ورد إلى ذهنى عنوان هذا المقال وأنا أقرأ اتفاقية تغيير المناخ الكوكبى التى أبرمت فى باريس فى 13 ديسمبر 2015. والغاية منها منع ارتفاع الحرارة درجتين مئويتين مع منع انبثاق غاز ثانى أكسيد الكربون نهائياً والبحث عن طاقة جديدة من الشمس والماء والهواء بديلاً عن الطاقة الراهنة من بترول وفحم وغاز. وإذا لم تتحقق هذه الغاية فالبديل عواصف عارمة مع ارتفاع مستوى سطح البحر وذوبان الجليد، ومن ثم تصبح الحياة على كوكب الأرض مستحيلة. ومن هنا يمكن القول بأن الانسان فى مفترق طرق الآن. والسؤال إذن: لماذا أصبح على هذا الحال؟ جوابى على هيئة قصة جديرة بأن تُروى؟ منذ 13٫5 بليون سنة حدث « الانفجار العظيم» أو ما يسمى باللغة الانجليزية Big Bang وهو عبارة عن مادة وطاقة وزمان ومكان، وقيل عن هذه الرباعية بأنها تعبر عن قصة الفيزياء. ومنذ 300٫000 سنة كونت هذه الرباعية تركيبات معقدة سميت الذرات، وقيل عنها إنها تعبر عن قصة الكيمياء. ومنذ 3٫8 بليون سنة تجمعت على كوكب الأرض جزيئات لتكوين تركيبات ضخمة ومعقدة سميت كائنات عضوية، أى حية. وقيل عن هذه الكائنات إنها تعبر عن قصة البيولوجيا. ومنذ 70٫000 سنة ظهرت كائنات حية جديدة تنتمى إلى ما سُمى باللغة اللاتينية Homo sapiens يُعرب ولا يترجم، أى ينطق باللغة اللاتينية ويكتب بحروف عربية فيقال «هومو سابينس». وأوجز فأقول «سابينس». إلا أن هذا الانسان لم يكن هو النوع الوحيد من البشر، إذ كان معه أربعة أنواع بأسماء متباينة تسكن فى مناطق متعددة من كوكب الأرض: نوع كان يقيم فى شرق افريقيا، وثان فى شرق آسيا، وثالث فى سيبريا، ورابع فى أوروبا وغرب آسيا. انقرضت كلها ماعدا ال «سابينس» الذى هو «نحن»، وهو من نسل القردة العليا. والسؤال اذن: بماذا تميز هذا ال» سابينس»؟ تميز بالثورة، أى بالتغيير الجذرى، وكانت بدايته ابتداع التكنيك الزراعى لمواجهة « أزمة طعام» فى عصر الصيد، إذ كان من شأن هذا التكنيك أن تحولت العلاقة بين الانسان والبيئة الطبيعية. فبدلاً من أن تكون أفقية بمعنى تكيف الانسان معها أصبحت رأسية بمعنى تكييف الانسان لها. ومن ثم أصبح لديه « فائض طعام» بديلا عن «أزمة طعام». وكان من شأن ابتداع ذلك التكنيك أن أصبح لديه الوعى بضرورة «استئناس الحيوان» ليكون بعضه صالحاً لأن يكون وسيلة الاتصال بين البشر، ومن ثم أصبح التجمع ممكناً فى أماكن معينة كانت فى البداية قرى ثم مدن. ومع التجمع ابتدع ال» سابينس» اللغة. كانت فى البداية مجموعة من الأصوات والاشارات ثم تحولت إلى عبارات، وكل عبارة لها معنى محدد. ومن هنا قيل عنه إنه حيوان لغوى. ولما كانت اللغة تتحدث عن أشياء غير موجودة ولا يمكن لمسها فقد أدت ب «السابينس» إلى ابتداع الأساطير والآلهة والأديان التى أصبحت فيما بعد أساساً لأى نظام اجتماعى . ومن هنا تكوَن لدى ال «سابينس» عالمان: عالم واقعى وعالم افتراضى ، والثانى هو المتحكم فى الأول وهما معاً يكونان «ثقافة» المجتمع أو ما يسمى ب «العقل الجمعى». ومع ذلك فثمة إشكالية كامنة فى الثورة الزراعية. فقد قيل إنها وضعت ال «سابينس» على طريق التقدم والثراء، ولكن قيل أيضاً إنها قادته إلى جهنم عندما أحدثت «بتراً» بينه وبين الطبيعة واتجهت به نحو الاغتراب فتمركز حول ذاته و أصبح له منزل مغلق ومعزول عن جاره فضاق به المكان ولكن الزمان كان به إطلالة على المستقبل، إلا أن هذه الإطلالة سببت له قلقاً. ومن هنا جاءت شريعة حمورابى فى عام 1776 قبل الميلاد لضبط الايقاع. وقيل إن ثلاثة آلهة اختارت حمورابى وألهمته الشريعة التى تنشد العدالة وتلاشى الشر وتمنع القوى من قهر الضعيف. إلا أن شيئاً من ذلك لم يتحقق، بل الذى تحقق كان على الضد من ذلك. ومن هنا كان على ال» سابينس» أن يحفر فى الجذور لكى يبحث عن السبب فوجد أنه كامن فى تذوق الموت دون تذوق الحياة. ولا أدل على ذلك من العمليات الانتحارية التى يمارسها الارهابى فى تفجير ذاته مع تفجير الآخرين. والسؤال إذن: هل فى الإمكان تذوق الحياة دون تذوق الموت؟ فى الامكان حدوث ذلك إذا تداخل الموت مع الحياة، أى إذا تداخلت المادة الميتة مع المادة الحية. وقد تم ذلك بفضل علم أطلق عليه اسم bionics ومعناه العلم الذى يدربنا على كيفية خلق أنسقة آلية شبيهة بالكائنات الحية. ومن هنا يمكن خلق آلات حية. وفى هذا السياق تأسس «مشروع المخ البشرى» فى عام 2005 والغاية منه خلق مخ بشرى كامل داخل كومبيوتر به دوائر الكترونية، ومن ثم يمكن إحداث حوار بين مخ كومبيترى ومخ حى، ومع التطور يمكن ادخال ما هو كومبيوترى فى ما هو حى، ومن ثم ينعدم التناقض الحاد بين ما هو ميت وما هو حى، أى ينعدم إقصاء أحدهما عن الآخر، أى ينعدم إقصاء الموت عن الحياة. والسؤال المدهش بعد ذلك هو على النحو الآتى: هل يحدث لل «سابينس» ارتقاء إلى نوع جديد من البشر؟ أظن أن الجواب يمكن أن يكون بالايجاب إذا قرأنا تاريخه. فقد كان حيواناً مهملاً يعيش فى ركن من أركان افريقيا، ولكنه مع مرور الزمن أصبح سيد كوكب الأرض. واليوم يقف على عتبة تطور جديد يردد فيه الآية المذكورة فى الأصحاح الأول من سفر التكوين «خلق الله الانسان على صورته». لمزيد من مقالات مراد وهبة