مازالت أزمة تعيين سفير جديد لإسرائيل فى البرازيل مستمرة ، حيث لم تبد البرازيل موافقتها على تعيين دانى ديان حتى الآن فى سابقة دبلوماسية لم تحدث بين برازيليا وتل أبيب من قبل ، وهناك صمت مريب وصورة ضبابية من الجانبين حيال هذا الأمر ولم يعرف أحد حتى الآن نهاية لهذه الأزمة الدبلوماسية المكتومة. وأفادت صحيفة «فوليا دى ساوباولو» الواسعة الإنتشار فى البرازيل نقلاً عن صحيفة "تايمز اوف اسرائيل" أن الحكومة الإسرائيلية ستنتظر الموافقة علي «الإعتماد» فقط حتى انتهاء أعياد الميلاد. فقط من باب المقارنة، المعاملة التى حظى بها السفير الأرجنتينى بالبرازيل «كارلوس ماجارينيوس»، تبين بوضوح الموقف «الجليدي» للبرازيل إزاء إعتماد "ديان". فالسفير الأرجنتينى تم تعيينه فى 12 ديسمبر وفى اليوم الخامس عشر- أى بعد ثلاثة ايام فقط- من الشهر نفسه تمت الموافقة على إعتماده. وعلى ما يبدو وفقاً ل «فوليا دى ساوباولو» فإن علاقات الثقة مع إسرائيل ليست بهذا العمق: ف «ديان» عُيّن فى 5 أغسطس، وحتى تاريخه لم تتم الموافقة على إعتماده سفيراً بالرغم من مرور أربعة أشهر واكثر على تعيينه. هناك مشكلتان أمام قبول «ديان»: إحداهما شكلية والأخرى تخص مساحة الثقة وبكل تأكيد هى الأكثر أهمية. لقد امتعضت الخارجية البرازيلية من إعلان تعيين «ديان» قبل إبلاغ الحكومة البرازيلية ومنحه الإعتماد، كما تقتضى العادات والتقاليد والاعراف الدبلوماسية. العقبة الرئيسية أمام منح الإعتماد ل «ديان» فتتمثل فى كونه ممثلاً للمستوطنات اليهودية فى الضفة الغربية التى تعتبر بموجب القانون الدولى أراضى فلسطينية، ومع ذلك فإن اسرائيل تواصل احتلالها. وخلال الفترة ما بين 2007 – 2013 كان «ديان» قد ترأس مجلس «يشع» الذى يمثل مجتمع المستوطنات فى المنطقة التى يفضل اليهود الأرثوذكس تسميتها ب «يهودا» و«السامرة»، والجدير بالذكر أن الحكومة البرازيلية تؤيد الحل القائم على أساس دولتين، بالرغم من استحالته ما لم يتم إخلاء المستوطنين. ونقلت صحيفة «تايمز اوف اسرائيل» عن دبلوماسى اسرائيلى رفيع المستوي، دون الإفصاح عن اسمه، أن البرازيل تعتبر قرار اسرائيل إرسال زعيم مستوطنات كسفير لها بمثابة الفضيحة. وللعودة إلى خلفية الموقف البرازيلى نرى فى الكواليس بعض التفاصيل المهمة التى أسهمت فى هذا الموقف حيث جاء توقيع أكثر من أربعين منظمة برازيلية وعدد كبير من نواب البرلمان منذ شهور -فور الإعلان عن تعيين ديان - على عريضة تدين قرار إسرائيل بتعيين الرئيس السابق لمجلس المستوطنات فى الضفة الغربية- سفيرا لإسرائيل لدى البرازيل ،وبالتالى فإن عدم موافقة البرازيل حتى الآن على هذا التعيين ،بمثابة برميل البارود الذى أشعل الخلافات مرة أخرى بين برازيليا وتل أبيب، ووصف الخبراء هذه الخطوة بأنها تحد لسيادة البرازيل ومواقفها الدبلوماسية الرسمية التى تعتبر المستوطنات الاسرائيلية فى الضفة الغربية غير قانونية. ويأتى هذا فى وقت لم تندمل فيه الجراح بعد بين برازيليا وتل أبيب على إثر أزمة دبلوماسية تسببت فيها الهجمة الاسرائلية الشرسة على غزه العام الماضى والتى استدعت سحب عدد من دول القارة اللاتينية على رأسها البرازيل سفراءها اعتراضا على التعامل العسكرى الوحشى لإسرائيل على الشعب الفلسطينى، مما دعا ليبرمان وزير خارجية إسرائيل آنذاك لوصف البرازيل بالقزم الدبلوماسى وفى محاولة سريعة لرأب الصدع اوفدت وزاة الخارجية الإسرائيلية السفير بنحاس افيفى إلى المنطقة فى مهمة لإعادة التقارب ، بعد وقف إطلاق النار على غزه. وكان هدف محادثات افيفى مع وزراء خارجية دول أمريكا الجنوبية فى هذه المهمة الخاصة كما قال «شرح الوضع الذى تواجهه منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما النزاعات فى غزة والخطر الذى تشكله حماس» -من وجهة نظر إسرائيل- وعلاوة على ذلك، حاول السفير طرح الاحتمالات المستقبلية للتعاون . إلا أن هذه الزيارة لم تؤت ثمارها، نظراً للانتهاكات الإسرائيلية المتتالية طوال العقد الأخير. ويرى المحللون هنا فى برازيليا أن إسرائيل تحاول أن تذيب جبل الثلج بينها وبين البرازيل ودول امريكا اللاتينية بعدما لم تفلح حملتها الإعلامية الشرسة فى قلب الحقائق كما لم تتردد دول القارة اللاتينية. فهل ستنجح إسرائيل فى سياساتها الخارجية واتباعها سياسة مداواة الجراح قبل أن تستعصى على الحل ، أم سيتملكها العناد كالعادة وتتفاقم الأزمة؟ وفقا للبروتوكولات الدبلوماسية، يمكن تأكيد حكومة اسرائيل رسميا على تعيين ديان، وتقدم طلبا رسميا لحكومة البرازيل الموافقة على التعيين ايضا. وأيضا تمتلك الحكومة البرازيلية الحق فى رفض التعيين، غير أن هذه الخطوة سيتم اعتبارها استثنائية بشكل كبير، إذ لا يتم اللجوء اليها إلا فى حالات يضر فيها تعيين سفير بالمصالح الوطنية للدولة المضيفة.