فى مقاله ب «الأهرام» تحت عنوان «إنقاذ الرأسمالية من أنصارها» شرح د. جلال أمين ما آلت إليه الرأسمالية منذ أن نظر لها آدم سميث فى كتابه «ثروة الأمم» حين اعتبرها أى الرأسمالية بمثابة «النظام الطبيعي» الذى لا جدوى من تحديه، حتى أن سميث أطلق عليه وصف «اليد الخفية»، التى هى عصية على التحدي، ومن ثم راجت مقولة «دعه يعمل.. دعه يمر» الشهيرة، بيد أن الرأسمالية قد توحشت حين طوعت كل الإمكانات والموارد من أجل قلة على حساب الكثرة، وفى عام 2008 وقعت الأزمة الاقتصادية العالمية التى وصفت بانفجار الفقاعة، حيث كانت هى الأزمة المالية الأكبر فى التاريخ الإنساني، مما اضطر حكومات كبريات الدول الرأسمالية وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى التدخل بضخ مليارات الدولارات، وذلك للحيلولة دون إعلان أكبر بنوك العالم إفلاسها، وفى العام الماضى جاء كتاب الاقتصادى الفرنسى «توماس بيكيتي» وعنوانه «الرأسمالية فى القرن الحادى والعشرين»، لينتصر للأغلبية ضد القلة المهيمنة على القمة، وقد استنتج بيكيتى وفق منهج علمى رصين، وعلى ضوء التحليل الإحصائى لاقتصاديات ما يزيد على عشرين دولة رأسمالية، أن الاتجاه العام للرأسمالية ومنذ نشأتها هو المزيد من اللامساواة، أما أحدث كتاب فى هذا السياق فقد صدر أخيرا بعنوان «إنقاذ الرأسمالية من أجل الكثرة لا القلة» للاقتصادى الأمريكى روبرت رايخ الأستاذ بجامعة كاليفورنيا وأكد رايخ بأدلة قاطعة لا تدع مجالا للشك تهافت الاعتقاد التاريخى بأن النظام الرأسمالى هو مجرد استجابة لنوازع طبيعية تحكم الإنسان، وأوضح أن النظام الرأسمالى هو فى الحقيقة نتاج تدخل الدولة لمصلحة قلة على حساب الأغلبية، ومن ثم فليس هناك اختلاف بين أنصار ومعارضى الرأسمالية على ضرورة تدخل الدولة، لكن الخلاف يتمحور حول طبيعة هذا التدخل، فها هى ناعومى كلاين فى عام 2015 تصف الرأسمالية ب «التمييز الاجتماعي» العنصرى بين السكان الأغنياء والفقراء. من ناحية أخرى باءت كل تجارب الاقتصاد الاشتراكى الذى يهيمن، أو بالأحرى يكبل نوازع الإنسان فى حب التملك والربح بالفشل خلال الأعوام الثلاثين الأخيرة، وهو ما تجسد جليا فى انهيار الاتحاد السوفيتى السابق، وما أعقبه طبقا لنظرية الدومينو، من انهيار كل الدول التابعة له التى كانت أعضاء فى حلف وارسو السابق. إن الحقيقة التى لا مراء فيها هى أن النظام الرأسمالى زعم أنه الفردوس الموعود، فى حين ادعى النظام الشيوعى أنه جنة (المعذبون فى الأرض)، بيد أن الواقع على الأرض قد فند هذه المزاعم جملة وتفصيلا، فحسبنا أن نعلم أن أقل من 1% (٫7% تحديدا) من سكان العالم هم فقط الذين يملكون 44% من ثروات العالم، ولم تكن مصر بمنأى عن هذا المعترك الاقتصادى الهادر، فقبل ثورة يوليو 1952 اتسم النظام الاقتصادى المصرى بكل موبقات الرأسمالية المتوحشة حتى وصف المجتمع آنذاك بحق بأنه مجتمع الواحد فى المائة، أى أن 1% من المصريين كانوا يملكون كل شيء، بينما ال 99% من المصريين كانوا لا يملكون أى شيء، وبعد قيام الثورة جربت مصر فى الحقبة الناصرية الاقتصاد الاشتراكي، الذى سرعان ما انقلب عليه السادات بانفتاحه الذى وصف بحق بأنه «سداح مداح»، فلقد ازداد الأغنياء غني، وازداد الفقراء فقرا، ثم كانت ثالثة الأثافى إبان حكم ما قبل ثورة 25 يناير 2011 حين تم زواج السلطة والثروة فى زواج باطل أدى إلى ما أطلق عليه «رأسمالية المحاسيب»، وهو الزواج الذى مازلنا نحن المصريين نعانى آثاره الوخيمة حتى الآن من تعظيم اقتصاد المضاربات والسمسرة على حساب اقتصاد الإنتاج والاستثمار، وذلك على الرغم من انفجار ثورتى 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، فى قول واحد فإن التجارب الاقتصادية التى طبقتها مصر لم تحقق الأمل المنشود للمصريين فى التقدم، حتى إن دولا كانت مصر تسبقها فى حقبة ستينيات القرن الماضي، تقدمت كثيرا بينما مصر مازالت تراوح مكانها، وها هى ماليزيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية والبرازيل أمثلة جلية. ويرى الخبراء أن مصر لكى تنهض من كبوتها فلابد من انتهاج ما يسمى الديمقراطية الاجتماعية، وتعنى الحرية السياسية من المنظور السياسي، والعدالة الاجتماعية من منظور الاقتصاد، وينادى البعض بضرورة اعتماد مصر ما يسمى «مجتمع الأعمال»، وهو ما يتطلب بالضرورة تغيير السياسة الاقتصادية الراهنة بحيث تعطى الأولوية للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وحسنا ما أعلنه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى يوم الشباب عن تخصيص نسبة لا تقل عن 20% من إجمالى القروض خلال السنوات الأربع المقبلة لتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة المملوكة للشباب، وبحيث يقوم القطاع المصرفى بضخ 200 مليار جنيه لتمويل نحو 350 ألف شركة ومنشأة توفر نحو 4 ملايين فرصة عمل للشباب، وعلى أن يكون سعر الفائدة للقروض المقدمة لتمويل المشروعات المتناهية الصغر لا يزيد على 5% سنويا بفائدة متناقصة. د. محمد محمود يوسف أستاذ بجامعة الإسكندرية