خيم اليأس والوجوم على وجوه مثلى المعارضة السورية فى جنيف، عندما كان المفوض الأممى دى مستورا يعلن تأجيل الجولة الثالثة من المفاوضات إلى أواخر الشهر الحالي، بعد رفض وفد الحكومة السورية ووزير الخارجية الروسى مطالب المعارضة بوقف إطلاق النار وغارات الطيران، وفك الحصار عن الجماعات المسلحة، بينما كانت أهازيج الفرح تعم سوريا بانتصارات جيشها على عدة جبهات، وكانت الثقة بادية على رئيس الوفد السورى بشار الجعفرى وهو يقول «لن نمنح الجماعات الإرهابية وداعميها بالمفاوضات ما عجزت عن تحقيقه بالسلاح». كانت تركيا أشد حزنا وغضبا، وحاول داود أوغلو رئيس الوزراء التركى أن يلعب على وتر مخاوف أوروبا من موجات جديدة من النازحين السوريين، وقال فى مؤتمر المانحين فى لندن إن عشرات الآلاف يفرون أمام الجيش السورى باتجاه الحدود التركية، إلى جانب أعداد أخرى من سكان المخيمات على الحدود. ولم يتمكن الرئيس التركى أردوغان من إخفاء وقع الأنباء السيئة عن انتصارات الجيش السورى وهو فى جولته اللاتينية، وقال خلال زيارته بيرو إن محادثات جنيف لا طائل منها، مادامت استمرت هجمات الجيش السورى والطيران الروسى على المعارضة، لكنه لم يتطرق هذه المرة إلى طرح مشروع إنشاء «منطقة آمنة» فى شمال سوريا، وهى القشة المتبقية من أحلام إنشاء إمبراطورية الخلافة العثمانية الجديدة بالتعاون مع حلفائه الدوليين والإقليميين، وباستخدام جماعة الإخوان والتنظيمات الإرهابية فى تهشيم جيوش ودول المنطقة، وتمهيد الطريق أمام دولة الخلافة على أشلاء ملايين القتلى والجرحى والمشردين، فكلما تقدم الجيش السورى تحت غطاء طائرات السوخوى الروسية تنكمش أحلام أردوغان، الذى بدأ يكرر شكواه من اختراق السوخوى لأجواء تركيا، ولو لبضع ثوان تبدو كافية لكى تذكره أن حلم دولة الخلافة، أوحتى فرصة إقامة المنطقة الآمنة قد تبددت. وكل يوم يصحو على أخبار تقدم الجيش السوري، وتحريره المزيد من القرى والمدن من بين أيدى الجماعات المسلحة، التى لا تكف عن الاستغاثة وطلب العون من أردوغان، لكن السوخوى اللعينة تراقب الحدود جيدا، والجيش السورى يقطع معظم طرق الإمداد، ويسيطر على المرتفعات والمواقع الإستراتيجية، ويواصل تمزيق مناطق سيطرة الجماعات المسلحة وقضمها واحدة تلو الأخري، من الشيخ مسكين وبلدة عثمان قرب الحدود الأردنية جنوبا، إلى نبل والزهراء شمالا، ومن سلمى وربيعة أهم معاقل المسلحين فى ريف اللاذقية غربا، وحتى أعتاب تدمر والباب شرقا. هل يفقد أردوغان عقله ويخوض الحرب إلى جانب الجماعات المسلحة، ويغامر بادخال جيشه إلى سوريا؟ رئيس أركان الجيش الروسى أعلن رصد تحركات عسكرية تركية نشطة على الحدود السورية، تعززها تلميحات تركية بأنها مستعدة لدخول الحرب، لأن أردوغان لن يتحمل هزيمة كاملة لمشروعه فى سوريا، لكنه لا يجد ما يكفى من التأييد الدولى للإقدام على مغامرته، فقد خذله حلف الناتو، واكتفى ببيان هزيل أدان فيه خرق روسيا للمجال الجوى التركي، ولم تتحمس أمريكا لخيار تراه جنونيا، قد يجرها إلى حرب عالمية مدمرة، لا أحد سينجو من ويلاتها، ولهذا يصب أردوغان جام غضبه على حلفائه الأمريكيين سرا وعلنا، ويحملها فاتورة الفشل فى سوريا. الدبابات التركية تكثر من حركتها قرب الحدود السورية، ويجرى إطلاق عدة قذائف مدفعيته، لكنها لا تبدو أكثر من زمجرة سلطان عثمانى جريح، تتحول إلى أنين، يحاول أن يستدر به العطف من حلفائه الذين خذلوه، أو من خصمه الرئيس الروسى بوتين الذى يرفض أن يلتقيه، واصفا إياه «بالخائن» والكاذب، لكن أردوغان لا يكف عن طلب المغفرة سرا، ولم تنجح عروض أمير قطر تميم بن حمد فى تليين قلب بوتين تجاه أردوغان، عندما زار موسكو فى 17 يناير الفائت، ولم يكترث بوتين بإغراءات وقف حرب الغاز والنفط ضد روسيا، أومكاسب عقد صفقات اقتصادية. كان لتنامى المخاوف الأوروبية من تمدد الإرهاب دور مؤثر فى ضمور مشروع الفوضى الخلاقة، والذى كان حكم داعش يمثل ذروته، فقد كانت الخطة تصبو إلى انهيار سريع لجيوش ودول المنطقة تحت صدمة ورعب جحافل الجماعات الإرهابية، التى جرى جمع مسلحيها من نحو 80 دولة، يعقبها تدخل دولى تحت راية حماية الشعوب من الإرهاب، تفضى إلى إقامة ولايات إسلامية، تتجمع أشلاؤها فى مسمى «دولة الخلافة»، لكن الحرب الخاطفة تباطأت، وفقدت الكثير من زخمها بفعل فظاعات حكم داعش والنصرة وعشرات الجماعات السلفية، التى لم تجد منها شعوب المنطقة سوى الذبح والسبى والعبودية وأسواق النخاسة، مما منح الفرصة للجيشين السورى والعراقى باستجماع قواهما، ووجدا حلفاء أقوياء مثل روسيا وإيران، لتتغير موازين القوي، وتبدأ تنظيمات الرعب والهمجية فى الانهيار. تتهاوى معاقل الجماعات المسلحة بسرعة فى معركة حلب الكبري، ويكمل الجيش السورى إقامة قوس يحاصر ما تبقى من مواقع للمسلحين، لإحكام الحصار حولهم، وقطع الحبل السرى الذى تغذيهم به تركيا، ليفقد أردوغان دوره وتأثيره على أرض المعركة وطاولات المفاوضات، التى أدرك أنها لن تمنحه شيئا، ليترنح حكم أردوغان، ومعه الحلم العثمانى الإخوانى الداعشي، بإقامة إمبراطورية تمتد من سوريا والعراق إلى المغرب العربي، والذى بدأ انكساره على الصخرة المصرية، بإسقاط حكم الإخوان، وها هى سوريا تستكمل الإجهاز على ما تبقى من مخطط »الفوضى الخلاقة«. لمزيد من مقالات مصطفى السعيد