لا حديث -هذه الأيام- يعلو فوق حديث الفساد.. لكن سؤالا يفرض نفسه: كيف حارب الإسلام "الفساد"؟ لقد حارب الإسلام فساد العقيدة، كما حارب الفساد السياسي، وغيرهما من أشكال الفساد، ورتب مسئولية كبيرة على الفرد تجاه فساد نفسه، فقال تعالى:"أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ". (ص:28).
والمعنى الشرعي للفساد هو: الخروج عن طاعة الله، وارتكاب الذنوب، والمعاصي.
أما المعنى اللغوي له فهو: "فسد يفسد فسادا فهو فاسد". يقال: فسد الرجل: جانب الصواب، وجاوز الحكمة.
وفسد الطعام: عطب، وتلف. وفسد العقد أو الوضوء، أو نحوهما: بطل، وانتقض. وفسد الحال، أو الأمر: اضطرب، وأصابه الخلل.
ولخطورة الفساد، وعظم أثره على النفوس، والأمم؛ تكررت لفظة "فساد" بمشتقاتها في القرآن الكريم زهاء خمسين مرة، ما بين: فسدت، لفسدتا، أفسدوها، لتفسدن، تفسدوا، لنفسد، يفسد، ليفسدوا، يفسدون، الفساد، فسادا، المفسد، المفسدون، مفسدين.
وذكر القرآن الكريم أن الإفساد من طبائع البشر، الإ من رحم الله، فقال تعالى: "قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ، قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ".(البقرة:30) كما أن الله سبحانه لا يصلح عمل المفسدين.. قال موسى عليه السلام: "مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ". (يونس:81).
وقد شدد القرآن الكريم على ضرورة الاتعاظ من عاقبة المفسدين.. فقال تعالى: "ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ". (الأعراف:103).
كما حذر من العذاب الأخروي للمفسدين، فقال: "الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (النحل: 88).
ومن أهم الوسائل التي أرساها الإسلام في مكافحة الفساد: "الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر".. فقال تعالى: "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ، وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ". (آل عمران: 104).
ومن أهم تلك الوسائل أيضا: الدعوة إلى الله. فقال تعالى: "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ." (فصلت: 33).
كما أن الجهاد وسيلة أخرى مهمة لمكافحة الفساد.. قال سبحانه: "وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ". (الأنفال:73)
وأساس الإصلاح في أي مجتمع، إصلاح النفوس الفاسدة. قال تعالى: "فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا.(الكهف:110).
والواجب الثاني المهم، على كاهل الفرد، إصلاح مجتمعه. قال تعالى: "فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ".(هود: 116).
أي أنه "كان من الأمم التي قبلكم أولو بقية أي: "أصحاب طاعة، ودين، وعقل.. ينهون قومهم عن الفساد في الأرض".. جعلنا الله منهم، وحشرنا معهم. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد