فاجأتنا الصحف اليومية منذ أيام قليلة بتصريح للمتحدث باسم رئاسة الجمهورية بأن المرحلة المقبلة ستشهد طرح نسبة من رأسمال الشركات والبنوك المصرية الناجحة فى البورصة. ثم توالت علينا التصريحات. فمن تصريح لأحد المسئولين بأن خطة الدولة فى هذا الشأن ستستغرق عدة سنوات، وستشمل طرح شركات فى قطاعات الكهرباء والبترول والبنوك بهدف زيادة رؤوس أموالها عبر البورصة، إلى تصريح لمحافظ البنك المركزى بأنه تجرى دراسة طرح حصص فى بنكين بالبورصة لزيادة رأسمالهما، بما يؤدى إلى خفض حصة الحكومة فى كل منهما بنسبة 20%، فضلا عن دراسة طرح حصة البنك المركزى فى أحد مشروعاته لمستثمر استراتيجي، وصولا إلى التصريح بأن البنك المركزى يستهدف مع الجهات الحكومية أن تكون البورصة المصرية على قمة البورصات فى المنطقة ومن أقوى البورصات فى الأسواق الناشئة. إذن الهدف هو تنشيط البورصة المصرية. والسبيل لهذا التنشيط هو ببساطة العودة لسياسة الخصخصة! طبعا الكل يذكر العصر الذهبى لبورصتنا المجيدة أيام حكومة نظيف عندما مثلت القناة الرئيسية لنقل ملكية مشروعاتنا العامة للأجانب وتفكيك بنيتنا الإنتاجية. والآن يبدو أن الحكومة قد استنزفت كل ما لديها من جهود وآليات وحوافز لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فرأت أن تتوجه إلى المستثمرين برسالة جديدة مفادها، إذا كنتم غير متحمسين لإقامة مشروعات جديدة ، فسوف نسهل عليكم الأمر ونبيع لكم ما نملكه بالفعل من مشروعات ناجحة، وكفى الله المستثمرين شر المخاطرة. البورصة موجودة ويمكن أن نتيح لكم من خلالها الاستحواذ على ما تريدون.. ألم نفعل ذلك مع شركة بسكو مصر ومستشفى كليوباترا ومستشفى القاهرة التخصصى ومعمل البرج وغيرها من مشروعاتنا الصناعية والخدمية؟ المهم هو زيادة تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية إلى البورصة المصرية حتى ولو كان المقابل هو بيع أصولنا الوطنية. تصريحات المسئولين عن استخدام البورصة فى توفير التمويل اللازم للمشروعات العامة وزيادة رؤوس أموالها يذكرنا بما قيل لنا فى ظل نظام مبارك بأن الدافع وراء خصخصة الشركات الرابحة هو الرغبة فى تطويرها وضخ رؤوس أموال إضافية واستثمارات جديدة تؤدى إلى زيادة طاقتها الإنتاجية وتوسيع نشاطها. طبعا تم التأكيد آنذاك بأن عقود البيع تشترط أن يستغل المشترى أراضى وأصول الشركات المبيعة فى نفس مجال نشاطها، وأن يلتزم بالحفاظ على العمالة، بل وصقل مهاراتها بمزيد من التدريب والتطوير. إلا أن الواقع الفعلى للشركات المبيعة قد أسفر عن سيناريو متكرر لتقليص النشاط وبيع الأراضى والأصول العامة وتفكيك البنية الإنتاجية وفصل العمال وإجبارهم على الخروج إلى المعاش المبكر. نحن نعلم أن إعادة إحياء العديد من المشروعات العامة يتطلب بالفعل ضخ رؤوس أموال لمواجهة احتياجات التطوير وإعادة الهيكلة وتحديث الآلات والمعدات. لو خرجت علينا الحكومة تقول إن لديها خطة واضحة المعالم بتوقيتات محددة لإعادة هيكلة المشروعات العامة، وإدارة مختلفة تتمتع بالكفاءة والنزاهة، وأنها تطلب من الشعب الاكتتاب فى توفير التمويل اللازم لسداد المديونيات القائمة على تلك المشروعات العامة وتدعيم رؤوس أموالها، لقلنا لها ألف مرحبا. تجربة تمويل قناة السويس الجديدة من خلال الاكتتاب العام تؤكد التفاف الشعب المصرى حول هدف التنمية والبناء، وتفتح الباب لإمكانية التكرار لو آمن الشعب بجدية المشروع ووضوح كل من التكلفة والعائد، واطمأن إلى النتائج. المصريون على أتم استعداد للاكتتاب فى زيادة رؤوس أموال المشروعات العامة، سواء لتمويل التوسعات فى المشروعات الناجحة أو إحياء المشروعات التى تحتاج إلى إعادة الهيكلة. الشعب الذى قدم 64 مليار جنيه فى ثمانية أيام، لن يصعب عليه جمع 3 مليارات جنيه، على سبيل المثال، لإعادة إحياء مصانع الحديد والصلب فى حلوان، طبقا لخطة الإنقاذ العاجلة التى طرحها بيت الخبرة العالمى تاتا ستيل، أو لزيادة رأسمال بنك التنمية الصناعية وتدعيم قدرته على تمويل المشروعات الصغيرة. وحيث إن الاكتتاب فى أسهم زيادة رأس المال يمثل مشاركة فى ملكية المشروعات المطروحة، فإننا نؤكد ضرورة أن يقترن ذلك بوضع حد أقصى لأى زيادة يتم طرحها، بحيث لا تمثل إلا نسبة أقلية من رأسمال الشركة ككل، كما نؤكد ضرورة وضع حد أقصى للمكتتب الواحد، حتى لا نفاجأ بأن هناك مستثمرا فردا يملك حصة مؤثرة من رأسمال شركة عامة. أما فيما يتعلق بالجهاز المصرفى فنحن لسنا فى حاجة لتذكير الحكومة والبنك المركزى بأن حل مشكلة البنوك الخاصة المتعثرة لم يكن لينجح لولا وجود بنوك عامة تحملت عبء استيعاب البنوك المدمجة ومحفظة مديونياتها المتعثرة وحماية أموال المودعين من الضياع. ولسنا فى حاجة لتذكيرهما بأن بنوك القطاع العام هى التى تقدمت لشراء أذون الخزانة التى قام المستثمرون الأجانب ببيعها عقب اندلاع الأزمة المالية العالمية، ثم عقب ثورة 25 يناير. ولسنا فى حاجة للتدليل على خطورة زيادة نصيب البنوك الأجنبية، والتذكير بما قام به الشريكان الفرنسيان فى كل من بنك سوسيتيه جنرال وبى إن بى باريبا منذ عامين بالخروج من السوق المصرية وبيع حصتهما استجابة لاحتياجات بنكيهما الأم فى الخارج، ودون أدنى مراعاة لظروف الاقتصاد المصري. بنوكنا العامة هى السند الذى تعتمد عليه الدولة المصرية لمواجهة الأزمات، والقناة الرئيسية التى يتمكن من خلالها البنك المركزى من تنفيذ سياسته النقدية. خصخصة بنوكنا الوطنية خط أحمر. لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى