وفي هذا المقام نتحدث بشيء من التفصيل في القرآن الكريم عن خلق الكون بما فيه من السماء والأرض, حيث أفرد للسماء سورا سماها الطارق والبروج والأنشقاق وبما فيها من كواكب فكانت سور الشمس والقمر والنجم وتبعها في الحديث عن الوقت بسور الفجر والضحي والعصر في وجود آيات كثيرة منثورة تتحدث عن كل هذه المخلوقات بشكل يلفت الانتباه, ويرقق القلوب, ويوجه العقول إلي التفكير في خلق هذا المخلوقات بنظام محكم ومقدر لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالي. والحديث موصول عن سائر المخلوقات وتنوعها واختلاف أشكالها وألوانها ولغاتها وعاداتها وتقليدها بما فيها من الجمادات والنباتات والحيوانات والطيور والحشرات والإنسان, ويعتمد بعضهم علي البعض الأخر بشكل متوازن, إلي الحد الذي يجعل حياة أحد هذه الكائنات مستحيلة بل وفي حال العدم إذا لم تكتمل دائرة المخلوقات علي الأرض بهذا الشكل المعجز. والعجيب في كل ذلك أن أصل الكون خلق من ذرة غاز الهيدروجين ومع الإنفجار العظيم الذي علي أثره خلق الكون بعد تحول الغاز إلي جماد, في المجرات والكواكب والنجوم بالرغم من أن أكثر من90% من هذا الكون يتكون من غاز الهيدروجين, ومن الجماد خلق الإنسان والحيوان والنبات. ومن هنا نلاحظ أن بداية الخلق كانت ذرة والتي منها خلق الكون وتسري هذا الذرة في كل المخلوقات والتي تنتهي في نهاية المطاف بذرة تعود إلي التراب ومنها يعود الخلق مرة أخري من هذه الذرة بعد البعث مصداقا لقوله تعالي:( وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه علي الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين) هود7 والعجيب في كل ذلك أن الجمادات هي التي تصون توازن الكون, وتحفظ دورة الحياة علي سطح الأرض, فعليه يعتمد النبات, فلولا الجماد ما كان النبات, وعلي النبات يعتمد الحيوان, ولولا الجماد والنبات ما كان الحيوان, وعلي الجماد والنبات والحيوان يعتمد الإنسان, فلولا الجماد والنبات والحيوان, ما كان الإنسان, وكل هذه الكائنات الأربعة تعتمد علي نفسها بشكل وثيق ومرتب ومنظم, من خلال منظومة ربانية, تجعل كل كائن حي يحفظ حياته ويفهم طبيعتها ويغطي متطلبات نفسه ومتطلبات غيره, بلا حدود, دون إفراط ولا تفريط, في وجود مبدأ الإيثار والتضحية بلا حدود. وإذا كان الجماد يخدم النبات, والجماد والنبات يخدمان الحيوان, والجماد والنبات والحيوان يخدم الإنسان, وتحفظ له حياته, فمن ياتري يجب أن يخدم الإنسان سوي خالقه ورازقه والمفيض عليه بكل نعمه التي لا تعد ولا تحصي, سوي الله الرحمن الرحيم القوي العزيز الحكيم الغفار.