تشهد الساحة السياسية الفرنسية جدلا من نوع خاص حول قدرة الرئيس الفرنسى السابق نيكولا ساركوزى على استعادة منصبه مرة أخرى والوصول إلى الإليزيه بعد ان انتزعها منه الاشتراكى الرئيس -الحالي-فرانسوا اولاند فى انتخابات 2012. وكانت أول خطوة قام بها ساركوزى مؤخرا بعد فوزه ب64% لرئاسة حزبه المعروف «بالاتحاد من اجل حركة شعبية»-(UMP)- هي«لم الشمل» ورأب الصدع الذى انتاب واحدا من اقوى أحزاب المعارضة بفرنسا بعد ان مُنى ساركوزى بالهزيمة امام الاشتراكيين،تلك الهزيمة التى جعلت منه اول رئيس فرنسى لا يمكث فى الاليزيه سوى حقبة رئاسية واحدة. وعلى الرغم من ان ساركوزى عمل على تشكيل الحزب من المنتمين الى تيارات اقصى اليمين والوسط واقصى اليسار من داخل حزبه،الا انه يخوض تحديات عضالا مستخدما سياسة..الاتحاد اوالاستبدال او،الاستبعاد. بمعنى انه يمضى للم شمل الحزب دون هوادة حتى لو لزم الامر استبعاد البعض او تهميش البعض الأخر. وفى هذا الشأن خرج اخر استطلاعات لأراء الفرنسيين يشير الى ان واحدا من كل عشرة من الفرنسيين يرون ان ساركوزى لايقوى على لمّ شتات الحزب فى حين يرى 57% من عائلته السياسية انه قادر على حشدهم.. وفى المقابل 43% من بينهم يجدون انه غير قادر على اعادة الوفاق ورأب صدع الحزب. اما المراقبون فلا يخفون توجسهم من فشل ساركوزى حيث يرى الصحفي والمحلل السياسى «اريك زيمور» المعروف عنه انتماءاته العنصرية.. والذى يرى ان مايقوم به نيكولا ساركوزى الآن، هو نفس ماقام به الرئيس الراحل شارل ديجول مع الفارق فى المقارنة-على حسب تعبيره- حيث قام ديجول بنفس المبادرة عام 1908 فى محاولة للم شمل العائلة السياسية لليمين واستطاع وقتها الوصول لهدفه ومنه للاليزيه منوها بأنه خاض حملته على رقاب الآخرين.. الا ان رئيس الوزراء الاسبق فرانسوا فيون وهو من نفس المعسكر اليمينى لم يستسلم لسياسية ساركوزي، ولم يتنازل عن سياسته متمسكا بمبدأ اقامة الانتخابات الاولية بداخل الحزب،والذى يتنافس فيها ونظيره الان جوبيه مع نيكولا ساركوزي..لاختيار من يقود الحزب لسباق الاليزيه،حيث اعلن فيون انه متمسك بسياسته المؤيدة لليمين الرديكالي،مشيرا الى ان هذه المناظرة ستقام امام 3 او 4 ملايين فرنسى وهم وحدهم الذين يقررون من يخوض عنهم الانتخابات الرئاسية المقبلة. من ناحيته يوضح اريك زيمور أن مشكلة «حزب الاتحاد» من اجل حركة شعبية(UMP)»،ليس فى لم شمل الداخل،لكن القضية على النطاق الاوسع بين الفرنسين والحزب برمته. وفى هذا الشأن نشرت صحيفة لوفيجارو منذ أيام قليلة ان 80% من قراء الصحيفة يفضلون سياسة زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن فيما يخص التعامل مع قضيتى الهجرة والاتحاد الاوروبى و الاسلام والاسلاميين.والمعروف ان لعائلة لوبن باع مع سياستهم العنصرية، فهى تهاجم على طول الخط سياسة الهجرة والتدفق الاجنبى لفرنسا، وطالبت مارين لوبن مرارا بتقنين الحدود المفتوحة على الاتحاد الاوروبي. ولايخفى على احد آخر تصريحات لها مهاجمة ساركوزى واولاند على حد سواء، ومحملة اياهما مسئولية الاخفاق فى قيادة سياسة البلاد، وانهما وعائلتيهما السياسية،اليمين كاليسار تركا البلاد طعما للعولمة ومشاكلها،وكانا السبب فى تفاقم اعداد المهاجرين، ذلك فى الوقت الذى لاتقوى فيه البلاد على تلبية وتوفير حياة كريمة لرعاياها الأصليين. والقضية الان، ان ساركوزى إن كان قد فاز برئاسة حزبه وربما يفوز فى الانتخابات الاولية التى يعقدها الحزب لاختيار من ينوب عنهم لخوض سباق الاليزيه، فأن الرهان الصعب سيظل في استبعاد زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن فى الجولة الثانية المتوقع انها ستصل اليها فى الانتخابات الرئاسية القادمة 2017. حيث تعول لوبن على الوصول لرئاسة الاليزيه، من منطلق عدم قدرة الرئيس الاشتراكى فرانسوا اولاند على مواجهة وحل المشاكل المتفاقمة التى يعانيها المجمتع.وفى هذا الصدد تشير استطلاعات الرأى حاليا الى تقدم الحزب اليمينى الفرنسى المتطرف للانتخابات الرئاسية التى ستجرى فى 2017،على اليسار الذى تضرر بالنتائج السيئة لسياسة فرنسوا اولاند وعلى اليمين الذى يشهد معركة بين قادته. فى هذا السياق لايخفى جل المحللين توجسهم حال فشل ساركوزى كونه سيفسح الطريق امام زعيمة اليمين المتطرف، من منطلق انه لم يتغير ولم يات بجديد وعلى هذا الصعيد اشارت اخر استطلاعات آراء الفرنسيين الى ان 67% من الفرنسيين يرون انه لن يغير سياسته. فضلا عن ان ساركوزى سيخوض السباق وفى جعبته العديد من القضايا وان كان قد برأ من اكثرها،الا انها اثارت اصداء شديدة فى المجتمع وفى السياسية..منها على سبيل المثال تضارب فى المصالح، واخرى تشير لقضايا فساد فى حكومته وحزبه، وكان أكثرها جدلا..القضية الشهيرة المعروفة ب «فيرت-بيتانكور»، مرورا بتمويل القذافى لحملته الانتخابية،وقضية كراتشى وصولا الى القضية الاخيرة،الخاصة بتزوير فواتير للتحايل على تخطى السقف المحدد لمصروفات الحملة الانتخابية،وهى القضية المعروفة”ببجماليون”. وعلى صعيد الجبهة الاشتراكية الحاكمة، نجد ان الرئيس الراهن فرانسوا اولاند يلهث فى محاولة لخوض تحديات المرحلة تجاه الاصلاح وتحقيق اكبر قدر ممكن من برنامجه الانتخابي. فقد وعد بتخفيف الضرائب على الفرنسيين مع حلول 2015. كما ان حكومته تعمل على التفاوض مع ارباب الاعمال الفرنسيين لخلق المزيد من فرص العمل ومكافحة البطالة،الا ان الامر ليس بالسهل وقد سبق واتُهم ساركوزي-وقتما كان رئيسا - بان البطالة تزايدت فى حقبته،اضافة الى تفاقم مديونية الدولة للدرجة التى جعلت كبريات مؤسسات التصنيف الائتمانى العالمية تخفض من تصنيف فرنسا مرتين متتاليتين اثناء الفترة الرئاسية لليمين بالاليزيه. لكن الاحوال ازدادت سوءا مع الاشتراكيين،واخر تقرير اقتصادى صادر عن المعهد الوطنى للإحصاء فى سبتمبر المنصرم يؤكد ان الدين العام فى فرنسا بلغ 2023٫7 مليار يورو،عند نهاية الفصل الثاني، متجاوزا للمرة الأولى العتبة الرمزية للألفى مليار يورو. ويفيد التقرير تجاوز الدين العام الفرنسى فى عهد الرئيس الاشتراكى اولاند ليبلغ 95٫1% من إجمالى الناتج المحلي.وتسببت الدولة الفرنسية فى زيادة الدين ب35.2 مليار يورو فى حين تراجعت مساهمة هيئات الضمان الاجتماعى ومؤسسات حكومية محلية. وبلغ هذا الدين الذى يقاس بحسب معايير معاهدة ماستريخت 95٫1% من إجمالى الناتج الداخلى أى بزيادة 1٫1 نقطة عن الفصل السابق،بحسب بيان للمعهد.ومقارنة بنهاية الفصل الأول،ازداد صافى الدين العام ب28٫7 مليارات يورو متوارثا من العهود السابقة وذلك بعد نشر التقرير مباشرة.حيث أعلنت وزارة المالية أن الدين تضاعف بين 2002 و2012 لينتقل من 930 الى 1860 مليار يورو من بينها 600 مليار بين 2007 و2012. وقد لايخفى على احد ان مايعانيه النظام الراهن من هجوم ومظاهرات،هو ذاته الذى كان يقابله ساركوزى حيث لاتتوقف الشكوى من عدم قدرة الفرنسيين على الشراء،وتردى احوال ارباب المعاشات، تدنى اجور الممرضات والاطباء، وتردى احوال التعليم، بالاضافة الى ان اكثر من 30 مليونا كانوا ومازالوا فى انتظار مسكن لائق، وغيرهم بدون مأوى يسكنون العراء،فضلا عن مشكلة البطالة التى تزداد تفاقما . والخلاصة أنه بالنظر لكل هذه القضايا،وما يعانيه الفرنسيون من مشاكل امنية واجتماعية ناجمة عن الهجرة والاسلاميين،قد لايخفى على احد ان المستقبل السياسى للرئيسين-السابق- اليمينى نيكولا ساركوزي، والحالى الاشتراكى فرانسوا اولاند على المحك.. وأن الساحة السياسية تحبس أنفاسها توجسا من وصول اليمين المتطرف الى الاليزيه فى 2017 لتكون مارين لوبن زعيمة الجبهة الوطنية المتطرفة اول امرأة تتحدى تاريخ فرنسا.