«أنا حرة».. قالتها لبني عبد العزيز فى فيلم بنفس العنوان، وهو عن رواية شهيرة لكاتبنا الكبير إحسان عبد القدوس، ومن أجلها اصطدمت بأسرتها والمجتمع كله، وحاربت كل محاولات وضعها فى قالب البنت التى يجب أن تتزوج وخلاص.. ما فعلته بطلة «أنا حرة» تفعله الآن بطلات أخريات.. بعضهن لم يتزوجن، وبعضهن مطلقات أو أرامل قررن الخروج من شرنقة الأهل، والاستقلال بحياة «من غير شريك».. وهن يرددن ما قاله محمد عبد الوهاب في أغنيته الجميلة «أحب عيشة الحرية». واحدة من هؤلاء هي سهير.. وتعمل فى مجال السياحة، وهى- كما تقول- أول فتاة من عائلتها تقرر الاستقلال حتي وهي تعيش بينهم، وبمجرد أن جمعت من المال ما يسمح لها بشراء شقة مستقلة فى إحدي المدن الجديدة، ولكنها تؤكد أن هذا ليس معناه أن هناك معاناة من مشاكل أسرية، وتضيف موضحة: أعيش حياة هادئة وعادية ولا أمر بظروف صعبة، بل إن أبى رحمه الله كان حريصا على جمع شملنا، ونعيش فى منزل أنا واخوتى، ولكن لكل منا شقة خاصة، و لكنى أردت الخروج و الاستقلال وكانت فكرة جديدة، وقمت بتأسيس الشقة من أموالى الخاصة وأتردد عليها بين الحين والآخر. وأنا لا أخشى الاستقلال لأن عملى أضاف إلى شخصيتى الكثير من الخبرة الحياتية كما أن السفر أصقل هذه الخبرة. و تؤكد محذرة أنه ليس معنى الاستقلال أن تعيش الفتاة بعيداً عن أهلها بل لابد من مشاركتهم لها وعدم الاستغناء عنهم خاصة الأقارب من الدرجة الأولى. و ترى دعاء المنجى أن حرية الفتاة حدودها العرف والتقاليد، فإذا التزمت الفتاة بهذه الحدود فما المانع أن تستقل فى حياتها مادامت تعيش من عمل شريف. و تتذكر ما حدث لفتاة كانت تسكن فى العمارة التى تقطن بها، وتقول: لا أنكر أننى فى بعض الأحيان كنت أبحث عن معلومات عنها وأتعجب لكونها وحدها، وكذلك فعل بعض السكان واستنكر بعضنا وجودها بالشقة وحدها، واستطاع بعض الفضوليين التوصل إلى أن هذه الفتاة أجبرتها ظروفها على أن تعيش بمفردها وكانت تعيش فى حالها، وبعد ذلك تمت خطبتها وتركت الشقة. وتقرر دعاء في النهاية أن وجود الفتاة بمفردها فى مسكن خاص بها يثير حولها القيل والقال حتى وإن كانت تسير على الصراط المستقيم.
ليست ظاهرة ترفض د.زينب شاهين- أستاذة علم الاجتماع- أن تصف استقلال المرأة فى المجتمع المصرى واختيارها مسكناً خاصا بها بعيداً عن أسرتها بالظاهرة، وتقول : هى حالات فردية خاصة أن مجتمعنا مازال متمسكا بالتقاليد والعادات الشرقية، وعلى العكس فإن ارتباط المرأة بأسرتها وبصفة خاصة أمها يستمر حتى بعد الزواج والإنجاب، وهذا الارتباط هو ظاهرة مصرية ترجع إلى موروثاتنا الثقافية وظروفنا المجتمعية التى تتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل. و تستطرد قائلة: قد تكون هناك بعض الحالات الفردية التى لها مبرراتها كأن تكون سيدة مطلقة اضطرتها ظروفها للعيش بمفردها، أو فتاة تدرس بإحدى الجامعات ولابد من أن تكون فى مسكن قريب من الجامعة. و نجد هذا واضحا فى المدن الجديدة التى انتشرت بها عشرات المعاهد و المراكز التعليمية.. وإجمالا ترفض د.زينب مبدأ استقلال المرأة إلا إذا كان هناك ظروف قوية تدفعها لهذا الاستقلال وليس الانفصال عن أسرتها الصغيرة وعائلستها الكبيرة. و تؤكد د.آمنة نصير- أستاذة الشريعة بجامعة الأزهر أنه إذا كانت الحرية إطلاقا للفكر والعقل والاستقلال فإن للمرأة ظروفا خاصة، لأن المجتمع المصرى مازال يستنكر هذه الحرية وبصفة خاصة عند المرأة إذا كانت صغيرة أو شابة. وقالت انها كارثة اجتماعية وذلك لأن البنت مهما استقلت مادياً فإن ثقافتنا الاجتماعية والدينية لا تمنحنا هذا الانفصال عن العائلة أو أن تسمح للفتاة بأن تكون مستقلة وأن يكون لها بيت تنفصل فيه لتكون موضعاً للعيون المتطفلة أو تعرض نفسها لأذى مثلما حدث فى الحادثة الشهيرة لفتاتين فى عمر الشباب فى إحدى المدن الجديدة. وتعترض د.آمنة على التقليد الأعمى للثقافات الأجنبية خاصة فى هذا الموضوع، حيث أن هذه الثقافة لها خصوصياتها التى يجب ألا نسير خلفها. ولكنها تنصح فى ذات الوقت بعدم الفضول للبحث عن أخبار هؤلاء السيدات أو الفتيات اللاتى فرضت عليهن ظروفهن العيش بمفردهن مثل الحالة السابق ذكرها، حيث أن ذلك يعتبر وصاية غير كريمة وغير مستحبة، والأنسب أن نساهم فى حمايتهن، وهنا أقصد الفتاة أو السيدة التى اضطرتها ظروفها للعيش بمفردها ولا يصح أن ندس أنوفنا فى أمور الآخرين.