الطائفة الإنجيلية بمصر تنعى شهداء «مار إلياس» بدمشق    البورصة المصرية تستهل جلسة التعاملات بمؤشرات خضراء    بورصة الذهب تعاود التداول في اتجاه لتكبد المزيد من الخسائر    البنك المركزى: 29.4 مليار دولار تحويلات المصريين بالخارج خلال 10 أشهر    وزير الري يتابع حالة المنظومة المائية بمحافظتى بني سويف والمنيا خلال فترة أقصى الاحتياجات المائية    إسرائيل: هجوم إيراني ب15 صاروخا يتسبب بانقطاع الكهرباء في عدة مناطق    سر زيارة وزير خارجية إيران لروسيا.. هل تتدخل موسكو في الوقت الحرج؟    استشهاد 6 فلسطينيين وإصابة آخرين في قصف الاحتلال الإسرائيلي قطاع غزة    ديانج: جاهزون لمباراة بورتو ولتحقيق نتيجة إيجابية    تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة بورتو بكأس العالم للأندية    الزمالك: الإعلان عن المدير الفني الجديد خلال الأسبوع الجارى    تحرير 551 مخالفة مرورية بسبب عدم ارتداء الخوذة    235 درجة توقعات القبول بتنسيق الثانوية العامة بالقاهرة 2025    المتهم بالتعدى على الطفل ياسين يصل للمحكمة لنظر جلسة الاستئناف على الحكم    ماجدة الرومي على موعد مع جمهورها بمهرجان موازين.. السبت المقبل    ممثل منظمة الصحة العالمية في مصر: مرض السرطان تحديًا صحيًا عالميًا جسيمًا    علاج 1632 مواطنا بقافلة طبية بقرية بالشرقية.. مجانا    «التضامن» تقر عقد التأسيس والنظام الداخلى لجمعية العلا التعاونية للخدمات الاجتماعية    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الاثنين    نائب وزير الخارجية الإيراني: سنواصل تخصيب اليورانيوم    رئيس جامعة قناة السويس يتابع امتحانات كلية الألسن    رئيس جامعة قناة السويس يشهد مؤتمر جمعية أبحاث الجهاز الهضمي بالإسماعيلية    ما هو موقف كوريا الشمالية من الهجوم الأمريكي على إيران    أسعار اللحوم الجملي والضاني اليوم الاثنين 23-6-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    الحبس والحرمان، عقوبة استخدام الطلبة اشتراك المترو بعد انتهاء العام الدراسي    حادث مروري مروع بأطفيح ينجو منه برلماني.. ومصرع السائق    أسعار النفط تقفز مع تصاعد التوتر بين واشنطن وطهران    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 23-6-2025 في محافظة قنا    في القاهرة والمحافظات.. مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 23 يونيو 2025    رغم تذبذب مستوي محمد هاني .. لماذا يرفض الأهلي تدعيم الجبهة اليمنى بالميركاتو الصيفي؟ اعرف السبب    وزير خارجية أمريكا: سعي إيران لإغلاق مضيق هرمز انتحارًا اقتصاديًا    حظك اليوم الإثنين 23 يونيو 2025 وتوقعات الأبراج    حكم الشرع في غش الطلاب بالامتحانات.. الأزهر يجيب    عقوبة الهاكر.. الحبس وغرامة 50 ألف جنيه وفقًا لقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية    روبي بعد تصدر "ليه بيداري" الترند مجددًا: الجمهور بيحبها كأنها لسه نازلة امبارح!    «متقللش منه».. مشادة على الهواء بين جمال عبدالحميد وأحمد بلال بسبب ميدو (فيديو)    دونجا: أداء الأهلي في كأس العالم للأندية سيئ.. والفريق يلعب بطريقة غير واضحة مع ريبيرو    أحمد بلال: الزمالك تعاقد مع مدير رياضي لم يلعب كرة القدم من الأساس    ثورة «الأزهرى».. كواليس غضب الوزير من مشاهير الأئمة.. وضغوط من "جميع الاتجاهات" لإلغاء قرارات النقل.. الأوقاف تنهى عصر التوازنات وتستعيد سلطاتها فى ضبط الدعوة    فاتورة التصعيد الإسرائيلى- الإيرانى.. اشتعال أسعار الطاقة وارتباك الأسواق واهتزاز استقرار الاقتصاد العربى.. توقعات بزيادة التضخم مجددا فى الأسواق الناشئة وإضراب في سلاسل الإمداد    عصام السقا وسط الخيول العربية معلقا: سبحان من خلق    حقيقة تحديد 4 نوفمبر المقبل موعدا لافتتاح المتحف المصري الكبير    بالصور.. خطوبة نجل سامي العدل بحضور الأهل والأصدقاء    أمريكا تُحذر من مظاهرات مناهضة للولايات المتحدة في الخارج    بيلينجهام: من الصعب لعب كرة القدم في تلك الحرارة.. وأخضع لعملية جراحية بعد المونديال    الأزهر للفتوى يحذر من الغش في الامتحانات: المُعاونة على الإثم إثم وشراكة في الجريمة    ما حكم تسمية المولود باسم من أسماء الله الحسنى؟.. أمين الفتوى يجيب    الدكتور علي جمعة: المواطنة هي الصيغة الأكثر عدلًا في مجتمع متعدد العقائد    شديد الحرارة والعظمى في القاهرة 35.. حالة الطقس اليوم    مأساة في البحيرة.. طفلان خرجا للهروب من حرارة الصيف فعادا جثتين هامدتين    ما هي ردود فعل الدول العربية على الهجمات الأمريكية التي استهدفت منشآت نووية إيرانية؟    نيللي كريم تكشف عن مواصفات فتى أحلامها المستقبلي (فيديو)    السبكي: الأورام السرطانية "صداع في رأس" أي نظام صحي.. ومصر تعاملت معها بذكاء    «الشيوخ» ينتقد أوضاع كليات التربية.. ووزير التعليم العالى: لسنا بعيدين عن الموجود بالخارج    وشهد شاهد من أهله .. شفيق طلبَ وساطة تل أبيب لدى واشنطن لإعلان فوزه أمام الرئيس مرسي!    إصابة 13 شخصًا في انقلاب سيارة ميكروباص داخل أرض زراعية بمركز الصف    مندوب إيران بمجلس الأمن: أمريكا الوحيدة تاريخيا من استخدمت أسلحة نووية    18 يوليو.. هاني شاكر يلتقي جمهوره على مسرح البالون في حفل غنائي جديد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تقزيم مصر وتفكيك أوصالها جريمة خيانة عظمي تتعجل القصاص العادل

ترتكز لعبة الأمم التي تديرها أجهزة المخابرات العالمية الكبري علي وصفة سحرية لتمزيق الدول وتفكيك أوصالها وبعثرتها إلي أشلاء متناثرة بأقل قدر من الجهد والتكلفة‏. وهي قاعدة مقدسة شديدة الفعالية والتأثير ونتائجها مضمونة مائة في المائة إذا توافر لها الشرط الرئيسي المرتبط بالقدرة علي تجنيد رموز مؤثرة في قمة هرم السلطة, وتسخيرهم دائما وعلي امتداد الزمن كطابور خامس ينفذ التعليمات باعتبارهم عملاء مطيعين في تنفيذ الأوامر والتعليمات بدقة وحرفية, وتستهدف دائما لعبة الأمم الفتاكة والمميتة للدول والشعوب تحقيق أمر صارم علي أوسع نطاق ومدي يرتبط بضمان أن يتم الاختيار لجميع المناصب القيادية والعليا من بين الأشخاص الأكثر سوءا, والأكثر رداءة, والأكثر انحرافا وفسادا, المشهود لهم بتدني الكفاءة والمعرفة, والقدرة العالية في اللصوصية والنصب والاحتيال والتزوير, وتضمن هذه المعايير الفاسقة للاختيار أن تدار شئون البلاد والعباد وفقا لقواعد المافيا والجريمة المنظمة, كما تضمن أن تصبح رءوس النظام الحاكمة والآمرة في حكم التشكيل العصابي الإجرامي الذي لا تحركه إلا مقتضيات النهب والسرقة, وتتلاشي من حساباته مقتضيات الأمن القومي, وتضيع منه بوصلة الولاء للوطن, ولا يشعر بالأمان إلا مع يقين بأن الأسوأ والأردأ والأفسد قد أمسك بتلابيب المسئولية والحكم في جميع المواقع, وبذلك تقر عين رأس النظام الفاسد وحاشيته من شيوع الفساد والانحراف والنهب وتقر عين أجهزة المخابرات العالمية الكبري وغيرها من التنظيمات السرية الخفية بنجاح ما خططته ورسمته, وقد كانت أم الدنيا دائما وأبدا في قلب هذه المخططات الجهنمية الفتاكة, وكان التنفيذ الحرفي الخائن هو صك الاعتماد, وصك المساندة والدعم والتأييد للنظام الإجرامي البائد الفاسد.
وقد كان التنفيذ الحرفي الصارم للقواعد المقدسة للعبة الأمم هو المسبب الرئيسي لسقوط الامبراطورية السوفيتية, وانهيار القطب العالمي العملاق المتمثل في الاتحاد السوفيتي وإعلان النهاية والفناء لمنظومة المعسكر الاشتراكي بغير الحاجة لإعلان الحرب العالمية الثالثة, حيث تمكنت لعبة الأمم الأمريكية الغربية من تفكيك أوصال الامبراطورية, وتمزيق كيان معسكرها ودولها وبعثرتها إلي أشلاء متناثرة اعتمادا علي تركيبة القادة الأسوأ والأرذل والأفسد الذين تم زرعهم في قمة السلطة والمسئولية, ومع نجاح المخطط لم تسقط فقط الأيديولوجية الماركسية والاشتراكية باعتبارها العدو الأول للأيديولوجية الرأسمالية, ولكن ايضا سقطت الدولة العظمي التي كانت تسمي الاتحاد السوفيتي, وتفككت أوصاله إلي جمهوريات لا تعد ولا تحصي.
دور الحكام العملاء والطابور الخامس في تفكيك أوصال الدول
ومع سقوط الامبراطورية السوفيتية من الداخل تحت معاول الطابور الخامس من العملاء الأفاقين الذين كانوا هم القادة والرؤساء والتيارات العليا للدولة ومؤسساتها وأجهزتها تردد بين جنبات العالم في أجهزة الإعلام الدولية والإقليمية والمحلية تفاصيل الوصفة السحرية التي قوضت دعائم الامبراطورية العالمية العظمي التي كانت تقف موقف الند والندية للامبراطورية الغربية وتزاحمها في السيطرة علي عرش العالم عسكريا وسياسيا, وتداولت أجهزة الإعلام قصة الجاسوس السوفيتي وهو المسئول الكبير في الحكومة والحزب الشيوعي الحاكم, حيث رصدت المخابرات السوفيتية واقعة تجنيده عن طريق المخابرات الأمريكية وما حصل عليه من رشوة, وحددت اسم البنك السويسري, ورقم الحساب الذي وضع فيه الأموال, وعندما عرض الأمر علي رئيس المخابرات أندروبوف الذي تولي رئاسة الاتحاد السوفيتي فيما بعد طلب عدم القبض علي المسئول ومتابعته وملاحقته لمعرفة أساليب المخابرات الأمريكية في تجنيد كبار المسئولين ومعرفة ما تطلبه وتركز عليه كما تقول القصة المتداولة وعلي امتداد سنوات طويلة من الرصد الدقيق لم يتم الكشف عن اتصالات جديدة ولم تتم معرفة التكليفات التي ينفذها المسئول الكبير, ولم يتم رصد تحويل رشاوي إضافية, وعندما جاء أوان تقاعد المسئول المهم طلبه أندروبوف وسأله عن طبيعة التكليف الذي يليق بمقام مسئول كبير في الدولة, فأخبره أنه يرتبط بقيامه باختيار الأسوأ والأردأ والأفسد من قائمة المرشحين للوظائف القيادية العليا حتي يضمن الغرب السقوط المدوي للاتحاد السوفيتي من الداخل بأيدي عديمي الكفاءة والمعرفة والخبرة, واختياراتهم الفاسدة بالضرورة للرؤساء والقيادات المحيطة بهم في كل موقع عمل مهما كبر أو صغر, وهو ما يضمن تخريب البيت من الداخل, وضمان سقوطه وتداعيه وتحوله إلي أنقاض بغير حاجة للزلازل والبراكين والصواعق, ومن أبرز دلائل فاعلية المخطط أن جورباتشوف الرئيس الذي أطلق شرارة الهدم كان تلميذا نجيبا لرئيس المخابرات الرئيس السابق أندروبوف, وأن خليفته الذي استكمل تفكيك الأوصال كان بوريس يلتسين الذي لا يفيق من السكر الذي هدم الامبراطورية, ومكن عصابات المافيا الداخلية والخارجية من نهب كامل الثروة بغير استحياء, وبدون خجل وكأن حقيقة القصة تؤكد علي ان اندروبوف بنفسه وشخصه كان هو المسئول الكبير الذي تم تجنيده للتخريب والتدمير بحكم تربعه علي قمة جهاز المخابرات الآمر الناهي.
وبحكم أن سقوط الامبراطورية السوفيتية كان يعني الانتصار الساحق للامبراطورية الأمريكية, وكان يعني ما هو أهم من ذلك بالنسبة لأمريكا, وهو انفرادها بقمة العرش العالمي منفردة, ودخول الكرة الأرضية تحت سطوة القطب الأمريكي الأوحد, ويستوجب منطق السطوة والسيطرة علي العالم أن تتم السطوة والسيطرة علي أقاليم العالم وقاراته من خلال قوة إقليمية خاضعة تتوافق والتوجهات والمصالح, مما استلزم وحتم أن تتم ممارسة لعبة الأمم علي أوسع نطاق ومدي مع مصر لتمزيقها وتفكيك أوصالها حتي لا تبقي في مكانها ووضعها الطبيعي باعتبارها رمانة ميزان العالم العربي, وقوته الإقليمية العظمي بجميع المعايير, وبكل الحسابات, والأكثر أهمية وخطورة حتي تختفي القيادة والريادة المعنوية والحضارية والفكرية لمصر في القارة الإفريقية, وحتي يضيع نفوذها وتأثيرها الفكري والعقيدي علي امتداد دول العالم الإسلامي في جميع قارات العالم.
مخطط تقزيم مصر إقليميا وإفريقيا وعالميا
ومع ارتكاز المخطط الصهيوني الأمريكي الغربي في نجاحه علي إخراج مصر, بتاريخها وحضارتها وثقلها ووزنها, من المعادلات الإقليمية للشرق الأوسط بمفهومه الواسع, وبمفهومه الضيق للتمكين للكيان الصهيوني المغتصب من قيادة الشرق الأوسط بالاشتراك مع أذرع إيرانية وتركية بالاعتماد علي محميات وإمارات تشكل بقعا سكانية متواضعة, وتشكل وزنا مفتعلا, وقيمة مصطنعة قياسا بحسابات وتقويمات القوة الشاملة فان الإجهاز علي الدور المصري البات والقاطع يعد منفذ الخروج الوحيد لهذا المخطط الشيطاني, لأن مصر بكيانها القائم عبر القرون تشكل حائط الصد المنيع أمام نفاذه وفعاليته, من هنا فإن سقوط مصر القوة الإقليمية العظمي لا يقل أهمية بالنسبة للمخطط عن سقوط الاتحاد السوفيتي باعتباره القوة العالمية العظمي, خاصة أن حلقات مخطط قصقصة ريش كل القوي العربية القادرة والمؤثرة استكملت حلقاته منذ احتلال العراق, القلعة الشرقية الحصينة للعالم العربي, وتفكيكه واقعيا علي النطاق الجغرافي, والنطاق الديني, والتفعيل المؤثر للدور الإيراني الشيعي علي مقدراته وسياسات وتوجهاته, بالإضافة إلي ما يتم علي امتداد الخليج العربي من تغييرات ديموجرافية عاصمة عرقيا وعقائديا.
وفي ظل هذه الحقائق الاستراتيجية الكونية والإقليمية والمرصودة في الدراسات المتخصصة, والوثائق الدولية, وسيناريوهات مراكز الأبحاث العالمية والجامعات الكبري, فإن أم الجرائم وأم المصائب التي ارتكبت في حق أم الدنيا من النظام الفاسد البائد, وتشكيله العصابي الإجرامي, ومجمل فصائل الطابور الخامس المؤتمرة بأمره, والمنفذة لمشيئته الشيطانية ترتبط في المقام الأول بجريمة الخيانة العظمي المتمثلة في تمزيق وتفكيك أوصال الدولة المصرية وتفريغها من دورها العربي والإسلامي والإفريقي, وفك ارتباطها بالقضايا الحضارية والإنسانية الكبري, ولا بديل عن تصدر هذه الجريمة لقائمة عريضة الاتهام الطويلة لكل النظام المنهار والساقط, ورموزه, وأركانه, مع تحميل رأسه البائد لمسئولية جسيمة ترتبط بارتكاب جريمة الخيانة العظمي للنظام الجمهوري, وللأمة بحكم المسئولية المباشرة عن تنفيذ مخطط هدم وتخريب مصر وتقويض دعائمها الراسخة عبر الزمن والتاريخ, وهو ما يتجاوز كثيرا تهم نهب الثروة, وتهم تزوير إرادة الشعب, وتهم الاستبداد والقمع, ويتجمع في خانة واحدة فقط مع الأمر بقتل المتظاهرين الثوار بالرصاص الحي, بالإضافة إلي تهم إهدار كرامة المصريين, وإفقارهم, وامتهان شرفهم, وإثارة أحقاد فتنة طائفية زائفة لخدمة الأغراض الشريرة لتمزيق نسيج المجتمع الواحد, وطنيا, وإنسانيا, وحضاريا.
حتميات مراجعة أولويات المشهد الثوري لتجاوز المأزق الصعب
ويحتم ذلك إعادة النظر بشكل جذري في طموحات الثورة, وفي مطالب الثوار, وأن تسارع النخب الفكرية والعلمية في جميع التخصصات والمهن لدراسة الوسائل الكفيلة بخروج مصر من غرفة الإنعاش التي دخلتها علي امتداد عهود الظلام البائدة الفاسدة, وهو ما يستوجب أن يتصدر هم إنقاذ مصر من براثن الخراب الذي صنعه نظام عصابة الجريمة المنظمة والمافيا المقدمة الأولي من الأولويات القومية والوطنية, ولا يعني ذلك الدعوة لإهمال المساءلة والحساب, أو الدعوة لتأجيل إجراءات القصاص العاجل والبات من المجرمين الفاسدين, لكنه يعني الاحتياج العاجل والضروري لأن يكون هناك يد تبني ويد تحمل السلاح.. يد تزيل أنقاض كوارث التشكيل العصابي وتضع قواعد البنيان الصحيح الراسخ, ويد أخري تحمل جميع أسلحة وأدوات المواجهة لفرض هيبة القانون وسيادته, وإعادة الثقة والاعتبار للنظام العام من منظور الاحترام والتقدير الكاملين للإرادة الشعبية, والتوقف عن الاصطدام الأرعن بمطالبها المشروعة, والبعد عن استفزازها بالإهمال أو التجني علي مواقفها واختياراتها, أو حتي التلويح والتلميح بإمكان تجاهل مشاعرها الوطنية الفياضة.
وتمتد مخططات لعبة الأمم إلي الكثير من الأمور المعقدة والمتشابكة حتي تحقق أهدافها, واستدراك ما فاتها وغاب عنها, مع قيام الثورة المص رية المفاجئة وثبوت عدم نجاح مخطط تفكيك وتمزيق مصر في تحقيق كامل مراميه, وأن العفن والعطب قد أصابا فقط لا غير القشرة العليا للدولة والمجتمع, وفي مقدمة المخططات التي تستوجب درجة عالية من اليقظة والوعي ما يرتبط بمخططات الترويع الاقتصادي والمالي, متلازمة مع مخططات الترويع والفراغ الأمني, ومتكاملة مع مخططات إثارة الفتنة الطائفية بين المسلمين والأقباط, وكذلك إثارة الفتنة بين أبناء الدين الواحد, وتحويلهم إلي أحزاب متناحرة يترصد بعضها بعضا, وكان النظام البائد الإجرامي يثير فزاعة الإخوان المسلمين, ويستخدمها أداة للقمع وتجميل صورته باعتباره القائم النشيط علي مواجهة ما يدعي أنه تطرف وأصولية, وفجأة خرج من القمقم التيار السلفي, وتصدرت أخباره أجهزة الإعلام, واتهم بهدم الأضرحة والمساجد لافتعال حرب إجرامية مع الصوفية, ومع أصحاب الديانات الأخري, وأضيفت إلي فزاعة الجماعات الإسلامية فزاعة جديدة هي السلفية التي بدت وكأنها كانت في قمقم النظام البائد, وأطلت فجأة برأسها علي السطح, يضاف إلي ذلك فزاعات كثيرة داخل الجماعة المسيحية, حيث هناك أحاديث التبشير الإنجيلي البروتستانتي, وهناك أحاديث الحماية الدولية للكاثوليك, وكل ذلك في مواجهة الكنيسة المصرية الأرثوذكسية التي هي كنيسة الأكثرية القبطية, ومع لعبة الأمم النشيطة فإن الملف الديني من أكثر الملفات المرشحة للدخول في قلب لعبة الأمم ومخططاتها الشيطانية المعقدة.
الدعاية السوداء وطوفان الشائعات الكاذبة لترويع المواطنين
وقد شهدت الفترة الأخيرة طوفانا من الأفكار المدسوسة بشكل منظم ومحبوك, تدخل تحت مظلة الحرب النفسية ضد الثورة, من أبرزها الأحاديث والتصريحات الفجة عن الإمكانات الكبيرة لتعرض الاقتصاد المصري للانهيار, وإطلاق الشائعات عن التراجع الحاد للمؤشرات الرئيسية الاقتصادية والمالية, مع فبركة مؤشرات مخيفة عن أن مخزون مصر من القمح لا يكفي إلا شهرا واحدا, بالتجاهل العمد ومع سبق الترصيد لحقيقة أن محصول القمح المصري بدأ حصاده وتسليمه للشون الزراعية مما يعني مخزونا إضافيا من القمح المحلي يكفي للاستهلاك لمدة تبلغ أربعة اشهر علي الاقل, ووصل الحال للاستخفاف بالعقول بالحديث عن أزمة سكر في قمة موسم نضج المحاصيل السكرية, وقمة موسم التشغيل بمصانع سكر القصب وسكر البنجر.
وللأسف الشديد فإن تصريحات غير مدروسة صدرت عن السيد سمير رضوان وزير المالية لم تأخذ الملاءمات السياسية للمشهد الثوري في الاعتبار, بل يمكن توصيفها بأنها لم تستوعب المستجدات الثورية المصرية وما تتيحه من قدرات وإمكانات تفاوضية إضافية لتحقيق المصالح المشروعة بشكل ملحوظ وواضح, حيث يتحدث وزير المالية الهمام عن طلب قروض جديدة من صندوق النقد والبنك الدوليين لمواجهة عجز ميزان المدفوعات, ولمواجهة احتياجات التشغيل بمليارات الدولارات, ويتجاهل إمكان أن تحصل مصر علي إعفاء دولي من الديون الخارجية الرسمية ورصيدها المتراكم, ويتجاهل إمكان أن يكون الظرف الثوري بتشابكاته فرصة حقيقية لتدفق مليارات الدولارات من المنح غير المشروطة, في حين أن قروض الصندوق والبنك تحكمها شروط, وتحكمها تعقيدات وضغوط متعارف عليها بين البسطاء والعوام في العالم.
ومشكلة المشكلات العاجلة شديدة الخطورة علي الأمن الاقتصادي لمصر لا ترتبط فقط من قريب أو من بعيد بأحاديث الترويع الاقتصادي والمالي لأن مصر يمكنها تجاوز العطل المؤقت والطارئ في دوران عجلة الاقتصاد لمدة شهرين بدرجة أو بأخري, لكن المشكلة الحقيقية تكمن في أن حكومة الدكتور عصام شرف تخلو تماما من المتخصصين في الشئون الاقتصادية والمالية, وحتي وزير المالية فإن خبراته الأساسية ترتبط بعمله الدائم في نطاق القوي العاملة, ووزيرة التنمية الاقتصادية والتعاون الدولي خبرتها ترتبط أساسا بالدبلوماسية, وفي أفضل الأحوال بتراكم خبرات التعاون الدولي, ووزير الصناعة والتجارة تخصصه في العلوم البحتة, ويتصاعد الخطر مع غياب وزارة الاقتصاد من التشكيلة الوزارية التي ألغيت في حكومة عاطف عبيد المتهم بالفساد والنهب والسرقة والتلاعب في ديون مصر الخارجية, بالاشتراك مع الوريث, وإبراهيم كامل محرض موقعة الجمل, وقد تم الإلغاء في نطاق مخطط الفساد والإفساد وتغييب الرقابة الفاعلة التنفيذية عن الاقتصاد المصري والسياسات النقدية, بالإضافة إلي تخصص رئيس مجلس الوزراء في هندسة النقل, وتخصص نائب رئيس مجلس الوزراء في الأحاديث التليفزيونية والصحفية, وإثارة القضايا الشائكة بصورة تفتح خزائن جهنم بدون مبرر, وبغيرداع.
لابد أن تملك الحكومة رؤية اقتصادية, ورؤية سياسية, ورؤية اجتماعية وإنسانية واضحة وعلمية ومنطقية, ولا تكتفي بالأحاديث المرسلة التي تدخل تحت بند فض المجالس, وتؤدي إلي القلق والاختلاف بديلا عن الاتفاق والاطمئنان والثقة, ولا يكفي أن تعلن الحكومة حديثا فضفاضا عن تمسكها بالاقتصاد الحر, لأن الاقتصاديين والخبراء والمختصين يعلمون أن هذا العنوان غابة مترامية الأطراف أكبر كثيرا من غابات الأمازون البرازيلية, وأن العالم المتحضر يتحدث عن الرأسمالية بلغة محددة متخصصة وواعية حتي يفهمه الناس في الداخل والخارج فهما صحيحا ومتزنا وهم ينتظرون مثلا حديثا عن اقتصاد السوق الاجتماعية المطبق في ألمانيا, أو حديثا عن التنمية الشاملة والمستديمة كما تتحدث وثائق الأمم المتحدة المتخصصة, وفي النهاية يتوقعون من الثورة حديثا متكاملا رصينا عن البعد الاجتماعي والإنساني للتنمية, وتوزيع الثورة والدخل من خلال منظومة سياسات وتشريعات بعيدا عن فكاهات ونوادر الدكتور يحيي الجمل, والأحاديث والنصائح الأبوية لوزير المالية.
تحتاج الثورة إلي ملامح مبدئية شفافة للإطار الاقتصادي المستقبلي تريح المواطن, وتطمئن رأس المال المنضبط والملتزم بقيم وتقاليد الأعمال المشروعة, ولا يدخل تحتها علي الإطلاق مع ما يتردد من أقوال خارجة عن النغمة الصحيحة تعد رجال الأعمال الفاسدين وتبشرهم بالإفلات من العقاب الجنائي, ولن يتحقق ذلك إلا بإعلان حكومة الدكتور شرف أن الفكر الجديد للحزب الوطني المنحل, وسياسات وتشريعات الوزراء الفاسدين المنحرفين من أتباع الأصولية الرأسمالية القائمة علي تنفيذ سياسات إفقار الغالبية العظمي من الشعب, ونزح الأموال الحرام بالفجر والفسوق والعصيان للقلة القليلة من مافيا التشكيل العصابي قد انتهت وإلي الأبد, مع التأكيد علي ان جميع تطبيقات الرأسمالية المتوحشة لا تدخل تحت لافتة الاقتصاد الحر محل التصريحات الرسمية حتي تعود الثقة والطمأنينة إلي نفوس الغالبية العظمي من المواطنين, ويخرجوا سالمين من الدوائر المسمومة للدعاية السوداء التي تستغل الفجوة الكبيرة بين ما هو كائن وما يجب أن يكون وبذلك فقط يضمن الجميع إنقاذ مصر من كبوتها, وانطلاقها العاجل لاستعادة دورها وقيادتها وإبراز كل ما تملكه من ثقل ووزن, وهو كثير ومعلوم للراسخين في العلم أصحاب الانتماء الوطني والقومي فقط لا غير؟!
[email protected]
المزيد من مقالات أسامة غيث


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.