«النواب» يوافق على 5 مشروعات قوانين للبحث عن البترول والغاز    البنك الأهلي المصري يطلق مبادرة لترشيد استهلاك الكهرباء    بنك قناة السويس يحصد جائزة "الأفضل ابتكارًا في التمويل التجاري بمصر لعام 2025" من مجلة MEA Finance    استشهاد 5 فلسطينيين في قصف إسرائيلي على وسط قطاع غزة    جولة مشاورات سياسية بين مصر وهولندا فى لاهاى    وزير الخارجية الإيراني يحذر من تسبب إسرائيل في حرب كبرى    وكيل "تموين الإسكندرية" يقود حملة مكبرة على الأسواق والمحلات    إليسا تحتفى بفسخ تعاقدها مع شركة وترى وتستعد لحفل غنائى فى يوليو    محافظ المنوفية يتابع أعمال تطوير مدخل شبين الكوم والممشى الجديد    بلال: لو شكلت فريقا مع بركات وأبوتريكة الآن لهزمنا إنتر ميامي!    بحضور أسر الصحفيين.. عروض مسرح الطفل بقصر الأنفوشي تحقق إقبالًا كبيرًا    مجموعة الأهلي.. شكوك حول مشاركة حارس بورتو ضد إنتر ميامي    "أنا مصمم".. وصلة غناء من مرموش للاعبي مانشستر سيتي قبل مونديال الأندية (فيديو)    قرار مهم من "التعليم" بشأن سداد مصروفات الصفوف الأولى للعام الدراسي 2026    رصاصة غدر بسبب الزيت المستعمل.. حبس المتهم بقتل شريكه في الفيوم    رئيسة «القومي للبحوث»: التصدي لظاهرة العنف الأسري ضرورة وطنية | فيديو    بعد تعرضهم لحادث.. صور مراقبي الثانوية العامة داخل المستشفى بقنا    «البحوث الإسلامية»: الحفاظ على البيئة واجب شرعي وإنساني    تخصيص بالأسبقية.. مواعيد الحجز الإلكتروني لشقق صبا بأرقام العمارات    بدء الجلسة العامة للبرلمان لمناقشة الموازنة العامة    إمام عاشور يروي لحظة إصابته ضد إنتر ميامي: «كنت بجري ومش حاسس بدراعي»    "الحرية المصري": نخوض الانتخابات البرلمانية بكوادر على غالبية المقاعد الفردية    في أقل من شهر.. «المشروع X» يفرض نفسه في شباك التذاكر    ضبط "عامل توصيل طلبات" لقيامه بالتحرش بطالبة بالقاهرة    انهيار المنظومة التعليمية فى غزة جراء العدوان الاسرائيلى.. استشهاد أكثر من 16 ألف طالب وتدمير 111 مدرسة    الرئيس الإسرائيلي يعلّق على فكرة اغتيال خامنئي: القرار بيد السلطة التنفيذية    أحمد فتحي ضيف برنامج "فضفضت أوي" على Watch It    نور عمرو دياب تثير الجدل بتصريحاتها الأخيرة: "أنا بنت شيرين رضا" (فيديو)    بلمسة مختلفة.. حسام حبيب يجدد أغنية "سيبتك" بتوزيع جديد    النواب يوافق نهائيا على الموازنة العامة 2025l2026 بإجمالى 6.7تريليون جنيه    محافظ المنيا يُكرم مديرة مستشفى الرمد ويُوجه بصرف حافز إثابة للعاملين    ماذا يحدث لجسمك عند التعرض لأشعة الشمس وقت الذروة؟    طريقة عمل طاجن اللحمة في الفرن    نجاح طبي جديد: استئصال ورم ضخم أنقذ حياة فتاة بمستشفى الفيوم العام    عرض غنوة الليل والسكين والمدسوس في ختام الموسم المسرحي لقصور الثقافة بجنوب الصعيد    محافظ أسوان يشيد بجهود صندوق مكافحة الإدمان فى الأنشطة الوقائية    السجن المشدد 3 سنوات لمتهم لحيازته وتعاطيه المخدرات بالسلام    تراجع كبير بإيرادات أفلام العيد والمشروع x في الصدارة    السفارة الصينية في إيران تحث رعاياها على مغادرة البلاد في أسرع وقت ممكن    زيلينسكي: روسيا هاجمتنا بالطائرات المسيرة بكثافة خلال ساعات الليل    وزير الرياضة يرد على الانتقادات: دعم الأهلي والزمالك واجب وطني.. ولا تفرقة بين الأندية    المرور تحرر 47 ألف مخالفة متنوعة خلال 24 ساعة    بينها «شمس الزناتي».. أول تعليق من عادل إمام على إعادة تقديم أفلامه    طلاب الثانوية العامة بالفيوم: "امتحان اللغة الأجنبية الثانية فى مستوى الطالب المتوسط لكن به بعض التركات الصعبة جدا    البحوث الفلكية: الخميس 26 يونيو غرة شهر المحرم وبداية العام الهجرى الجديد    دار الإفتاء: الصلاة بالقراءات الشاذة تبطلها لمخالفتها الرسم العثماني    الجهاز الطبى للزمالك يقترب من الرحيل.. وتغييرات إدارية مرتقبة    أستاذ هندسة بترول: هناك خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها من إيران أو إسرائيل    محافظ المنوفية والسفيرة نبيلة مكرم يتفقدان قافلة ايد واحدة.. مباشر    "ليست حربنا".. تحركات بالكونجرس لمنع تدخل أمريكا فى حرب إسرائيل وإيران    مستشفيات الدقهلية تتوسع في الخدمات وتستقبل 328 ألف مواطن خلال شهر    أسعار الأسماك والمأكولات البحرية في سوق العبور اليوم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 17-6-2025 في محافظة قنا    جامعة قناة السويس: تأهيل طبيب المستقبل يبدأ من الفهم الإنساني والتاريخي للمهنة    «أمطار في عز الحر».. الأرصاد عن حالة الطقس اليوم الثلاثاء: «احذروا الشبورة»    بعد تلقيه عرضًا من الدوري الأمريكي.. وسام أبوعلى يتخذ قرارًا مفاجئًا بشأن رحيله عن الأهلي    «لازم تتحرك وتغير نبرة صوتك».. سيد عبدالحفيظ ينتقد ريبيرو بتصريحات قوية    ما هي علامات قبول فريضة الحج؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذاكرة الإنسان والإبداع وصناعة التاريخ
نشر في الشروق الجديد يوم 10 - 05 - 2013

هناك تساؤل يثار بين حين وآخر حول كيفية نمو المعرفة، اليوم يطرح تصور جديد يتحدى الفكرة القائلة إن البيولوجيا وحدها هى التى قادت إلى نشوء المهارات العقلية، إن ما يبرهن عليه هو أن قدرات مثل طاقة الإبداع والمهارات اللغوية والعمل هى نتيجة لعملية مستمرة من التخصيب الثقافى بالتفاعل مع العالم الذى نعيش فيه، سواء مع أناس آخرين أو أشياء مادية أخرى.

هذه الفكرة تذهب إلى أن العقل البشرى دائم التغيير يتفاعل مع كل متغير فى الحياة سواء كان هذا المتغير ثقافيا أو أشياء أو تقنيات جديدة، على نحو ما تفاعل الإنسان مع ابتكار البردى كمادة لتسجيل يومياته كوثيقة ترتقى بالتعاملات بين البشر لسلم أعلى فى الإنجاز الحضارى، وكتفاعله اليوم مع الهاتف النقال بتقنياته المتعددة التى تغير مفهوم الاتصال ونقل المعلومات.

يرجح علماء الآثار أن أول ظهور للإنسان على الأرض منذ حوالى 200،000 سنة مضت، مرت منها 140،000 سنة دون تحول كبير فى نمط حياة هذا الإنسان، أو ظهور بوادر لخطوات تنبئ عن تقدم ما فى حياته، فماذا حدث وأدى إلى تحول فى قدرة الإنسان على التفكير والابتكار، كابتكار الأدوات الحجرية والرسم على الكهوف؟ هذا السؤال كان مثار جدل بين العديد من الباحثين فى نقاش علمى جرى بجامعة كمبردج بالمملكة المتحدة عام 2007 تحت عنوان «العقل البشرى الحكيم».

إن القائلين بتطور العقل الإنسانى بيولوجيًا يذهبون إلى أن الإنسان استغرق 140،000 عامًا لكى ينمو عقله بيولوجيًا، لكن الحقيقة أن هذه الحقبة الزمنية الطويلة تكونت خلالها المجموعات البشرية، وتحولت الجماعة إلى قبيلة، واكتسبت خبرات التحرك كمجموعات فى الغابات وأحراشها. إن خبرة التعامل مع محيط الإنسان كانت هى الخبرة التى استنفدت الكثير من السنوات من الإنسان، لتبدأ الذاكرة الإنسانية مرحلة الاحتفاظ بذكريات الماضى والتعرف على الموجودات الحاضرة وتخطيط المستقبل وتصوره. إن الفرق بين البشر والحيوانات فى مجال القدرة العقلية، هو ترجمة حياة المجتمع البشرى إلى قوة مشتركة لمصلحة البشر، أكثر فاعلية بكثير من تحرك مجموعات الحيوانات التى يقتصر دورها إما على الهرب من الحيوانات الأخرى المهاجمة أو الهجوم المنفرد على حيوانات أخرى، فالبشر تمكنوا من التعاون فى مهام مثل استخدام القوة المتحدة لعدد من الأفراد لتحريك شيء ثقيل أو الصيد معًا، هنا يظهر البون بين الإنسان والحيوان، فالأخير لا يجيد سوى التقليد، بينما الأول طور مهاراته عبر السنين، فالقدرة على التعلم هى أبرز مميزات الإنسان التى ساعدته على تنمية ذاكرته والبناء على مخزونها خبرات متراكمة، فالحيوانات تتعلم من خلال الملاحظة العشوائية لما تقوم به الحيوانات الأخرى، ومن النادر جدًا تعرف الحيوانات على قيمة الابتكار.

أدرك الإنسان أهمية القدرة على تخمين نوايا الآخرين، ففى خلال عملية التدريس يدرك كل من المدرس والطالب نوايا الآخر، ولا تكون نظرة الطالب للمدرس هى نظرة الملاحظة العشوائية، لكن الطالب المنتبه جيدًا يضيف لنفسه أكثر من مجرد ملاحظة، بإعمال العقل فيما يطرح عليه، هنا تصبح عملية التعلم أكثر فاعلية.

يرى دويت ريد؛ أحد علماء الأنثروبولوجيا فى جامعة كاليفورنيا، أن النقطة الحاسمة فى تاريخ تطور الحضارة، كانت منذ عشرة آلاف سنة، عندما تغيرت علاقة البشر بالأشياء المحيطة بهم بوضوح، ففى هذا الوقت تقريبًا بدأت مجموعات من الصيادين وممن يجمعون الثمار فى استبدال معدات صيد الحيوانات، باستئناسها وإقامة حظائر لها، وبزراعة المحاصيل ثم جنى ثمارها، بدلاً من مجرد التقاطها من الأشجار، هنا فعل الإنسان تحول إلى الإنجاز، ويضيف دويت ريد: «وبالتالى أصبح حل المشكلات بديلاً للتنقل من مكان لآخر»، هذا يعنى ظهور القدرة على التعليم المنظم والقدرة على العمل والقدرة على حل المشكلات، وظهرت قدرة العقل على التكيف مع التغيير الثقافى فتفتقت عبقرية الإنسان.

لطرح تساؤل هام أيضًا حول علاقة قدرة الإنسان على الابتكار وعلاقة ذلك باللغة، لقد قام ديترايتش ستاوت وزملاؤه فى كلية لندن بعمل مسح ضوئى للمخ لدى ممارسة ثلاثة من علماء الأنثروبولوجى صنع أدوات مماثلة لأخرى تعود للعصر الحجرى، وتوصلوا إلى أن الأجزاء التى نشطت فى المخ عند هؤلاء العلماء هى نفسها الأجزاء المستخدمة فى اللغة. ويقول ستاوت: «إن تكوين جملة معقدة وصنع أداة يشكلان تحديين متشابهين ومن ثم تكون العملية الرئيسية وراءهما متشابهة، فهى تعتمد على أجزاء متداخلة من المخ».

كان سكوت فرى من جامعة أوريجون قد توصل بعد دراسة مرضى إصابات المخ، وبعد عمل مسوح للأفراد الأصحاء إلى أن مناطق الفص الأيسر من المخ حاسمة فى قدرة الإنسان على استخدام الأدوات، وتظهر تلك المناطق كذلك كمحرك لقدراتنا على القيام بإشارات رمزية، هذه المناطق لو دمرت أو دمر بعضها يؤثر ذلك على قدرة الإنسان على الحراك. مراكز النطق فى المخ الإنسانى تؤكد أن اللغة مكون أساسى فى الإنسان مثلها مثل الحواس التى لديه، والتى لها مراكز مماثلة فى المخ، ومن هنا فإن القول بأن اللغة ابتكار إنسانى خالص، قول فى حاجة إلى المزيد من البرهنة على صحته، فاللغة فى بدايتها كانت محدودة لمحدودية حاجة الإنسان لها الذى طورها وأكسبها يومًا بعد يوم مرادفات جديدة تعبر عن تطور الحياة اليومية لديه، فاللغة كائن حى يتطور ويكتسب الجديد يومًا بعد يوم.

لم تكن اللغة فى بداية الحضارة الإنسانية سوى أداة تواصل بين الأفراد ثم يبن الجماعة والجماعات الأخرى ثم بين الأمم، ومع تنامى أعداد البشر وتفوقهم، اختلفت اللغات وتفاعلت مع البيئة المحيطة بها.

إن قدرة الإنسان على التفكير تجعله مختلفًا عن سائر الكائنات، وتقع الأجزاء المسئولة عن التفكير فى القشرة الخارجية للمخ، وهى مع مراكز الذاكرة فى المخ تساعدنا على الربط بين الماضى والحاضر وتصور المستقبل.

والسؤال الذى نختم به، لماذا لم ينمِ القرد ذاكرته بيولوجيًا على غرار الإنسان البدائى أو إنسان الغابة الذى يرى بعض العلماء أن الذاكرة نمت لديه بيولوجيًا، أم الإنسان خُلق والذاكرة جزء أساسى منه؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.