فُطر الإنسان على التوحيد، حيث شهد على وحدانية الله وأقر بها وهو لا يزال غيباً في عالم الذر، قال الله تعالى { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ }، لذا فكل ذرة في الإنسان تشهد بوحدانية الله وبالعبودية لله، حتى ولو كفر الإنسان، أو أشرك، أو عصى، وأبلغ دليل على ذلك قوله جل شأنه { وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ*}، وقوله تعالى { إِنْ كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا }.
والسؤال، كيف يقر الإنسان بوحدانية الله وهو في ضلاله وعصيانه؟. يفعل الإنسان ذلك وهو يترجم مكنوناته الفطرية إلى أفعال ووقائع اجتماعية، من خلال البحث عن الزوجة وشريكة العمر، وكأنه يعلن بلسان حاله أنه كائن يكره الوحدة، ويعشق التعدد، وهو في ذلك يثبت لله جل في علاه ما ينفيه عن نفسه..يثبت لله الوحدانية، على حين يتملص هو منها، لأنها صفة من صفات الجلال والكمال والجمال، التي يتصف بها الله وحده بلا منازع أو شريك ، وهو كذلك يعلن عن فطرة التوحيد عملياً، وقد لا يشعر أن زواجه آية دالة على الإقرار بوحدانية الله، بينما هو آية حياتية فيها من الأسرار والحكم ما يدعو للتفكر والتأمل، قال الله { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
من هنا يمكن القول بأن الإنسان مخلوق اجتماعي بفطرته وطبعه، والزواج أبرز حركة إنسانية تثبت هذا المفهوم، كما يؤصل لفكرة أن الإنسان لا يستطيع الاستمرار على الأرض إن عاش وحيداً فريداً، ولذا خلق الله الناس مختلفين كي يظل كلاً منهم في حاجة إلى الآخر، ومن ثم ينشىء معه علاقة اجتماعية بشكل ما، تقوم على تبادل المنافع والمشاعر، وتظل حالة الاحتياج هذه مستمرة ومتجددة ومتطورة بتطور حياة البشر، وفى ذلك أكبر برهان على أن حركة البشر في الحياة توحد الله تعالى بطريقة خاصة لا يدركها إلا متأمل.
ولذلك عندما نقرأ قول الله تعالى {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}، ندرك أن جميع العوالم من جماد، ونبات، وحيوان، وإنسان تتزوج ترجمة لسنة كونية سارية في الكون من الذرة إلى المجرة، ففي الذرة وهى أصغر شيء عرفه الإنسان يوجد الجانب الموجب ويسمى " بروتون "، والجانب السالب ويسمى " إلكترون"، وجميع التفاعلات الكيميائية التي تقوم بين العناصر لإخراج مركب يحمل صفات عنصري التفاعل في عملية تزاوجية، تقوم على الجانب الموجب والجانب السالب، فلو تفاعل الماغنسيوم مع الأكسجين - مثلا- ينتج عن التفاعل مركب جديد يحمل صفات العنصرين معا يسمى أكسيد الماغنسيوم.
المقصد أن كل شيء يتزوج بدافع من سنة كونية فطر الله عليها توحيداً لله، وتنزيهاً له عن الصاحبة والولد، قال تعالى {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا}، ولذلك عندما نقرأ دعوة نبي الله زكريا في القرآن، وهو يتوجه إلى الله خاشعاً متبتلاً كشأن الأنبياء، وهم خير البشر، قال كما حكي القرآن {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ}، ندرك على وجه اليقين أن توحيد الله لا يكون باللسان فقط، ولا بالأعمال فقط، ولكن بكل حركة إنسانية على وجه الأرض توافق منهج الله، ولذلك كان دعاء زكريا عليه السلام أن يرزقه الله الولد، وأن لا يتركه في الحياة فرداً، فاستجاب الله له وحقق له ما أراد استكمالاً للدين والنعمة.