يحلو لي خداع نفسي بأني أعرف كل ردهات العشق; ومادمت أعترف بخداع النفس, صار مقبولا أن أتهم الزمان الذي أحياه بأنه زمان الافتقاد. نعم, أنا أفتقد حبيبتي ولا أراها, فقط هي تتجسد أمامي في خيالي; فأجري لعلي ألحق السباحة في نهرين صغيرين بلون الفيضان الكثيف, نهران ينبعان من سواد عينيها وكلاهما مغزول من نور أسود; وأستخرج من العينين ألعاب طفولتي وشجن جنوني وذكري أيام كانت هذه الجميلة معي في القاهرة, أتنفس الهواء لأنها تتنفسه, وآكل الطعام لأنها تأكله وأحب الحياة لأن فيها رحاب. فهي مغزولة في كياني. تشربت أيامي بكل ذرة من أيامها وارتشفت معها كل أحلامي حتي صارت كل أحلامي ورائي, وما أمامي إلا أن أسعي إلي كل ما كان خلفي. وماذا يمكن أن يقوله عاشق مسكون بوجه امرأة فلسطينية؟ أنا العاشق وهي حبيبتي التي تاهت مني, وبأية كلمات يمكن أن أعبر عن لحظات ميلاد نهر الحب الفياض بيننا وبأي شئ يمكن أن أهز هذا السر النائم في قلب كل إنسان من المحيط إلي الخليج لأسأله عن طريق أسير فيه فأجد حبيبتي؟. لكن هاهي ذا الأيام تتوالي. يتكور الليل من وراء ظهر الشمس ليأتي مقذوفا في وجهي فأترنح نائما لعلي أجدها في ثنايا الأحلام. ويتكور النهار من أمام الشمس فيأتي مقذوفا في وجهي; فأصحو مقهورا بسري الخاص الذي أبحث له عن إجابة. وسري بمنتهي البساطة أنني منذ أن رأيتها في صباي وأنا أحس أننا صرنا اثنين في كائن واحد. ولا أمل من رؤية أي أمر يخص أي إنسان إلا وهو مرآة يظهر فيه صور الساسة وهو يجتمعون ويتخذون من القرارات ما يشكل ملامح ذلك الأمر الخاص بأي كائن بشري; لذلك اذكر صعوبة السفر من القاهرة إلي نابلس كي ألتقي بوالدها كي يبارك حياتنا معا, فالساسة يتحكمون في سعر الدولار, وهم يسمحون أو لا يسمحون لأي عاشق بالتنقل بين بقعة من الأرض إلي بقعة أخري. وعندما أصر والدها أن أذهب إليه لأطلب يدها من نابلس لم تكن ظروفي المالية تسمح, وسقطت نابلس في1967 ولم أعد أعلم عن رحاب أي شيئ, وهكذا صرت كائنا ناقصا يبحث عن الاكتمال. هل أقول إنني أقرأ الجرائد لعلي أجد الخبر عنها؟ هل أقول إنني أجلس أمام شاشة التليفزيون لأشاهد نشرات الأخبار; وأتخيل أن رؤساء الدول عندما يلتقون قد يتحدثون عنها وعني؟ هل أقول إنني أتجمد من الخوف عندما أسمع عن سيارة مفخخة بالألغام تنفجر; خوفا من أن تكون هي قد مرت بجانبها; وأظل أبحث عن أسماء الذين قتلوا. ولكن مادمت أنت عربي وتموت فلا اسم لك في الإذاعات, أما عن الأسماء فهي لأروبي صاحب إصبع مجروح أو لأمريكي سار بالخطأ في مدينة مسكونة بمتحاربين ينتمون لوطن واحد ولكن تختلف مذاهبهم, والجريح الأوروبي أو القتيل الأمريكي له اسم وله عائلة وله أصدقاء وله صلوات تنادي القلوب السوداء أن ترحمه. ففرنسا أعلنت الحداد العام لمقتل عدد من كبار السن في حادث تصادم أتوبيس مع قطار; وفي ذاكرتي صورة مبارك المعزول; وهو يشاهد مباراة لكرة القدم بينما كان هناك أكثر من ألف يصارعون الموت في البحر الأحمر; غرقت بهم عبارة يملكها واحد من أصدقاء مسئول كبير في حاشيته. وضاع وقت كبير حتي نتعرف علي أسماء من التهمتهم أسماك القرش بالبحر الأحمر, ومازال جسد أحد الآباء الذي فقد كل أسرته يقفز كأنه الكونجر في ذاكرتي, وهو يدعو السماء ضدهم. وتجرأت بالذهاب إليه طالبا منه تحديد أسماء من يدعو عليهم, فغضب مني واتهمني أن أرغب في اعتقاله بواسطة الحكومة. ولم أخبره بأني أدعو معه علي من يدعو عليهم وأدعو أيضا علي الذين حرموني من رؤية رحاب. ولم أحدد أسماءهم لأنهم يضمون أسماء كثيرة قد تبدأ من ساكن البيت الأبيض إلي ساكن الإليزيه; إلي ساكن المنزل رقم عشرة بداونج ستريت, ولن أنسي أسماء من صنعوا الهوة بين أفكار عبد الناصر وبين الواقع, فاكتفوا بالهتاف دون العمل لتأتي كارثة1967 التي مات فيها شباب لا يذكر أسماءهم أحد, عكس هؤلاء المكتوبة أسماؤهم علي حائط من رخام كبير في ساحة أمام البيت الأبيض, وهي أسماء من ماتوا في حرب فيتنام, تلك الحرب التي لم يعرف أحد من الأمريكيين أو غيرهم سببا لها حتي كتابة سطوري تلك. ................... هاهي الذاكرة تفرج عن مشاهد ترتبط بأوهامي وواقعي. أتذكر قبولي السفر إلي صقلية الجزيرة التي تحمل الآن الجنسية الإيطالية; وبي حلم يهمس لي بأني قد ألتقي برحاب, ولا أعرف من أين أتاني هذا الوهم ليصل بي إلي تفرس وجوه النساء منذ لحظة هبوط الطائرة بمطار روما, وكان هذا الهاجس أو الوهم هو مادفعني إلي عدم التواصل مع ليليان أمينة المكتبة العربية وصاحبة التجربة التي أيقظت في قلبي حلم الحياة معها. وهي الآن وحيدة في روما, وكان اللقاء معها في رحلة سابقة مزدحما بتوتر الرغبة في أن نصل بين زمن عمر الرابعة عشرة وبين عمر الأربعين. ومجرد التفكير في ذلك يأتي لي في خيالي بصورة أحمد عكاشة أستاذ الطب النفسي الذي ضحك من اعترافي بعجز التواصل مع ليليان, وأشواقي العارمة لرحاب, فذكرني بأن أي قصة حب في الأزمنة القديمة لم تكن تستغرق أكثر من شهور, لأن العديد من النساء يمتن أثناء الوضع وقد يحزن العاشق لبعض الوقت لكنه لن يمضي العمر كله حزينا لأن قصة حب ماتت شريكته فيها. هذا في قديم الأزمنة وفي عصرنا هناك أسنان الزهق والملل تأكل كفيران غير مرئية كل خيوط التواصل في أحيان كثيرة, مالم يكن هناك انتباه من طرفي قصة الحب. يذكرني أحمد عكاشة بأن العربي القديم كان يخرج من اليمن إلي القاهرة ومن القاهرة إلي ليبيا, ومن هناك فركة كعب علي مركب إلي صقلية. وضحك أحمد عكاشة قائلا إن قابلت رحاب في سيراكوزا, فسوف أقول عنك أنك الكاتب المكشوف عنه الحجاب ................... هبطت الطائرة في بالريمو التي يقال عنها إنها مقر عائلات المافيا, والتي كانت في الزمن القديم مدينة عربية. ولم تكن عيوني باحثة إلا عن سيارة التاكسي التي ستقلني إلي القرية الساحلية سيراكوزا لمناقشة أسلوب تعليم حقوق الإنسان والذي يقام تحت إشراف الجمعية الدولية للقانون الجنائي, والهدف أن يتشرب سكان الأرض بمعرفة تفاصيل بديهية عن حق الإنسان في حياة لائقة. وطبعا كنت أريد السؤال عن مدي إيمان اصحاب فكرة حقوق الإنسان عن حقوق الشعوب من التحرر من جبروت الصواريخ عابرة القارات وطبعا كان خلفي تاريخ هدم بلد مهدم في الأصل هو أفغانستان; ثم حدث ان لحق به العراق; ومن قبل كان الذبح في سارايفو وكرواتيا, وكان الداعي لمؤتمر حقوق الإنسان هو معهد القانون الجنائي الدولي الذي يرأسه المصري الميلاد الأمريكي الجنسية د. شريف بسيوني الذي رأي بعيونه شبابا كانوا يلعبون كرة القدم برءوس آدمية في حواري يوغسلافيا; فسقط بأول أزمة قلبية. وهو من حاول ضبط المسافة بين حلمه في أن يكون الإنسان إنسانا, فيختصر حيوانيته, لكن حلمه دائم الانكسار, حتي حلمه الذي وضعه علي الورق لتأسيس محكمة جنائية دولية تحاكم من يخرج عن القيم الإنسانية في القتال, حتي هذا الحلم تحول إلي بضاعة سياسية في أيدي الخارجية الأمريكية, ومثيلاتها الدول ذات الحول والطول. وعندما حدثني عن حلمه هذا وقد كنت أول من نشره في الصحافة, كنت واثقا من أن القوي الكبري ستكسر حروف قانون تلك المحكمة لتضع بين القضبان من تشاء وتحمي من تشاء. قلت له يومها أرجو أن يحاكم به قادة إسرائيل. لم يرد بشكل مباشر; فقط أشار إلي أن العدل لابد له من قوة تسانده. قلت لشريف بسيوني أصدق كل محاولاتك كي يسترد الإنسان إنسانيته, ولم أحضر إلي مؤتمرك من أجل حقوق الإنسان التي تثرثر بها وجوه رجال يحترفون التواجد بالمؤتمرات, فلا أحد قد حاكم بوش الإبن علي مافعله في العراق, لكن تم إخراج صدام حسين من مخبأه وإعدامه, ولم يخرج صوت واحد بطلب وضع كولن باول وزير خارجية أمريكا هو ورامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي في زنزانة جوانتنامو بدعوي أن الأول باع سلاحا للعراق كي يخيف الخليج والثاني أقسم بأن صدام حسين أخفي أسلحة كيماوية, ولم يفكر أحد في وضع بوش رئيس الولاياتالمتحدة في مصحة علاج ما بعد الإدمان, فالكل يعلم أنه مدمن سابق, وهناك عرف يقضي بعدم تعيين أي مدمن سابق في موقع حساس, ولكن كوميديا الديمقراطية وضعته علي قمة أكبر قوة نيران في الكون, لقد حضرت إلي هنا من أجل لقاء أي عربي قادم من نابلس حيث تعيش من هي فرحي الخاص, وقد أوهمت نفسي بأنها قد تحضر هنا, فهي من حدثتني ذات مساء عن بئر في وسط سيراكوزا يمكن أن نري أسماكا تسبح في منطقة هي نصف بئر بجانب البحر; ويسبح في نصف البئر الأخر اسماك لا تعيش إلا في المياه العذبة. أي أن فوهة البئر التي تشكل دائرة مقسومة بخط وهمي, فنصف مائه قادم من البحر ونصف مائه الأخر قادم من نبع غير مالح. وهذه معجزة تخلد مشيئة واحد من القديسين, فهو من دعا بها فقبلت السماء دعوته. ................... وحدث ما كنت أحلم به وأخاف إعلانه من أن رحاب ستأتي إلي هذا المكان. توقف تاكسي بجانب رصيف البئر الذي يلتف حوله الزائرون من كل بقاع الدنيا. وأطل ضوؤها; فدق قلبي بشكل عارم.. نفس دقاته الخطرة عندما وصل لي نبأ قاس; هو إصابة صديق بأزمة صحية. قلت لقلبي الفرح العارم يتطابق في آثاره مع التوجس الصاعق. مدت لي يديها قائلة سألت عنك في مجلة صباح الخير بالقاهرة.. قيل لي إنك هنا.. مثلك أنا مدعوة لنفس دورة حقوق الإنسان ومكلفة كباحثة في حقوق الإنسان أن أحكي عن عذاب الفلسطينين تحت الاحتلال. نسيت أنا كل الكلام, فقط حاولت عيوني أن تلتهم صورتها كلها دفعة واحدة; فملامحها خبز روحي, ولمسة يديها شفاء لإحساسي العميق, العميق بالوحدة, وأن أيامي بدونها تتكرر في شتاء لا أحس برودته لأن برودة حزني أكثر ضراوة. لكن هاهو ربيع شخصي للغاية يأتيني. هل هي فعلا أمامي أم أني أخدع نفسي ؟ عودت نفسي علي إفتقادها, ومحاولة تجميع صورتها من ذرات الهواء, أنجح أحيانا في تخيلها, وأفشل أحيانا أخري; يأتي الصيف فأترنح زهقا لأنها ليست معي, ويأتي الخريف فأصحو من جديد كمن يصعد جبال الشوق إليها. وهأنا ذا في صقلية علي حرف بئر بجانب البحر,بئر نصفه ماء عذب ونصفه ماء مالح, وقد نشأ بدعوة قديس, فأين هو القديس الذي يأذن لي بديمومة بقائها معي. وأنا منذ طفولتي لا أجد العالم يصرخ إلا للألم الأوروبي الأبيض أما ألم الأسود والأصفر; أما حق قلبي في قصة الحب فلا أحد يصرخ لي من أجلها أو بسببها هذه الحلوة القادمة من نابلس. نصف قلبي المفقود الذي الذي لا أصدق أنه أمامي. هل أقول لها ما تعرفه من أني مذبوح بعشق مليكة من نابلس, وأن أيامي تمضي بحثا عن خبر منها أو عنها, هل سارت في شارع فلم يعجب وجهها أحد الجنود فبقر بطنها؟ هل فجروا منزلها؟ هل دخلت هي بجسدها الراقي أبدا إلي موقعة قتال؟ وأنا أعرف فيها روح التحدي. لكن الزمان الذي أحياه لم يكن يأتي لي بخبر عنها. يتكور الليل من وراء الشمس ليأتي مقذوفا في وجهي فأنام مصدوما, وتقذف الشمس بكرة النهار فأصحو مقهورا بسري الخاص وهو البحث عنها. وكثيرا ما أتساءل في تجاوز للواقع: أيأتي يوم أسير فيه من الجيزة بسيارتي لأتوقف في نابلس وأبحث عن المليكة التائهة؟ وأعلم أن يومي يضيع في إرواء حاجات عائلتي. ولم أعد أفكر في الواقع العربي لأن صوره تحاصرني,. الكلام في السماء العربية يسقط من أعلي إلي أسفل, رغم أن آخر بلاغ نزل من السماء العربية كان هو القرآن, ولم تنزل السماء من بعد ذلك أي بلاغ لكن العديد من البلاد العربية ينزل عليها الكلام من الولاياتالمتحدة, ومن بنوك سويسرا أو من جزر الباهاما حيث البنوك التي لا يعرف أحد لها طريقا. أمسكت يدها ولم أتكلم ولم تتكلم. تذكرت راحة يدي كل ما سبق أن علمتني إياه, علمتني كيف أقرأ الأسود والأحمر لستندال, و أن أبحث عن عطر المعاني في التدفق الفياض لكلمات مارسيل بروست وأعانتني علي أن أفهم الجذور العربية للكوميديا الإلهية لدانتي الجيري, وانطلقت معي في رحاب المسرح الباريسي في أول رحلات الشباب إلي أوروبا, وترجمت لي أشعار لوركا و فرحت معي برحلة إلي السد العالي, ورقصنا معا يوم استقلال الجزائر. وبكينا في اليوم الثاني عشر من يونيو بعد أن ثبتنا جمال عبد الناصر في موقعه, وجاءت آهاتنا من بعد ذلك ذات أنين محفور في الذاكرة. ................... أعيد النظر إليها, أجدها قد أضافت عدة كيلو جرامات علي وزنها. قالت: مارجريت تاتشر هي رمز النساء اللاتي يعملن بالعمل العام. أقول: كلك علي بعضك تخصيني, زاد وزنك أم نقص, فأنت لي. جرينا إلي الفندق الذي يضم المؤتمر. وبدأت الوفود تنظر إلينا وكأننا في مؤتمر صغير يخص حقوقنا, حق اثنين ضاع منهما زمن كثيف, ثم تلاقيا في صقلية الجزيرة التي كانت عربية ثم تآكلت من الحكم العربي, لأن مساحة أحلام الإنسان العربي أدمنت الرضوخ في صقلية ولم يهتم بالحركة العامة في مجتمعه, ومثقفو العرب في ذلك الزمن القديم انبهروا بإعجاب النورمانديين بهم وصار كل مثقف يبحث عن مكانة قريبة من الحاكم النورماندي القادم من ديار بلا تقاليد ولا حضارة ولا ثقافة, كان حكام النورمان أجلافا جاءوا من ظلال الجهل العميق جهل أوروبا في القرن الثاني عشر. ولكن حاكما نورمانديا ذكيا قرر أن يقلب القصة المعروفة تاريخيا. والقصة المعروفة تاريخيا أن المهزوم يقلد المنتصر, لكن هذا الحاكم قرر واعترف أنه استولي علي حكم صقلية بالقوة أما أسرار الحضارة فهي في أيدي المثقفين العرب, لذلك بدأ يأمر النورمانديين بتقليد العرب. وبدأ المنتصرون يقلدون المهزومين وخدم المثقفون العرب بكل إتقان السيد الأوروبي الجديد فباعوه العلم والحضارة مما أعطاه القدرة لتأسيس مملكة إيطاليا. ومن الثابت أن الثوب الذي كان يرتديه الملك الأوروبي مصنوع بخيوط من ذهب نسجها مصمم أزياء عربي. ووضع فيه الجمل رمز العرب بجانب الأسد رمز أوروبا. وقد فقد أحد الحكام عقله لأن السبايا العربيات لم يمنحن أجسادهن له أبدا. وعندما أراد إثارة غيرتهن كان يأتي بالأوروبيات ليجلسن مع السبايا, فتعلمت الأوروبية ألا تمنح جسدها إلا لمن تحبه ويرضاها زوجة. نثرثر أنا وهي بما نعرف عن صقلية, فتسألني: من الذي يمكنه أن يقول هذه الحقائق اليومية للناس, ومن أين لنا برغيف خبز عربي مكتوب عليه أخبار هذا العالم كله؟ حتي لا نأكل الخبز مغموسا بالذل والخوف ولكن حتي نعلم قبل أن نأكل ما الذي يجري في عالمنا ويخص أدق شئوننا.فمنذ أن سقط العلم تحت سيطرة الذهب; خرجت صقلية من الدائرة العربية. قالت لي ذات نهار قاهري: أشعر أحيانا أن ما بيننا من مسافات وعقبات يحتاج إلي ساحر يفك قيود بعدنا عن بعضنا. ضحكت بين مكذب ومصدق. كان بالدقي ساحر تونسي مشهور; فذهبنا إليه وأخذت أنظر إليه بحياد وأتمني أن أسأله عن أسرار علاقات البيت الأبيض ببعض حكام العرب. وأريد أن أسأله أن يصنع لي تميمة أعطيها لمن هم فوقي فيستوعبون أن هناك علاقة مباشرة بين الحب وبين السياسة. وكنت أريد وأريد وأريد. ولكن وجه الساحر التونسي قال لنا بجدية أعلم أن بينكما زواجا قد تم علي سنة الله ورسوله. لذلك أطلب منكما أن تقفا معا تحت قطرات دش واحد وأن تكسرا هذه البيضة المكتوب فوقها بحبر زعفراني أسرار فك السحر المكتوب لكما. ................... أقول للساحر في خيالي: بينما الحبيبة معي هنا في صقلية: إن ذكرت صقلية فهي بيت الصبا الممتد ونسيان الماضي بكل ما فيه ومحاولة السباحة فيما تملك من واقع. وها أنا ذا أعترف لصديقي د. أحمد عكاشة بما جري, وكان يؤكد لي أنه سيعتبرني كائنا مكشوفا عنه الحجاب. ولكني كنت أعرف عن نفسي أني مسافر إلي نفسي في عيون امرأة أحبها, لا أكثر ولا أقل.