تعودنا كثيرا في حملات السباق الرئاسي في أي انتخابات حول العالم ان يكون للملفات الدولية شأن قد لايقل اهتماما عن القضايا الداخلية منها.. الا ان الوضع المتردي الواضح في المستوي المعيشي والاجتماعي للفرنسيين الذي يزداد تفاقما يوما تلو الآخر قد القي بظلاله علي سباق الاليزيه ووضع المرشحين للانتخابات داخل سياج إجباري يصعب عليهم تجاهله او تخطيه. تشهد الساحة السياسية بفرنسا حالة احتدام الصراع للوصول لقصر الاليزيه بين المرشحين المتنافسين في جولة الاعادة المقرر لها6 مايو المقبل. وفي الوقت الذي يميل فيه ساركوزي مرشح الأثرياء, كما يلقبه كثيرون ويطلق هو علي نفسه اسم مرشح الشعب تجاه افكار زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن... يزداد المرشح الاشتراكي فرانسوا اولاند اعتدالا وتصميما علي آرائه الداعية الي الحفاظ علي تعددية المجتمع ولم شمله وتطبيق نظام اشتراكي يضمن للمواطن حياة كريمة ايا كان من الأصليين او المجنسين.بل السماح ايضا للمهاجرين بان يكون لهم نصيب وشأن علي التراب الفرنسي. فمع اقتراب ساعة الحسم في صراع الاليزيه نلمح ان أنصار الاحزاب الذين فازوا بنسبة اصوات لابأس بها في الجولة الاولي من الانتخابات يوم22 ابريل يفضلون وصول اولاند الي الاليزيه.وما لم يكن يتصوره الرئيس المنتهية ولايته أن تحصد مارين لوبن زعيمة الجبهة اليمينية المتطرفة20% من أصوات الناخبين وهي نسبة فاقت ماحصل عليه والدها جان ماري لوبن في2002(17% من الأصوات) متقدما علي ليونال جوسبان مرشح الاشتراكيين انذاك إلي الدورة الثانية أمام جاك شيراك. وان كان عدد كبير من المحللين قد ألمحوا إلي أن احتمال ارتفاع نسبة لوبن في الجولة الأولي لن يكون بالضرورة لمصلحة الرئيس المنتهية ولايته في الجولة الثانية مهما غازل اصواتهم بانجراف افكاره لاقصي اليمين...وفي محاولة لفهم الأسباب التي ادت الي تردي الأوضاع الاجتماعية بفرنسا التي يرجعها البعض للأزمة الاقتصادية الطاحنة التي عصفت باقتصاديات دول كبري حول العالم. يذهب المناهضون للنظام الرأسمالي الراهن للتركيز علي ان أزمة تضخم عجز ميزانية فرنسا تضرب بجذورها لسنوات اعمق من حقبة ساركوزي بتواليها عبر الجمهورية الخامسة وان كانت بعض اسبابها اتباع سياسات مالية خاطئة. وعلي هذا الصعيد لم يفوت اولاند الفرصة بالتذكير بماأصاب صندوق ميزانية الدولة من عجز خلال سنوات ساركوزي بالاليزيه منددا باجتيازه600 مليار يورو.دون ان يغفل التلويح بديون فرنسا فيما يخص التجارة الخارجية التي وصلت قيمتها إلي70 مليار يورو. منددا بمشروعات ساركوزي فيما يخص الترشيد او ما يدعو اليه من خطة تقشف بالغاء60 الف وظيفة في التعليم وتداعياتها علي تدني مستوي التعليم بفرنسا وتفاقم حجم البطالة. ومما لاشك فيه ان حالة الضجر التي أصيب بها الفرنسيون الأصليون او حتي من ذوي الاصول المهاجرة وبصفة خاصة في اوساط الطبقات الكادحة او المعدمة والمتوسطة.قد يفنده المنطق كونه ليس من الطبيعي ان يكون في بلد عظيم مثل فرنسا نحو8 ملايين فقير او3 ملايين من دون مأوي لائق. كما انه من غير الطبيعي ايضا ان تتزايد نسبة البطالة في بلد يعد من اهم الدول المستوعبة للأيدي العاملة الأجنبية. فحسب آخر نتيجة لنسبة البطالة بفرنسا وصل عدد العاطلين بالبلاد إلي2.888 مليون. لذلك يركز المرشح الاشتراكي علي اللعب علي الوتر الحساس من أوجاع الفرنسيين ففي لقاءاته المكثفة التي يعقدها مع مؤيديه تحت شعار التغيير.. آن الأوان نجده يركز وحسب مايطرحه في برنامج لخمس سنوات رئاسية محتملة علي عدة بنود اهمها تجميد أسعار الوقود لمدة ثلاثة أشهر وزيادة المساعدات السنوية للعائلات الذين يعولون اطفالا في المدارس. كمايدعو اولاند لخفض رواتب الرئيس ووزراء الحكومة بنسبة ثلاثين في المائة. فضلا عن اعتزامه ليس فقط تحسينالأوضاع المعيشية في ضواحي المدن الكبري العامرة بالمهاجرين انما ايضا تصحيح اوضاع المقيمين اقامة غير قانونية ويتمسك برأيه في ضرورة مشاركة المقيمين الاجانب- الشرعيين- في الانتخابات التشريعية. مؤكدا ان فرنسا لايمكن ان تصبح يوما بنسبة مهاجرين صفر في المائة. ضاربا بذلك عرض الحائط بشعارات لوبن وساركوزي معا. في حين يحاول ساركوزي ومثلما فعل قبل خمس سنوات ان يلعب في ساحة القوي السياسية اليمينية المتشددة. فلا يتواري عن التذكير بان فرنسا لديها القدر الوافر من الأجانب وينبغي تقليص عدد الوافدين الشرعيين الي النصف ويؤكد عزمه ترحيل غير الشرعيين بلا جدال. وفي الشأن ذاته يقترح تشديد الرقابة علي دخول منطقة شنجين الاوروبية. غير ان اصلاح مؤسسات الاتحاد الأوروبي يشكل اساس البرنامج السياسي لكل منهما. وفيما يري اولاند ان ساركوزي يعرض خطة التقشف كحل وحيد للازمة واستمرارا في السياسات الخاطئة التي تبناها طوال حقبته الرئاسية.يقول ساركوزي انه سيجمد إسهام فرنسا في ميزانية الاتحاد الاوروبي بما يتيح له توفير600 مليون يورو سنويا. بما يعني ان ساركوزي يريد تحقيق التوازن المالي العام بحلول2016. وفي الوقت الذي يلوح فيه ساركوزي منبها إلي مخاطر وصول الاشتراكيين للحكم باتخاذ العبر من الأزمة التي يمر بها الاسبان بعد تلك التي عاشها اليونانيون يفرض السؤال نفسه كيف ينوي الاشتراكيون تنفيذ وعودهم المزمعة في ظروف الأزمة التي يمر بها الاقتصاد الفرنسي. فنجد وعد اولاند بالبدء فورا بالتغيير بعد انتخابه من خلال تنفيذ35 اجراء ملموسا تصدرها بخلاف ما اسلفناه تعديل اصلاح رواتب المتقاعدين. وإعادة نظام سن التقاعد الي60 عاما لمن امضوا40 عاما خدمة. بالاضافة الي ايجاد المزيد من فرص العمل ايا كانت في الأروقة الحكومية او بمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة ببعض الاعفاءات الضريبية بغية تشغيل الشباب. وفي المقابل يعتزم اولاند فرض مزيد من الضرائب قد تصل الي75% علي من يتجاوز دخله مليون يورو في العام وهو مايزيد من مخاوف البعض بهروب رءوس الأموال والأغنياء للخارج. اما الملف الامني فلم يغفله ساركوزي اذ اعاد التركيز عليه مجددا بعد ان قتل شرطي منذ يومين في اثناء مطاردته شابا من اصل تونسي قيل انه من أرباب السوابق. الامر الذي يجعل تهمة الشروع في القتل تلاحق الشرطي وهو مارفضه نظراؤه الذين تظاهروا بسيارات الخدمة وملابسهم الرسمية بشارع الشانزليزيه. وانتهز ساركوزي الفرصة بتأييد حق دفاع رجال الشرطة عن أنفسهم وقت ملاحقة المجرمين باستخدام الذخيرة الحية ليستعين مجددا بأدوات الجبهة اليمينية المتطرفة.فضلا عما اثير إبان حادث تولوز بعد مقتل ثلاثة جنود من الجيش المتمركز بالجنوب واربعة يهود بينهم3 اطفال وحاخام وللتذكير قيل ان مرتكب هذا الحادث كان بوازع تطرف اسلامي لفرنسي من اصل جزائري يدعي محمد مراح. وهي ايضا القضية التي لن يتواني ساركوزي في تطويعها لمحاربة الهجرة والتطرف الاسلامي ويغازل بها ناخبي لوبن. خلاصة القول انه سبق أن تحققت توقعات الخبراء ونتائج استطلاعات الرأي بصعود فرانسوا اولاند ونيكولا ساركوزي إلي الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية.فلا مانع من تعزيز فرضية وصول مرشح الاشتراكيين الي قصر الاليزيه. وهي الفرضية التي تؤكد ان خسارة الرئيس المنتهية ولايته نيكولا ساركوزي ستشكل سابقة في تاريخ الجمهورية الخامسة التي أسسها شارل ديجول في.1958 وفي ظل هذه التنبؤات التي تشير الي أن المرشح الاشتراكي فرانسوا اولاند لم يفصله عن ابواب قصر الاليزيه سوي خطوات قليلة يتوخي لنا الحذر من اجتيازه المناظرة الثنائية المقرر لها اليوم. والتي سيتم بثها علي اكثر من قناة تليفزيونية ويعول عليها الرئيس المنتهية ولايته في دحض طموحات الاشتراكي في الرئاسة نظرا لقلة خبرته في أروقة الوزارات وكون خبرته لم تتعد النشاط الحزبي فهو لم يتبوأ منصبا وزاريا سوي انه كان أمينا عاما للحزب الاشتراكي.