لم يكن الدخان المنبعث من الطائرة الروسية سوخوي24 التي أسقطتها تركيا, سوي نذر بركان سيغير مسارات الأحداث الساخنة أصلا في المنطقة, وسوف تتراجع مشاريع الحلول السلمية, لتفسح المجال لحرب أكثر شراسة, وستندفع الكثير من القوات إلي ساحة القتال, ويأمل الرئيس التركي أردوغان أن ينجح في جر حلف الناتو لمواجهة القوات الروسية, لكبح التصميم الروسي علي ضرب الجماعات الإرهابية الحليفة لتركيا, ما يسهل للجيش السوري دحرها علي الأرض, حتي باتت هزيمة الإرهاب تلوح في الأفق, وهو ما يعني انهيار مشروع تدمير وتقسيم دول المنطقة, الذي جري استثمار أموال ضخمة في سبيل إنجازه طوال نحو5 سنوات. جاء قرار تركيا بإسقاط الطائرة الروسية بعد الهزائم المتلاحقة للجماعات الإرهابية الموالية لتركيا, مثل الجبهة الشامية وأحرار الشام ونور الدين زنكي, وسيطر الجيش السوري خلال الأيام الأخيرة علي مواقع مهمة, وقطع معظم خطوط الإمداد عنها, وانطلق بسرعة كبيرة لإحكام السيطرة علي المناطق التي سيطر عليها الإرهابيون في شمال وشرق سوريا, بينما تركيا عاجزة عن حماية أتباعها, لتتبخر بقايا أحلام أردوغان, التي تقلصت إلي مجرد احتلال أجزاء من سوريا, تحت غطاء ما يسمي المنطقة الآمنة. كما جاءت الضربة التركية بعد زيارة بوتين إلي إيران, والإعلان عن التحالف الإستراتيجي بين روسياوإيران, في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية, والذي يعني أن تركيا باتت محاصرة, وأن مشروعها إلي أفول, فقرر أردوغان أن يقفز إلي الأمام, في مغامرة خطيرة. كان التدخل الروسي قد قلب موازين الصراع في سوريا والمنطقة, ومضي الرئيس الروسي بوتين بإصرار في هدم مشروع الفوضي الكبري, ومنحه حادث إسقاط الطائرة الروسية المدنية فوق سيناء دافعا جديدا لتشديد الضربات ضد الإرهاب, وجاءت أحداث باريس الدامية, تدفع أوروبا بعيدا عن المشروع الأمريكي, لتصطف خلف بوتين, وتبدأ المشاركة في مواجهة تبدو أكثر جدية ضد الجماعات الإرهابية, التي بدأت تضرب أوروبا بقوة في عقر دارها, لتدفع وحدها ضريبة انفلات الجماعات الإرهابية من مروضيها. لكن ما هي أهداف عملية إسقاط طائرة السوخوي الروسية, وما تداعياتها؟ لا يمكن تصور أن إقدام تركيا علي إسقاط الطائرة الروسية سيغير الموقف الروسي, أو يجعلها تحد من تدخلها, بل العكس هو ما سيحدث, خاصة مع إعلان روسيا أنها تؤهب منظومة الدفاع الجوي إس400 لتسقط أي طائرة معادية ستحلق فوق سوريا, وهو ما يعني الإنهاء الجذري لفكرة إقامة منطقة عازلة تحت حماية الطيران التركي المدعوم من التحالف الأمريكي, ولم يتوقف رد الفعل الأولي الروسي عند هذا الحد, بل أعلنت عن الحد من سفر السياح الروس إلي تركيا, لتخسر المليارات, بالإضافة إلي قطع العلاقات في المجال العسكري, ومن ضمنه إنشاء مصنع تجميع الطائرات العمودية الروسية في تركيا. أما القرارات غير المعلنة فهي تشديد الضربات ضد الجماعات الإرهابية الموالية لتركيا, سواء من جانب الطائرات والصواريخ الروسية, أو بعمليات للجيش السوري وحلفائه, بينما تأهبت إيران لدفع قوات برية كبيرة إلي شمال سوريا, تحسبا لأي عمل عسكري مباشر من جانب تركيا. إذا كان حلف الناتو قد استجاب فورا لطلب تركيا بعقد اجتماع استثنائي لبحث تداعيات الحادث, فمن الصعب أن يندفع الحلف إلي التدخل المباشر, لأنه يعني أن حربا عالمية نووية ستكون قابلة للانفجار. لقد جاء القرار التركي بإسقاط الطائرة الروسية ليقول أردوغان لمن دعموه في الانتخابات البرلمانية إنه بذل كل ما باستطاعته, كما يحاول رفع معنويات الجماعات الموالية له, والسعي لأن يحد من حماس أوروبا في المشاركة الجدية في ضرب الإرهاب بعد أحداث باريس, ويغير من بوصلة الجهود العسكرية الأوروبية المصوبة تجاه داعش والجماعات الإرهابية الأخري, ولهذا يطلق صيحات الاستغاثة, وإما أن يغير حلفاؤه مسارهم لإنقاذه, أو يحملهم نتيجة الهزيمة القريبة لمخططه.