يحتفل المسلمون اليوم بعيد الأضحي المبارك.. بعد أن وقف حجاج بيت الله الحرام علي جبل عرفات يدعون المولي سبحانه وتعالي وقلوبهم صافية بالتكبير والتهليل والبكاء داعين الله أن يتقبل منهم هذه الفريضة المقدسة. أكد العلماء أن هناك العديد من الحكم والدروس من الاحتفال بعيد الأضحي المبارك. ويجب علي المسلمين العمل بها في هذا اليوم. * الدكتور عبدالفتاح إدريس.. أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر.. يقول: إن الحكمة من الاحتفال بعيد الأضحي. ذبح الأضحية أو نحرها في هذا اليوم. فهي شعيرة إسلامية. تضافرت الأدلة علي شرعيتها. يقول الحق سبحانه: "فَصَلِّ لربك وانْحَرْ". وروي عن أبي هريرة: "أن رسول الله "صلي الله عليه وسلم" ضحَّي بكبشين سمينين. عظيمين. أملَحَينِ. أقرَنَيْن. موجُوءَين "مخصيين". فأضجع أحدهما. وقال: باسم الله والله أكبر. اللهم عن محمد وآل محمد. ثم أضجع الآخر وقال: باسم الله والله أكبر. اللهم عن محمد وأمته. ممَّن شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ". وقد رغب رسول الله "صلي الله عليه وسلم" في الأضحية. فروت عنه عائشة أنه قال: "ما عمل آدميّى من عمل يوم النحر أحب إلي الله من إهراق الدم. وإنها لتأتي يوم القيامة في فرشه بقُرونها وأشعارها وأظلافها. وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض. فطيبوا بها نفساً". وأكثر علماء يرون أن الأضحية سُنَّة مؤكدة. لما روي عن ابن عباس أن النبي "صلي الله عليه وسلم" قال: "ثلاث كتبت عليَّ وهنَّ لكم تطوُّع: الوتر. والنحر. وركعتا الفجر".. ولأن رسول الله "صلي الله عليه وسلم" علَّق الضحية علي إرادة المضحي في حديثه الذي روته عنه أم سلمة. الذي يقول فيه: "إذا دخل العشر. أي العشر الأوائل من ذي الحجة. وأراد أحدكم أن يُضحي. فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتي يضحي". والواجب لا يُعلق علي إرادة المكلف بأدائه. وجمهور علماء المالكية والشافعية وبعض الحنابلة يقولون إنه يُكره لمن أراد أن يضحي أن يقص شعره. أو يقلم أظفاره. إذا دخل العشر الأوائل من ذي الحجة. حتي يُضحي لحديث أم سلمة السابق. الذي حمل فيه النهي علي الكراهة. ولما روي عن عائشة قالت: "كنت أفتل قلائد هدي رسول الله "صلي الله عليه وسلم" ثم يقلدها بيده. ثم يبعث بها. ولا يحرم عليه شيء أحله الله له حتي ينحر الهدي". وهذا يقتضي جواز قص الشعر وتقليم الأظفار. لأنها مما أحل الله فعله. ويجزئ المضحي أن يذبح عن نفسه وأهل بيته بشاة واحدة. لأن رسول الله "صلي الله عليه وسلم" ضحي بشاة عن نفسه وآل بيته الأطهار. وله كذلك أن يضحي بما فوق الشاة. كالبدنة. والبقرة ويجزئ عند جمهور الفقهاء أن يشترك سبعة في بدنة أو بقرة. فيذبحونها عنهم. سواء كانوا من أهل بيت واحد أو لم يكونوا. لما روي عن جابر قال: "نحرنا بالحديبية مع النبي "صلي الله عليه وسلم" البدنة عن سبعة. والبقرة عن سبعة". وما يجزئ في الأضحية من الشياه ما اكتمل له ستة أشهر ودخل في السابع. ومن البقر ما كمل له سنتان. ودخل في الثالثة. ومن الإبل ما كمل له خمس سنين ودخل في السادسة. ويستحب أن تكون الأضحية سمينة. عظيمة. حسنة. ويجب أن تكون خالية من العيوب التي تؤثر في وفرة لحمها وجودته. ولهذا فلا يجزئ التضحية بالعوراء. أو العرجاء. أو المريضة التي لا يُرجي برؤها. أو العجفاء أو المهزولة. أو العضباء "التي ذهب أكثر من نصف أذنها أو قرنها". لما روي عن البراء. قال: قال رسول الله "صلي الله عليه وسلم": "أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البَيِّن عورها. والمريضة البَيِّن مرضها. والعرجاء البَيِّن ظلعُها. والعجفاء التي لا تُنْقِي". ووقت ذبح الأضحية يكون بعد صلاة العيد. لما روي عن البراء أن رسول الله "صلي الله عليه وسلم" قال: "مَن صلي صلاتنا ونسك نسكنا. فقد أصاب النُسُك. ومَن ذبح قبل أن يصلي فليُعِد مكانها أخري" وفي رواية أخري: "إن أول نسكنا في يومنا هذا الصلاة. ثم الذبح. فمَن ذبح قبل الصلاة فتلك شاة لحم قدَّمها لأهله. ليست من النُسك في شيء "فمن ذبح قبل الصلاة لم تجزؤه الأضحية ولزمه بدلها.. ويُستحب للمضحي إن لم يذبح أضحيته بنفسه أن يحضر ذبحها. لما روي عن ابن عباس أن رسول الله "صلي الله عليه وسلم" قال في الأضحية: "واحضروها إذا ذبحتم. فإنه يُغفَر لكم عند أول قطرة من دمها". وروي عن النبي "صلي الله عليه وسلم" أنه قال لفاطمة: "احضري أضحيتك. يُغْفَر لك بأول قطرة من دمها". ويُستحب أن يُطعم المضحي أهل بيته ثلثها. ويهدي ثُلثها للفقراء من جيرانه وأقاربه. ويتصدق بالثلث علي مَن يسألها. لقول الحق سبحانه: "فَكُلُوا منها وأطعِمُوا القانع والْمُعْتَّرَّ". والقانع هو السائل. والمعتر هو الذي يعتري الناس. أي يتعرض لهم ليُطعموه. ولا يسألهم ذلك. ولما روي عن ابن عباس في صفة أضحية النبي "صلي الله عليه وسلم" قال: "ويطعم أهل بيته الثلث. ويطعم فقراء جيرانه الثلث. ويتصدق علي السؤال بالثلث". وروي عن ابن عمر أنه قال: "الضحايا والهدايا ثلثى لك. وثلثى لأهلك. وثلثى للمساكين". يؤكد د.إدريس أنه ليس للمضحي أن يعطي الجزار شيئاً منها أُجْرَة له علي عمله. ولكن إذا دفع إليه شيئاً منها لفقره أو علي سبيل الهدية فلا بأس. فقد روي عن عليّ قال: "أمرني رسول الله "صلي الله عليه وسلم" أن أقوم علي بدنة. وأن أقسم جلودها وجلالها. وألا أعطي الجازر شيئاً منها. وقال: نحن نُعطيه من عندنا". ولا يجوز للمضحي كذلك أن يبيع شيئاً من الأضحية. لحماً كان أو جلداً. أو غيرهما. وله أن ينتفع بجلدها وفضلاتها بلا خلاف. لما روي عن عائشة قالت: "قد كانوا ينتفعون من ضحاياهم. ويَجْمُلُونَ منها الْوَدَكَ. ويتخذون منها الأسقية. قال: وما ذاك؟!.. قلت: نَهَيْتَ عن إمساك لحوم الأضاحي فوق ثلاث. قال: إنَّما نَهَيْتُكُم لِلدَّافَّةِ التي دَفَّت. فكُلُوا وتزوَّدُوا وتصَدَّقُوا وادَّخِرُوا". سُنَّة الأولين * يقول د.حمدي طه الأستاذ بجامعة الأزهر إن هناك أموراً عديدة للحكمة من عيد الأضحي أو الحج أولها أنه سنة ماضية في الأولين منذ أن خلق الله آدم ثم توجت علي الناس عامة عندما أمر الله سبحانه وتعالي سيدنا إبراهيم بقوله تعالي: "وأذِّن في الناسِ بالحَجِّ يأتُوكَ رجَالاً" فأصبحت فريضة علي جميع البشرية وما من نبي بُعثَ إلا وأمر أمته بالحج إلي البيت الحرام. فقد جاء في الأثر عن سيدنا رسول الله "صلي الله عليه وسلم" أنه ما من نبيِّ إلا وقد حج إلي البيت الحرام. إذن الحكمة هي ذكر الله. فالناس عندما تناسوا ذكر ربهم لأنه خلقهم ليذكروه.. ففي الحديث القدسي: "كُنت كَنْزاً مَخْفياً. فَخَلَقْتَ الخلقَ ليَعْرفُونَي". فلما تناسوه أمرهم بالحج إلي البيت الحرام ليذكروه. وعندما يطوف العبد بالبيت الحرام القصد منه أن يذكر الله. وعندما يرتدي العبد زي الإحرام أيضاً ذكر الله والابتهال إليه.. وعندما يسعي بين الصفا والمروة القصد من ذلك ذكر الله. وعندما يقف علي عرفات الله القصد من ذلك ذكر الله.. وعندما ينزل من عرفات عند النفرة القصد من ذلك ذكر الله لقوله سبحانه: "فإذا أفَضْتُم من عَرَفاتي فاذكُرُوا الله عندَ الْمَشْعَر الحرام".. وعندما يرمي الحاج الجِمار القصد من ذلك ذكر الله عندما يقول باسم الله.. الله أكبر. وعندما يذبح هَدْيَه القصد من ذلك ذكر الله: "فاذكُرُوا الله عليها صواف". أضاف د.طه أنه من هنا نجد أن كل حركات الحاج وأفعاله القصد منها ذكر الله. ولذلك قال ربنا: "واذكُرُوا الله في أيامي معدودات". وهذا دليل علي أن الإنسان عندما نسي ذكر ربه أبي به الله إلي هذا المكان ليذكره. ولذلك يقول الله سبحانه وتعالي: "فاذكُرُوا الله كَذِكْرِكُم آباءكُم أو أشدَّ ذِكْرا". ومعني هذا أن الناس يفتخرون بأجدادهم وآبائهم. ويُكثرون من ذكرهم. والأولي بهم أن يكثروا من ذكر الله سبحانه وتعالي. ومن ذلك شُرِّعَتْ فريضة الحج بذكر الله. أشار د.طه إلي الأمر الثاني.. فيقول: إن الله أراد أن يزيل الفوارق بين الناس. فكلهم لآدم. وآدم من تراب. ولا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوي: "إنَّ أكْرَمَكُم عندَ الله أتْقَاكُم".. ولذلك أمرهم الله سبحانه وتعالي بأن يتخلوا عن التنافس في الملبس والتظاهر به.. ولذا أمرهم بالإحرام والتجرد من كل ما فيه زينة. ليعلم الناس أنهم سواسية عند الله كأسنان المشط. ولا ينعقد ذلك إلا بالوقوف علي عرفة.. فلا يُعْرَف رئيس ولا مرءوس. ولا غني ولا فقير.. فالكل قد تجرد من مظاهر الدنيا. وأصبحوا يعبدون الله الواحد القهار. ولذا أراد الله أن ينزع من نفوسهم التفاخر والكبر علي بعضهم. الأمر الثالث في الحكمة من الحج.. كما يقول د.طه: هو إظهار ذل العبد لله. وليعلم يقيناً بأن له رباً مطلعاً عليه. أتاه فلباه.. وليعلمنا الله في هذا اليوم بأن الإنسان إذا أراد التقرب إلي الله. فلا يرفث ولا يفسق. فإذا رجع من حجه تعلم أدب الخطاب مع الآخرين.. فهذه هي الحكمة من فريضة الحج التي فرضها الله علينا. صلة الأرحام * د.آمنة نصير.. أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر.. تقول: إن من أولويات مظاهر الاحتفال بعيد الأضحي صلة الأرحام. فقد حث رسول الله "صلي الله عليه وسلم" علي زيارة الأقارب في هذا اليوم. فهي من أسمي مظاهر الاحتفال التي يجب أن يحرص عليها كل مسلم ومسلمة.. ففي هذا اليوم يتصالح فيه المتخاصمون. ويلتقي فيه الجميع علي الحب والمودة. ونبذ الخلافات. أضافت د.آمنة أن الرسول "صلي الله عليه وسلم" كان يحرص علي إدخال السعادة علي قلوب الأطفال والنساء في هذا اليوم تحديداً ويشاركهم سعادتهم. ومن هنا فإن تقديم "العيديات" ومساعدة المحتاجين من الضروريات التي حث الشرع عليها.