أنتم اليوم نور في الرب فسيروا سيرة أبناء النور( أفسس5:8) اليوم ونحن نحتفل مع كنائس العالم كله بعيد القيامة المجيدة, وبعد مضي أكثر من ألفي سنة علي هذا الحدث الفاصل في تاريخ البشرية, قد يحدث أن نسأل ما معني: قام من بين الأموات؟ من السهل أن نقبل بفرح وحنان ميلاد يسوع, نستطيع أن نحب الطفل الوديع, وأن نتصور مغارة بيت لحم, وترنيم الملائكة, وفرح مريم ويوسف والرعاة والمجوس.. أما القيامة, فماذا تكون؟ إنها لاتدخل في اطار خبراتنا المحسوسة, وبالتالي تبقي رسالتها أحيانا مجهولة منا وكأنها أمر دخل التاريخ ومضي. لذلك تعمل الكنيسة علي مساعدتنا لنفهم حقيقة ومعني هذا الحدث الأساسي, ليظل حاضرا في حياتنا علي الدوام, فتقربه لنا بواسطة الرموز المحسوسة وأهم هذه الرموز هو النور.. كان النور أول ماخلقه الله, يقول كتاب التكوين: قال الله: ليكن نور, فكان نور(1:3) وحيث يكون النور تنبثق الحياة, ويتحول الغمر الخالي والخاوي الي كون منظم.. وفي الكتاب المقدس, النور هو أبلغ صورة تعبر عن الله, فالله هو ضياء, حياة, حق, وصفاء.وماحدث في بدء الخليقة, كما قدمه لنا الكتاب المقدس يتحقق بصورة كاملة في فجر القيامة المجيدة, قال الله من جديد: ليكن نور, فأشرقت القيامة بنورها المتوهج انهزم الموت, صار القبر فارغا, توالت ظهورات المسيح حيا لتلاميذه ولكثيرين غيرهم, القيامة نور إلهي فيها يتجلي المسيح في كامل نوره, بها ينتصر النور نهائيا علي كل ظلام, ومنها ينطلق نور الحق والسلام والحب الي بني البشر. في احتفالنا بقداس عيد القيامة المجيد, وقبل الطواف بأيقونة السيد المسيح القائم من بين الأموات, نطفئ الأنوار, وفي حوار بين الكاهن والمرنمين, نطلب ان تنفتح أبواب السماء الدهرية ليدخل ملك المجد, ثم نهتف خريستوس أنستي, أي المسيح قام فتضاء كل الأنوار, ويمسك الحاضرون بشمعة مضيئة ويشتركون في الطواف داخل الكنيسة.. وبهذه الصورة تؤكد لنا الكنيسة حقيقة القيامة, وتقرب لنا معناها الأساسي.. قام المسيح نورا للعالم. والنور ضياء وحرارة, وطاقة تحويل, الشمعة تضئ, وفي الآن نفسه تحترق, وكذلك الصليب والقيامة متلازمان, فمن بذل الذات حبا بنا, حتي الموت علي الصليب أشرق فجر القيامة وتجلي النور الكامل أمام الانسانية. فالمسيح القائم من بين الأموات هو نفسه النور, كما سبق وأعلن أنا نور العالم من يتبعني لايمشي في الظلام, بل يكون له نور الحياة( يوحنا8:12) بقيامة المسيح دخل نور الله في ليل التاريخ, فأضاءه وحوله الي نهار دائم, صانعا خليقة جديدة: ها أنا أجعل كل شيء جديد( رؤيا21:5).. ومتي عشنا مع وبالمسيح الكلمة, القائم من بين الأموات, جعل منا إشعاعا لنوره في العالم, كما أعلن هو نفسه: أنتم نور العالم.. فليضئ نوركم هكذا قدام الناس, ليشاهدوا أعمالكم الصالحة,( متي5:14 16, لوقا8:16) ويؤكد القديس يوحنا: الله نور لاظلام فيه.. الظلام مضي والنور الحق يضئ. من قال انه في النور وهو يكره أخاه, كان حتي الآن في الظلام, ومن أحب أخاه ثبت في النور, فلا يعثر في النور, ولكن من يكره أخاه فهو في الظلام وفي الظلام يسلك ولايعرف طريقه, لأن الظلام أعمي عينيه(1 يوحنا1:5 2.7:8 11). إننا نشكر الله تعالي من أجل كل الأنور التي يعطيها للعالم, في الماضي وفي الحاضر وفي المستقبل, لتكون شعلة تضئ الطريق, ونورا يبدد الظلام. نشكره من أجل القديسين والصديقين, ومن أجل المعترفين والشهداء, الذين شاركوا ويشاركون السيد المسيح في بذل ذاتهم وسفك دمهم, ثمنا لأمانتهم للحق والخير, فأناروا درب البشرية بالحب والتضحية والسلام, وستبقي دائما هذه الشهادة أبلغ لغة للحب الحقيقي, وبها أوصانا المسيح: هذه هي وصيتي: أحبوا بعضكم بعضا مثلما أحببتكم, ما من حب أعظم من هذا: ان يضحي الانسان بنفسه في سبيل أحبائه وأنتم أحبائي اذا علمتم بما أوصيكم به يوحنا15:12 14). نشكر الله من أجل كل الذين يجعلون من حياتهم شمعة تضئ وتحترق ليستنير بها الناس, من أجل الوالدين, ومن أجل كل القائمين بأمانة واخلاص بمسئوليات قيادية في بلدنا الحبيب, وفي كل بلاد العالم. فلنبتهل الي المسيح ان يحفظ شعلة إيماننا وقلوبنا وحياتنا متوهجة بنوره هو, نور الحق والعطاء والحب, وأن يحميها من اغراءات العالم التي تطفئ النور في النفوس البريئة ليجعلها تكبر وتزداد ضياء واشعاعا, حتي نكون به ومعه أبناء النور, لبناء عالم يضئ بالحق والعدل والسلام والإخاء والحب, في مصرنا الحبيبة وفي كل بلاد العالم.