السؤال أحيانا يكون أكثر أهمية من الاجابة، بل انه هو أصل الاجابة وأساسها، فالمعرفة تبدأ بسؤال، والعلم يسعى للاجابة عن سؤال، والتعلم لا يتحقق الا بدوام السؤال، ومن يعتقد أنه ليس لديه سؤال فهو جاهل على سبيل اليقين، لأن طلب العلم يكون دائما بالسؤال.. وفى عصر الفضاءات المفتوحة والتواصل الاجتماعى تراجع السؤال وكثرت الاجابات، ولم يعد هناك من يظن أنه لا يعرف، الكل علماء، والجميع مفكرون، والبسطاء من الذين حصلوا على شهادات محو الأمية فى الجامعات يقدمون أنفسهم على أنهم خبراء ومحللون سياسيون، ومفكرون اسلاميون...الخ. رحم الله أستاذنا الدكتور حامد ربيع الذى كان يضع امتحان نهاية السنة الدراسية فى أصعب منهج فى العلوم السياسية وهو النظرية السياسية فى سؤال واحد هو: «ضع سؤالاً وأجب عليه»، فتكون مهمة الطالب وضع السؤال أولا وعليه نصف الدرجة، ثم الاجابة عن السؤال الذى وضعه لنفسه وعليه نصف الدرجة الباقية وفى زمن كثر فيه الخبراء والعلماء والمحللون، وأصبح معظم الكتاب والمحللين أساتذة فى العلوم السياسية، سوف أقتصر فى هذا المقال على طرح السؤال دون تقديم اجابات. أولاً: ماهى المصادر الفكرية لداعش وأمهاتها وأخواتها؟ نهاية الشهر الماضى عقد مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، ندوة عن العقول الارهابية وكيف تفكر؟ ومصادرها الفكرية، وقد قام باحثوه برصد مواقع التواصل الاجتماعى الخاصة بأخطر هذه العقول، وخلصوا الى أن مصادرهم الفكرية هى نفسها نفس المصادر الاسلامية العامة وهنا يثور السؤال: ما هو المنهج أو الرؤية الايديولوجية التى جعلت هذه العقول تقرأ التراث الاسلامى العام، وتعيد تفسيره بصورة تنتج هذا الفكر المنحرف الدموى العنيف الذى يستبيح كل شئ؟ وهنا يثور سؤال آخر، ما هو دور المؤسسات العلمائية والفكرية، والمنظمات الاسلامية، والجامعات التى شغلت العقل المسلم فى الربع الأخير من القرن العشرين بقضية «الولاء والبراءة»؟ كم من الرسائل الجامعية تم إعدادها فى هذا الموضوع؟ الولاء والبراء هى الفكرة التى تشير الى التكفير واستباحة الدماء، لأنها تؤسس لاعادة تعريف المؤمنين الذين تجب موالاتهم، وكذلك اعادة تعريف الكافرين الذين يجب البراء منهم، حتى لو كانوا فى حقيقتهم مسلمين؟ هل راجع هذا التيار أفكاره؟ هل تبرأ من تلك الأفكار؟ هل مارس النقد الذاتي؟ وهل يملك الشجاعة للقيام بهذه الممارسة الفكرية والدينية المحمودة لقطع الطريق عن سريان هذا الفكر فى الأجيال القادمة؟ فى 25 ابريل 2005نشرت مجلة «يو اس نيوز» تقريراً أعده »ديفيد كابلن «عنوانه» «القلوب والعقول والدولارات» أورد فيه أنه من 1975 الى 2000 تم انفاق 75 مليار دولار على نشر الفكر السلفى فى العالم الاسلامى. ثانيا: لماذا ارتبطت نشأة تنظيم القاعدة ومن بعدها داعش بالتدخلات الأمريكية فى العالم الاسلامي؟ ولماذا يأتى قادة هذه التنظيمات دوائر لها علاقة بالأجهزة الأمنية للدول الغربية؟ وما هو دور الدول الغربية فى رعاية هذه التنظيمات منذ نشأتها مثل القاعدة، أوغض الطرف عنها حتى تقوى كما حدث مع داعش؟ وهل من الصعب على أجهزة كانت تدعى أنها تعرف ماركة الملابس الداخلية لصدام حسين، أن ترصد وجود عناصر داعش فى صحراء مفتوحة وتتخلص منهم؟ ولماذا يتكرر نفس السيناريو من أفغانستان الى العراق الى سوريا وترعى الدول الغربية تنظيمات اسلامية متطرفة، وتتركها توغلُ فى التطرف والعنف، ثم تقوم هذه التنظيمات بعمليات معادية للغرب.. فيتم اتخاذ ذلك ذريعة للتدخل فى تلك الدول واحتلالها وتفكييكها واعادة تشكيلها؟ ثالثاً: هل من الممكن محاسبة النظام التركى لاستخدام أراضيه للعدوان المستمر على دولة مجاورة هى سوريا؟ وماهو المبرر القانونى للنظام التركى للتدخل فى سوريا؛ حتى وإن كانت هناك ثورة أو حرب أهلية؟ وما هو دور تركيا فى رعاية داعش وتغذيتها وتسمينها ودعمها بالرجال والنساء والسلاح والمال؟ من أين يأتى المقاتلون الأجانب ونساء النكاح؟ ومن الذى يشترى البترول من داعش ويبيعها السلاح والغذاء والكساء؟ لو تخيلنا أن حدود تركيا مع سوريا قد أغلقت هل سيكون هناك داعش أو النصرة أو غيرها من منظمات غالب أعضائها من المقاتلين الأجانب؟ رابعاً: ما هو دور قناة الجزيرة فى دعم العنف والتطرف، والحروب الأهلية، والارهاب فى العالم العربى خصوصاً سوريا؟ أليس ما تقوم به الجزيرة من رسم صورة للمقاتلين فى سوريا تجعل الانضمام لهم جذاباً ومغرياً للشباب؟ ألم تتحول قناة الجزيرة من ناقلة للأخبار الى صانعة للأخبار العنيفة فى سوريا ومصر وليبيا؟ ألم تكن قناة الجزيرة هى الوسيلة الاعلامية الوحيدة التى تسوق للفكر المتطرف بمافيه القاعدة وداعش من خلال ما تسميه السبق الصحفى والانفراد الاعلامي؟ ألم يتحول إعلاميو الجزيرة الى ناشطين وثوريين مثل فيصل القاسم وغيره؟ ما هى مسئولية قناة الجزيرة فى تسويق والاعلان عن فكر وقيادات القاعدة وداعش؟ ألم يكن ذلك برضاء القوى الغربية ذات العلاقة بالجزيرة؟ هل يمكن القول أن قناة الجزيرة هى الوسيلة الفكرية والاعلامية لتفكيك العالم العربى وتنفيذ خطة الفوضى الخلاقة؟ خامساً: ألم تتقاعس المؤسسات الدينية فى مختلف الدول العربية بما فيها الأزهر عن القيام بدورها وكشف الأصول المنحرفة لهذه التنظيمات؟ ألم يكن من أولويات السياسة الشرعية التبرؤ من هذه الجماعات ونفيها خارج الاسلام بناء على أفعالها وليس أفكارها؟ ألم تقم المؤسسات الدينية الرسمية بأدوار سلبية آثرت فيها السلامة، وتركت لهؤلاء الفرصة لحشد الشباب وتجنيدهم؟ ألم تعجز هذه المؤسسات عن اتخاذ موقف حاسم من هذه التنظيمات الارهابية، واكتفت بالشجب والاستنكار وترداد التعبير البارد «هؤلاء ليسوا من الاسلام فى شئ»؟. سادساً: ما هو دور المؤسسات الفكرية والدينية فى الغرب فى تشجيع هذه الجماعات واستثمار وجودها لتحقيق أهداف منها تشويه صورة الاسلام فى أعين المجتمعات الغربية؟ فى عام 2010 نشر مركز الدراسات الأمنية وهو بيت خبرة تابع للحزب الجمهورى الأمريكى تقريرا عنوانه «الشريعة خطر على أمريكا» يخلص فيه الى أن المنظمات العنيفة لا تمثل خطراً على الحضارة الغربية؛والخطر الحقيقى هو الاسلام المسالم المعتدل الحضارى لانه سيهدد انفراد الحضارة الغربية بالعالم فى المستقبل. سابعا: ألم يستخدم الغرب داعش وبوكوحرام وغيرها كبؤرة جذب لتفريغ الدول الغربية من المتطرفين؟ ألم يشجع الغرب حكم الاسلاميين للتخلص من الظاهرة الاسلامية فى الغرب، واعادة الاسلاميين الى ديارهم بحيث لايبقى فى الغرب الا المندمجون ثقافيا فى الحضارة الغربية؟ أسئلة مشروعة تحتاج من يجيب. لمزيد من مقالات د. نصر محمد عارف