النائب العام يستقبل وزير العدل بمناسبة بدء العام القضائي الجديد| صور    التخضم يعود للصعود وسط إنفاق بذخي..تواصل الفشل الاقتصادي للسيسي و ديوان متفاقمة    نيسان قاشقاي.. تحتل قمة سيارات الكروس أوفر لعام 2025    بعد لقاء ترامب والشرع.. واشنطن تعلق «قانون قيصر» ضد سوريا    الكنيست الإسرائيلي يصادق على قانون "إعدام الأسرى" وبن غفير يحتفل بتوزيع الحلوى (فيديو)    برلمان أيرلندا الشمالية يصوّت على حجب الثقة عن وزير زار "إسرائيل"    كأس العالم للناشئين| الكاس بعد الهزيمة من إنجلترا: أتحمل المسؤولية    مرتجي يكشف ل في الجول حقيقة واقعة زيزو وهشام نصر    بشكل مفاجئ، انهيار جزئي لعقار قرب ميدان بالاس بالمنيا (صور)    بسبب خلافات الجيرة.. حبس عاطل لإطلاقه أعيرة نارية وترويع المواطنين بشبرا الخيمة    استغاثة أم مسنّة بكفر الشيخ تُحرّك الداخلية والمحافظة: «رعاية وحماية حتى آخر العمر»    بعد إعلان طلاق كريم محمود عبد العزيز.. كيف تُخبر شريكك بقرار الانفصال دون كسر القلب؟    محدش يزايد علينا.. تعليق نشأت الديهى بشأن شاب يقرأ القرآن داخل المتحف الكبير    نجوم الفن يتألقون على "الريد كاربت" في العرض الخاص لفيلم السلم والثعبان 2    الرئيس السيسي يؤكد اهتمام الدولة بتأهيل الشباب لسوق العمل في مجال التعهيد بقطاع الاتصالات    زينب شبل: تنظيم دقيق وتسهيلات في انتخابات مجلس النواب 2025    مروان عطية: جميع اللاعبين يستحقون معي جائزة «الأفضل»    بي بي سي: أخبار مطمئنة عن إصابة سيسكو    اللعنة مستمرة.. إصابة لافيا ومدة غيابه عن تشيلسي    تقارير: ليفاندوفسكي ينوي الاعتزال في برشلونة    إصابة الشهري في معسكر منتخب السعودية    صلاة جماعية في البرازيل مع انطلاق قمة المناخ "COP30".. صور    مشهد إنساني.. الداخلية تُخصص مأمورية لمساعدة مُسن على الإدلاء بصوته في الانتخابات| صور    ترامب: سوريا جزء مهم من الشرق الأوسط وأنا على وفاق مع الشرع    صور.. النائب العام يستقبل وزير العدل بمناسبة بدء العام القضائي الجديد    موعد ومقررات امتحانات شهر نوفمبر 2025 كاملة.. من الصف الثالث الابتدائي حتى الصف الثاني الثانوي    إصابة 6 عمال في حادث انهيار سقف مصنع بالمحلة الكبرى    المغرب والسنغال يبحثان تعزيز العلاقات الثنائية والتحضير لاجتماع اللجنة العليا المشتركة بينهما    قوات الاحتلال الإسرائيلي تصيب فلسطينيًا بالرصاص وتعتقله جنوب الخليل    مفوضية الانتخابات بالعراق: أكثر من 20 مليون ناخب سيشارك في الاقتراع العام    تحديات إيجابية.. توقعات برج الحمل اليوم 11 نوفمبر    المعهد الفرنسي يعلن تفاصيل الدورة الخامسة من مهرجان "بوبينات سكندرية" السينمائي    اليوم السابع يكرم صناع فيلم السادة الأفاضل.. صور    عبد الناصر قنديل: إقبال كثيف بالانتخابات يعكس تجذر ثقافة المشاركة    خطوة أساسية لسلامة الطعام وصحتك.. خطوات تنظيف الجمبري بطريقة صحيحة    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية قبل بداية تعاملات الثلاثاء 11 نوفمبر 2025    سعر الذهب اليوم الثلاثاء 11-11-2025 في الصاغة.. عيار 21 الآن بعد الزيادة الجديدة    أوكرانيا تحقق في فضيحة جديدة في شركة الطاقة النووية الوطنية    أسعار الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025    رجال الشرطة يجسدون المواقف الإنسانية فى انتخابات مجلس النواب 2025 بالإسكندرية    «فيفا» يزيد أوجاع الزمالك.. و«عبد الرؤوف»: مباريات السوبر ليست نهاية المشوار    نقل جثمان المطرب الراحل إسماعيل الليثي من مستشفى ملوي بالمنيا لمسقط رأسه بإمبابة    ياسمين الخطيب تعلن انطلاق برنامجها الجديد ديسمبر المقبل    أمطار رعدية وانخفاض «مفاجئ».. الأرصاد تكشف موعد تغير حالة الطقس    لماذا يجب منع الأطفال من شرب الشاي؟    طريقة عمل الجبنة البيضاء بالخل في المنزل    استشاري المناعة: الفيروس المخلوي خطير على هذه الفئات    وزير التموين: توافر السلع الأساسية بالأسواق وتكثيف الرقابة لضمان استقرار الأسعار    أخبار الإمارات اليوم.. محمد بن زايد وستارمر يبحثان الأوضاع في غزة    دعاء مؤثر من أسامة قابيل لإسماعيل الليثي وابنه من جوار قبر النبي    هل يظل مؤخر الصداق حقًا للمرأة بعد سنوات طويلة؟.. أمينة الفتوى تجيب    نماذج ملهمة.. قصص نجاح تثري فعاليات الدائرة المستديرة للمشروع الوطني للقراءة    انطلاق اختبارات مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن بكفر الشيخ    ما حكم المشاركة في الانتخابات؟.. أمين الفتوى يجيب    بعد 3 ساعات.. أهالي الشلاتين أمام اللجان للإدلاء بأصواتهم    هبة عصام من الوادي الجديد: تجهيز كل لجان الاقتراع بالخدمات اللوجستية لضمان بيئة منظمة للناخبين    الرعاية الصحية: لدينا فرصة للاستفادة من 11 مليون وافد في توسيع التأمين الطبي الخاص    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التنظيم السري
واحتراف سرقة الثورات
نشر في الأهرام اليومي يوم 14 - 04 - 2012

مايحدث علي أرض أم الدنيا من محاولات فاضحة ومفضوحة للسطو علي الثورة وسرقتها عيانا جهارا في وضح النهار بغير حياء وبدون خجل لا يشكل سابقة غريبة في عالم الثورات العالمية الكبري المعاصرة. بل يشكل الركيزة الرئيسية والأساس في مواجهة الثورات العاصفة العاتية التي اندلعت نيرانها بكل القوة والعنف علي امتداد دول المعسكر الاشتراكي بدءا من معقل القيادة والقوة متمثلا في الاتحاد السوفيتي القوة العالمية الثانية العظمي حتي ذلك الوقت والزمان وماحدث للثورات العالمية الكبري في التسعينيات من القرن الماضي والاغتيال المادي والمعنوي لغالبية طموحاتها وأهدافها المشروعة الانسانية والوطنية لابد وأن يستحث جموع المصريين الشرفاء لليقظة والانتباه ويدفعهم الي الحشد والتعبئة العاجلة والسريعة قبل أن تغرق أم الدنيا في مستنقع الدكتاتورية والاستبداد والفساد المتوحش الذي مازال يملك الكثير من القدرات والإمكانيات الهائلة للانقضاض علي الطموحات المشروعة للثورة واغتيالها في المهد قبل أن يشتد عودها ويقوي وتستعين قوي الشر في الانقضاض علي الثورة والاجهاز عليها بنفس الوصفات الجاهزة التي أثبتت نجاحها في دول أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي المتمثلة في إغراق جموع المواطنين في متاهات الغفلة والضياع وافقادهم تحت ضغوط المعارك المفتعلة المدبرة القدرة علي التمييز ودفعهم دفعا لمتاهات فقدان بوصلة التفرقة بين الخطأ والصح تحت ضغوط مطرقة الدق المفزع المتواصل خلف الأذن من خلال حيل وألاعيب لا تنتهي ومع كل هذه الفوضي تفرض أحاديث التشويش الزاعقة نفسها علي ساحة الأحداث ويصبح مطلب الهروب الفوري هو المطلب الجماعي في غياب فرصة التدبر للثمن الفادح المؤلم وهو مايؤدي في النهاية الي ضياع الثورات بأيدي أبنائها بعد قيادتهم الي هاوية اليأس والاحباط وفقدان الأمل.
ولا يعني المصير المظلم لثورات دول المعسكر الاشتراكي أن هناك يقينا بغياب الأمل في نجاح الثورة المصرية وغياب الأمل في قدرتها علي مواجهة طوفان الشر لفلول النظام البائد المخلوع بل يعني بالدرجة الأولي والأساس حتمية الافاقة العاجلة من الغفلة وحتمية الادراك الواسع النطاق لطبيعة الوصفات الجاهزة السابق تطبيقها في دول أخري وصولا الي التعرف علي التفاصيل الدقيقة لألاعيب السطو علي الثورات وفنون سرقتها عيانا جهارا والأكثر أهمية وخطورة امتلاك الثورة القدرة علي تحديد القوي الفاعلة والمؤثرة من خلف الستار وألاعيبها وحيلها للانقضاض علي الثورات بصور وأشكال مختلفة ومتعددة, وهو مايحتم أن يتركز الجهد العام في تحديد المعني الدقيق لفلول النظام وأنها لا تقتصر فقط لا غير علي فلول الحزب الوطني المنحل بعموميات الأحاديث والأقوال بل ترتبط أساسا بالتنظيم السري الفعال الذي كان يدير الدولة وهذا الحزب من وراء الستار وكان دائما من خلال بدروم المركز الرئيسي للحزب علي كورنيش النيل يقدر علي توصيل الأوامر والمعلومات بامتداد الخريطة الجغرافية لمصر الي بدرومات أخري علي امتداد المحافظات المختلفة وهو بدروم كان يدير عملية الحكم والتنظيم السياسي لمصر منذ عهد الاتحاد الاشتراكي العربي بنفس الآليات والأشخاص وكان عقله المدبر الفاعل مايسمي بأمانة التنظيم, وللأسف الشديد لم يدقق احد بالعمد والقصد في حرق المبني وسرقة خزائن اسرار وكذلك المبني المجاور في ذورة احداث الثورة ومع تباشير نجاحها.
نفوذ التنظيم السري الحاكم لمصر منذ ثورة23 يوليو
وهذا المركز والبؤرة الاجرامية للنظام الفاسد البائد كان يعد دائما الصندوق الأسود للتنظيمات السياسية التابعة لنظم الحكم المتعاقبة, منذ ثورة23 يوليو وكان تدفق المعلومات إليه واتخاذ القرارات من خلاله لا يتم كما يتصور البعض داخل نطاق التنظيم الهرمي القيادي للحزب السياسي فقط لاغير بل هو مركز تتجمع من خلاله الاتصالات وعمليات التشاور والرصد والمتابعة وكذلك التحليل والتقييم مع مختلف أجهزة الدولة الأمنية علي امتدادها وتعددها وهناك البعض الهام منها غير معلن ولايشار اليه بالحديث من قريب او بعيد وبالتالي فإن الغرف السرية المظلمة في هذا البدروم هي الغرف الحقيقية لاتخاذ القرارات المصيرية والمحورية وعندما أراد الطاغوت الأكبر أن يتخذ الخطوة النهائية لتوريث ابنه جمال كانت العلامة الفارقة ترتبط بتسليمه مفاتيح خزائن هذا البدروم ليس باعتباره كنز المعلومات الثمين للنظام, ولكن باعتباره المفتاح الرئيسي للسطو والسيطرة علي مفاتيح اتخاذ القرار علي امتداد ربوع مصر المالك للقدرة علي التعبئة والحشد وحتي أقصي نجوعها وكان حامل المفاتيح الظاهر علي مسرح الأحداث هو البهلوان السياسي أحمد عز الذي تغيب عنه الكثير من تفصيلات وفرعيات وظائف كهنة المعبد ولا يدرك حقيقة امتلاك كلمة السر لدخول قدس أقداس الشيطان السياسي علي مسرح الدولة المصرية.
وكما كان الاتحاد الاشتراكي العربي تنظيما سياسيا يشارك في عضويته مجموع المصريين اتقاء لشر السلطة وبعدا عن ملاحقتها وبطشها فإن النظام الحاكم كان يدرك أيضا هذه الحقيقة ويشجع علي هذه العضوية الكثيفة غير المنضبطة وغير الملتزمة التي لا يوثق بها ولا تؤتمن علي الاسرار ولا يسمح لها إلا بتلقي تعليمات عامة شكلية, من هنا فإن النظام اعتمد علي نظرية الحلقات الضيقة الصغيرة وأعتمد علي عمليات اختيارات دقيقة وتفصيلية لتشكيل جوهر ولب التنظيم السياسي الفاعل القادر علي السيطرة والتحكم والقادر علي تنفيذ الاوامر والتعليمات بدقة وحرفية وبدرجة عالية من الانضباط والالتزام, من هنا تم بناء مايسمي بالتنظيم الطليعي داخل الاتحاد الاشتراكي العربي أو بالأصح كتنظيم سياسي مواز خفي ومستتر يحاط بالسرية وتحاط عضويته بدرجة عالية من التعتيم, وتم بناء التنظيم, الطليعي وفقا لقواعد وأسس التنظيمات السرية العنقودية في الجماعات المناهضة والمناوئة لنظم الحكم التي يتم التعامل معها باعتبارها جماعات محظورة من القانون والنظام العام وكانت هناك خلايا منفصلة وتتصل الخلايا ببعضها البعض من خلال قياداتها العليا فقط لاغير ولا يعرف بعضها البعض, والأكثر أهمية أن تشكيل التنظيم الطليعي تم أساسا في أحضان الأمن ووفقا لمعايير أمنية دقيقة وتولي مسئوليته الأساسية السيد شعراوي جمعة وزير الداخلية الأسبق وقد سيطرت قيادات هذا التنظيم بالاضافة الي قيادات منظمة الشباب الاشتراكي علي مراكز السلطة, والحكم بكافة أشكالها وأنواعها علي امتداد عهود عبد الناصر والسادات والمخلوع الطاغية وكان هاجس الانسان المصري المروع عند انشاء منظمة الشباب يتركز حول سعي النظام لاختراق جدران الاسرة المصرية الحصينة وتحويل الشباب الي مخبرين وكتبة للتقارير حتي عن اقرب المقربين اليهم وعندما بدأ مخطط التوريث ينضج ويستوي تم الدفع بقيادات التنظيم السري الجديد واحكم سطوته علي مفاتيح صنع القرار في الدولة المصرية وكان يضم وزراء تنفيذيين وقيادات عليا بالحزب تتركز أساسا في المكتب السياسي والأمانة العامة والمجلس الأعلي للسياسات وأمناء المحافظات ومكاتبها التنفيذية والقيادات العليا للمؤسسات الصحفية القومية والاذاعة والتليفزيون ووزارة الاعلام إضافة للقيادات العليا للأجهزة الأمنية وقيادات المصالح والأجهزة الحكومية والجامعات وعدد من قيادات القضاء والنيابة العامة واستكمل الحشد والتعبئة بالسطو والسيطرة علي المناصب العليا للبنوك والبنك المركزي والأجهزة الرقابية.
المخابرات السوفيتية ترث نظام الحكم الشيوعي
ويقدم نموذج السطو والسرقة لثورة الشعب الروسي العارمة ضد قسوة وجبروت أكثر من70 عاما من الحكم الشيوعي الغاشم درسا عن قدرة الأجهزة علي أن ترث النظام إرثا كاملا غير منقوص وقدرتها البارعة الي ادارة الأحداث من خلف الستار بحيث يقع نظام الحكم فريسة سهلة بين أيديها بالقدر الأقل من الجهد وان تضمن في ضربة واحدة النفوذ السياسي والاقتصادي وقد ورث بوريس يلتسين الشيوعي العريق الحكم بعد سقوط النظام الشيوعي اسما وشكلا, وكان السكرتير العام للحزب الشيوعي الاعلي مكانه في الدولة قبله هو جورباتشوف صاحب البريوسترويكا هادمة الدولة والامبراطورية كان قيادة عليا في المخابرات السوفيتية وسبقه في المنصب اندروبوف معلمه واستاذه ورئيس المخابرات لسنوات طويلة وكان تولي يلتسين رئاسة الجمهورية تجسيدا لسيناريو الغفلة الشعبية وكان مشهورا عنه أنه الرجل الذي لا يفيق من الخمر ولا يملك القدرة علي ادارة أي عمل بحكم حالة السكر البين التي يعيشها طوال حياته وعلي امتداد الليل والنهار وكان عليلا مريضا وساد انطباع عام أنه مجرد محلل للحظة الصعبة التي تعيشها الدولة ويعيشها المجتمع والمواطن, وعاش الغالبية تحت وهم الرئيس الانتقالي المؤقت وافرطوا في التنازلات تحت وهم ان المرحلة المؤقتة تتيح للجميع القدرة علي الحشد والتعبئة ولكن جهاز المخابرات السوفيتية كي جي بي الذي كان يسيطر علي مفاصل الدولة والامبراطورية والعالم قبع في الظل وزرع رجاله حول الرئيس خيال المآتة ووضع رجله القوي فلاديمير بوتين في قلب السلطة, وبنوا علي مهل خلال سنوات قليلة حزبا جديدا قويا علي انقاض الحزب الشيوعي بعد تطعيمه بطبقة واسعة من الأثرياء الجدد أو بالأصح من اللصوص البارعين الذين تحولوا في غمضة عين من معدمين الي أصحاب مليارات بما نهبوه من الثروة الاقتصادية العامة الهائلة وتحولت السياسة كما تحول الاقتصاد الي قبضة هذه الفئة القديمة الجديدة, من رجال المخابرات والامن.
وخضعت روسيا لنظام قبيح لتوريث السلطة والحكم أصبح بموجبه بوتين رئيسا للجمهورية لفترتين رئاسيتين كما ينص الدستور وبحكم ثقته وأركان حزبه في السيطرة علي مفاتيح الأمور ومقاليدها فقد سمح لصديقه ولرئيس وزرائه أن يترشح للرئاسة لفترة وحيدة وواحدة ثم أعيد انتخابه مرة أخري الشهر الماضي بأغلبية كاسحة ليكون رئيسا للمرة الثالثة وليصبح كما يصفه الاعلام الغربي ب آخر القياصرة وكأن الثورة الشيوعية لم تقم علي الأرض وكأنها لم تتول السلطة وكأن الحكم الشيوعي لم يسقط وهو مايعني أن هناك قاعدة ذهبية تؤدي لضياع الثورات وتسهل اغتيالها والانقضاض عليها ترتبط ببقاء الأجهزة السلطوية الأمنية كما هي بغير تعديل وبدون تبديل مما يعني بقاء فعاليتها وبقاء نفوذها وسطوتها علي كل مفاصل الدولة والحكم.
الوحدة الألمانية وهدم مخابرات ألمانيا الشرقية
وقد ادركت ألمانيا الغربية الدرس جيدا عندما سقط سور برلين وسقط النظام الشيوعي وتمت الوحدة الألمانية فقد ارتبط ذلك بالهدم الكامل للأجهزة الامنية في ألمانيا الشرقية وتحولت الي انقاض وتحولت ملفات استاذي جهاز المخابرات المرعب في ألمانيا الشرقية الي أرشيف عام مسموح بالاطلاع علي كل أوراقه ومستنداته ومتاح التعرف علي تقاريره ومستنداته حتي يظل الوعي قائما ومتجددا ولم يقل أحد أن هذه الأجهزة وقياداته تملك صندوقا اسود يحوي الكثير من الأمور الغامضة عن ألمانيا الغربية وقادتها وساستها ورجال أعمالها ومثقفيها ومفكريها, وأن هذه الصناديق السوداء قنابل موقوتة شديدة الانفجار يجب إتقاء شرورها والبعد عنها وعدم الاقتراب منها, بل تم عرض الأرشيف كاملا علي المواطنين وأجهزة الاعلام لأن الدول لا تحمي الفساد ولا تتستر علي الانحراف وتصح عافيتها بالكشف عن تفصيلاتها ووقائعها وخباياها.
وفي ظل غياب الحياة السياسية الحقيقية لسنوات طويلة وبالتالي غياب القيادات الشعبية المعارضة البارزة فقد تمكن الحزب الشيوعي الروماني بعد تعديل اسمه وتغيير صفته اعتمادا علي أجهزة الدولة الأمنية التي لم يتم تفكيكها واعتمادا علي العجز الكامل عن القيام بعمليات التطهير السياسي والتنفيذي الواجبة الواسعة النطاق, ان يستعيد زمام السلطة فقد تولي رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية ليسينكو أحد أقرب المقربين من الدكتاتور شاوشيسكو الذي تم اعدامه في الأيام الاولي للثورة هو وزوجته رميا بالرصاص في أحد معسكرات الجيش عند محاولته الهروب خارج رومانيا, وكأن الثورة قتلت الطاغية لتستبدله بابنه الروحي البكر الذي كان مسئولا عن منظمات الشباب في الحزب الشيوعي وكان مسئولا مباشرا بارزا علي قمة النظام والحزب والحكومة, وقد استمر الحال علي ماهو عليه في جمهوريات الاتحاد السوفيتي التي حصلت علي استقلالها بعد انهياره وحكم قادة الحزب الشيوعي السابقين الجمهوريات الاسلامية الآسيوية, كما سيطروا علي جمهوريات البلطيق واحتاج إزاحتهم من السلطة ثورة برتقالية شعبية في أوكرانيا سرعان ماسرقت وعادت الوجوه القديمة كما هي بفضل سطوة الأجهزة الأمنية وبفضل تماسك وصلابة أجهزة الدولة القديمة وماتملكه من سلطة ونفوذ عجزت الثورات عن تفكيكها وتقليم أظافرها.
وكان هناك استثناء يرتبط ببولندا بحكم امتداد تاريخ الثورة لسنوات سابقة علي سقوط الحكم الشيوعي بقيادة منظمة تضامن العمالية بزعامة ليش فاليسا, حيث نجحت بعد تحولها الي حزب سياسي في الفوز بغالبية مقاعد البرلمان كما أصبح فاليسا رئيسا للجمهورية ولكن بعد تسرب وثائق الدور الأمريكي اللصيق بثورة تضامن والضلوع المباشر للمخابرات المركزية الأمريكية في أنشطتها وكذلك انكشاف الدور البارز للكنيسة الكاثوليكية وبابا الفاتيكان في تمويلها فقد انهارت الكثير من الظلال الايجابية المشرقة أحاطت بمنظمة تضامن وزعيمها ولم يفلح في العودة مرة أخري لمنصب رئيس الجمهورية وتعدلت الخريطة السياسية بشكل جذري يعكس توازنات القوي القديمة والقوي الجديدة كما يعكس تفاهماتها مع النظام العالمي الجديد علي مستوي القارة الاوروبية والاتحاد الاوروبي وعلي مستوي التعامل مع القوة العالمية الوحيدة المتمثلة في أمريكا.
وتبقي حتمية الرجوع الي أرشيف التاريخ واستعادة تفاصيل ذاكرة سرقة الثورة الفرنسية بالرغم من كل مايحيط بها من شعارات انسانية تتحدي الزمن ومايحلق في سمائها من فلسفات وأفكار عبقرية وما يرتبط بها من قصص وخيالات الشعراء والمبدعين فقد سرقت الثورة في وضح النهار منذ اللحظات الاولي عن طريق جماعة اليعاقبة وهي تجمع من المثقفين الثوريين عددهم بالمئات فقط وكان قادتهم رمزا فاضحا للدموية الوحشية وفي مقدتهم روبسبير الذي أصدر أوامره باعدام الآلاف, ثم سقط رأسه من فوق مقصلة الموت ليلاقي نفس مصير الملك لويس السادس عشر وزوجته ماري انطوانيت نموذج الغفلة والبلاهة في التاريخ الانساني المعاصر وكان مشهد الاغتيال النهائي للثورة مفجعا مع تنصيب الجنرال نابليون بونابرت امبراطورا لفرنسا بعد سنوات قليلة من الثورة ليعيد عجلة التاريخ الي الوراء.
وبالرغم من مأساوية مصير الثورات الحديثة وقدرة التنظيمات السرية والأجهزة الأمنية والجنرالات علي سرقتها ونهبها وتغيير مسارها للخلف در إلا أن الثورة المصرية وثورات الربيع العربي لا يمكن أن تعاني نفس المصير المفزع لسبب رئيسي يرجع الي ارتباط نجاحها الساحق بعصر ثورة الاتصالات والانترنت واعتماد هذه الثورات في اشعال نيرانها وتوسيع نطاقها علي التواصل الواسع النطاق خاصة بين الشباب ويعني كل ذلك أن الدولة أصبحت بالفعل والواقع قرية صغيرة يتردد بين جنباتها ليل نهار كل المفاسد والفضائح والمآسي بما يسهل الكشف التفصيلي عن مختلف وقائع الانحراف للنظم البائدة ويسمح بملاحقتها وتعريتها بإصرار وعزم ويتيح ذلك الافاقة الفورية للثورات ما أن تفتح قنوات الاتصال والتواصل خاصة عندما تنفجر في وجه الثورة كل بشاعة النظام القديم وهي لحظة يفيق فيها الجميع من الغفلة والضياع ليهبوا في وقفة رجل واحد لفرض إرادة الأمة ومشيئتها مها كانت التضحيات ومهما ارتفعت الخسائر؟!
المزيد من مقالات أسامة غيث


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.