نواجه حرب شائعات وأكاذيب، من دول خارجية تهدف لزعزعة استقرار مصر، وإجهاض مخططات التنمية، ومؤامرات من عناصر داخلية تنفذ أجندات خارجية، ومن ثم يجب علينا أن ننتبه، وأن نأخذ الحذر، وهو ما أكده الرئيس عبد الفتاح السيسى حين أكد «أننا نواجه حرب شائعات وأكاذيب، وعلينا أن نستمر فى بناء مصر ومؤسساتها، ولا نلتفت إلى من يحاولون إضعاف ثقتنا بأنفسنا وعدالة قضيتنا» بهذه الكلمات القوية الواضحة عبر الرئيس السيسى عن الخطر الذى يحاول التأثير على مؤسسات الدولة من خلال بث شائعات مسمومة تهدف إلى إثارة الرأى العام وإضعاف المؤسسات.. وعلى مدى الأيام القليلة الماضية، انتشرت عدة شائعات خبيثة تناولها بعض المواطنين فيما بينهم، بهدف التأثير على الرأى العام وبث أخبار كاذبة لإشاعة الخوف بين المواطنين منها: الترويج لاختطاف طفل فى أحد المولات الشهيرة بمدينة نصر، وإشاعة الخوف والذعر بين المواطنين من تطعيم أطفالهم ضد الحصبة، كما استبقت بعض المواقع الإخبارية التحقيقات الجارية بشأن سقوط الطائرة الروسية فى سيناء، وإلغاء نقاط الخبز التى يصرفها المواطنون شهريا.. وغيرها الكثير من الشائعات المغرضة التى انعكست بصورة مباشرة على المواطنين، الأمر الذى أدى إلى حدوث حالة من الفوضى بين المواطنين لمعرفة الحقيقة. (الأهرام) ترصد فى هذا التحقيق من خلال متخصصين فى عدة مجالات أسباب تداول الشائعات ومدى تأثيرها على المجتمع؟ وكيفية مواجهتها وأسلوب التعامل مع من يبث سمومه بين المواطنين لإثارة الفوضى؟.. فى البداية تقول د. عزة كريم أستاذ علم الإجتماع بالمركز القومى للبحوث إن الشائعات يتم استخدامها عن عمد خاصة فى وقت الحرب بهدف التأثير على المواطنين، ومصر تواجه الآن حربا شرسة للسيطرة عليها داخليا وخارجيا من خلال بث ونشر شائعات مسمومة بين المواطنين من أجل هدم المجتمع ومنع استقراره، لأن كثرة الشائعات تترجم عمليا الى انعدام استقرار المجتمع سياسيا وأمنيا. وأضافت: للإعلام دور كبير جدا فى زيادة الشائعة من خلال تكرارها والتركيز عليها، خاصة أنه يتعامل فى اتجاهات وأفكارمتعددة، ويسعى الى تغيير العادات والتقاليد، كما انه يوجه الرأى العام.. فالإعلام هنا يستخدم الشائعة لصالحه ويستغلها ويحركها بما ينعكس سلبا على المجتمع. وطالبت د. عزة كريم وسائل الإعلام بالحيادية والصدق فى تناول الموضوعات التى تؤثر بصورة مباشرة على المواطنين، فالتناقض الإعلامى فى تغطية إحدى القضايا التى تهم الرأى العام يؤثر سلبا على المجتمع. وأكدت أن هناك شريحة كبيرة فى المجتمع تستقى معلوماتها اليومية عن الأحداث الجارية من القنوات الفضائية فقط وتعتبر كل ما تقدمه لها صادقا حتى لو كان خاطئا، من هنا تأتى الكارثة على المجتمع. وحول رؤيتها لعقوبة من يروج الشائعة، قالت أستاذة علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث: أرفض أن تتم معاقبته بالحبس ولكن يفضل أن يتم عزله من وظيفته لأنه لم يلتزم بالصدق والمهنية فى تعامله مع قضايا الوطن. كما أن مواجهة الشائعات تتطلب شفافية من أجهزة الدولة تجاه القضايا والموضوعات التى تشغل الرأى العام ولابد من المواجهة الصادقة لمقاومة أى شائعة خبيثة. أخلاقيات الشعب وأشارت د. عزة كريم إلى أن بعض الفضائيات تتاجر بأخلاقيات الشعب والتنافس على الإساءة له لجذب الإعلانات لبرامجها. وتابعت قائلة: للإعلام قواعد ومعايير أخلاقية، لكن للأسف لا يوجد من يتمسك بالمعايير، و لذلك يرفض المواطنون معظم البرامج ويتجاهلون مشاهدتها، حيث تتوه الحقيقة فى تعامل مقدمى البرامج مع برامج التوك شو على انها ملكية خاصة لهم، ليتاجروا بعقول المشاهدين. تسرى كالنار ويعلق د. عمار على حسن الباحث فى علم الإجتماع السياسى قائلا: الشائعة كالنار تسرى بسرعة فائقة إذا توافرت لها عوامل الانتشار، وتمتاز بالإيجاز والسهولة فى التذكر وتزدهر فى المجتمعات الضعيفة أكثر منها فى المجتمع المتماسك المثقف تبعا لطبيعة الاستعداد النفسى، وقد تسرى أحيانا بمساعدة الاستجابات الفردية للأشخاص، وقد تكون عوامل مواجهة الشائعة سببا فى انتشارها، وهى بشكل عام تنتشر عن طريق وسائل الإعلام المختلفة وعن طريق الهمس بين المواطنين فى المصالح الحكومية. وأضاف د. عمار أن الشائعات مسألة تعرفها المجتمعات منذ فجر التاريخ، ومنها ما يكون مدبرا وأخرى تكون عفوية، ومواقع التواصل الإجتماعى تساعد على سرعة انتشار الشائعة وتداولها بين المواطنين فى وقت سريع جدا أفقيا ورأسيا، كما تلعب المجتمعات الصغيرة المنعزلة دورا كبيرا فى نقل الشائعات إلى مراكز المدن والمجتمعات الكبيرة. وأكد الباحث فى علم الإجتماع السياسى أن أسلوب التعامل مع الشائعة يتطلب وجود شفافية من المسئولين فى الدولة ووضوحا فى التعامل مع القضايا الجماهيرية فى أسرع وقت لكى نقطع الطريق على مروج الشائعات ليصل إلى هدفه، ولابد من نقل المعلومات بدقة وأمانة بين المواطنين وعدم الانسياق وراء مواقع التواصل الاجتماعى لأنها غير أمينة فى نقل المعلومات للمواطنين. وأشار د. عمار إلى أن شائعات الكراهية من أخطر أنواع الشائعات لأنها سريعة الانتشار وغايتها تمزيق وحدة المجتمع والسيطرة عليه، كما تستغل الشائعة حاجات ودوافع الشعب، ويتطلب هذا معرفة بأحوالهم وحاجاتهم وأساليب إشباع هذه الدوافع والحاجات، وهنا يجب سد الطريق أمام رواج الشائعة. وأوضح الباحث فى علم الاجتماع السياسى أن الشائعة تستخدم أحيانا للحصول على الحقيقة، حيث تشاع أنباء كاذبة عن موضوع معين بقصد الحصول على معلومات صحيحة، ويمكن استعمالها لجس نبض موضوع بعينه لقياس أو معرفة الرأى العام فيها . وفى سياق متصل، كشفت دراسة أمريكية أن عددا كبيرا من وسائل الإعلام الإلكترونية تفتقر للدقة والموضوعية وتساهم فى نشر الشائعات، وأكدت أنه ليس كل ما ينشر يتمتع بالمصداقية. وقالت الدراسة التى تحمل عنوان (أكاذيب وأكاذيب كريهة ومحتوى ينتشر بسرعة)، إنه بدلا من الاعتماد على مصدر معلومات دقيق، يقوم عدد كبيرمن وسائل الإعلام الإلكترونية فى تضليل الرأى العام لحصد مشاهدات كبيرة لموقعها. وأضافت الدراسة التى تمت فى معهد (تاو سنتر للصحافة الرقمية) بجامعة كولومبيا أن وسائل الإعلام اضطرت لمعالجة أخبار لم يتم التحقق من صحتها لكن بعضها تسرعت فى نشر أخبار كاذبة. وتابعت الدراسة: أن عددا كبيرا من المواقع لا يتحقق من صحة المعلومات التى يقوم بنشرها وبدلا من ذلك يقوم بربطه بوسيلة إعلام أخرى تشير هى نفسها إلى وسائل إعلام أخرى، كما أن المعلومات الكاذبة تثير فى أغلب الأحيان اهتماما أكبر من الأخبار الصحيحة لذلك تنتشر بشكل أوسع. وأضافت الدراسة: عندما ينتشر خبر كاذب على مواقع الإنترنت تهتم به الصحافة وتشير إليه لقرائها ونادرا ما ينشر النفى. وجاء فى ختام الدراسة أنه فى بعض الأحيان تتكرر الشائعة إلى درجة أنها تكتسب مصداقية كبيرة بين المواطنين. أما د. عالية المهدى وكيلة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية فاعتبرت أن الشائعات من أخطر الأسلحة التى تهدد المجتمعات فى قيمها ورموزها إذ يتعدى خطرها الحروب المسلحة بين الدول، بل إن بعض الدول تستخدمها كسلاح فتاك له مفعول كبير فى الحروب المعنوية أو النفسية التى تسبق تحرك الآلة العسكرية ولا يتوقف خطرها عند هذا بل إنها الأخطر اقتصاديا واجتماعيا. وأضافت د. عالية أن الشائعة ظاهرة ليست مستحدثة، بل إنها موجودة منذ فترة طويلة حيث استخدمها الإنسان كثيرا لزعزعة الأمن والاستقرار حيث أطلقها وصدقها وتأثر بها لتتبلور فى أحضان ثقافته على مر العصور متشكلة ومتلونة بملامح كل زمان تظهر فيه، لذلك فإن سوق الشائعات فى الفترة الراهنة تمتاز بالمزيد من الرواج حيث تتنوع الشائعات فتكون شخصية أو سياسية أو اقتصادية إلا أن تأثيرها واحد يصيب الناس بالقلق والتوتر. سمعتها من فلان وترى وكيل كلية الاقتصاد والعلوم السياسية أن مصدر الشائعات غالبا ما يكون غير معروف، فحينما يروج شخص شائعة ويسأل عن مصدرها يقول: سمعتها من فلان أو يقولون كذا، دون التحقق من صحة ما يقول، كما أن الشخص المروج للشائعات إما أن يكون حاقدا أو جاهلا أو مستفيدا من ترويج الشائعة وانتشارها، وخير دليل على ذلك ما رأيناه فى فترة اندلاع الثورات العربية، حيث يستغل البعض الأخبار لإثارة الشائعات عمدا لإحداث حالة من الخوف عند الناس ليشعروا بالفوضى وعدم الأمان. وأكدت د. عالية المهدى أن الشائعة تنتشر فى المجتمعات التى لا تتمتع بالشفافية ولا بد من إعلان الحقائق لدى الرأى العام بوضوح تام، حتى لا تتطور الشائعات إلى حقائق بين المواطنين، ومعظم الشائعات التى تثار فى هذه الآونة ليست ذات قيمة.. فمثلا الشائعات التى تثار على مواقع التواصل الاجتماعى فى جميع المجالات السياسية وتنال رموزا سياسية أو فكرية أو ترويج شائعة يجب عدم الالتفات إليها، وهناك شائعات تنعكس على أسواق المال العالمية وإن كان تأثير بعضها ضعيفا، إلا أن هناك نوعا من الشائعات له خطورة كبيرة فى التأثير السلبى على الجانب الاقتصادى خاصة إذا ارتبط بالحالة المادية للمواطنين. بلبلة فكرية المنظومة الإعلامية وتعلق وئام سامى مذيعة قائلة: المنظومة الإعلامية فى حاجة لوضع استراتيجية واضحة للإعلام، فالرؤية غير واضحة، وفى كل أزمة يحدث ارتباك فى الأداء الإعلامي، وعلينا ان نصحح ونطور من أدائنا لكى نحارب إعلام الأكاذيب ونواجه الشائعات.. فنحن فى حاجه إلى قناة إخبارية عالمية ناطقة باللغات الأجنبية تتوفر لها كل الإمكانات. وأكدت وئام أن بث أخبار مغلوطة وكاذبة من بعض الفضائيات يؤدى إلى الارتباك فى الشارع وهو هدف الإعلام المضلل أن يحطم المعنويات. كما أن الإعلام الخاص يركز على السبق على حساب الصدق وتحول الى مكلمة من داخل الإستديوهات دون البث المباشر من أرض الواقع. النصوص الشرعية ويقول د. محمد وهدان أستاذ الإعلام بجامعة الأزهر إن كل النصوص الشرعية من الكتاب والسنة أكدت حرمة المشاركة فى ترويج الشائعات والتى تعنى ترويج الأكاذيب والأقاويل غير المحققة والظنون الكاذبة من غير أن يتثبت المرء من صحتها من غير الرجوع إلى المختصين والخبراء بالأمور قبل نشرها، لأنه يثير الفتن والقلاقل بين الناس. وأضاف أن الله تعالى وصف من يروج الشائعة فى كتابه الحكيم ب«المرجفين فى المدينة».. والمقصود بالرجفة هى زعزعة الأرض تحت القدم والإرجاف هو الإخبار بما يضطرب الناس لأجله من غير تحقق به.