نشب الخلاف بين القوي السياسية حول الدستور القادم للبلاد وخاضت تلك القوي عدة مواجهات يستدل منها أن جل الاهتمام انصب علي هيبة الدولة وشكل النظام السياسي وعلاقة الدين بالتشريعات والحريات العامة, وكلها بلا شك قضايا بالغة الأهمية يتعين حسمها بالوثيقة الأسمي في الدولة ولكن قضايا الاقتصاد لم تحظ بما تستحقه من اهتمام. فأولي القضايا الاقتصادية التي يتعين حسمها في الدستور القادم هي مدي تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي, فعلي الرغم من أن التدخل كمبدأ ليس محل خلاف فإن مدي التدخل وأدواته محل خلل كبير, وبتنزيل ذلك علي الواقع المصري يثور التساؤل! عما إذا كانت زيادة الدخل القومي وعدالة التوزيع ورفع مستوي المعيشة والقضاء علي البطالة وغيرها من الأهداف تتحقق وفقا لخطة تنمية شاملة تنظم الاقتصاد القومي كما نص دستور عام 1971 أم تترك تلك الأهداف لتتحقق تلقائيا من خلال التنمية التي يقودها القطاع الخاص, وإذا تركت للقطاع الخاص فماذا سيكون دور الدولة في القيام بالأنشطة الضرورية التي يحجم عنها القطاع الخاص وفي الحد من الآثار السلبية المحتملة للتنميه؟ الفروق بين الدخول؟ وهل سيؤثر فرض حد أعلي للأجور علي القدرة علي جذب أصحاب المهارات العالية والاحتفاظ بهم. ويأتي التعليم الذي يمثل قاعدة بناء رأس المال البشري وتمثل مصروفاته بندا مهما في الموازنة العامة للدولة ضمن أهم القضايا التي تطلب البحث الجدي لتحديد ما إذا كان الدستور القادم سيجعل التعليم في مؤسسات الدولة التعليمية مجانيا في مراحله المختلفة كما هو الحال الآن وكما هو مقرر في دساتير سابقة ففي الوقت الذي لا يوجد فيه خلاف حول أن التعليم حق, فليس هناك نفس الدرجة من الاتفاق حول الحد الذي يمكن أن تذهبه الدولة في تحمل مصروفاته فهناك من يري أن تتحملها الدولة بالكامل وهناك من يري أن يقتصر ذلك علي غير القادرين أو علي الطلاب المتميزين فقط او علي مراحل دراسية أو تخصصات معينة, وأيضا تأتي قضية العمالة ضمن القضايا الملحة التي تتطلب البحث فإذا كان العمل حق وواجب وشرف فهل ستكفله الدولة كما قرر الدستور السابق وإذا كفلته فبأي طريقة, حيث يمكن أن يتم ذلك بتوفير فرص عمل بالتعيين في مؤسسات الدولة دون أن تكون هناك حاجة للمعينين فتخلق بذلك بطالة مقنعة وخللا في الهياكل الإدارية لتلك المؤسسات ويمكن أن تكون بتوفير فرص العمل عن طريق تهيئة المناخ المناسب لقيام المشروعات التي تستوعب الأيدي العاملة. وحيث إن الحريات والحقوق والواجبات العامة هي من أهم ما ينظمه الدستور فإنه يصبح من الملح ايضاح حدود الحرية في بعض الأمور ذات الأبعاد الاقتصادية, فبالرغم من أن الملكية الخاصة مصونة فإن حرية التصرف في تلك الملكية دون ضوابط قد تؤدي إلي أضرار بالاقتصاد وبباقي أفراد المجتمع, فعلي سبيل المثال فإن الأراضي الزراعية الطينية هي أحد صور الملكية الخاصة المصونة ولكن تبوير الكثيرين لملكياتهم الخاصة من تلك الأراضي وتجريفها والبناء عليها يمثل تدميرا لأحد أهم أصول الدولة وإضرارا جسيما بحق هذا الجيل والأجيال القادمة في توفير الغذاء, وقد يمثل النص في الدستور السابق علي خضوع الملكية الخاصة لرقابة الشعب مدخلا يمكن البناء عليه, وأيضا فإن حماية صحة المواطنين من الأمراض الفتاكة الناتجة عن التلوث هي أحد أهم الواجبات العامة التي يتعين إقرارها بوضوح, فكما يقر الدستور الحرية الشخصية وغيرها من الحريات والحقوق ينبغي أن يقر أيضا واجب عدم الإضرار بصحة المواطنين.