعضائها، حتى يمكن حماية الإعلاميين من مالك القناة عليها، والقيام بمسئوليتها الاجتماعية تجاههم، ومنع التجاوزات والانتهاكات التى تمثل ضرراً للمشاهد أو المستمع. وأضاف «أستاذ الإعلام»: إن القوانين العامة تقوم بدورها إلى أن يأتى تشكيل المجلس الأعلى للإعلام كبديل لوزارة الإعلام وفقاً للمادة (211) فى الدستور، والمادة (212) التى نصت على وجود المجلس الوطنى للصحافة كبديل للمجلس الأعلى للصحافة، والمادة (213) التى تنظم المجلس الوطنى للإعلام السمعى والمرئى كبديل لاتحاد الإذاعة والتليفزيون. إجراءات المحاسبة والتقط طرف الحديث، الدكتور حسن عماد مكاوى، وكيل المجلس الأعلى للصحافة، عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة، قائلاً: إن قانون الهيئة الوطنية جزء من قانون «تنظيم الصحافة والإعلام»، ويهدف إلي وضع كل القواعد القانونية الجديدة لتشمل الصحافة والإعلام، وتلك الحريات انطلاقاً من مواد دستور 2014. وأضاف الدكتور «مكاوى»: يحتوى المشروع على كثير من المكاسب لحرية الرأى والتعبير، واستقلال المؤسسات الصحفية والإذاعية والتليفزيونية، التى تعبر عن صوت الشعب، عن كل السلطات فى البلاد، وتمويلها، وتنظيمها بصورة جيدة وديمقراطية وفقاً للدستور، بما يضمن تحديثها، والتزامها بأداء مهنى حيادي، وإدارى، واقتصادى رشيد، كما تحتوى على بعض المكاسب أهمها حماية حقوق الصحفيين والإعلاميين المهنية والوظيفية، والحصول على الرواتب والمكافآت التى تضمن لهم مستوى معيشى لائقاً، وتسهيل عملهم بالحصول على المعلومات السليمة والدقيقة من مصادرها لضمان أكبر قدر من الشفافية والمصداقية، أما فيما يخص الواجبات فهى تتضمن استخدام المصادر العلمية، وتقديم المعلومات الصحيحة للجمهور، وحظر قبول تبرعات أو إعانات أو رشاوى أو مزايا خاصة بسبب عمله من أى أشخاص أو جهات أجنبية أو محلية سواء كانت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وألا يشارك بصورته أو صوته فى إعلانات تجارية مدفوعة الأجر. وأوضح الدكتور «مكاوى»: إنه يجوز للصحيفة أو الوسيلة الإعلامية أن تنشر «حق الرد» أو التصحيح على المعلومات الخاطئة فقط، ويعاقب الممتنع بالغرامة التى لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد علي عشرين ألف جنيه، ولا يخل ذلك بحق المتضرر فى اللجوء إلى القضاء للحصول على التعويض المناسب، ولا يحول دون مساءلة الصحفى أو الإعلامى تأديبياً أمام الجهة المختصة فى النقابة المعنية وفقاً للمادة (26)، مشيراً إلى أن استقلال المؤسسات الإعلامية العامة عن الدولة هى خطوة نحو الحرية والمهنية وتوقف سيطرة الدولة عليها. ضوابط ملزمة أما الدكتور طارق زغلول، الناشط الحقوقى، المدير التنفيذى للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، فيرى أهمية الإسراع فى تكوين وتشكيل المؤسسات الإعلامية الجديدة التى نص عليها الدستور، لكى تمارس دورها فى التقليل من الفوضى والتجاوزات المهنية ببعض القنوات الفضائية، فيما يتعلق بإنشاء مجلس وطنى للإعلام، وهيئة الإذاعة والتليفزيون، والهيئة الوطنية للصحافة، وأن يترأس كل هذه الهيئات وزير للإعلام. وشدد على أهمية وجود ضوابط للقيم المهنية والأخلاقية تضمنها وترعاها هذه المؤسسات والقنوات الأخرى مثل ميثاق الشرف الإعلامى الذى يمكنه محاسبة المخطئ، وكذلك لجان تقييم الأداء.. وغير ذلك، وأخيراً ضمير الإعلامى وهو ما يمثل ضمانات تحول دون وقوع تلك التجاوزات والمخالفات الكارثية. وأوضح «الناشط الحقوقى»: إننا نريد إعلاماً جديراً بالمشاهدة ويتحدد طبقاً لفريق الإعداد وشخصية مقدم البرامج ونوعية الضيوف، وفقاً لمرحلة التحول التاريخى وأولوياتها وسياساتها ومشروعاتها القومية التنموية والاقتصادية، وثوابتها الوطنية، وبالتالى نحتاج خطاباً مستنيراً وواضحاً يتجه نحو المصالح القومية للدولة المدنية الحديثة. ومن جانبه، أكد أحمد عودة، الخبير القانونى، مساعد رئيس حزب الوفد، ضرورة ضبط الأداء الإعلامى وتنظيم المشهد الإعلامى ككل، ولكن من خلال تشكيل هيئة وطنية لتنظيم منظومة الإعلام ككل، كهيئة مستقلة وليست حكومية، لأن تجربة إنشاء هيئات أو أجهزة حكومية سوف تتأثر بالاتجاهات الحكومية، وتنتقل إليها المشكلات الإدارية من الروتين والبيروقراطية والرشاوى.. وغيرها، وهو ما نعانيه ونراه فى كثير من الأجهزة الحكومية، وبالتالى فإن اقتراح نقابة للإعلاميين يتولى إدارتها كبار الإعلاميين ممن يتمتعون بالخبرة والكفاءة، وتكون مهامها الإشراف والإدارة الحسنة، ووضع ضوابط لحسن الأداء، ويمكنها أن توقع العقوبات التأديبية فى حالة وقوع مخالفات أو تجاوزات أو ما شابه ذلك، وإذا ما أعدت تلك النقابة ميثاق شرف إعلامياً.. فإن بذلك يكون أجدى، وكما يحدث فى دول العالم مثل ألمانيا وفرنسا وغيرهما، مشيراً إلى أن العقوبات المقررة تشتمل على عقوبات تأديبية مثل الفصل عن العمل والخصم من الراتب، وهناك مسئولية جنائية فى حال ارتكاب الصحفى أو الإعلامى جريمة بشعة. آليات صارمة ووافقه الرأى السابق، الدكتور حسن أبوطالب، أستاذ العلوم السياسية، مدير معهد الأهرام الإقليمى للصحافة.. وطالب بأن نحذو حذو باقى دول العالم بإنشاء تلك الكيانات الإعلامية، وأن نضع قواعد الممارسة المهنية، وميثاق الشرف المهنى لضبط الأداء الإعلامى والصحفى، ويؤاخذ تأديبياً أمام نقابته إذا أخل بواجباته المبينة فى هذا القانون أو فى الميثاق. ومن ناحيتها، ترى فريدة النقاش، الكاتبة الصحفية، القيادية بحزب التجمع، ضرورة وضع ضوابط وآليات للإعلام المصرى، تضمن الحرية والمهنية لوسائل الإعلام سواء الخاصة أو المملوكة للدولة، بما يتفق مع نصوص الدستور، ونبذ السلبيات التى عانى منها الإعلام على مدار السنوات الماضية. وأضافت: عندما نتحدث عن باب تأديب الصحفى والإعلامى نجد أنه مثلما تختص نقابة الصحفيين وحدها بتأديب أعضائها، وإن كان ذلك «غير مفعَّل»، تختص نقابة الإعلاميين وحدها بتأديب الإعلاميين من أعضائها، وتطبق فى هذا الشأن الأحكام الواردة فى قانون كل نقابة، وفى ميثاقى الشرف الصحفى والإعلامى، وتتولى لجنة الشكاوى المهنية المشكلة فى كل نقابة بفحص الشكاوى المقدمة إليها ضد عضو النقابة الذى ارتكب مخالفة لميثاق الشرف المهنى، أو لتقاليد المهنة وآدابها، سواء تعلقت بضرر وقع على الشاكى، أو ارتبطت بإساءة إلى المهنة، أو أحيلت إليها من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، أو الهيئة الوطنية للصحافة أو الإعلام، وللجنة إما بحفظ الشكوى، وإما إحالتها إلى لجنة للتحقيق، على أن ترفع توصيتها لمجلس النقابة لاتخاذ قرار بشأنها فى مدة لا تتجاوز شهراً، طبقاً للمادة (34). وتابعت: إنه فى باب ضمانات التحقيق والمحاكمة فى الجرائم التى تقع بواسطة الصحف ووسائل الإعلام، نجد المادة (40) التى تنص على: «اختصاص محاكم الجنايات وحدها بمحاكمة الصحفيين والإعلاميين.. وغيرهم ممن يتهمون بارتكاب جرائم النشر والعلانية التى تقع بواسطة الصحف ووسائل الإعلام، وتكون أحكام محاكم الجنايات قابلة للطعن فيها بالاستئناف أمام دائرة الجنايات الصحفية والإعلامية المستأنفة التى تتشكل من ثلاثة من أقدم رؤساء الاستئناف بدائرة محكمة الاستئناف المختصة». ولكن وفقاً للمادة (42): «إذا حركت دعوى جنائية بسبب الجرائم التى تقع بواسطة الصحف أو وسائل الإعلام جاز للمتهم أن ينيب عنه وكيلاً لمتابعتها ما لم تأمر المحكمة بحضوره شخصياً».. أما فى المادة (43): ف «لا يجوز الحبس الاحتياطى، أو الإفراج بكفالة فى الجرائم التى تقع بواسطة الصحف ووسائل الإعلام». أخلاقيات القانون ومن جهته، يؤكد الدكتور محمود خليل، رئيس قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أهمية إيجاد ميثاق شرف إخلاقى يحكم الممارسة الإعلامية، الذى كان هدفاً أساسياً من أهداف خطة خارطة الطريق، فى عام 2013.. وبالتالى هناك ضرورة لوجوده، لضبط الممارسة الإعلامية بكل فروعها مرئية ومسموعة ومقروءة ورقمية، وهو يأتى ضمن مقترح تم تقديمه مؤخراً من جانب عدد من الجهات التى تنخرط فى العمل الإعلامى، شملت غرفة صناعة الإعلام ونقابة الصحفيين المصرية ونقابة الإعلاميين تحت التأسيس واتحاد الإذاعة والتليفزيون، وهو «أمر جيد» فى مجمله. وأشار إلى أن العلاقة بين المبادئ والقيم الأخلاقية والمهنية، ذات الصلة ببعضهما.. ولا يستطيع أحد أن ينفى ذلك، ومن هنا لابد أن يتحلى الإعلامى والصحفى بالمسئولية الاجتماعية من خلال الالتزام بالمصداقية والموضوعية والحياد فيما يصل إلى الجمهور، لكسب ثقة الرأى العام، وعدم الانحياز والمحافظة على حقوق الآخرين، لأن ابتعاد الإعلام المصرى عن هذه المبادئ، كان له تأثير واضح على فوضى الخطاب الإعلامى التى ظهرت مباشرة عقب ثورة 25 يناير 2011، واستغلال هذه الوسائل فى خرق الثوابت الوطنية والأخلاقية التى يرتكن إليها المجتمع المصرى، وهو ما شاهدناه فى خطابات إعلامية تروج للسحر والشعوذة، وأخرى تدعو إلى الاستقطاب السياسى لطرف بعينه وفقاً لرؤى ومصالح خاصة، دون النظر لما يواجهه الوطن من تحديات كبرى، ناهيك عن الخطابات الأخرى التى تعمدت اختراق خصوصية المواطنين وعدم احترام حياتهم الخاصة، كما أن هناك تفريطاً فى الخلط بين الإعلان والمواد الإعلامية المختلفة، ووجود البرامج والمساحات الصحفية التى تقوم بالإعلان والترويج عن شخصيات ومؤسسات معينة.. كل هذه النماذج تثبت تخلى الإعلام المصرى عن وظيفته الرئيسية فى الرقابة على مؤسسات الدولة، لتنظيف المجتمع من الفساد والانحراف. وأوضح الدكتور «خليل»: إن الأهم من صدور القانون هو آليات تطبيقه، لأن مواثيق الشرف السابقة، التى عرفناها عبر التجربة الإعلامية المصرية.. وكان يتم وضعها بمعرفة نفس الجهات منها المجلس الأعلى للصحافة، تصدر تقارير عن الممارسة المهنية، التى كانت تصدر بصيغة شهرية، وكانت تتضمن المخالفات التى تقع فيها الصحف المختلفة، وتعاود وصول النسخ منها إلى الصحف مرة أخرى، لكنه لا يرتب عليها أى آليات عقابية على الصحيفة المخالفة، ومن هنا يفترض قانوناً نشر مجموعة المخالفات التى تقع فى هذه الوسائل الإعلامية، لتفعيل القانون على أرض الواقع، لأن الالتزام بأخلاقيات الإعلام من المفترض أن يكون مبدأ يرتبط بيقظة الضمير المهنى للإعلامى فى المقام الأول. ولفت «خليل» إلى أهمية دور الجمهور فى معاقبة الصحيفة أو القناة الإعلامية التى تبتعد عن بنود الشرف الأخلاقى، وذلك بأن يعزف عنها القارئ أو المشاهد أو المستمع، وإلا يتابعها.. مثلما حدث مع أحد البرامج الشهيرة مؤخراً، الذى تم إيقافه عن العمل، وإجبار القناة الاعلامية على تقديم الاعتذار الواجب للمشاهدين، خاصة بعد تعبئة حملة شعبية لمقاطعة البرنامج عبر وسائل التواصل الاجتماعى. وأردف الدكتور «خليل»: من المفترض بعد تشكيل «الهيئة الوطنية للإعلام» وفقاً للدستور، أن تكون الجهة الراعية والمتابعة، لمدى التزام وسائل الإعلام المختلفة والعاملين بها، بالبنود والمواد التى يشتمل عليها ميثاق الشرف الإعلامى، وضرورة أن تتولى إصدار تقارير متابعة شهرية لكى يمكنها إرشاد العاملين فى مهنة الإعلام لبعض التجاوزات السابقة المخالفة للقانون، لتلافى الوقوع فيها مستقبلاً، مع أهمية التعاون مع جماعات الضغط الشعبى محلياً، للعودة إلى المهنية والالتزام الأخلاقى.. كل هذه الأدوار هى المنوط بها عملها، لافتاً إلى أنها لم تكن جهة تنفيذ قانون. وتابع: يجب على كل وسيلة إعلامية أن تتعامل بمبدأ المسئولية الاجتماعية، وذلك بالحرص على تدعيم ثوابت وتقاليد وقيم المجتمع، والالتزام مهنياً بمجموعة من المعايير التى تحكم إنتاج الخطاب الإعلامى المقدم للجمهور، مثل عدم التدخل فى الحياة الشخصية للمصادر العلمية، أو الشخصيات العامة، وعدم نشر الأكاذيب أو الشائعات المغرضة، التى تمس الوحدة الوطنية.