«نحن في حاجة إلي أن نعود للحياة مرارا حتي نتقنها» قالها نجيب محفوظ في روايته «السمان والخريف». ومحفوظ الذي ينبهنا الي ضرورة وأهمية اتقاننا للحياة يذكرنا عبر صفحات الرواية التي أن «أتعس الناس الذين يستوي لديهم الموت والحياة»..و»لئن نبقي بلا دور في بلد له دور خير من أن يكون لنا دور في بلد لا دور له». وفي الرواية التي نشرت عام 1962 نقرأ أيضا عن «لو»: «لو حرف لوعة يطمح بحماقة الي توهم القدرة علي تغيير التاريخ» ونلتقي ونجد الدعوة الصادقة القائلة «الحق أن جميع البشر في حاجة إلي جرعات من التصوف، وبغير ذلك لا تصفو الحياة» وبما أن «اتقان الحياة» اذا جاز هذا التعبير لهو أمر يشغل بالنا وهدف نسعي اليه فان انتباهنا والتفاتنا لما يجري حولنا لا يجب أن يتوقف أو يتلكأ عن متابعة الحاضر ومعايشة الواقع .وفي هذه الالتفاتة الصادمة لنا هذه الأيام علي شاشات التليفزيون نجد مشاهد ومآسي الهجرة الجماعية والتهجير القسري والخروج من أمان البيت وحدود الوطن واللجوء الي ما هو مجهول من أجل «البقاء علي قيد الحياة» والوصول الي «بر المستقبل».انه موسم الهجرة واللجوء السوري والعربي الي الشمال أوروبا وأيضا خريف التهجير والشتات.. و«خريف الربيع العربي» كما يرد في طوفان التوصيفات والتحليلات والتفسيرات التي تحيرعقولنا وتزيد من حيرتنا حول ما تعلمناه عن مفاهيم الوطن ومعاني الانسانية. ويتساءل المرء أحيانا أمام الهجرة والتهجير تري ما هو الفارق بين هجرة البشر وهجرة الطيور وهجرة الفراشات .. و»هجرة العقول»؟ الكاتب الأمريكي البارز «جوناثان فرانزن» صاحب روايتي «التصحيحات» و«الحرية» له اهتمام خاص بمتابعة طيران الطيور وحركة هجرتها أو ما تم وصفه يوما ما ب «هجرة بأجنحة». «فرانزن» قبل سنتين كتب مقالا مطولا عن «الأغنية الأخيرة للطيور المهاجرة» تناول فيه من خلال جولاته في بلاد ومدن عديدة منها مصر ومرسي مطروح هجرة طيور السمان من أوروبا الي أفريقيا عبر المتوسط. أبدي فيه انزعاجه واعتراضه لطرق وأساليب اصطياد السمان في مصر. الروائي المتميز والمتمكن أصدر مؤخرا رواية أسماها «Purity». والكلمة تعني بالعربية «النقاء» الا أن في هذه الرواية «بيوريتي» هي اسم بطلة الرواية. ومن خلال 563 صفحة يغوص الكاتب ومعه القارئ في عالم «بيوريتي» الخاص وأيضا عالمها العام. ان عالم «جوناثان فرانزن» الروائي بالنسبة لقرائه والمعجبين بأسلوبه الشيق والجذاب وأيضا لكبار نقاد الأدب لهو عالم ملئ بموضوعاته المثيرة وشخصياته العديدة وأسئلته المزعجة. هذا الكاتب الأمريكي والذي يعد واحدا من أهم الروائيين الأمريكيين المعاصرين معروف بأسلوبه الخاص في السرد وفي ذكر تفاصيل التفاصيل وفي رسم شخصيات الرواية بتعقيداتها. وقد استطاع أن يشد انتباه القراء بحيث يبحثون دائما عن رواية من تأليفه لكي يقرأونها. «فرانزن» (56 عاما) هو كاتب الشخصيات التي تبحث عن نفسها ومكانها داخل تركيبة المجتمع الأمريكي ومعادلات الدنيا. و«فرانزن» يعيش حياته الخاصة بعيدا عن «لهث الواقع» و«هيمنة الانترنت» و«التواصل الافتراضي». وهو لا يعيش فقط اختياره بل لا يخجل من الحديث عنه والتباهي به .. بالكتابة عن هذا الاختيار الانساني وفي ألا يقع في فخ التكنولوجيا و»ادعاء العصرنة». ومنذ صدور الرواية الجديدة في بداية هذا الشهر لم يتوقف الحديث عنها وعما اذا كانت تعد عملا أدبيا عظيما مثلما كان الأمر مع رواية «الحرية» التي صدرت قبل خمس سنوات ورواية «التصحيحات» قبل 14 سنة. أما «امراة القطار» فهي بطلة رواية صارت منذ فترة حديث قراء الروايات والأدب في العالم. عندما اختارت دار النشر الأمريكية «ريفرهيد» رواية لكاتبة بريطانية مجهولة بدا الأمر للجميع بأنها تقامر وتغامر. فكتابات الاثارة لكتاب غير أمريكيين عادة لا تجد صدي لدي القارئ الأمريكي. الكاتبة اسمها «باولا هوكينز».وقد احتفلت يوم 26 أغسطس الماضي بعيد ميلادها ال43. وقد ولدت «هوكينز»وأمضت سنوات البداية في «هيراري» بزيمبابوي. ووالدها (كما يذكر) كان أستاذا للاقتصاد وصحفيا للشئون المالية. انتقلت «هوكينز» الي لندن في عام 1989وهي في ال17 من عمرها. وقد عملت بالصحافة نحو 15 عاما قبل أن تنتقل الي عالم الرواية. والرواية «The Girl on the Train» الفتاة علي القطار التي صدرت في فبراير 2015 تجاوز عدد النسخ المباعة منها حتي الآن ال3 ملايين نسخة. وكانت طبعتها الأولي تشمل 40 ألف نسخة فقط .الرواية جذبت انتباه عشاق روايات الاثارة.. المليئة بالأحداث الغامضة والشخصيات المعقدة و«اللهث المتواصل» من أجل التوصل الي اجابات لأسئلة تتوالد وتحاصر الانسان والقارئ في حياتنا المعاصرة. وتدور أحداث الرواية في ضواحي لندن. حيث نلتقي أو نجد امراة عاطلة ومدمنة خمر وأيضا مطلقة في الثلاثينيات من عمرها تدعي «راشيل» اعتادت أن تتابع البيوت ونوافذها وأيضا الطريق عبر نافذة القطار في ذهابها وايابها. وبما أنها تعيش هواجسها وعالمها الخاص بها تعتقد بأنها شاهدت عبر نافذة القطار شيئا قد يساعد في فك لغز اختفاء امراة شابة في قضية أثارت اهتمام الناس. الا أن ذاكرتها أو عملية قيامها باسترجاع ما تتذكره تبدو «مشوشة» وغير مكتملة وبالتالي لا يمكن الوثوق بها أو الاعتماد عليها كاملا. ولهذا نجد «راشيل» تتصارع مع نفسها ومع ماضيها من أجل التوصل الي ما تراه الحقيقة وأيضا تتصادم مع الأخرين لكي تقنعهم بما ترويه وتقوله. هذه الرواية رواية اثارة تقرر تحويلها الي فيلم سينمائي قريبا. كما أن المؤلفة «هوكينز» (الأكثر شهرة الآن) تعمل علي الانتهاء من رواية جديدة.وهي كما تقول في حوار صحفي تجد نفسها في وضع غير مريح الآن مع الشهرة التي أحاطت بها لأنها بطبيعتها لا تحبذ أن تكون اجتماعية و«وسط الناس» مشيرة الي أن أنها ككاتبة تجلس عادة بمفردها في حجرتها لكي تخلق أجواء وشخصيات. وأن «هذه الحالة هي التي تجعلها الأكثر سعادة». وبما أننا تعلمنا وقررنا «أن نعود للحياة مرارا حتي نتقنها» نجد أمامنا باولو كويلو صاحب «الكيميائي» يقول لنا : «اذا كنت تعتقد أن المغامرة خطرة.. فجرب الروتين فهو قاتل» ويذكر لنا أيضا: «مرات كثيرة يأخذني القطار الخطأ الي المكان الصحيح». وسواء اتفقنا مع كويلو أو اختلفنا معه فهكذا تتشكل رحلاتنا وتتحدد محطاتنا ويستمر قطار العمر في سيره بنا.