برلمان مصر على مدار تاريخها الحديث، كان شاهدا على أحداث جسام، منها ما تجسد فى خطابات رؤسائه، التى ارتبطت بها ذاكرة المصريين، بل وغيرت من مجرى التاريخ ذاته. واليوم ومصر تفتح صفحة جديدة من تاريخها السياسي، يترقب الشعب بأسره كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى أمام مجلس النواب ، ومنذ برلمان 1924 توالت مشاركات ملوك ورؤساء مصر فى مناسبات عدة تحت قبة المجلس، سواء كانت للتنصيب أو لإلقاء كلمة عقب افتتاح أدوار الانعقاد السنوية، أو لمخاطبة الشعب عبر نوابه فى الظروف والمناسبات الاستثنائية. وقد شهد الملك فؤاد حفل افتتاح مجلس النواب فى الخامس عشر من مارس 1924 وسط أجواء أسطورية، للاحتفال بأول برلمان مصرى حديث بعد إقرار دستور 1923 الذى أسس للحياة البرلمانية المعاصرة، وألقى زعيم الأمة سعد زغلول وقتها خطاب العرش نيابة عن الملك، وهو التقليد الذى كان متبعا إبان الملكية بأن يتولى رئيس مجلس الوزراء الخطابات أمام البرلمان. و كان الملك فؤاد قد تم تنصيبه عام 1917 فى سراى عابدين، حيث لم يؤد اليمين الدستورية أمام الجمعية التشريعية التى كانت تمثل البرلمان آنذاك، لأنها كانت معطلة منذ قيام الحرب العالمية الأولى فى عام 1914. أما الملك فاروق فقد توج ملكا رسميا على مصر يوم 29 يوليو 1937 بأدائه اليمين الدستورية أمام مجلس النواب، بعد انتهاء فترة الوصاية حيث كان قاصرا، وكان يوما أسطوريا حافلا، وارتدى الحضور ملابس السهرة والأوسمة ، وألقى رئيس مجلس الوزراء مصطفى النحاس باشا كلمة، وهتف رئيس مجلس الشيوخ «يعيش الملك» ثلاث مرات، وردد الأعضاء الهتاف خلفه. وعلى الرغم من انتخاب جمال عبد الناصر فى 24 يونيو1956 رئيساً للجمهورية بالاستفتاء الشعبي، فإنه لم يحلف اليمين الدستورية إلا بعد انعقاد مجلس الأمة سنة 1957، و الذى يعد أول مجلس بعد ثورة يوليو، وألقى بيانا قال خلاله إنه كان يتطلع بأن يلتقى بنواب الشعب مع قيام الثورة، و أضاف أن التجربة أثبتت أن الأمر لم يكن بسيطا، و أن الطريق كان مليئا بالصعاب. ولعل من أبرز خطابات الرئيس عبد الناصر، كانت كلمته أمام مجلس الأمة بمناسبة إعلان أسس الوحدة بين مصر وسوريا فى الخامس من فبراير 1958 ، كما تحدث فى 23 نوفمبر 1967 أمام المجلس بخطاب "مرتجل" ومطول لعله الأشهر فى بداية دور الانعقاد الذى تلا عدوله عن التنحي، وشرح خلاله ظروف النكسة، وكيفية استعادة الجيش لقوته . وشهدت حقبة الرئيس الراحل أنور السادات عددا من الخطابات غير التقليدية أمام البرلمان، منها خطابه التاريخى فى 16 أكتوبر 1973، الذى أشاد فيه بانتصار الجيش المصرى على الجيش الإسرائيلي، وكانت كلمته الشهيرة " لقد أصبح لدينا درع وسيف" . ولعل أشهر خطاب للرئيس السادات ذلك الذى ألقاه أمام البرلمان فى التاسع من نوفمبر 1977، عندما أعلن عن استعداده للذهاب إلى الكنيست الإسرائيلى للدخول فى مفاوضات السلام، وقال جملته الشهيرة "وستذهل إسرائيل عندما تسمعنى الآن أقول أمامكم إننى مستعد أن أذهب إلى بيتهم إلى الكنيست ذاته ومناقشتهم" وهو الأعلان الذى قابله النواب بعاصفة من التصفيق ودوت صيحاتهم فى جنبات المجلس ومصر وأذهل به العديد من الدول . وفى الخامس من سبتمبر قبل اغتياله بشهر واحد، ألقى السادات خطابه الشهير الذى وجه انتقادات لاذعة أحداث الفتنة الطائفية ، وأعلن عن حركة اعتقالات لرموز الفكر والسياسة، جاء من ضمنها اعتقال محمد حسنين هيكل وفؤاد سراج الدين. أما الرئيس الأسبق حسنى مبارك فقد حلف أول يمين دستورية يوم 14 أكتوبر 1981 أمام مجلس الشعب بحضور الرئيس السودانى الأسبق جعفر نميري، وكانت البلاد فى هذه الفترة تعيش حالة من القلق والترقب بعد الرحيل المفاجئ والدرامى للرئيس أنور السادات ، وقد تعهد مبارك أمام البرلمان بالالتزام بتطبيق قانون الطوارئ فى النطاق المحدود الذى يقتضيه أمن مصر، وقال إنه لا عصمة لأحد من سيف القانون القاطع الذى لا يفرق بين قوى وضعيف أو غنى وفقير. ثم توالت فترات مبارك التى وصلت إلى خمس فترات استمرت قرابة الثلاثين عاما، ليحلف اليمين أمام مجلس الشعب فى 5 أكتوبر 1987 ثم 12 أكتوبر 1993 و 26 سبتمبر 1999 وكانت كلها عقب استفتاءات تجرى على أختياره، وأخيرا فى 28 سبتمبر 2005 بعد أول انتخابات رئاسية تنافسية أجريت بعد تعديل المادة 76 من الدستور. وتميز مبارك بعدد من المواقف والمقولات أمام البرلمان ، كان أبرزها عندما سقط مصابا بهبوط حاد إثر أزمة صحية مفاجئة خلال افتتاحه للدورة البرلمانية لمجلسى الشعب والشورى عام 2003، وتوقفت الجلسة لمدة 45 دقيقة إلى أن عاد ليستكمل كلمته بعد أجراء بعد الاسعافات الطبية له ، ولن تنسى ذاكرة البرلمان جملته الشهيرة "خليهم يتسلوا" التى أطلقها خلال خطابه أمام برلمان 2010، والتى ذكرها ردا على محاولات بعض القوى السياسية تشكيل برلمان مواز لتشكيكهم فى نزاهة الانتخابات ، وأعتبر البعض هذه الجملة من أهم بواعث ثورة 25 يناير التى اندلعت بعدها بنحو شهر واحد فقط . وتسبب حكم المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب قبل نحو أسبوعين من تولى الرئيس الأسبق محمد مرسى حكم البلاد فى 30 يونيو 2012، فى أن يقوم بحلف اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا، وقام بأداء يمين مماثلة بميدان التحرير وآخر بجامعة القاهرة. فى حين قام مرسى بإلقاء خطبة أمام مجلس الشورى فى 29 ديسمبر من نفس العام، بعد أن أناط الدستور بالمجلس القيام بدور مجلس الشعب المنحل من الناحية التشريعية، وجدد دعوته للأحزاب السياسية – خلال الخطاب - للانضمام إلى الحوار الوطنى الذى كان يحاول أن يرعاه من أجل إصدار قانون انتخابات مجلس النواب، إلا ان ثورة يونيو قد قامت لتطيح به وجماعته ومجلس الشورى وتدخل تعديلات جوهرية على الدستور. والآن وبعد أن أوفى الرئيس السيسى بتنفيذ استحقاقات خريطة الطريق الثلاثة، بتشكيل مجلس النواب، يتطلع الشعب المصرى لرؤيته فى بيت الشعب، والاستماع إلى خطابه التاريخى المرتقب، الذى من المنتظر أن يشهد شرحا عن ظروف المرحلة الانتقالية والتحديات التى تواجهها البلاد فى الوقت الراهن، وكيفية بناء مصر الجديدة ورؤية الرئيس للنهوض بالبلاد.