مثل كل العصافير البريئة كان يلهو وينطلق يرسم بأنامله درب الأمل وينقش بخياله اشراقات المستقبل الوضاء ، وكفراشة طائرة بين سنابل القمح كان يتنقل بابتسامة ساحرة ونشاط غير عادي عرف العرق الشريف مبكرا وأدرك معني العمل والعطاء. هو طفل يافع عمره 13 سنة يستعد لدخول السنة الدراسية الجديدة في الصف الثاني الاعدادي متوهجا بالنشاط والعنفوان والحماس ، مقبل علي الحياة بأمل ودعوات والديه اللذين يعملان في تجارة بسيطة للخضراوات في مدينة الكردي التابعة لمحافظة الدقهلية ، لكن أحمد حمادة الخطيب الشهير في منطقته باسم فارس رغم سنواته الغضة وعمره الفتي كان رجلا كبيرا يعرف معني المسئولية ويسهم مع والده في أعماله وتحركاته ويعتمد عليه كساعده الأيمن في كل شيء .. أحمد كان يعتبر أمل الأسرة وهو الأكبر في الأولاد ولديه شقيقان هما ابراهيم في الصف الرابع الابتدائي وسلوي خمس سنوات ، بخلاف والدين بسيطين يسعيان الي تأمين مستلزمات الحياة بشرف وكرامة ، وكل أحلامهما أن يصلا بالأبناء الي بر الأمان في هذه الدنيا المتخمة بالصعوبات والمشاكل , أحمد كان متفوقا في دراسته ومعروفا بين أقرانه بدماثة الأخلاق وحسن التربية ، وفي بيته كان شمعة مضيئة وركيزة أساسية وأحد أعمدة البناء الأسري يذهب ويبيع ويشتري ويحاسب التجار والبائعين . وفي اليوم الموعود ارتدي أحمد ملابسه وانطلق صباحا الي عمله في بيع الخضراوات منفذا تكليفات والده بكل همة ونشاط . وبينما هو يسير علي الطريق جاءت سيارة مسرعة أفرغ سائقها المجنون كل أحقاده علي الطفولة ، ووجه ضربة خاطفة لجسد أحمد النحيل وكأنه كان يسدد سهما الي فريسة ثم تركه غارقا في دمه وهرب بأسلوب جبان لا انساني ولم يستطع أحد من المارة التقاط رقم سيارته أو ربما « اشتروا دماغهم « كما يقولون . مشكلة أحمد لم تكن في حادثة صدمه بالسيارة بل في مستشفي منية النصر التي أسعف اليه مباشرة . يقول والد أحمد الحاج محمد ابراهيم الخطيب الشهر بحمادة الخطيب 37 سنة : وصل ابني الي المستشفي الساعة 11 صباحا وظل ساعة كاملة دون أن يفحصه طبيب واحد ولم نر حتي مدير المستشفي يتحرك أو يستدعي طبيبا الا بعد الصراخ والنحيب ، الممرضات فقط في المكان وحالة الطفل تسوء ، فأحالوا الحالة الي طوارئ المنصورة بعد الضغط علي طبيب شاب رفض في البداية الصعود معنا الي سيارة الاسعاف خشية المسئولية . وبعد نصف ساعة كان أحمد يتكلم معي ثم يدخل في غيبوبة وعندما كنت أتحدث مع الدكتور وأقول له اعمل حاجة الولد بيموت يرد بأنه طبيب أطفال وفي الطوارئ هيعملوا له اللازم . ويضيف الحاج محمد والحزن يخنق صوته : رحنا هناك والقلب كان واقفا وعملوا تنفسا صناعيا وضخا علي القلب لمدة لاتقل عن نصف ساعة وكان الدكتور في الطوارئ بيزعق لدكتور الاطفال وبيقوله كلام انجليزي بس أنا فهمت من الكلام ان أنت معملتلوش إسعافات أولية ليه ، المهم القلب رجع تاني بس نبضات ضعيفة وعملوا أشعة علي البطن وكان فيها نزيف داخلي وتوقف القلب مرة ثانية وبعدالضغط علي صدره عاد القلب وادخلوه غرفة العمليات لكنه بعد لحظات خرج جثة هامدة . ويستطرد الحاج محمد : أنا راض بقضاء ربنا بس لو كانوا لحقوه في مستشفي منية النصر وعملوا له اسعافات أولية مكنش مات.. أنا شفت ابني بيموت وبيتألم ومحدش معاه ولا عرفت أعمله حاجة . «. أما والدة أحمد فقالت والحزن يعتصر صوتها : ابني مات مرتين الأولي عندما صدمته سيارة وهربت دون رحمة والثانية عندما أهمل المستشفي في اسعافه وهو ينزف ولم يتحركوا بسرعة ، ونريد حق ابننا بمحاسبة المهملين والمقصرين ، احنا مستورين ولله الحمد بس مش عاوزين الكارثة دي تتكرر مع حد تاني ، أحمد كان بميت راجل ومش عارفة أعيش من غيره ومش متخيلة الدنيا ازاي بعده لكني مؤمنة بقضاء الله وقدره ، وأطلب التحقيق في الاهمال اللي حصل . حكاية أحمد لم تكن وحدها في الدقهلية خلال الأيام الماضية فعلي بعد بضعة كيلو مترات وفي مدينة الجمالية فتحت النيابة الادارية بالدقهلية تحقيقًا موسعًا حول وفاة طالب داخل مستشفي بسبب عدم وجود أكياس دم . وكشفت التحقيقات أن يوسف برهام حماد 17 عامًا دفع حياته ثمنا للاهمال بعد أن وصل مصابًا الي المستشفي باشتباه ما بعد الارتجاج، ونزيف داخلي . وتم احالة وكيل مستشفي الجمالية و4 أطباء وعامل للمحاكمة التأديبية العاجلة لثبوت اهمالهم الذي تسبب في وفاة يوسف . وتوصلت تحقيقات النيابة الي أن هناك اهمالا من الأطباء يقترب من العمد ورغم ما توجبه عليهم مهنتهم النبيلة من أعباء وواجبات جسام قد فاق كل وصف وتسبب بعدم تقديم الرعاية الطبية الواجبة لحالة علي هذه الدرجة من الخطورة سواء بعمل الأشعات التشخيصية اللازمة أو اجراء التدخل الجراحي العاجل لإيقاف النزيف الداخلي حالة لشاب في مقتبل عمره لم يكمل عقده الثاني لمضاعفات جسيمة أدت في النهايه الي وفاته .