رغم موجة التعاطف الإنسانى التى اجتاحت فرنسا تضامنا مع المهاجرين السوريين فإن السؤال الذى يطرحه المراقبون بفرنسا هو هل ستغير صورة الطفل السورى «ايلان الكردى» الذى مات غرقا على السواحل التركية نظرة الفرنسيين حيال مشكلة استقبال المهاجرين السوريين بصفة دائمة؟ ففى حين يركز البعض على الخطوات التى اتخذها المجتمع المدنى للتضامن مع المهاجرين حيث قام 66 فنانا وفنانة من مشاهير النجوم والمغنيين الفرنسيين باطلاق مبادرة تضامن تحت عنوان «مد الايدى للمهاجرين» ،وقام البعض بإطلاق مبادرة على مواقع التواصل الاجتماعى تدعو العائلات الفرنسية الراغبة فى استقبال المهاجرين فى بيوتهم بتسجيل اسمائهم لإبداء استعدادهم لاستضافة بعض العائلات المتضررة كضيوف لفترة زمنية تعطى الفرصة للدولة للأخذ بزمام الامور واستضافتهم بطريقة مناسبة ،انقسمت الاحزاب حول سبل التصدى لأزمة المهاجرين القضية بل ساد الخلاف داخل الحزب الواحد تجاه تقييم الموقف. وكشف استطلاع للرأى أجرى أخيرا عن ان اكثر من 55% من الفرنسيين يرفضون لجوء السوريين إلى بلادهم،فى حين ابدى نحو مايقرب من 44% ترحيبهم.وأعرب غالبية الرافضين عن مخاوفهم من اندساس الارهابيين بين اللاجئين،و ازدياد احوالهم المعيشية سوءا خاصة فى ظل ارتفاع معدلات البطالة وتدنى مستوى الرعاية الصحة والشئون الاجتماعية. وبدون ادنى شك جاءت مشكلة استقبال اللاجئين بفرنسا كالقشة التى قصمت ظهر البعير لتزيد من تدنى شعبية الرئيس فرانسوا اولاند خاصة مع اقتراب اجراء انتخابات المجالس المحلية بعد ثلاثة أشهر ليسجل الشعب غضبه على أداء الاشتراكيين بإعراب 78% عن رغبتهم فى عدم التصويت للرئيس فرانسوا اولاند حال ترشحه بالجولة الاولى من الانتخابات الرئاسية المقرر لها 2017 . وقد استغلت مارين لوبن زعيمة الجبهة الوطنية لليمين المتطرف الفرصة وخرجت بخطاب شديد اللهجة تجاه قضية المهاجرين وذلك خلال لقائها انصار حزبها بختام المنتدى الصيفى للحزب الذى عقد بمدينة مرسيليا جنوبفرنسا قبل يومين. وقد شنت لوبن هجوما على سياسة فرنسا خلال ثلاث حقب رئاسية ماضية بداية من الرئيسيين اليمينيين جاك شيراك ونيكولا ساركوزى وصولا الى الرئيس الاشتراكى الحالى فرانسوا اولاند،محملة اياهم مسئولية زيادة التوافد غير الشرعى للمهاجرين وخصت بالذكر سياسة نيكولا ساركوزى التى ضاعفت من حجم المهاجرين بنسبة مخيفة - حسب تعبيرها - منذ 8 سنوات حيث وصل تعدادهم الى 200,000 مهاجر غير شرعي. وحملت لوبن،ساركوزى بالتواطؤ مع الاشتراكيين لتدمير ليبيا وما ترتب عليه من انتشار للارهاب وتفجير مشكلة النازحين واللاجئين . و اكدت الزعيمة اليمينية المتطرفة رفضها القاطع لاستقبال مزيد من المهاجرين تحت اى مسمى حتى «اللجوء السياسى». دون ان تغفل لوبن تخويف الفرنسيين من تداعيات هذه القضية،مُذكرة بقيمة المبلغ الذى سيقع مبدئيا على عاتق دافعى الضرائب من الفرنسيين والبالغ قيمته 50 مليون يورو كموازنة أولية لإيواء هؤلاء اللاجئين. وقالت لوبن إن كانت ستأخذنا الرأفة والإنسانية بمأساة السوريين فالاولوية لأمراء ورؤساء دول واغنياء الخليج من منطلق انهم جيرانهم والاقرب لاستقبال السوريين بدلا من الدفع بهم للموت المأساوى فى عبور المتوسط. ووعدت لوبن بتغيير سياسة البلاد تغيرا راديكاليا وإلغاء بعض القوانين المعمول بها-حاليا- خاصة الغاء قانون منح الجنسية الفرنسية،وطرد المهاجرين المقيمين دون عمل فى حال وصولها لقصر الاليزيه خلال الانتخابات الرئاسية فى 2017. وفى حين نجد ان حزب اليمين الجمهورى بزعامة الرئيس نيكولا ساركوزى وهو الحزب المسمى -حاليا بعد تغير اسمه من «الاتحاد من اجل حركة شعبية» - الى حزب «الجمهوريين» يعارض بالأغلبية فكرة استقبال اللاجئين بنسبة 67%،يؤيد اليسار استقبال المهاجرين، حيث اعرب 73% من انصار حزب الخضرعلى فتح حدود فرنسا أمام المهاجرين،اما الحزب الاشتراكى الحاكم فسجل 68% موافقتهم على فكرة استقبال المهاجرين،ويليهم مناصرو«جبهة اليسار« بنسبة 56 %.