النتيجة النهائية للجنه الفرز رقم 2 بطنطا في الأنتخابات البرلمانية    جامعة حلوان تنظم المعرض الخيري للطلاب بالمدن الجامعية لتخفيف الأعباء المعيشية    مدير تعليم القاهرة توجه بضرورة دراسة الحلول التنفيذية للفترات المسائية في المدارس    التموين.. الاحتياطي الاستراتيجي لجميع السلع الأساسية آمن    6 محاور رئيسية لتحقيق الاستدامة البيئية داخل المنشآت الصحية.. تعرف عليها    اتحاد السياحة: بروتوكول تعاون مع وزارة العمل لتنظيم السوق    التمثيل التجاري: خطة التوسع في إفريقيا تعتمد على تكامل الأدوار بين الدولة والقطاع الخاص    محافظ المنوفية يتفقد الموقف التنفيذي لأعمال تطوير ورفع كفاءة كوبري الميتين    رئيس الوزراء والوزير الأول لجمهورية الجزائر يترأسان أعمال الدورة التاسعة للجنة العليا المصرية الجزائرية.. مدبولى: العلاقات بين البلدين تاريخية.. غريب: مصر والجزائر تتمتعان بسجل اقتصادى حافل من التعاون النموذجى    بعثة الزمالك تصل فندق الإقامة في جنوب إفريقيا    بعثة الأهلي تصل المغرب استعدادًا لمواجهة الجيش الملكي    يلا كورة لايف.. مشاهدة مباراة النصر ضد استقلال دوشنبه مباشر دون تقطيع | دوري أبطال آسيا 2025    الجدة وحفيدتها.. انتشال جثتين من أسفل أنقاض انهيار منزل بنجع حمادي    ضبط المدير المسئول عن شركة للإنتاج الفني "بدون ترخيص" بالهرم    الطقس غدا.. انخفاض درجات الحرارة وشبورة كثيفة والصغرى فى القاهرة 15 درجة    تعليم القاهرة تعلن مقترح جداول امتحانات شهر نوفمبر لمراحل النقل    لجنة استشارية من فنون تطبيقية حلوان لإبداء الرأي في ترميم جداريات سور حديقة الحيوان    إلهام شاهين: سعاد حسنى كانت المرشحة الأولى لفيلم عادل إمام الهلفوت    رمضان 2026.. نيللي كريم وشريف سلامة ينتهيان من تحضيرات مسلسل "أنا"    قبل ما يضيع وقته وطفولته.. كيف تحمي أبناءك من السوشيال ميديا؟    إجراءات حاسمة تجاه المقصرين في الوحدات الصحية بقنا    خاطروا بحياتهم.. موظفو الحى ينجحون فى إنزال سور معلق من عقار كرموز.. فيديو    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة بمنتصف تعاملات اليوم    الحصر العددى لقائمة دائرة أول الزقازيق بمجلس النواب 2025    الناقد الذي كان يشبه الكلمة... وداعًا محمد عبد المطلب    الاتحاد الأوروبي يستعد لتقديم نص قانوني لإصدار قرض لأوكرانيا ب140 مليار يورو    المدير السابق لجهاز الموساد يكشف أسرار سرقة الأرشيف النووى الإيرانى    رئيس الوزراء ونظيره الجزائرى يشهدان توقيع عدد من وثائق التعاون بين البلدين    الارتجال بين الفطرة والتعليم.. ماستر كلاس تكشف أسرار المسرح في مهرجان شرم الشيخ    دليل لحماية الأطفال من الخوف والأذى النفسي الناجم عن الأخبار الصادمة    بعد انتشارها بين الناس، الأطباء يكشفون سر سلالة الإنفلونزا الجديدة ويحذرون من حقن الموت    8 ملايين جنيه.. حصيلة قضايا الاتجار في العملات ب«السوق السوداء»    محافظ أسيوط يتفقد كليات جامعة سفنكس ويشيد بجودة الخدمات المقدمة للمواطنين    محمود فتح الله: تصريحات حسام حسن الأصعب تاريخيًا.. وكان يمكنه تجنبها    انطلاق أعمال اجتماع مجلس وزراء الإعلام العرب بالجامعة العربية    بركان كيلاويا في هاواي يطلق حمما بركانية للمرة ال37 منذ بدء ثورانه العام الماضي    البرهان: السلام في السودان مرهون بتفكيك الدعم السريع    قوات الاحتلال تفرض حظرًا للتجوال وحصارًا شاملًا على محافظة طوباس    حزب النور في المقدمة.. نتائج الحصر العددي الأولي عن الدائرة الأولى فردي بكفر الشيخ    «خطوات التعامل مع العنف الأسري».. جهات رسمية تستقبل البلاغات على مدار الساعة    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للتدريب المشترك "ميدوزا -14".. شاهد    قائمة بيراميدز في رحلة زامبيا لمواجهة باور ديناموز    وكيل صحة قنا يتفقد وحدة الترامسة ويحيل طبيبا للتحقيق    رئيس الرعاية الصحية: تطوير 300 منشأة بمنظومة التأمين الشامل    مقتل 8 أشخاص في إندونيسيا بفيضانات وانزلاقات تربة    السيسى يحقق حلم عبدالناصر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 26-10-2025 في محافظة الأقصر    الري: نجاح حاجز التوجيه في حماية قريه عرب صالح من أخطار السيول    الأقصر: انقطاع المياه عن عدد من مناطق نجع علوان بالطود صباح اليوم    اتحاد السلة يعتمد فوز الأهلي بدوري المرتبط بعد انسحاب الاتحاد ويعاقب الناديين    بعد نجاح "دولة التلاوة".. دعوة لإطلاق جمهورية المؤذنين    دار الإفتاء تؤكد حرمة ضرب الزوجة وتحث على الرحمة والمودة    دار الإفتاء تكشف.. ما يجوز وما يحرم في ملابس المتوفى    ريهام عبد الحكيم تتألق في «صدى الأهرامات» بأغنية «بتسأل يا حبيبي» لعمار الشريعي    دعاء جوف الليل| اللهم يا شافي القلوب والأبدان أنزل شفاءك على كل مريض    بروسيا دورتمنود يمطر شباك فياريال برباعية نظيفة    بوروسيا دورتموند يفترس فياريال برباعية في دوري أبطال أوروبا    محمد صبحي عن مرضه: التشخيص كشف عن وجود فيروس في المخ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذاكرة الإنسان والإبداع وصناعة التاريخ
نشر في الشروق الجديد يوم 10 - 05 - 2013

هناك تساؤل يثار بين حين وآخر حول كيفية نمو المعرفة، اليوم يطرح تصور جديد يتحدى الفكرة القائلة إن البيولوجيا وحدها هى التى قادت إلى نشوء المهارات العقلية، إن ما يبرهن عليه هو أن قدرات مثل طاقة الإبداع والمهارات اللغوية والعمل هى نتيجة لعملية مستمرة من التخصيب الثقافى بالتفاعل مع العالم الذى نعيش فيه، سواء مع أناس آخرين أو أشياء مادية أخرى.

هذه الفكرة تذهب إلى أن العقل البشرى دائم التغيير يتفاعل مع كل متغير فى الحياة سواء كان هذا المتغير ثقافيا أو أشياء أو تقنيات جديدة، على نحو ما تفاعل الإنسان مع ابتكار البردى كمادة لتسجيل يومياته كوثيقة ترتقى بالتعاملات بين البشر لسلم أعلى فى الإنجاز الحضارى، وكتفاعله اليوم مع الهاتف النقال بتقنياته المتعددة التى تغير مفهوم الاتصال ونقل المعلومات.

يرجح علماء الآثار أن أول ظهور للإنسان على الأرض منذ حوالى 200،000 سنة مضت، مرت منها 140،000 سنة دون تحول كبير فى نمط حياة هذا الإنسان، أو ظهور بوادر لخطوات تنبئ عن تقدم ما فى حياته، فماذا حدث وأدى إلى تحول فى قدرة الإنسان على التفكير والابتكار، كابتكار الأدوات الحجرية والرسم على الكهوف؟ هذا السؤال كان مثار جدل بين العديد من الباحثين فى نقاش علمى جرى بجامعة كمبردج بالمملكة المتحدة عام 2007 تحت عنوان «العقل البشرى الحكيم».

إن القائلين بتطور العقل الإنسانى بيولوجيًا يذهبون إلى أن الإنسان استغرق 140،000 عامًا لكى ينمو عقله بيولوجيًا، لكن الحقيقة أن هذه الحقبة الزمنية الطويلة تكونت خلالها المجموعات البشرية، وتحولت الجماعة إلى قبيلة، واكتسبت خبرات التحرك كمجموعات فى الغابات وأحراشها. إن خبرة التعامل مع محيط الإنسان كانت هى الخبرة التى استنفدت الكثير من السنوات من الإنسان، لتبدأ الذاكرة الإنسانية مرحلة الاحتفاظ بذكريات الماضى والتعرف على الموجودات الحاضرة وتخطيط المستقبل وتصوره. إن الفرق بين البشر والحيوانات فى مجال القدرة العقلية، هو ترجمة حياة المجتمع البشرى إلى قوة مشتركة لمصلحة البشر، أكثر فاعلية بكثير من تحرك مجموعات الحيوانات التى يقتصر دورها إما على الهرب من الحيوانات الأخرى المهاجمة أو الهجوم المنفرد على حيوانات أخرى، فالبشر تمكنوا من التعاون فى مهام مثل استخدام القوة المتحدة لعدد من الأفراد لتحريك شيء ثقيل أو الصيد معًا، هنا يظهر البون بين الإنسان والحيوان، فالأخير لا يجيد سوى التقليد، بينما الأول طور مهاراته عبر السنين، فالقدرة على التعلم هى أبرز مميزات الإنسان التى ساعدته على تنمية ذاكرته والبناء على مخزونها خبرات متراكمة، فالحيوانات تتعلم من خلال الملاحظة العشوائية لما تقوم به الحيوانات الأخرى، ومن النادر جدًا تعرف الحيوانات على قيمة الابتكار.

أدرك الإنسان أهمية القدرة على تخمين نوايا الآخرين، ففى خلال عملية التدريس يدرك كل من المدرس والطالب نوايا الآخر، ولا تكون نظرة الطالب للمدرس هى نظرة الملاحظة العشوائية، لكن الطالب المنتبه جيدًا يضيف لنفسه أكثر من مجرد ملاحظة، بإعمال العقل فيما يطرح عليه، هنا تصبح عملية التعلم أكثر فاعلية.

يرى دويت ريد؛ أحد علماء الأنثروبولوجيا فى جامعة كاليفورنيا، أن النقطة الحاسمة فى تاريخ تطور الحضارة، كانت منذ عشرة آلاف سنة، عندما تغيرت علاقة البشر بالأشياء المحيطة بهم بوضوح، ففى هذا الوقت تقريبًا بدأت مجموعات من الصيادين وممن يجمعون الثمار فى استبدال معدات صيد الحيوانات، باستئناسها وإقامة حظائر لها، وبزراعة المحاصيل ثم جنى ثمارها، بدلاً من مجرد التقاطها من الأشجار، هنا فعل الإنسان تحول إلى الإنجاز، ويضيف دويت ريد: «وبالتالى أصبح حل المشكلات بديلاً للتنقل من مكان لآخر»، هذا يعنى ظهور القدرة على التعليم المنظم والقدرة على العمل والقدرة على حل المشكلات، وظهرت قدرة العقل على التكيف مع التغيير الثقافى فتفتقت عبقرية الإنسان.

لطرح تساؤل هام أيضًا حول علاقة قدرة الإنسان على الابتكار وعلاقة ذلك باللغة، لقد قام ديترايتش ستاوت وزملاؤه فى كلية لندن بعمل مسح ضوئى للمخ لدى ممارسة ثلاثة من علماء الأنثروبولوجى صنع أدوات مماثلة لأخرى تعود للعصر الحجرى، وتوصلوا إلى أن الأجزاء التى نشطت فى المخ عند هؤلاء العلماء هى نفسها الأجزاء المستخدمة فى اللغة. ويقول ستاوت: «إن تكوين جملة معقدة وصنع أداة يشكلان تحديين متشابهين ومن ثم تكون العملية الرئيسية وراءهما متشابهة، فهى تعتمد على أجزاء متداخلة من المخ».

كان سكوت فرى من جامعة أوريجون قد توصل بعد دراسة مرضى إصابات المخ، وبعد عمل مسوح للأفراد الأصحاء إلى أن مناطق الفص الأيسر من المخ حاسمة فى قدرة الإنسان على استخدام الأدوات، وتظهر تلك المناطق كذلك كمحرك لقدراتنا على القيام بإشارات رمزية، هذه المناطق لو دمرت أو دمر بعضها يؤثر ذلك على قدرة الإنسان على الحراك. مراكز النطق فى المخ الإنسانى تؤكد أن اللغة مكون أساسى فى الإنسان مثلها مثل الحواس التى لديه، والتى لها مراكز مماثلة فى المخ، ومن هنا فإن القول بأن اللغة ابتكار إنسانى خالص، قول فى حاجة إلى المزيد من البرهنة على صحته، فاللغة فى بدايتها كانت محدودة لمحدودية حاجة الإنسان لها الذى طورها وأكسبها يومًا بعد يوم مرادفات جديدة تعبر عن تطور الحياة اليومية لديه، فاللغة كائن حى يتطور ويكتسب الجديد يومًا بعد يوم.

لم تكن اللغة فى بداية الحضارة الإنسانية سوى أداة تواصل بين الأفراد ثم يبن الجماعة والجماعات الأخرى ثم بين الأمم، ومع تنامى أعداد البشر وتفوقهم، اختلفت اللغات وتفاعلت مع البيئة المحيطة بها.

إن قدرة الإنسان على التفكير تجعله مختلفًا عن سائر الكائنات، وتقع الأجزاء المسئولة عن التفكير فى القشرة الخارجية للمخ، وهى مع مراكز الذاكرة فى المخ تساعدنا على الربط بين الماضى والحاضر وتصور المستقبل.

والسؤال الذى نختم به، لماذا لم ينمِ القرد ذاكرته بيولوجيًا على غرار الإنسان البدائى أو إنسان الغابة الذى يرى بعض العلماء أن الذاكرة نمت لديه بيولوجيًا، أم الإنسان خُلق والذاكرة جزء أساسى منه؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.