يعد ذبح الأضاحي فى يوم عيد الأضحى، شعيرة إسلامية وسنة مؤكدة فى حق المستطيع،، شكرا لله على نعمة الحياة بافتداء سيدنا إسماعيل جد النبي محمد - صلى الله عليه وسلم- بإنزال الفداء، وإقرار شريعة الذبح، إتباعا للملة الحنيفية، وهو ما نجده في قوله تعالى: «ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ». وهى توسعة على الفقراء فى هذه الأيام، ومن أفضل العبادات والطاعات للتقرب الى الله عز وجل فى عيد الأضحى المبارك، وهي سنة مؤكدة يبدأ وقتها من بعد صلاة العيد إلى مغرب آخر يوم من أيام التشريق، وهو رابع يوم العيد. ويؤكد علماء الدين ضرورة تقسيم الأضحية الى ثلاثة، الأهل والأقارب والفقراء وتوزيعها عليهم، وحذروا فى الوقت نفسه، المضحين من ترك مخلفات ذبح الأضاحى فى الشوارع وأمام المنازل حتى لا يتسببوا فى تلوث البيئة وإيذاء الناس، كما يحدث حاليا من البعض. وحول مشروعية الأضحية وفضلها والدليل على ذلك، يقول الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة، تضافرت الأدلة على شرعيتها، فى الكتاب والسنة المطهرة من ذلك قول الحق سبحانه وتعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)، ومن السنة ما روى «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحَّى بكبشين سمينَيْن، عظيمين، أمْلَحَيْنِ، أَقْرَنَيْنِ، موجُوءَيْن «مخصيين»، فأضجع أحدهما، وقال: باسم الله والله أكبر، اللهم عن محمد وآل محمد، ثم أضجع الآخر، وقال: باسم الله والله أكبر، اللهم عن محمد وأمته، ممَّن شهِد لك بالتوحيد وشهد لى بالبلاغ», وقد رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الأضحية، فقال: «ما عمل آدمِيٌّ من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، وإنها لَتأتى يوم القيامة فى فرشه بقُرُونها وأشعارها وأظلافِه، وإن الدم لَيَقع من الله بمكانٍ قبلَ أن يقع من الأرض فطِيبُوا بها نفسًا». وأشار إلى أن أكثر العلماء يرون أن الأضحية سنة مؤكدة فى حق القادر عليها، لما ورد فى الحديث: «ثلاث كُتِبَت عليَّ وهنَّ لكم تطوُّع: الوِتْر، والنحر، وركعتا الفجر»، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم علق الأضحية على إرادة المضحى فى حديثه الذى روته عنه أم سلمة الذى يقول فيه: «إذا دخل العشر أى العشر الأوائل من ذى الحجة وأراد أحدُكم أن يُضَحِّي، فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئًا حتى يضحِي»، والواجب لا يعلق على إرادة المكلف بأدائه, موضحا ان جمهور العلماء على أنه يكره لمن أراد أن يضحى أن يَقص شعره أو يقلم أظفاره إذا دخل العشر الأوائل من ذى الحجة، حتى يضحى، لحديث أم سلمة، الذى حمل فيه النهى على الكراهة. وأكد أنه يجزئ المضحى أن يذبح عن نفسه وأهل بيته بشاة واحدة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بشاة عن نفسه وآل بيته الأطهار، وله كذلك أن يضحى بما فوق الشاة: كالبدنة، والبقرة، موضحا ان الرجل الفقير ليس عليه أضحية، ولكن اذا كانت زوجته غنية فيجوز لها ان تضحى ولا حرج فى ذلك، ولها ثواب الأضحية كالرجل تماما بتمام، مشيرا الى انه يجزئ عند جمهور الفقهاء أن يشترك سبعة فى بدنة أو بقرة فيذبحونها عنهم، سواء كانوا من أهل بيت واحد أو لم يكونوا، لما روى عن جابر قال: «نحرْنا بالحديبية مع النبى صلى الله عليه وسلم البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة»، وما يجزئ فى الأضحية من الشياة ما اكتمل له ستة أشهر ودخل فى السابع، ومن البقر ما كمل له سنتان، ودخل فى الثالثة، ومن الإبل ما كمل له خمس سنين ودخل فى السادسة. الشروط وعن شروط الأضحية، يقول الدكتور علوى أمين خليل أستاذ الفقه بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر، إنه يستحب أن تكون الأضحية سمينة، عظيمة، حسنة، ويجب أن تكون خالية من العيوب التى تؤثِّر فى وفرة لحمها وجودته، ولهذا فلا يجزئ التضحية بالعوراء، أو العرجاء، أو المريضة التى لا يرجى برؤها، أو العجفاء المهزولة، أو العضباء «التى ذهب أكثر من نصف أذنها أو قرنها» لما ورد فى السنة «أربع لا تجوز فى الأضاحي: العوراء البَيِّن عورُها، والمريضة البَيِّن مرضُها، والعرجاء البيِّن ظَلَعُها، والعجفاء التى لا تُنْقِي», مشيرا الى ان وقت ذبح الأضحية يكون بعد صلاة العيد؛ لما ورد فى الحديث: «مَن صلى صلاتنا، ونسَك نُسكَنا، فقد أصاب النُّسُك، ومَن ذبح قبل أن يصلى فلْيُعِد مكانَها أخرى»، وفى رواية أخرى: «إن أول نُسكَنا فى يومنا هذا الصلاة ثم الذبح فمَن ذبح قبل الصلاة فتلك شاة لحم قدَّمها لأهله، ليس من النُّسُك فى شيء»، فمن ذبح قبل الصلاة لم تجزئه الأضحية ولَزمه بدلها, ويستحب للمضحى إن لم يذبح أضحيته بنفسه أن يحضر ذبحها؛ لما ورد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى الأضحية: «واحضُروها إذا ذبحتم؛ فإنه يُغفَر لكم عند أول قطرة من دمها»، وروِى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال لفاطمة: «احضرى أضحيتَكِ، يُغفَرْ لك بأول قطرة من دمها», «ويستحب أن يقول المضحى عند الذبح: «بسم الله والله أكبر»، ويستحسن أن يزِيد على هذا فيقول: «اللهم هذا منك ولك، اللهم تقبَّلْ منى أو من فلان»، لما روِى أن النبى صلى الله عليه وسلم أتى بكبش له ليذبحه، فأضجعه ثم قال: «اللهم تقبَّلْ من محمد وآل محمد وأمة محمد، ثم ضحَّى» وروِى عن جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم منك ولك عن محمد وأمته، بسم الله والله أكبر، ثم ذبح». مشيرا الى أنه يستحب أن يطعم المضحى أهل بيته ثلُثها، ويهدى ثُلثَها للفقراء من جيرانه وأقاربه، ويتصدق بالثلث على من يسألها، وشدد على أنه ليس للمضحى أن يعطى الجزار شيئا منها أجرة له على عمله، ولكن إذا دفع إليه شيئا منها لفقره أو على سبيل الهدية فلا بأس، ولا يجوز للمضحى كذلك أن يبيع شيئا من الأضحية، لحما كان أو جلدا أو غيرهما، وله أن ينتفع بجلدها وفضلاتها بلا خلاف. الذبح بالصك والتقسيط وحول ذبح الأضحية عن طريق صك أو بالتقسيط، يقول الدكتور مجدى عاشور المستشار الأكاديمى لمفتى الجمهورية وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إنه من المقرر عندنا فى دار الإفتاء، أن صك الأضحية نوع من أنواع الوكالة، وهى جائزة فى النيابة عن الذابح فى الأضحية، ولكن يجب على الوكيل، وهى التى تتولى هذا الأمر، أن يراعى الشروط الشرعية للأضحية، من سنها، وسلامتها، ووقت ذبحها الذى يبدأ من بعد صلاة عيد الأضحى إلى مغرب آخر يوم من أيام التشريق -وهو رابع يوم العيد، وأن يتم توزيعها على المستحقين، وألا يأخذ الجزار منها أجره، إلى آخر الشروط الشرعية المرعية فى هذا المقام. كما أنه يجوز شراء صك الأضحية بالتقسيط، لأنه عبارة عن عقد شراء للأضحية، وعقد توكيل بالذبح، ولا مانع من أن يكون هذا الشراء مقسطا؛ حيث قد تقرر فى الشريعة صحة الشراء والبيع بالتقسيط، ولا يغير من هذا الحكم كون المبيع أضحية أو غيرها، لذا فإنه يجوز شراء صك الأضحية بالتقسيط، سواء أكانت الأقساط متقدمة على الذبح أو متأخرة عنه. سلبيات مرفوضة من جانبه، حذر الدكتور سيف رجل قزامل العميد السابق لكلية الشريعة بطنطا جامعة الأزهر، من بعض السلبيات التى يقع فيها بعض الناس عندما يريدون أن يقيموا سنة الأضحية، من هذه السلبيات ما يفعله البعض من ذبح الأضاحى فى الأماكن والميادين العامة والشوارع، بل يصل بالبعض الى ان يذبح بجوار المسجد، مما يلحق الضرر بالناس، خاصة أن البعض يترك مخلفات الذبح، ولا يقوم بتنظيف المكان، فيحصل به أذى للناس ومن يفعل ذلك فهو آثم شرعا، ومن المعلوم شرعا كما جاء فى الحديث« لا ضرر وضرار»، كما أن عدم إيذاء الناس واجب، والأضحية سنة، مشيرا الى انه اذا لم يتوافر مكان للذبح بالبيت فالأفضل أن تذبح الأضحية فى مكان مخصص لذلك كالمذبح مثلا لأنه مكان معد وبه تجهيزات معينة، فضلا عن ذلك لا يتحقق منها إيذاء للناس، موضحا أن تقسيم الأضحية بالنسبة للمشتركين فيها، من الأفضل أن تقسم بالقرعة عن طريق جزار معهود فيه الصدق والأمانة، حتى لا يحدث مشاحنات من البعض، وعلى هؤلاء وغيرهم ان يتعاملوا مع الأمر بسخاء وطيب نفس، خاصة أن المؤمن الحق عليه ان يكون سمحا فى جميع تعاملاته وفى كل شىء، سيما فى هذا الأمر لأن المراد منه التقرب به الى الله تعالى، والله طيب لا يقبل إلا طيبا، مشددا على ضرورة إخراج حق الفقراء منها، ولا يدخرها المضحى فى بيته ويأكلها جميعها كما يفعل البعض للأسف الشديد، ظنا منه أن عمله هذا صحيح شرعا. وعن التباهى بالأضحية، كما يحدث من بعض الناس، قال الدكتور سيف رجب قزامل إن ذلك التباهى لا يجوز، وكما جاء فى الحديث«أن أبا أيوب الأنصارى سئل كيف كانت الأضحية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كان الرجل يضحى بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون حتى تباهى الناس فصارت كما ترى »رواه الإمام الترمذى وهو حديث صحيح، وهذا التوجيه يحذرنا من التباهى الذى يحدث من بعض الناس حاليا، ولا سيما فى الأرياف والقرى والمناطق العشوائية ذات الثقافة المحدودة وتنتشر بين أوساطها الأمية الدينية مما يوقع البعض فى الإثم دون أن يدرى، لان التباهى بالأضحية وغيرها من الأعمال المتقرب بها الى الله تعالى، ينافى الإخلاص، ومن المعلوم ان قبول العمل من عدمه أمر غيبى لا يعلمه إلا رب العالمين وحده، قال تعالى «لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ..».