متحدث الكنيسة: الصلاة في أسبوع الآلام لها خصوصية شديدة ونتخلى عن أمور دنيوية    الأردن تصدر طوابعًا عن أحداث محاكمة وصلب السيد المسيح    بشرى للموظفين.. 4 أيام إجازة مدفوعة الأجر    اليوم، أولى جلسات دعوى إلغاء ترخيص مدرسة ران الألمانية بسبب تدريس المثلية الجنسية    رئيس شعبة القصابين يوضح أرخص كيلو لحم في مصر (فيديو)    سعر الذهب في اليمن اليوم.. الأحد 28-4-2024    شعبة السيارات: تراجع في الأسعار حتى 15% -(فيديو)    أول تعليق من شعبة الأسماك بغرفة الصناعات على حملات المقاطعة    قصف كثيف على منطقة ميرون شمال إسرائيل وعشرات الانفجارات في المنطقة (فيديو)    عاجل.. إسرائيل تشتعل.. غضب شعبي ضد نتنياهو وإطلاق 50 صاروخا من لبنان    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم عدة قرى غرب جنين    المجموعة العربية: نعارض اجتياح رفح الفلسطينية ونطالب بوقف فوري لإطلاق النار    الكرملين: مصير زيلينسكي "محسوم"    تشيلسي يفرض التعادل على أستون فيلا في البريميرليج    تعرف علي موقف الخطيب من التجديد ل علي معلول    باريس سان جيرمان يتعادل مع لوهافر ويتوج بطلا للدوري الفرنسي    ملف يلا كورة.. أزمة صلاح وكلوب.. رسالة محمد عبدالمنعم.. واستبعاد شيكابالا    اجتماع مع تذكرتي والسعة الكاملة.. الأهلي يكشف استعدادات مواجهة الترجي بنهائي أفريقيا    وزير الرياضة يهنئ الخماسي الحديث بالنتائج المتميزة بكأس العالم    المندوه: هذا سبب إصابة شيكابالا.. والكل يشعر بأهمية مباراة دريمز    الفرح تحول لمأتم.. مصرع عروسين ومصور إثر سقوط سيارة الزفاف في ترعة بقنا    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بالمنيا    بعد جريمة طفل شبرا، بيان عاجل من الأزهر عن جرائم "الدارك ويب" وكيفية حماية النشء    مصرع وإصابة 12 شخصا في تصادم ميكروباص وملاكي بالدقهلية    مصدر أمني يكشف تفاصيل مداخلة هاتفية لأحد الأشخاص ادعى العثور على آثار بأحد المنازل    ضبط 7 متهمين بالاتجار فى المخدرات    قطار يدهس شاب أثناء عبوره مزلقان قليوب    عمرو أديب: مصر تستفيد من وجود اللاجئين الأجانب على أرضها    غادة إبراهيم بعد توقفها 7 سنوات عن العمل: «عايشة من خير والدي» (خاص)    نيكول سابا تحيي حفلا غنائيا بنادي وادي دجلة بهذا الموعد    تملي معاك.. أفضل أغنية في القرن ال21 بشمال أفريقيا والوطن العربي    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    السيسي لا يرحم الموتى ولا الأحياء..مشروع قانون الجبانات الجديد استنزاف ونهب للمصريين    ضبط وتحرير 10 محاضر تموينية خلال حملات مكبرة بالعريش    انخفاض يصل ل 36%.. بشرى سارة بشأن أسعار زيوت الطعام والألبان والسمك| فيديو    دهاء أنور السادات واستراتيجية التعالي.. ماذا قال عنه كيسنجر؟    السفير الروسي بالقاهرة يشيد بمستوى العلاقة بين مصر وروسيا في عهد الرئيس السيسي    فيديو.. سفير روسيا لدى مصر: استخدام الدولار في المعاملات التجارية أصبح خطيرا جدا    أناقة وجمال.. إيمان عز الدين تخطف قلوب متابعيها    23 أكتوبر.. انطلاق مهرجان مالمو الدولي للعود والأغنية العربية    «الأزهر للفتاوى الإلكترونية»: دخول المواقع المعنية بصناعة الجريمة حرام    لميس الحديدى: نعمت شفيق تواجه مصيرا صعبا .. واللوبي اليهودي والمجتمع العربي"غاضبين"    ما هي أبرز علامات وأعراض ضربة الشمس؟    كيف تختارين النظارات الشمسية هذا الصيف؟    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من الإصابة بهذا المرض    "مدبولي" يصل الرياض للمشاركة في المنتدى الاقتصادي العالمي    رئيس جامعة أسيوط يشارك اجتماع المجلس الأعلى للجامعات بالجامعة المصرية اليابانية للعلوم    " يكلموني" لرامي جمال تتخطى النصف مليون مشاهدة    تليفونات بنى سويف يصدر بيان حول إصابة ' ابراهيم سليمان '    "الإسكندرية السينمائي" يمنح وسام عروس البحر المتوسط للسوري أيمن زيدان    شرايين الحياة إلى سيناء    جامعة كفر الشيخ تنظم احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة    أمين صندوق «الأطباء» يعلن تفاصيل جهود تطوير أندية النقابة (تفاصيل)    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    سمير فرج: طالب الأكاديمية العسكرية يدرس محاكاة كاملة للحرب    رمضان عبد المعز: على المسلم الانشغال بأمر الآخرة وليس بالدنيا فقط    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البابا بندكتوس يدعو لنبذ العنف والتسلح بالحقيقة والمحبة في ليلة عيد الميلاد
نشر في القاهرة يوم 29 - 12 - 2009

انه عيد الميلاد ميلاد السيد المسيح ، أنظار أهل الأرض كلها تتجه الي بقعة في بلاد المشرق تدعي بيت لحم ، لأنها طالعتنا يوما من وراء افقها بأنوار " رئيس السلام " و«شمس البر» ، ولا نعدو الحقيقة إذا قلنا إن الشرق كان منذ البداءة مبعث النور ومنبت الحكمة ومهبط الوحي والإلهام .
كل من شخص ببصره نحو بيت لحم في ذلك اليوم التاريخي المجيد ، لا يقع نظره علي شمس أو قمر ، بل علي طفل مضجع في مذود البقر ، ليقف أمام هذا المنظر محيرا ، والمرء متي تحير تفكر .
في هذا اليوم ينسي أهل الغرب أنوار مدنهم الساطعة ليشخصوا بأبصارهم نحو ضوء مشع من " خان " حقير ، وينزل عظماؤهم عن عليائهم ليحنوا هاماتهم أمام طفل رضيع ، وتخلع الدنيا حلة البهاء والمجد لتخشع أمام مذود ، ويكف المحاربون عن قصف مدافعهم وأزيز طائراتهم وفرقعة قنابلهم المتفجرة لينشدوا السلام في يوم ميلاد " رئيس السلام ".
لماذا الاحتفال في 25 ديسمبر ؟
علي أن السؤال الأول الذي لا يزل يتردد حتي الآن لماذا يحتفل الغرب بعيد ميلاد السيد المسيح في 25 ديسمبر من كل عام ؟
أحدث إجابة علي علامة الاستفهام المتقدمة - وأوثقها دون مراء - جاءت نهار الأربعاء الماضي، الأربعاء 23 ديسمبر 2009 علي لسان قداسة البابا بندكتوس السادس عشر بابا الفاتيكان في لقائه الأسبوعي مع المؤمنين في قاعة بولس السادس بحاضرة الفاتيكان .
وقد أشار قداسته إلي أن أول من صرح بوضوح أن يسوع ولد في 25 ديسمبر هو القديس هيبوليتوس الروماني، في تعليقه علي كتاب النبي دانيال، الذي كتب في عام 204.
وشرح البابا أن بعض مفسري الكتاب المقدس يربطون هذا التاريخ بالاحتفال بِعيد تكريس هيكل أورشليم، الذي أطلقه يهوذا المكابي في عام 164 قبل المسيح.
وفي مرحلة لاحقة، في القرن الرابع، أخذ العيد هيكليته النهائية عندما حل مكان العيد الروماني المعروف باسم "الشمس الظافرة" (Sol invictus)؛ وتم التشديد بهذا الشكل علي أن مولد المسيح هو انتصار النور الحق علي ظلمة الشر والخطيئة.
عيد الميلاد و التقويم اليولياني
علي أن الاحتفال بعيد الميلاد في 25 ديسمبر إنما يرتبط بشبكة معقدة شيئا ما من التواريخ المختلفة فقد كانت السنة الرومانية سنة شمسية ومقسمة إلي اثني عشر شهرا وعدد أيامها 365 وظلت هكذا إلي عهد الإمبراطور يوليوس قيصر الذي لاحظ اختلاف هذا التقويم عن التقويم المصري ، ففي عام 45 ق م أصدر أمره لعالم فلكي من الإسكندرية يسمي سوسيجينس Sosigenc بأن يجعل يوم 25 مارس ( أزار) أول الاعتدال الربيعي فجعل السنة الرومانية كالسنة المصرية تماماً وعدد أيامها 365 يوماً و6 ساعات "ربع اليوم"، معتمدا في حسابه علي دورة الأرض حول الشمس.
وجعل السنة تتكون من 12 شهرا فقط، بأن جعل يناير 31 يوماً، وفبراير 30 يوماً في السنوات الكبيسة و29 يوماً في السنوات البسيطة، ومارس 31 يوماً، وأبريل 30 يوماً، مايو 31 يوماً، ويونيو 30 يوماً، ويوليو 30 يوماً، وأغسطس 30 يوماً، وسبتمبر 30 يوماً، وأكتوبر 31 يوماً، ونوفمبر 30 يوماً، وديسمبر 31 يوماً.
غير انه لما تولي أغسطس قيصر استبدل اسم الشهر الثامن الذي يلي يوليو باسم أغسطس تخليدا لذكراه وجعل عدد أيامه31 يوماً، جاعلا فبراير 28 يوماً في السنوات البسيطة، و29 يوماً في السنوات الكبيسة . وظل استعمال هذا التقويم ساريا في الشرق والغرب حتي قام البابا جريجوريوس الثالث عشر بابا روما سنة 1582 الذي لاحظ وجود خطأ في الأعياد الثابتة بسبب أن التقويم اليولياني الشمسي ينقص عن التقويم القبطي الشعري 11 دقيقة ، 14 ثانية وأصبح هذا الفرق 10 أيام حتي أواخر القرن 16 فعمل علي تصحيحه، وهو ما عرف فيما بعد بالتعديل الجريجوري أو التقويم الجريجوري الذي عمل بمقتضاه الغرب إلي يومنا هذا.
من التقويم اليولياني الي التقويم الجريجوري
لاحظ البابا الروماني جريجوريوس الثالث عشر بابا روما أن اختلاف موعد الأعياد الثابتة ناتج من استخدام التقويم اليولياني عما كان في أيام مجمع نيقية الذي أساسه التقويم القبطي سنة 325 م، بما قدر بعشرة أيام، لأن الاعتدال الربيعي بعد أن كان 21 مارس (أزار) الموافق 25 برمهات في أيام مجمع نيقية سنة 325 م أصبح يقع في يوم 11 مارس (أزار) في سنة 1825م. فلجأ لعلماء اللاهوت ليعرف السبب فأقروا أن ليس لديهم سبب لاهوتي أو كنسي لأن الأمر يرجع إلي الفلك، فرجع لعلماء الفلك ولاسيما الفلكيان ليليوس Lilius وكلفيوس Calvius فعللوا بأن السبب مرجعه إلي أن الأرض تستغرق في دوراتها حول الشمس دورة واحدة ما يساوي 365 يوماً، 5 ساعات، 48 دقيقة، 46 ثانية، بينما كان يحسب في التقويم اليولياني 365 يوماً، 6 ساعات، فقط أي بفرق يساوي 11 دقيقة، 14 ثانية، ويتجمع هذا الفرق مكوناً يوماً واحداً كل 128 سنة. وهذه الأيام تجمعت منذ مجمع نيقية سنة 325 م إلي سنة 1825 م إلي عشرة أيام.
ولما استقر البابا جريجوريوس علي علاج هذا الخطأ، فقرر علماء الفلك إجراء هذا التعديل : بأن نام الناس ليلة 5 أكتوبر استيقظوا صباح اليوم التالي علي أنه 15 أكتوبر لتلافي العشرة أيام التي تجمعت من أيام مجمع نيقية . كما ننام نحن عند ضبط الساعة الصيفية بإرجاع الساعة إلي الخلف ونعود ننام لنرد الساعة مرة أخري عند بدء التوقيت الشتوي.
كما وضعت قاعدة لضمان عدم زيادة هذه الأيام في المستقبل بحذف 3 أيام من كل 400 سنة لأن كل 400 سنة تحتوي علي 100 سنة كبيسة حسب التقويم اليولياني الذي يحسب السنة الرابعة كبيسة بلا قيد أو شرط.
أما التقويم الجريجوري فقرر عدم احتساب سنة القرن " التي تحتوي علي الصفرين من اليمين في الأحاد والعشرات " أنها كبيسة ما لم تقبل هذه السنة القرنية القسمة علي 400 "أربعمائة" بدون باقي، وعلي ذلك تكون سنة 1600، 2000 كبيسة في كل من التقويم اليولياني والجريجوري، أما السنوات 1700 ،1800 ،1900، فتكون كبيسة في التقويم اليولياني وتكون بسيطة في التقويم الجريجوري.
معني ذلك أن يكون هناك فرق بين التقويم اليولياني والتقويم الجريجوري ثلاثة أيام كل 400 سنة. وكل هذا لضمان رجوع الاعتدال الربيعي وكذلك الأعياد الثابتة إلي ما كان عليه أيام مجمع نيقية . هذا هو السبب الذي جعل عيد الميلاد عند الغرب 25 ديسمبر .
بيت لحم.. حيث ولد السيد المسيح
ولد السيد المسيح في مدينة بيت لحم، ومعني اسمها بالعبرية "بيت الخبز"، هي مدينة تبعد عشرة كيلومترات عن أورشليم" القدس" ، وترتفع 756 متراً عن سطح البحر. اشتهرت في العهد القديم، لأنّها شهدت ميلاد الملك داود، أشهر واهم ملوك بني إسرائيل ، وقد تحول موقع ميلاد المسيح الي كنيسة أثرية مهمة للغاية هي كنيسة المهد وقد بناها الإمبراطور الروماني قسطنطين عام 335 ميلادية وتعتبر من أقدم كنائس فلسطين والعالم ، والأهم من هذا حقيقة أنَّ الطقوس الدينية تقام بانتظام حتّي الآن منذ مطلع القرن السادس الميلادي حين شيد الإمبراطور الروماني يوستنيان الكنيسة بشكلها الحالي.
كانت كنيسة المهد هي الأولي بين الكنائس الثلاث التي بناها الإمبراطور قسطنطين في مطلع القرن الرابع الميلادي حين أصبحت المسيحية ديانة الدولة الرسمية وكان ذلك استجابة لطلب الأسقف ماكاريوس في المجمع المسكوني الأول في نيقية عام 325 للميلاد.
وتضم الكنيسة ما يعرف بكهف" أو مغارة " ميلاد المسيح، ويزينه النجمة الفضية الموجودة في المذود المزّين بالمرمر والمكتوب عليها باللاتينية: '''Hic de Virgine Maria Jesus Christus natus est''' والذي معناه: '''هنا ولد المسيح يسوع من العذراء مريم'''، والقناديل الخمسة عشر تمثل الطوائف المسيحية المختلفة.
ومن مميزات البناء الذي أنشأه الإمبراطور قسطنطين أنه حوي في بنائه الأساسي مثمنًا فيه فتحة تؤدي إلي مغارة الميلاد حيث المذود والنجمة، غربًا يجد المرء بازيليكا كبيرة تنتهي ببهو محاط بالأعمدة والذي يطلّ علي مدينة بيت لحم.
تعرضت بعض أجزاء الكنيسة للدمار عدة مرات، كان أولها في عام 529 م عندما دمرها السامريون، و جماعة من اليهود ينسبون إلي عاصمتهم القديمة السامرة، وبعد ذلك أعاد الإمبراطور "جستنيان" بناء كنيسة المهد علي نفس موقعها القديم، ولكن بمساحة أكبر، وكان ذلك في عام 535 م.
ولم تقف الاعتداءات علي الكنيسة عند هذا الحد، ففي سنوات الحروب بين الفرس والرومان التي تمكن فيها الإمبراطور "هرقل" من طرد الفرس من ممتلكات الدولة الرومانية عام 641 م. تعرضت كنيسة المهد للهدم من قبل الفرس عام 614 م، بينما أبقي الفرس علي بعض مباني الكنيسة عندما شاهدوا نماذج من الفن الفارسي الساساني علي أعمدة وجدران الكنيسة. وفي العصر الإسلامي وخاصة في فترات الحروب الصليبية انتزعها واحتلها الصليبيون حيث وجدوا في مظهرها وعمارتها الخارجية الشبيهة بالحصون والقلاع مكانا مناسبا لإدارة معاركهم.
فرنسيس الأسيزي ومغارة الميلاد
ومن أشهر المعالم المرتبطة بعيد الميلاد ما عرف ب " مغارة الميلاد " فماذا عن أصل هذه المغارة وكيفية ظهورها ؟
في عام 1223م أراد القديس الايطالي الأصل فرنسيس الاسيزي مؤسس الرهبنة الفرنسيسكانية وداعي السلام الأشهر في التاريخ أن يتذكّر الطفل الذي ولد في بيت لحم، كي يعيش بشكل حسّي المعاناة التي قاساها المولود الجديد (يسوع) في ظروف ينقصها كل ما هو ضروري؛ وكيف أنه وُضع في مذودٍ حقير ممدَّداً علي التبن بين حمار وثور".
كان فرنسيس مدفوعاً بروحانيةٍ يمكن تسميتها "الواقعية المسيحية"، أي تلك النظرة التي تعطي الاحترام اللازم للجسد والتي تتعارض مع من يبالغ بإعلاء شأن الروح علي حساب الجسد، كتلك البدع التي كانت سائدة العصر آنذاك (الكاتاريين، علي سبيل المثال الذين كانوا يؤمنون بأنّ الروح ينتمي إلي عالم القداسة، أما الجسد فإلي عالم الشرّ).
ولكي يحقِّق فرنسيس رغبته، طلب من رجلٍ في قرية كريتشو أن يعيره مغارته مع الحمار والثور. وفي ليلة عيد الميلاد توافد سكان القرية إلي ذلك المكان بالشموع والمشاعل، وأقيمت هناك صلوات القداس للاحتفال بالعيد .
ولكن، كيف تمّ الانتقال من ليلة الميلاد في قرية كريتشو سنة 1223م إلي المذود الذي نعرفه اليوم؟
كان لِما قام به فرنسيس في تلك الليلة صداه الكبير، لدرجة أن كريتشو أصبحت ذات أهمية كبري في تاريخ الفرنسيسكان. ولقد كتب المؤرخ توماس من تشيلانو: "أصبحت كريتشو وكأنها بيت لحم الجديدة". وبسرعة كبيرة تمَّ بناء مصلّي صغير في ذلك المكان، حيث رُسمَت مشاهد ميلادية معبِّرة عن ذلك الحدث الفريد. وفي وقت قصير انتشرت عادة عمل المذود في كلّ مكان: يكفي علي سبيل المثال لا الحصر، أن نذكر الهدية الرائعة (مجسَّم يمثّل المذود) التي قدمها أرنولفو دي كامبيو إلي البابا نيكولاو الرابع الفرنسيسكاني في أواخر القرن الثالث عشر، لتوضع في كنيسة مريم الكبري في روما،
ويمكننا اليوم التأمل بروعة جمالها في متحف البازيليك نفسه. وقد قام أرنولفو دي كامبيو بعمل المذود في عام 1291م، في الحقبة التي لم يعد فيها تواجد يذكر للحضور اللاتيني الغربي في منطقة فلسطين، مع سقوط آخر حملة صليبية في المنطقة كان قد قادها جوفاني من عكّا. وبدأت تظهر، وبشكل بديهي وتلقائي، الحنين والرغبة عند الغرب في تجسيد ذكري الأماكن المقدسة. وفي عام 1581م تمّ للمرة الأولي وبشكل علني إعلان كريتشو علي أنها أول مذودٍ في التاريخ، وكان ذلك علي يد الفرنسيسكاني الإسباني خوان فرنسيسكو الذي كان يقطن دير آراشيلِّي في روما.
ما أصل شجرة الميلاد ؟
وفي الميلاد تزدان الميادين العامة في أوربا وأمريكا بشجرة الميلاد ولهذه أيضا أصل تاريخي فالشجرة تمثل في نظر الملايين من البشر في العالم رمزا مقدسا عرفته وتعاملت معه الشعوب القديمة ، ففي روما كان الناس يزينون المنازل والشرفات بالأشجار في احتفالات تبدأ بالاسبوع الأخير من العام، وفي أثينا كانت الاحتفالات تدور حول شجرة زرعت في منتصف المدينة تسمي (شجرة العالم) والآن تحتفل ملايين الناس في بقاع الأرض بالشجرة بما تمثله من قدسية محببة إلي النفس ،إلي جانب اختيارهم للشجرة كرمز لطقوس احتفالية أعياد الميلاد ورأس السنة لما تتمتع به هذه الشجرة من مكانة علية وكبيرة في نفوس الناس في بقاع المعمورة .
وعادة تزيين شجرة عيد الميلاد، عادة شائعة عند الكثيرين من الناس، حيث يتم تنصيبها قبل العيد بعدة أيام وتبقي حتي عيد الغطاس، وعندما نعود إلي ميلاد السيد المسيح في المراجع الدينية لا نجد أي رابط بين حدث الميلاد وشجرة الميلاد. فنتساءل من أين جاءت هذه العادة ومتي بدأت؟
إحدي الموسوعات العلمية، أشارت الي أن الفكرة ربما قد بدأت في القرون الوسطي بألمانيا، الغنية بالغابات الصنوبرية الدائمة الخضرة، حيث كانت العادة لدي بعض القبائل الوثنية التي تعبد الإله (ثور) إله الغابات والرعد أن تزين الأشجار ،ثم تقوم إحدي القبائل المشاركة بالاحتفال بتقديم ضحية بشرية من أبنائها.
وفي عام 727 م أوفد إليهم البابا بونيفاسيوس مبشرا، فشاهدهم وهم يقيمون احتفالهم تحت إحدي الأشجار، وقد ربطوا ابن أحد الأمراء وهموا بذبحه كضحية لإلههم (ثور) فهاجمهم وأنقذ ابن الأمير من أيديهم ووقف فيهم خطيباً مبيناً لهم أن الإله الحي هو إله السلام والرفق والمحبة الذي جاء ليخلص لا ليهلك. ثم قام بقطع تلك الشجرة ونقلها إلي أحد المنازل ومن ثم قام بتزيينها، لتصبح فيما بعد عادة ورمزاً لاحتفالهم بعيد ميلاد المسيح، وانتقلت هذه العادة بعد ذلك من ألمانيا إلي فرنسا وإنجلترا ثم أمريكا، ثم أخيرا لبقية المناطق ، حيث تفنن الناس في استخدام الزينة بأشكالها المتعددة والمعروفة.
البابا بندكتوس يهاجم العنف
كان قداس عيد الميلاد في حاضرة الفاتيكان هذا العام مثيرا إذ هاجمت امرأة "مختلة عقليا علي ما يبدو" في بداية القداس في بازيليك القديس بطرس بالفاتيكان، البابا بندكتس السادس عشر وأسقطته أرضا لكن الحبر الأعظم تمكن من الاحتفال به. ووقع الحادث عند بدء القداس الذي أقيم استثنائيا عند العاشرة ليلا هذا العام مراعاة لوضع البابا الصحي البالغ من العمر 82 عاما.
وقال المتحدث باسم الفاتيكان الأب فيديريكو لومباردي: "كان اعتداء ولكنه ليس خطيرا لأن المرأة لم تكن مسلحة"، وأشار إلي "رباطة الجأش الكبيرة وضبط النفس" اللذين أبداهما البابا الذي نهض بسرعة لترؤس خامس قداس ميلاد خلال بابويته وكأن شيئا لم يحدث.
وأظهرت صور بثتها قناة "راي أونو" الإيطالية بوضوح امرأة ترتدي سترة حمراء تقفز من فوق الحاجز الأمني قبل أن تمسك بالبابا وتجذبه إليها متسببة في سقوطه، حين كان يتقدم داخل البازيليك مع نحو ثلاثين من الكرادلة.
وتم توقيف المرأة المجهولة وجري استجوابها من قبل عناصر درك الفاتيكان ويبدو أنها تعاني من اضطرابات عقلية. وأضاف لومباردي أن الكاردينال الفرنسي روجيه اتشيغاراي 87 عاما سقط أيضا أثناء الحادث وأصيب بكسر في عظم الفخذ وأودع مستشفي جيميللي بروما.
وشدد البابا بندكتس السادس عشر في عظته علي ضرورة أن نكون أشخاصا متيقظين كالرعاة الساهرين في الليل وندد بأنانية الجماعة والفرد التي تجعلنا أسري وسجناء مصالحنا ورغباتنا، ودعا لدخول الحقيقة الكبري المشتركة وفي الشركة مع الله الأحد، والتحلي بأذن موسيقية مرهفة تلتقط بدقة نغمات الله ووقع حضوره في البشرية.
وأقام البابا مقارنة بين الرعاة الذي خفوا لرؤية المولود في بيت لحم والمجوس الآتين من بعيد متأخرين، فقال إن هناك طريقا وسبيلا لكل الناس ولكل أحد يوجه الرب إشارات مؤاتية.
لفت الحبر الأعظم إلي ميلاد الرب يسوع في مذود مغارة بيت لحم ليس أعجوبة مؤثرة بل هو تواضع الله هو إشارة تدعونا للإيمان والمحبة وتمنحنا الرجاء والأمل. وأضاف لن نصير شبيهين بالله إلا بنبذنا العنف وتسلحنا بالحقيقة والمحبة، مشيرا إلي الوثنية الجديدة التي تعني انعدام الشعور وقلبا من حجر غير قادر علي الحب وإدراك محبة الله
البطريرك أنطونيوس نجيب وفرح الميلاد
وفي زمن الميلاد المجيد وجه غبطة البطريرك الأنبا أنطونيوس نجيب بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك رسالة للمحتفلين بالعيد تحت عنوان فرح الميلاد قال فيها :مَن منا لا يشعر بالفرح والسرور في ليلة الميلاد . إنه العيد الأمثل الذي يثير هذه المشاعر في القلوب . فميلاد طفل هو مصدر فرح وابتهاج في كل بيت ، ينتظره الوالدون بلهفة ، ويستقبلون المولود الجديد بالبشر والتهليل. يتقبّلون التهاني ويحتفلون بعطية الله الحبيبة. يحتضنوه بفيض من الحب والحنان والرعاية . إنها حياة جديدة ، جاءت تجدّد وتواصل حياتهم، وتحمل معها الكثير من الآمال والتمنيات الطيبة . هذا ما يجيء به كل مولود جديد .
واستطرد مضيفا أما في ميلاد يسوع ، فالأمر يختلف كثيرا : " ها أنا أبشّركم بخبر عظيم ". إنه حَدَث استثنائي ، فريد في تاريخ البشر . إنه اللحظة الفارقة التي اختارها وحدّدها الله ليتدخّل بصورة حاسمة في حياة ومسيرة البشرية ... " اليوم وُلد لكم مخلّص ، هو المسيح الرب " . إنه بداية العهد الجديد ، الذي يحمل لنا الخلاص والعودة إلي الوحدة والمصالحة مع الله ، والمصالحة بعضنا مع بعض . تجدّدت بشريتنا في الكلمة المتجسّدة ، فقادها بحياته وتعليمه إلي الخلاص والحق وطريق القداسة والحياة الأبدية . بموته وقيامته فتح لنا من جديد باب السماء ، بعد أن أغلقه أبوانا الأولان بمعصيتهم .
وقد سبق الأنبياء وتنبّئوا بمجيء المسيح المخلّص ، إله المحبّة والسلام ، واهبا الفرح والبهجة لبني البشر . أعلن أشعياء النبي : " السيد الرب نفسه يعطيكم هذه الآية : ها هي العذراء تحبل وتلد ابنا ، وتدعو اسمه عمّانوئيل " ( 7 : 14) . ويعلن يوئيل النبي : " لا تخافي أيتها الأرض ، ابتهجي وافرحي ، لأن الرب صنع العظائم " ( 2 : 21 ) . إننا نفرح بميلاد السيد المسيح فرحا عظيما ، لأنه عيد "عمانوئيل ، أي الرب معنا " (متي 1 : 23) . نفرح لأن مخلّص البشر جاء وصار واحدا منا : " الكلمة صار جسدا وحلّ بيننا " (يوحنا 1 : 14) . أراد الابن الكلمة أن يعيش مع البشر ، أن يحيا ويتكلم ويعمل معهم ، بل أن يبذل حياته من أجلهم . أراد أن يقيم في قلوبنا وبيوتنا ومدننا . وهنيئا لنا متي وجدناه وأحببناه وخدمناه في شخص إخوتنا بني البشر .
عيد بطعم الألم في بيت لحم
في بيت لحم وفي كنيسة المهد ترأس البطريرك فؤاد الطوال بطريرك اللاتين الفلسطيني الأصل صلاة عيد الميلاد والتي شارك فيها هذا العام الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس وزرائه سلام فياض وفي كلمته التي ألقاها في القداس قال البطريرك طوال : باسم جميع أبناء أبرشيتي الموجودين في الأردن وفلسطين وإسرائيل وقبرص، ومن بيت لحم التي ولد فيها السيد المسيح، أتوجّه لجميع المؤمنين في العالم أجمع، وأتوسل إليهم أن يصلوا من أجل هذه الأرض المقدّسة. فلا زالت هذه الأرضُ في ضيقٍ وعسر. ولا زال قاطنوها إخوةً أعداء، فمتي يعرف الجميع، أن لا قدسية لأرضٍ، ما لم يتقدّس الإنسانُ فيها، ويجد عليها الحرية والعدل والحب والسلام والأمن؟
وتساءل البطريرك طوال :
- كيف نفرح بميلاد المسيح في هذه الأيام، ونحن نري بأم أعيننا أن المسيح أتي إلي وطنه وما قبله أهل بيته، وأن عدد المؤمنين به في بلاده يتضاءل يوما بعد يوم؟
- كيف تتم فرحتنا ونحن "نعطي المجد لله في الأعالي"، لكننا لا نري "علي الأرض السلام "، ولا المسرة والرضي بين الناس؟
- كيف نفرح لعيد الميلاد، ونحن نري مأساة الميلاد تتكرّر، فالكثيرون من مواطنينا لم يعد لهم مسكن يأويهم. فالبيوت تهدم أو تغتصب، والأهالي تُشرّد، ولم يبق من خيار للكثير من أبنائنا إلا الهجرة، تاركين وراءهم أرض الميلاد وأرض الأجداد.
- كيف نفرح بعيدنا هذا وقد مضي عام كامل علي حرب ومأساة غزة، دون أن ينفك الحصار الخانق، ودون أن نعطي حرية التنقل والسفر، ودون ان يلتئم شمل الأخوة.
ومع ذلك لن نتوقف عن الصراخ والنشيد:
- "يا ليتك تشق السماوات وتنزل!"، "أقطري أيتها السماوات من فوق ولتمطر الغيوم الصدّيق".
- ولن نتوقف عن إضاءة شمعة الميلاد في مدن الأردن وفلسطين وإسرائيل، علامة الفرح والرجاء لمستقبل أفضل.
- ولن نتوقف عن تهنئة بعضنا لبعض لعيد سعيد وسنة جديدة ملؤها السلام وراحة البال.
واختتم البطريرك طوال عظة العيد بالقول : يا طفل بيت لحم لقد تعبنا من وضعنا، وتعبنا من الانتظار وتعبنا من الخطابات، وتعبنا من المواعيد ومن المفاوضات والمؤتمرات. يا طفل بيت لحم، أعطنا صبرك ومحبتك ووداعتك. ليت هذا العام الجديد يكون العام المنشود الذي تتصافح فيه الأيدي وتصفو النيات، وتتلاقي القلوب، وتزول الانقسامات وتُهدم الجدران، وتبني جسور التفاهم والمصالحة والتلاقي بين الناس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.