خروج البنت من بيت أبيها لا يكون إلا بزواجها.. بعض الفتيات يهربن للزواج أحيانا أملا فى الحصول على حريتهن والتخلص من تحكمات الأهل.. وعندها فقط يصبح لدى البنت بيتها وغرفتها الخاصة.. هذه المعادلة الاجتماعية سارت عليها مجتمعاتنا قرونا طويلة.. لكن لا شىء يبقى على حاله.. كسرت بنات “اليومين دول” المعادلة وتمردن عليها وأصبحت لديهن قرارات أخرى مريم فتاة ثلاثينية تعيش مع عائلتها.. تعمل فى وظيفة مرموقة وتتقاضى أجرا سخيا, مع بلوغها سن الثلاثين قررت أن تحمل حقيبتها وتخرج من بيت والدها لتستأجر شقة تعيش فيها بمفردها. لم يكن يضايقها تحكمات أهلها بل على العكس فقد كانت تتمتع بحرية حركة كبيرة, لكن أمورا أخرى كدرت صفو حياتها, فشقيقتها الصغرى تشاركها غرفتها ودولابها الصغير الذى لم يعد يتسع حتى لملابسها, أبسط التفاصيل كانت تضايقها دخول الحمام بالدور والاستحمام يعنى أن الجميع سيطرقون الباب يستعجلونها.. تضطر لإخفاء الشامبوهات والبارفانات عن شقيقتها وأشقائها الذكور لأنها تدفع فيها مبالغ كبيرة وهم يتعاملون معها باعتبارها ملكية عامة.. أثاث البيت لا يعجبها فهو قديم الطراز وهى تحلم ببيت واسع وفسيح وأثاث قليل لكنه مريح.. مشاهدة التليفزيون تعنى خناقة أكيدة على الريموت كنترول. استقبال صديقاتها يعنى الكثير من الترتيبات والتجهيزات وقائمة من الممنوعات والمحظورات.. اتخذت مريم قرارها بالرحيل وتقول: اكتشفت أن الحالة الوحيدة التى سأخرج فيها من بيت عائلتى هو للزواج لكنى تجاوزت الثلاثين ولن أتزوج لمجرد الخروج من المنزل وإذا لم أستقل بحياتى الآن فمتي؟. بالطبع رفضت عائلتها وعارضتها وسرعان ما عادت المياه لمجاريها, فقط اشترطت والدتها أن تخبر الجيران بأنها انتقلت للعيش مع جدتها لقربها من مكان عملها. أما “هنا” فقد كانت من أولئك اللاتى لا يخرجن من بيوتهن إلا للزواج وفعلا انتقلت من بيت أبيها لبيت العدل لكنها طلقت بعد ثلاث سنوات.. وتقول: تزوجت فى شقة إيجار جديد وطلبت من طليقى أن يتركها لى ورفضت العودة لبيت أهلى فليس من المعقول أن أعود لانتظر الزواج من جديد.. لا أضع فى اعتبارى نظرة المجتمع للمطلقة التى تعيش بمفردها كما تقول، والانحراف لا يحتاج للسكن المنفرد بل قد يكون وسط عائلات محافظة ومتزمتة.. وتضيف لا أخجل من إعلان حالتى الاجتماعية لكنى لا اتطوع لذلك تفاديا لنظرات الطامعين وأصحاب الرؤى التقليدية. لم يعد استقلال البنات للحياة خارج منزل العائلة حدثا فريدا فرديا بل أصبح ملحوظا ومطردا. قبل سنوات كان الاستقلال إجبار وليس اختيارا وتعيش المغتربة فى بيت طالبات أو دار مغتربات إن كانت مضطرة للإقامة بسبب الدراسة أو العمل.. والآن تراجعت أعداد بيوت المغتربات وخرجت البنات من بيت العائلة وبيوت المغتربات ولم يعد هاجس نظرة الناس يثير هواجس البنات. “غادة” فتاة سكندرية جاءت إلى القاهرة تطارد حلمها فى أن تصبح روائية وكاتبة.. مرت بتجربة السكن المشترك مع مجموعة من البنات لظروف اقتصادية.. ما إن امتلكت القدرة المالية حتى استاجرت شقتها الخاصة وتقول لا اشعر بأن الناس يستغربون وضعى.. الناس فاهمة الفرق بين البنت المحترمة ومن هى غير ذلك, أكثر ما يضايقها هو استغلال صديقاتها اللاتى يعشن مع أهلهن والمبيت عندها هربا من بيت العائلة أو من يعتقدن أن بإمكانهن السهر للصباح والكذب على أمهاتهن. قبل أسابيع أطلقت “سارة يسرى وسهيلة محمد ومى مصطفى” صفحة على موقع فيس بوك أطلقن عليها مبادرة للفتيات المستقلة تحت اسم «femihub»وعرفن أنفسهن بأنهن مجموعة من الفتيات من مختلف محافظات مصر قررنا الخروج من محافظاتهن للمعيشة والدراسة أو الشغل فى القاهرة. بنعمل ايه؟ بنشتغل على توفير بيئة فعالة للبنات لمشاركة خبراتهن والتشبيك ما بينهن لإيجاد فرص عمل مناسبة. أما هدف الصفحة كما كتبتن (إعطاء مساحة للبنات بمشاركة تجاربهن وتوفير فرص عمل ومنح تدريبية لهن وإنشاء قاعدة بيانات تضم جهات العمل الآمنة للفتيات فى القاهرة), يتجمعن أسبوعيا للدردشة وتناول الإفطار أو الغذاء والخروج كعائلة كبيرة تحت شعار “لست وحدك” لم تسلم الصفحة من النقد والسباب أحيانا من جانب المعارضين للفكرة، لكنها أيضا وجدت من يثنى عليها ويشجعها وينضم إليها. وبرغم الاهتمام الذى لاقته الصفحة والضجة التى أثارتها فإنها ليست المرة الأولى فقد أطلقت صفحة ثورة البنات التى تديرها شابة محلاوية مغتربة تعيش بمفردها أيضا هى غدير أحمد مبادرة لدعم استقلال البنات وتشجيعهن على ذلك ولم تكتف بذلك بل نظمت مسابقة لأفضل حكاية استقلال وفازت بها بالفعل فتاة تدعى أميرة رضوان درست ونالت الماجستير وأصر أهلها على تزويجها من شخص لا تريده لمجرد أن كل بنت «مسيرها» للجواز فقررت أن ترفض الزواج والاستقلال بنفسها. ربما يعارض كثيرون خروج البنت من بيت أبيها لغير الزواج وربما يوافق البعض مضطرون لظروف الدراسة.. لكن ذلك لا يمنع من أن خروج البنات مازال مستمرا سواء للاغتراب أو بحثا عن خصوصية مفقودة فى بيت العائلة. قد يعتبر البعض أن الأمر فيه خروج عن الناموس الاجتماعى وإخلال بموازين الأسرة لكن آخرين يرون ذلك فرصة للنضج والنمو والتنفس فى جو خال من التعقيدات..