دارت عجلة الانتخابات البرلمانية إيذاناً بالوصول للمرحلة الأخيرة من خارطة المستقبل، الخارطة التى ارتضاها المصريون طريقاً لمستقبلهم نحو البناء والتنمية، وعلى خطاها تم الانتهاء من الاستفتاء على دستور 2014 وانتخاب رئيس الجمهورية. هنا تأتى أهمية هذه الخطوة لإكمال وإضفاء الشرعية لنظام 3 يوليو أمام العالم، وذلك من خلال بناء الضلع الثالث فى هيكل مؤسسات دولة 3 يوليو، ليتوفر للدولة المصرية الأساس القوى لبدء عملية البناء فى إطار متوازن بين سلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية. كما أن هذا البرلمان له قدر كبير من الخطورة الإيجابية التفاعلية فى إطار الدور المنوط به من اعتماد القوانين التى صدرت من السلطة التنفيذية والتى يلزم إقرارها من السلطة التشريعية، كما أنه ومن جهة أخرى سيكون المسئول عن إقرار كل الاتفاقيات التى تم التوقيع عليها أو التى سيتم التوقيع عليها بما يضفى الشرعية اللازمة عليها أمام المؤسسات والمنظمات والهيئات والشركات الإقليمية والدولية التى تحترم أن يعتمد اتفاقياتها البرلمان الممثل للشعب، ومن جهة ثالثة سيكون هذا البرلمان مسئولاً عن التشريع والرقابة الكاملة على أداء الحكومة، بل وقد يكون مسئولاً عن تشكيلها طبقاً للأغلبية التى ستسود داخل المجلس. شكل -1
شكل-2
شكل-3 وعلى ما يبدو أن الوصول لهذه المرحلة قد أصاب الكثيرين بالانزعاج، من قوى إقليمية ودولية كانت تهدف إلى فرض مشروعها القائم على تدمير الدولة الوطنية المصرية ذات الخصائص الوسطية المعتدلة، وتحويلها إلى دولة حاضنة للجماعات الإرهابية بما يسهل ضربها من الداخل والخارج وتفكيكها، وذلك بالتحالف مع جماعة وتيارات طالما تاجرت على الشعب المصرى المعروف بوازعه الدينى بمظلومياتها، جماعة لم يكن لديها مانع أن تتنازل عن أرض طالما دفع أبناء مصر أرواحهم حماية لها. من هنا، كان التحرك على أصعدة مختلفة لضرب هذه الخطوة عبر تصعيد عمليات الإرهاب وزعزعة الاقتصاد، والتشكيك الممنهج فى العملية الانتخابية قبل أن تبدأ، والتشكيك فى نسب المشاركة، واستمرار ترديد مقولات تكرس التفرقة والتمييز الجيلي. لعلنا دخلنا هذه الانتخابات ونحن فى ظل مشهد شديد الضبابية والغموض، قادتنا إليه عوامل مختلفة، من عجز لأحزاب سياسية، لقصور وعدم وعى واختفاء التخطيط الإعلامي، لإحباطات تتعلق بسياسات وقرارات وزارية مازالت بعيدة عن أن تلبى طموحات الشعب المصري. المشهد السياسى للعملية الانتخابية. انتخابات برلمانية تدخلها مصر تخرج منها العاصمة لأول مرة فى الجولة الأولى للانتخابات مما ساهم فى إخفاء زهو الأجواء الانتخابية على عاصمة تضم 30 مليوناً من المصريين، انتخابات برلمانية تجرى لأول مرة دون وجود حزب سياسى يمثل الدولة وتبحث عناصر كثيرة عنه اعتماداً على التاريخ المتعلق بالبناء التركيبى التشبيكى بين حزب الدولة وكل مؤسساتها ومن ثم قدرته على الحشد المنظم لأتباعه وكبار العائلات الداعمة له، انتخابات برلمانية تتم ومائة وخمسة أحزاب سياسية لا علاقة لهم بفكرة الحزب السياسى وإنما هم يعمقون الفكرة الفردية ولا يقدمون مرشحيهم على أساس الانتماء الفكرى أو العقيدى للحزب وسياساته وإنما اعتماداً على قدرة مرشح الحزب على حصد الأصوات والتمتع بالشعبية والعصبية التى تضمن للحزب عدداً من المقاعد، انتخابات تجرى وسط مزاعم إعلامية فوضوية تعمق وتضرب بقوة فى عملية تشكيل وبناء الرأى العام الواثق من جدية الدولة فى إحداث آليات التحول نحو الخيار الديمقراطى التنموى بغير قصد أو بقصد وتبقى العمدية التى قدمتها بعض المعالجات دليلاً كافياً على انتفاء حسن النية. انتخابات تجرى ويظهر رئيس الدولة لأول مرة داعياً المواطنين للخروج والتصويت بحرية كاملة وتحديد اختياراتهم الوطنية التى أقصت النظام الدينى الفاشى الذى حاول أن يخطف دولتهم، وذلك فى ظل تعهده بأن الدولة ستوفر كل الأجواء المناسبة تأمينياً ولوجستياً من أجل أن تجرى الانتخابات فى أجواء من الشفافية والنزاهة الكاملة. عجز حزبي. نبدأ هنا مما انتهيت إليه فى المقال التحليلى المنشور فى جريدة الأهرام عقب انتهاء الانتخابات الرئاسية عام 2014، وفيه ذكرت بالتحديد «وأخيراً، إذا كانت هذه الخريطة التصويتية متعارفا عليها منذ بدء استحقاقات ما بعد يناير 2011، فيحق لنا أن نعيد التساؤل أين الدور الحقيقى لأحزاب سياسية مدنية ليبرالية أو اشتراكية كثيراً ما ادعت المظلومية، ومحدودية قدرتها على الحركة فى ظل نظام الحزب الواحد المسيطر أو المهيمن، أين هى من تغيير هذه التركيبة التصويتية التى يبدو أن الجماعة وأنصارها من الجماعات الإسلامية والسلفية الجهادية مازال لها صوت مسموع بها؟ الحل يكمن فى دعم تكوين تكتلات حزبية واضحة تضم فاعلين سياسيين قادرين على العمل السريع فى محافظات الحدود والقناة والصعيد، وتقديم بعض الأعمال السريعة التى تعيد الأمل فى الدولة داخل نفوس أبناء هذه المحافظات، مع تفعيل كبير لآلية التواصل مع كبار العائلات وإعادة الاعتبار لهم وسط مجتمعاتهم». هذه العبارة كان لابد من استدعائها للمشهد، فهذه العبارة صالحة للاستخدام من 2011 وحتى الآن، وهى تعكس العجز الحزبى الذى لم يستطع أن يحل محل الاستقطاب السياسى الذى كان سائداً فى فترة ما قبل 2011، استقطاب سياسى من جهة بين حزب لا وجود له ولا شعبية له، حزب لم يعرف لائحة نظام أساسى ولا برنامج يعبر عنه منذ تأسيسه وحتى عام 2003، حزب لم يستطع أن يحشد أى أنصار له وانهار فى 18 يوماً. ومن جهة أخرى كان المنافس الرئيسى له جماعة الإخوان الإرهابية المحظورة والتى تحايلت على القانون وتحت سمع وبصر الدولة خاضت انتخابات عديدة بالتحالف مع حزبى الوفد والعمل الاشتراكى قبل أن تحوله إلى حزب إسلامي، ثم مع اكتمال قوتها البنيوية خاضت الانتخابات متحدية حظرها وترهل الدولة وحصلت على 85 مقعداً فى انتخابات 2005. استقطاب سياسى بين كتلتين اختفيتا من على الساحة، لم تستطع مائة وخمسة أن تحدث صخباً أو تمارس دعاية لبرامجها أو مرشحيها كما كان عليه الوضع فى السابق، منها أحزاب تاريخية فى العمل السياسى والنيابى المصرى ومعظمها أحزاب أسست عقب يناير 2011، أحزاب ظلت تمارس السياسة فى صالوناتها الثقافية واجتماعاتها النخبوية، أحزاب همشت وعمقت من أزمة الشباب الذى لم تستوعبه فى لجانها وظلت تمثله فى أمانة داخل أحزابها بدلاً من إلغاء هذه الأمانات ودمجه فى مختلف أمانات الأحزاب كونه الوقود المحرك ل 25 يناير و30 يونيو، أحزاب لديها برامج وأفكار لا تصل للمواطن ولم تستوعب استراتيجيات تيار الجماعات المتشحة بالإسلام فى كيفية الوصول والتواصل مع المواطن البسيط القاطن فى القرى والنجوع، أحزاب قررت أن تخوض الانتخابات اعتماداً على مرشحين طالما حاولت أن تقنع المواطن أنها قامت بالثورة عليهم وعلى الحزب الذى يمثلونه. هذه الأحزاب تتحمل المسئولية الأكبر فيما آل إليه المشهد، فالمواطن لا يعرفها ولا يعرف برامجها ولا يعرف تاريخها الذى لا يعرفه إلا أعضاء لجانها العليا والنوعية والفنية. ماذا كانت تنتظر هذه الأحزاب؟ وما الذى كانت تتوقعه من مواطن لا يعرف عنها شيئاً ولا عن مرشحيها؟ قصور إعلامي منذ إلغاء وزارة الإعلام، يعيش الإعلام المصرى بكل وسائله وطبيعة ملكيته أزمات متتالية ومتعاقبة، أدت إلى أزمة كبرى فى العلاقة بين وسائل الإعلام والمواطن. فبعد أن تمت شيطنة الإعلام القومى بصورة ممنهجة عقب يناير 2011، جاءت ممارسات الإعلام الخاص الذى توجه إليه الرأى العام والمنتج الإعلامى الذى تم تقديمه لتفسخ العلاقة تماماً بين المواطن الفرد والرأى العام الجمعى وما يقدم إليه عبر هذه الوسائل. فالرأى العام الذى تم توجيهه إلى عدم تصديق الإعلام القومى تحول تدريجياً إلى فقدان الثقة حتى فى الإعلام الخاص، هذا فى الوقت الذى تحولت فيه شبكات التواصل الاجتماعى عبر خطة ممنهجة لكى تكون المصدر الأول لمعلومات المواطن، بكل ما تحمله من دعايات مغرضة وشائعات رمادية وسوداء تحكمت فى تشكيل الوجدان العام ومن ثم التأثير على توجهات الرأى العام، ومن جهة ثالثة بات العاملون فى مؤسسات الإعلام القومى المختلفة يعملون تحت ضغط شديد وخوف من ترديد اتهامات لهم حتى بشرف الدفاع عن الدولة ومؤسساتها، والذى تحكمت فيه وسائل التواصل الاجتماعى وحولته إلى سيف يوجه واتهامات دائمة بمعاداة الحرية وحرية التعبير وموالاة الدولة ومؤسساتها. ومن تحليل المنتج العام لتناول العملية الانتخابية، نجد أنه لم يخرج عن : }إثارة قضايا تتعلق بترهيب المواطن من البرلمان المقبل وتصويره كما لو كان سيأتى على غير رغبة التوجهات الوطنية، واحتمالية أن يؤدى إلى عزل الرئيس. }إثارة فزاعة عودة الحزب الوطنى واستضافة العديد من المنتمين للحزب الوطنى فى لقاءات جمعتهم مع منتمين لأحزاب مادامت فى مقعد المعارضة والدخول فى سجالات أفقدت المواطن الاحترام لكل من تم استضافتهم بعد الكم من الألفاظ المسيئة الذى تم استخدامه. }الوقوع فى فخ الإعلام المعادى للدولة المصرية وترديد مقولاته من أنه لا داعى للمشاركة وأن الأمر محسوم لمصلحة قائمة بعينها تتبناها مؤسسة الرئاسة وأجهزة الدولة السيادية. }اضطلاع عدد كبير من الإعلاميين والصحفيين بما لهم من تأثير عبر حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعى وعبر بعض المواقع الإلكترونية التى يتبنونها بالدعوة المباشرة إلى مقاطعة الانتخابات، بل ذهب البعض منهم إلى الشماتة من الدولة ومحاولة تصوير الأمر كما لوكان انكساراً لها. }ومع بدء عملية الاقتراع، كان تصيد تصريحات من هنا وهناك حول نسب المشاركة، تم ترديدها على مدار أيام التصويت مقرونة بمشاهد خاوية للجان تم وضع الكاميرات بها، دون مراعاة أن هذه اللجان لا تمثل عينة حقيقية للوضع فى باقى اللجان، أو حتى دون مراعاة ارتفاع عدد لجان التصويت ثلاثة أضعاف عن كل الاستحقاقات السابقة، أو حتى دون الانتظار للأرقام الرسمية المعلنة عقب إغلاق صناديق الاقتراع من اللجنة العليا للانتخابات. }الرغبة فى الانفراد بأى معلومة حتى ولو كان ذلك يتعارض مع المصلحة الوطنية العليا ولا نقول مراعاة أبعاد الأمن القومى المصري، وذلك تحت دعاوى حق المواطن فى الحصول على الخبر وحق الصحفى فى الانفراد بالخبر. }العودة من بعيد لتفتيت الشعب المصرى بين يناير 2011 ويونيو 2013. هذا المنتج القاصر متضافراً مع العجز الحزبى أسهما بقوة فى تقزيم علاقة المواطن بالانتخابات، وجعلاه لا يشعر كثيراً بأهمية وخطورة هذا الاستحقاق، ولعله فى ضوء التعديلات التى أدخلت على ثلة القوانين الانتخابية من قانون مباشرة الحقوق السياسية لقانون الانتخابات لقانون تقسيم الدوائر، فإن الأمر كان يتطلب تفاعلاً حزبياً وإعلامياً يخلقان الجو السياسى العام ويوجهان الرأى العام نحو حقوقه التى أقرها دستور 2014 وواجبه الوطنى فى تحديد خياراته المستقبلية، وذلك بعيداً عن تصفية أى حسابات شخصية أو تحقيق مطامح ومكاسب خاصة. اختفاء الوزارة السياسية عامل آخر ينبغى ألا نغفله ونحن نتابع المشهد السياسى لانتخابات برلمان 2015، ألا وهو اختفاء الوزارة السياسية، والمعنى هنا أن الوزارات المصرية غلب عليها الجانب التكنوقراطى (الفني) وتراجع عدد الوزراء السياسيين، وهو الأمر الذى أدى إلى صدور العديد من القرارات التى عمقت من المشاعر السلبية لدى المواطن تجاه الأداء الحكومى خاصة ما يتعلق منها بأخبار رفع الأسعار خاصة فى القطاعات الحيوية التى تؤثر على حياة المواطن كالمحروقات البترولية والكهرباء والمياه وآخرها قرار سعر صرف الدولار الذى صدر فى أول يوم لهذه الانتخابات، هذا من جهة. ومن جهة ثانية، يفتقد الوزير التكنوقراطى فى كثير من الأحيان إلى الخبرة السياسية اللازمة للتعامل المباشر مع المواطن ومع وسائل الإعلام، وفى ظل الحالة المحمومة للانفراد بالخبر بل تصيد الأخطاء للوزراء نتيجة قلة الخبرة السياسية لمعظمهم فقد أدى ذلك للعديد من الإشكاليات التى انعكست على تصورات المواطنين تجاه حكوماتهم، ومن جهة ثالثة تميز الأداء الحكومى بالترهل الشديد فى التعامل مع القضايا التى تمس جوهر الحياة المعيشية اليومية للمواطن نتيجة مشكلات متأصلة فى الجهاز الإدارى للدولة، إضافة إلى ارتعاش أيادى بعض الوزراء فى التعامل مع هذا الجهاز نظراً لأنهم يعملون تحت ضغوط شديدة وخوف من تقليب الكوادر الأدنى وخروج تظاهرات فئوية قد يتحملون مسئولياتها مما قلل جدا من فاعلية قراراتهم وجعلها تأتى كثيراً غير ملبية لتطلعات المواطنين. هل عزف المصريون؟ ما من شك أن المقدمات السابقة لا بد أن تقود أى متابع للجزم وتأكيد أن المصريين قد قاطعوا الانتخابات والخوض فى تحليلات على شاكلة مقاطعة الشباب وتأثيرهم على الشارع، غير أن المدقق كان لا بد له أن يتوقع أن نسب المشاركة لن تصل إلى المعدلات التى وصلت لها انتخابات الرئاسة المصرية 2014، فلا يوجد حزب للرئيس ولا يوجد حزب للدولة يمكن أن تحشد له الدولة أو يتوجه له المرشحون والناخبون، ومن جهة أخرى يبدو أن المجتمع المصرى فى نسب تصويته سينهج آلية التصويت العالمية فى الانتخابات، والتى تدل الخبرة فيها أن المشاركة تكون أعلى بكثير فى الانتخابات الرئاسية عنها فى الانتخابات البرلمانية. ولنذكر المصريين بأن الولاياتالمتحدةالأمريكية فى آخر انتخابات رئاسية قد صوت فيها تقريبا 60% ممن لهم حق التصويت فيما صوت فى آخر تجديد للكونجرس عام 2014 ما يقرب أو يزيد قليلاً على 40%، ولنذكر المصريين أن عدم الرضا عن أداء الحزبين الديمقراطى والجمهورى وفقاً لاستطلاعات الرأى الأمريكية إضافة إلى عدم الرضا عن سياسات البيت الأبيض كانا من العوامل الإضافية لتفسير هذا التراجع فى نسب التصويت، كما أوضحت البيانات عزوفاً واضحاً من الشباب الأمريكى عن المشاركة فى هذه الانتخابات حيث شكل الناخبين فوق 60 سنة ما نسبته 37% من النسبة التى شاركت فى حين أن الشباب أقل من 30 عاماً فمثلت مشاركته 12% فقط. نذكر فقط لكى نتأكد أننا لا نسير بعيداً عن مؤشرات أعتى الديمقراطيات العالمية، وأنه لوصحت ظاهرة عزوف الشباب والتقسيم الجيلى متى توفرت أدلة حقيقية على ذلك، فإنها ظاهرة عالمية يكمن أحد تفسيراتها وفقا للتحليل الأمريكى للنتائج فى أن الأكثر عمرا هو الأكثر حرصا على وضع خبراته وتحديد خياراته التى يراها تضمن مستقبلا آمناً لأبنائه وأحفاده. من جهة ثانية، لم تقدم نتئاج المرحلة الأولى ما يمكن اعتباره خروجا على المألوف فى نسب التصويت فى المحافظات التى جرت فيها الانتخابات، وهو ما يمكننا التأكد منه بمراجعة الشكل رقم (1) والذى تم اعتماد المقارنة فيه على أساس نسب التصويت فى المحافظات التى جرت بها المرحلة الأولى لانتخابات برلمان 2015 بنسب التصويت فى انتخابات الرئاسة 2012 و2014. شكل رقم (1) حيث نخرج بالدلالات التالية، وضعا فى الإعتبار أن الأمر لا يتعلق باختيارات مفصلية بين الفريق شفيق والمعزول مرسى فى انتخابات 2012 أو بين المشير / عبد الفتاح السيسى والسيد / حمدين صباحى فى انتخابات 2014 وأن هذا أمر طبيعى لا تنفرد به الدولة المصرية عن مثيلاتها فى العالم، يضاف له التأثيرات سابقة الإشارة إليها : } أن أكثر المحافظات التى كان بها تراجع واضح فى نسب التصويت فى هذه الانتخابات مقارنة بسابقيها هى الإسكندريةوالجيزة والمنيا وأسيوط والفيوم والبحيرة وبنى سويف. والتفسير واضح للجميع، فالإسكندرية والبحيرة هى المعقل التصويتى للتيار السلفي، هذا التيار الذى شهد انقساما واضحا بعد 30 يونيو ما بين القيادة السياسية لحزب النور التى ترغب فى البقاء كلاعب رئيسى فى الساحة السياسية وما بين القواعد الخاصة بالحزب والجبهة السلفية والتى انقسمت هى الأخرى ما بين الرغبة فى العودة لسابق العهد والتفرغ للدعوة وما بين المنتمين للسلفية الجهادية الذين انضموا للجماعات الإرهابية مرة أخري. أما الجيزة والمنيا والفيوم وبنى سويف فهى المربع الذهبى لأصوات أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية أو المتعاطفين معهم، والمؤكد بعد الضربات الموجعة التى تلقاها هذا التنظيم الذى عادى الشعب المصرى كله فإنه تقوقع على نفسه، وتبقى أسيوط وما تبقى من إرهاصات للجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد وهى الجماعة التى مازال حزبها مرخصا ولكن على ما يبدو فإن أعضاءها قد تبنوا نفس النهج الإخوانى فى المقاطعة. ومن ثم، فإن هذه هى المحصلة الحقيقية للأصوات الوطنية الحريصة على حقها الدستورى والراغبة فى ممارسة واجبها الوطنى فى هذه المحافظات التى كانت تصوت عبر الاستحقاقين السابقين وفقا للحشد واستخدام المال السياسى والهدايا للبسطاء واستغلال العوز والفقر. } إن ما تعرضت له قائمة حزب النور من هزيمة خاصة فى غرب الدلتا، لم تكن فقط للأزمة التى يعيشها الحزب مع قواعده، وإنما كانت نتيجة طبيعية لخيارات وطنية ترفض أن يستمر منطق المتاجرة على المواطن باسم الدين، وهو تحذير لأى فرد يحاول أن يلعب فى هذه المساحة مرة أخري. } أن الفرصة متاحة أمام الأحزاب المدنية من يرغب منها لممارسة دورها فى التدريب والتثقيف والتوعية السياسية للبسطاء فى هذه المحافظات لجذبهم مرة أخرى للقاعدة الوطنية بعيداً عن استغلالهم وتزييف وعيهم وإرادتهم. } إن باقى المحافظات فى غرب الدلتا والصعيد، لم تشهد تراجعا فى نسب التصويت لما دون العشرين بالمائة لو أخذنا من انتخابات الرئاسة والكونجرس الأمريكى مؤشرا لذلك، بل إن محافظة مرسى مطروح قد شهدت ارتفاع نسبة التصويت مقارنة بانتخابات الرئاسة 2014 وإن ظلت أقل من نسبة انتخابات الرئاسة 2012، وربما يرجع ذلك فى مرسى مطروح لطبيعتها الحدودية الملاصقة لدولة ليبيا وما يشهده غرب مصر من تهديدات استدعت تواصلا قويا بين مؤسسات الدولة وشيوخ القبائل فى هذه المحافظة بما أعاد لهم هيبتهم المنتقصة، وهو الأمر الذى يجب أن تلتفت له الدولة وتعيد توطيد العلاقات مع كبار العائلات فى صعيد مصر لإعادة إحياء دور الكبير فى هذه المحافظات الذى كسرته انتخابات 2010 وأكملت عليه إرهاصات ما بعد ثورة يناير 2011 وصولاً لوقتنا هذا، هذا إذا كانت هناك جدية لإصلاح هذا الخلل فى منطق العمل السياسى فى الصعيد، وذلك إلى حين اضطلاع الأحزاب بمهمتها الرئيسية فى الوصول للمواطنين فى هذه المحافظات والتعريف بفكرها وبرامجها. تفاؤل أم تشاؤم؟ لم يعزف المصريون وفقاً للمؤشرات السابقة، بل إن مشاركتهم كانت بالتقريب وفقاً للمعدلات العالمية 26.52% فى الجولة الأولى للانتخابات مقابل 47% تقريباً فى آخر استحقاق رئاسي، ونزيد أكثر أن انتخابات المرحلة الثانية ستشهد نسباً أعلى للمشاركة، وذلك وفقاً لقراءات نسب التصويت فى انتخابات الرئاسة 2012 وانتخابات الرئاسة 2014 وربطها بالمقارنة بين نسب التصويت فى محافظات الصعيد وكتلة المحافظات فى وسط الدلتا، والتى مثلت حائط الصد القوى ضد محاولات هدم الدولة المصرية، وقد اتضح ذلك فى اتجاهات التصويت منذ الاستحقاق الرئاسى عام 2012 وحتى الآن فى كل الاستحقاقات، ويوضح الشكلان (2) و (3) الفارق فى نسب المشاركة الذى يدفع للتفاؤل بأن نسبة التصويت فى هذه المحافظات سترفع فى النهاية النسبة العامة للمشاركة إلى معدلات تدحض أى ادعاءات كاذبة بعزوف المصريين. شكل رقم (2) شكل رقم (3) حيث يتضح لنا أن هذه الكتلة من المحافظات فى الوجه البحرى وفى وسط الدلتا باستثناء كفر الشيخ التى بها مد للتيار السلفي، لم تقل بها نسب المشاركة عن 50% بل أن محافظة مثل المنوفية قد تجاوزت نسب التصويت بها نسبة ال 60%، وأن أعتى نسب المشاركة رئيس وحدة دراسات الرأى العام والإعلام بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية. وفقا للحشد المذهبى المدعوم بالرشاوى العينية والمال السياسى للإخوان وشبهات التزوير الكثيرة، لم يحقق لهم إلا نسبة 55% تقريبا فى محافظتى الجيزة وبنى سويف فى الاستحقاق الرئاسى عام 2012. تفاءلوا يا مصريين لقد شاركتكم بمعدلات طبيعية، أنتم بوعيكم وحرصكم على صنع المعجزات قادرون فى الجولة الثانية للانتخابات على إثبات وطنيتكم وإثبات أنكم فائزون وليس من تنتخبونه فقط، مثلكم مثل كل مواطن حرص على النزول والإدلاء بصوته. إعلامنا الوطنى بشر ولا تنفر، إعرض الحقائق، ناقش الإشكاليات الحقيقية فى صعيد مصر ومحافظاته الحدودية، بدلاً من التفرغ لقضايا جذب المشاهد وتغييب وعيه وانتمائه. علينا دور كبير فى إنجاح الجولة الثانية، بدءا من عرض المرشحين وبرامجهم والتعريف بهم وتوضيح قواعد الانتخاب فى كل دائرة ونشر القاعدة المعرفية التى تتطلبها كل هذه الأمور، إلى التوقف عن البث المباشر من لجان بعينها وتثبيت الصورة عليها طوال اليوم، وصولاً إلى التريث فى التعامل مع الأرقام وعدم الضغط على المسئولين للحصول على بيانات أو أرقام أولية يتم استخدامها فى التشكيك فى النتائج النهائية المعلنة من اللجنة العليا للانتخابات من قبل الإعلام المعادى للدولة وبعض النفوس المريضة، فهذه الانتخابات هى واحدة من أهم المعارك الوطنية التى تخوضها الدولة المصرية لكى تخرج منتصرة فى الحرب التى فرضت عليها.