إهتمت معظم دول العالم اهتماما كبيرا بأخلاقيات وآداب التعليم والتعلم, فهما أساس التحضر والتقدم والبناء للأمم علي مدي العصور, وفي سورة الكهف إشارة إلي أخلاقيات المعلم والمتعلم وآدابهما, حيث يقول المولي جل شأنه وإذ قال موسي لفتاه لا أبرح حتي أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا60 سورة الكهف, أي إن نبي الله موسي مازال يسير من أجل الوصول إلي مكان الخضر, وهو العبد الصالح, لينهل من علمه أو يسير زمانا ودهرا حتي يحقق هدفه, وهذا درس في قوة الإرادة والعزم والتصميم علي بلوغ المقصود, وهو تلقي العلم مهما كانت العوائق. وفي آية أخري فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا 62 الكهف, إشارة إلي أنهما قد أصابهما العناء والتعب, وفي هذا حث لمن أراد التعلم أن يتحلي بالصبر علي التعب وتحمل المشاق, فالصبر هو أساس بلوغ الهدف وهو تلقي العلم والأستزادة منه ولو سار راغب التعلم حقبا من الدهر, وفي الآية: فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما65 الكهف, وصف للمعلم الذي يريد أن يفيد تلاميذه من علمه بأن يكون رحيما بهم, وهناك درس في أدب المتعلم مع المعلم, وذلك في الآية: قال له موسي هل أتبعك علي أن تعلمني مما علمت رشدا66 الكهف, وفي الآية: قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا69 الكهف, فنبي الله موسي يضع نفسه من العبد الصالح موضع المتعلم,فيعطي له حق قيادته وإرشاده, فإذا نبهه إلي أمر قبله, وإذا بين له خطأ بادر له بالاعتذار, كما وعد موسي العبد الصالح بالطاعة والصبر, بعد الاستعانة بالله وتقديم مشيئته, وفي قبول موسي شرط العبد الصالح رعاية لأدب المتعلم مع المعلم. وهناك صورة أخري من آداب التعليم والتعلم في الآية: فانطلقا حتي إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبو أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه,قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا77 الكهف, حيث تبين الآية أن العبد الصالح أتعب نفسه في إقامة الجدار, ولم يطلب من أهل القرية, بالرغم من أنهم لم يضيفوهما, هذا لأن العبد الصالح علي يقين أن خير الأجر علي هذا العمل هو من عند الله طالما كان الهدف هو التعليم, وفي هذه الآيةعبارة تدل علي أدب التعلم في قول نبي الله قال لوشئت لأتخذت عليه أجرا حيث إنه لم يعلق علي ما شاهده بسؤال مثلما كان سؤاله حينما شاهده وهو يخرق السفينة( أخرقتها لتغرق أهلها ؟), وحينما رآه وهو يقتل الغلام( أقتلت نفسا زكية بغير نفس ؟) لأن نبي الله قال للعبد الصالح قبل واقعة الجدار قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا76 الكهف, معني ذلك أنه بعدم سؤاله يكون قد وفي بعهده مع العبد الصالح. مما تقدم نري أن القرآن الكريم يعطينا درسا في آداب التعليم والتعلم كي ننهج نهجه من أجل الاستزادة من العلم في إطار من الأخلاق والآداب حتي نحيا حياة كريمة ويرتفع البناء ويعم العمران شتي أنحاء المعمورة, ولذلك يجب أن نولي أخلاقيات وآداب التعليم والتعليم عناية فائقة من حيث تحديث برامجها في جميع المعاهد التربوية والجامعات لتأهيل المعلم تأهيلا يجعله قدوة حسنة للطلاب, بحيث لايسلك سلوكا مجافيا للقيم والمثل والأخلاق. ومن سلوكيات التعليم الهادفة توجيه الطلاب للمناقشة البناءة مع حثهم علي أحترام الرأي الآخر والرد علي من يخالفهم بطريقة مهذبة ليس فيها إيذاء للمشاعر, والإحجام عن المناقشات التي تتعالي فيها الأصوات وينقلب فيها الحوار الهادئ إلي مشاجرات عنيفة. وأقترح أن تخصص في المدارس والجامعات والمعاهد التعليمية جوائز تشجيعية سنوية لأحسن الطلاب أخلاقا, وأن تهتم أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة بإعداد البرامج التي تستهدف تقويم الأخلاق والسلوكيات لأفراد المجتمع حي يتحقق التقدم والرقي ويعم الرخاء. د. عز الدين الدنشاري