«الفساد» و«استغلال النفوذ» تهمتان ثقيلتان وجههما القضاء الفرنسى للرئيس السابق نيكولا ساركوزى.. ومن شانهما ان يوصدا باب الاليزيه أمامه فى الوقت الذى يطمح للعودة لحقبة رئاسية ثانية،وهو ماينتظره المقربون له. فمن ناحيته لم يستسلم ساركوزى وأكد مرارا انه برىء من كل التهم الموجهة اليه، وان مايعانيه من ملاحقات قضائية يدخل فى اطار تخليص الحسابات لان محاكمته سياسيةوان الاشتراكيين يرغبون فى ازاحته من المعترك السياسي.. اما مؤيدوه فقد شككوا فى موضوعية أحد القضاة مشيرين إلى أنه يكن مشاعر كراهية لنيكولا ساركوزي-حسب تصريحات للنائب ورئيس بلدية نيس بالجنوب الشرقى لفرنسا-كريستيان إستروزي. والواقع ان طريقة احتجاز ساركوزى وترحيلة للقضاء فى نفس الليلة اثارت حفيظته واستياء اتباعه.. ففى اخر ظهور اعلامى له بعد احتجازه على ذمة التحقيق 15 ساعة قضاها فى مكتب دائرة مكافحة الفساد..هاجم الرئيس السابق القضاء والدولة برمتها ناكرا جملة وتفصيلا حفنة التهم الموجهة اليه من استغلال للنفوذ وقضايا فساد.. فى الوقت الذى لايتفق معه فى الرأى اكثر من نصف الفرنسيين-تقريبا،حيث يرى 63% من الشريحة التى تم استطلاع رأيها ان القضاء يتعامل بشفافية وليس مُسييسا.. فى حين ان 80% من شباب الحزب «الاتحاد من اجل حركة شعبية» المنتمى له ساركوزى يجدون ان مجمل القضايا التى يحاكم عليها رئيسهم السابق مجرد قضايا خلاف سياسي..بل ذهبت الوزيرة السابقة فى حكومة ساركوزى نادين مورانو النائب فى البرلمان الأوروبي..لحد القول بان فرنسا والفرنسيين ضحايا حكم الاشتراكيين والصراع على السلطة. ويعيد هذا السيناريو للأذهان مع اختلاف التهم ماحدث لمرشحين رئاسيين كانا مفترضا لهما خوض سباق الرئاسة امام ساركوزى فى الانتخابات الماضية2011، والغريب ان تفجير القضايا التى كانت تلاحقهما جاءت فى توقيت مماثل تقريبا..فالاول هو الاشتراكي، «دومنيك استروس كان» الذى كان متوقعا وصوله للاليزيه بدلا من الرئيس الحالى فرانسوا اولاند، وهو ما لم يحدث بعد الفضيحة التى تورط فيها فى نيويورك،حيث تم القبض عليه واوقفته الشرطة بضجة اعلامية، انتقدها الاعلام الفرنسى بشدة آنذاك وان كانت الحادثة برمتها قد أوحت بان الامور مرتبة للإطاحة بطموحات الرجل الرئاسية فضلا عما تلاها من تفجير حزمة قضايا حالت دون ترشيحه لخوض السباق. اما الثانى والذى بزغ نجمه وكانت لديه شعبية عريضة ليس فقط لدى اتباع حزبه”الاتحاد من اجل حركة شعبية انما ايضا لدى غالبية المواطنين،فهو اليمينى دومنيك دوفيلبان رئيس الوزراء الاسبق الذى توقع له المراقبون ايضا خوض سباق الاليزيه بجدارة. دوفيلبان اتهم فى القضية المعروفة ب «كليراستريم» التى استمرت لسنوات ومنعته من الترشح للرئاسة،وطالما ردد كلمات تشبه فى فحواها تلك التى يرددها ساركوزى الان..من ان التهمة سياسية ويراد بها تلطيخ صورته . ودون شك لا احد بفرنسا فوق القانون.. فملاحقة ساركوزى قضائيا ليست الاولى من نوعها فقد سبق وتم توقيف الرئيس-الاسبق-جاك شيراك(مع اختلاف التهم)فى قضية وظائف وهمية واستخدام اموال الدولة لتمويل حملته الانتخابية ذلك خلال الفترة التى كان فيها شيراك عمدة لبلدية باريس،الا ان الحزب(UMP)تكفل برد هذه الاموال للدولة،اما شيراك فتمت تبرئته نظرا لظروفه الصحية،او حسب ماروج انه يعانى مرضا يصعب عليه التذكر وبالتالى استحال استكمال التحقيق معه. وبالرغم مما نلمحه من تشابه الظروف والقضايا الا ان نيكولا ساركوزى لن يطوى صفحة الاليزيه،فهو مصر على استكمال المسيرة السياسيةحيث عقد مقابلة مع تلفزيون “تى فى 1” وإذاعة «أوروبا 1» بعد ساعات من خروجه من المحكمة مباشرة أنكر فيها تهمتى الفساد واستغلال النفوذ، وأكد أنه لم يرتكب أبدا عملا مخالفا للمبادئ الجمهورية أو لدولة القانون.وقال إنه لم يخن ثقة أى شخص منددا بتسييس القضاء.. وفى محاولة لاستعادة شعبيته وكسب ثقة الفرنسيين قال ساركوزى أن فرنسا هى بلد حقوق الإنسان ودولة القانون، وأن هناك أمورا يتم تنظيمها،وعلى الفرنسيين أن يعرفوها،وأن يحكموا عليها عن وعى وبكل حرية. ولم يفت ساركوزى أن يعلن للمرة الاولى بنفسه عن عودته رسميا للسياسية مشيرا الى انه قد يضطر لترشيح نفسه مرة أخرى من منطلق الواجب لأن المسألة متعلقة بفرنسا.وفى خطوة واقعية فى هذا الاتجاه تنتظر الساحة الاحتفالية التى ينظمها له أتباعه من شباب الحزب تحت شعار «فرنسا القوية» فى غضون شهرين، حيث يتوقع للرئيس السابق اعادة انتخابه فى اكتوبر المقبل. وبالرغم مما يواجهه نيكولا ساركوزى من سلسلة الانتقادات المتعلقة بفضائح مالية عديدة كقضية التمويل المحتمل من قبل معمر القذافى لحملته الانتخابية فى 2007 او قضية تجاوز السقف المحدد فى النفقات المالية المخصصة للحملة الانتخابية فى 2012 ،بالاضافة إلى قضايا سياسية أخرى..الا ان اخر استطلاعات للرأى اجريت على أعضاء حزبه تشير الى ان 65% يرغبون فى اعادة انتخابه رئيسا للحزب،فى حين ان 35% لايرغبون فى عودته تخوفا من الخسارة. وفى ظل المعطيات المتاحة لا يخفى على احد انه بعد الفوز والصعود الساحق والمتتالى لحزب الجبهة الوطنية لليمين المتطرف(FN)بزعامة مارين لوبن فقد اصبح من المؤكد خوضها السباق الرئاسى المقبل فى الجولة الاولى من الانتخابات (2017)، على غرار ماسبق وحققه والدها الزعيم السالف للحزب جون مارى لوبن من انتصار مدوى حيث تخطى الجولة الاولى من الانتخابات الرئاسية امام الرئيس الاسبق جاك شيراك..وهى المفاجأة التى يخشاها الفرنسيين حال ضعف المرشح المنافس لها على الجبهة المقابلة. ويرى بعض المراقبون ان الرهان على نيكولا ساركوزى فى ظل المعطيات السياسية الان مخاطرة شديدة الخطورة قد تمكن الجبهة الوطنية لليمين المتطرف بزعامة مارين لوبن من الوصول للاليزيه.