إنهم مصممون علي سحب كل الرصيد الباقي للرئيس!!.. هؤلاء الذين يدعون الحب والولاء والوفاء للرئيس، ويطالبون هذه الأيام بضروة تغيير الدستور.. إنهم - كما سبق لي أن وصفتهم «دببة يقتلون صاحبهم» !!.. لقد شهدت الفترة السابقة إنتقادات متنوعة لثلاثة دبلوماسيين مصريين، أحدهم السيد عمرو موسي رئيس لجنة الخمسين، والثاني هو وزير الخارجية ، والثالثة هي الوزيرة الشابة الجديدة التي تولت وزارة الهجرة والمصريين في الخارج .. وقبل الدخول في ظلام الموضوع الرئيسي للمقال، دعوني في البداية أشير إلي أن خبر تعيين وزيرة الهجرة والمصريين في الخارج كان من الأخبار السارة القليلة التي أسعدتني مؤخراً.. بشكل شخصي كان تعيين الوزيرة نبيلة مكرم تشريفا لأسرة الدبلوماسية المصرية ، التي قدمت وتقدم من أبنائها وبناتها خير تمثيل لمصرنا الغالية ، وبشكل عام كان الخبر نقلة نوعية مهمة أيضاً لأن السيدة نبيلة مكرم من ألمع وأبرز شباب الدبلوماسية المصرية ، وتعبير رائع عن جيل جديد يتقدم بثبات وإصرار من أجل التغيير إلي الأفضل.. ومع ذلك فمن المؤسف أن البعض لم يهمه في الموضوع سوي التعليق علي الثوب الذي ارتدته الوزيرة، ورغم ما أعرفه جيداً من أن هذه السيدة الفاضلة تتميز بالأناقة، إلا أنني أري أن ما ينبغي أن نهتم به فعلاً هو ما يحتويه عقل الوزيرة، وهو كثير ومفيد.. من ناحية أخري وعطفاً علي الموضوع السابق، انشغل البعض الآخر بإنتقاد دبلوماسي آخر هو وزير الخارجية سامح شكري، تعليقاً علي قراءته لبيان رسمي مشترك مكتوب أثناء زيارة وزيرة خارجية المكسيك مؤخراً، فقد تعجب هذا البعض ساخراً من أن الوزير قرأ البيان حتي السطر الأخير المكتوب فيه «نهاية النص» End of Text، رغم أن تلك القراءة متعارف عليها ولا غضاضة فيها، حيث ينبغي علي المسئول حين يقرأ بيانا مشتركا، أن يحدد انتهاء النص «المشترك» كي ينبه إلي أن كل ما سيلي ذلك هو تعبير عن رأيه الشخصي أو رأي بلاده وليس الرأي المشترك الذي تضمنه البيان، وهو ما يتبع أيضاً عند الإقتباس حيث يتعين علي المتحدث أن يسبق الفقرة المقتبسة بكلمة «أقتبس»' I quote .. وفي نهاية الفقرة عليه أن يذكر «نهاية الاقتباس» End of quote .. أما الدبلوماسي الثالث الذي تعرض أيضاً للانتقاد والهجوم فهو السيد عمرو موسي، وذلك في اكتشاف متأخر لدوره «التآمري» في رئاسة لجنة الخمسين التي أعدت الدستور.. ودقت طبول الحرب التي تطالب بمحاسبته و بتعديل الدستور الذي لم تجف سطوره بعد ، ولا يزال بكراً لم يزف بعد إلي حياتنا السياسية .. لقد شاهدنا مؤخراً العجب العجاب في برامج التوك شو، حيث يفتي من يعلم ومن لا يعلم في القانون الدستوري، ومن المضحك المبكي أن بعضهم لم يضبط أي يوم متلبساً بقراءة كتاب أو حتي صحيفة ناهيك عن قراءة الدستور، وبعضهم تولي بعض المهام ونجح في إفسادها وفسادها بجدارة ، وبعضهم كان يفتي في الدين أو في الرياضة أو في السياسة ، وفجأة أكتشف قدرات خاصة في الفتوي الدستورية فاندفع كي «يحمي الرئيس» كما يقولون .. بعض هؤلاء المنافحين بقوة عن سلطات الرئيس والباكين بالدمع الهتون علي صلاحياته التي سرقها لصوص لجنة الخمسين خلسة ، كانوا نواباً سابقين، سمعت عنهم من المرحوم كمال الشاذلي في سهرة ممتدة في نيويورك حكايات يندي لها الجبين عن توافقاتهم وترتيباتهم معه للعب دور معارضة شكلية من حين لآخر .. ولو كان يعيش بيننا الآن ، لعله كان يراقبهم وهو يضحك ضحكته المميزة ... ولكن هناك آخر يضحك الآن بالتأكيد، وهو المهندس أحمد عز ، لأنني أتصور أنه يعرفهم جميعاً، ويعرف أنهم يلعبون الأدوار المكتوبة لهم، أو تلك التي يتحمسون تطوعاً لأدائها ، مثل أولئك «المعارضين» الذين رحبوا بالمادة 76 الشهيرة والتي بدأ بعدها العد التنازلي لحكم مبارك .. تم تأسيس حملة لمد فترة الرئاسة للسيسي إلي 8 أعوام بدلاً من 4 أعوام ، بينما طالب بعض الإعلاميين والسياسيين الإكتفاء بمدها إلي 6 سنوات فقط كي تتاح الفرصة للرئيس كي ينقذ مصر، علي اعتبار أن الأعوام الأربعة لا تكفي، وكأن الرئيس لم يكن يعلم بهذا القيد الدستوري حين تقدم للترشح، وكأن هؤلاء لم يتعلموا من تجربة مرسي حين أصدر إعلانه الدستوري الذي كان بمنزلة إشارة البدء لقلب نظام حكمه .. لعل الذاكرة المصرية لم تنس بعد مظاهر مشابهة طبلت وزمرت لتعديل الدستور المصري عام 1980، لكي تصبح فترات الرئاسة بلا حد، حين رقص النواب في مجلس الشعب وهللوا لمنح الرئيس السادات فرصة الحكم بلا نهاية لمدي الحياة، ولكن تلك النهاية جاءت سريعاً في العام التالي علي يد خالد الإسلامبولي ورفاقه حين قاموا بإغتيال الرئيس المؤمن في مهرجان للإستعراض بين القادة والقوات .. فهل اتعظ الرئيس مبارك بما حدث لسلفه ؟ .. الواقع يؤكد أنه نسي بطول المدة وزيادة عدد المطبلين والمزمرين وترزية القوانين ، ولذلك فإن أقدم علي تعديل الدستور في 2007 والذي تضمن تعديل 34 مادة وحاز موافقة 75.9% من الأصوات وكان أبرزها بالطبع المادة 76 التي أريد بها أن تكون تمهيداً للوراثة في الحكم ..وكلنا نعرف ما الذي ترتب علي ذلك .. لقد وصفت اللجنة التي أعدت دستور 1923 بوصف «لجنة الأشقياء» وسارع البعض مثلما يحدث الآن إلي المطالبة بزيادة سلطات الملك ، فتم إصدار دستور 1930 الذي كان إشارة البدء لإضطرابات واسعة ومظاهرات أدت في النهاية إلي إلغائه والعودة للعمل بدستور 1923، ووصفت اللجنة التي أعدت دستور 2012 بإسم لجنة «طيور الظلام» وحالياً بدأ موسم الهجوم علي لجنة الخمسين التي أعدت دستور 2014 والذي حاز علي ما يزيد علي 98% من الأصوات ، ووصف أعضاء هذه اللجنة بأنهم ز لجنة اللصوص ز الذين تآمروا ضد رئيس الجمهورية ، بل ووصلت الإتهامات إلي أمور لا يصح ترديدها هنا حول النيات الخفية لرئيس تلك اللجنة !! .. أرجو ألا يكون الوقت قد فات لتحذير هؤلاء من العبث بالدستور الذي يمثل إرادة شعبية كاسحة ، وإذا كانت الحجة هي حماية الرئيس من نواب البرلمان ، فمن الواضح أنها حجة بائسة لأن جهود هؤلاء قد نجحت في وضع نظام انتخابي لن يمر منه سوي حملة المباخر رموز نظام دولة الفساد والمحاسيب ، الذين بدأ أغلبهم بالفعل يعزفون النغمة نفسها ويقسمون بأنهم «الظهير الشعبي» للرئيس .. وأظن، وأرجو أن يكون الرئيس بريئاً من كل هؤلاء !! . لمزيد من مقالات السفير معصوم مرزوق