قد يكون اعتزام رئيس فرنسى سابق خوض غمار الانتخابات الرئاسية بعد تركه المعترك السياسى شيئا غير مألوف للفرنسيين،اما الأغرب فهو أن نيكولا ساركوزى يخوض هذا السباق وهو محمل بالعديد من القضايا التى تضع مستقبله السياسى على المحك. فمن ناحية يواجه الرئيس السابق نيكولا ساركوزى أمواجا عاتية تحتم عليه خوض معركتى انتخاب غاية فى الصعوبة:اولاهما الانتخابات الداخلية لرئاسة حزبه(UMP)اتحاد من أجل حركة شعبية"،والمقرر لها 29 نوفمبر المقبل..والثانية انتخابات التصفية الأولية للحزب-فى 2016-لإزاحة رئيسى الوزراء السابقين فرانسوا فييون،وآلان جوبيه، وهما المنافسان له على رئاسة الحزب والاليزيه معا. وقد لانغفل بعض ما يتردد من آراء حول ما تلعبه الأقدار مع ساركوزى, فبعد أن كان رئيسا لفرنسا ويقيم بقصر الإليزيه، عليه الآن خوض انتخابات الحزب لكسب ثقة عائلته السياسية،وهذا ما يبدو شيئا صعبا للغاية. فالمعروف أن ساركوزى يعتمد سياسية"الغاية تبرر الوسيلة"،فقد دأب على كسر كل المألوف،وكثيرا ماسجلت حقبته انحرافا عن السياسيات النمطية لسلفيه بالجمهورية الفرنسية الخامسة. ومن ناحية أخرى يواجه رئيس فرنسا السابق حزمة من القضايا التى من شأنها تقليل شعبيته، ومن بينها الفضيحة الاخيرة المعروفة ببجماليون ،وتتعلق بتزوير فواتير خاصة بحسابات حملته الانتخابية،2012.وقيمتها 18،5مليون يورو-اضافية-تم اخفاؤها من النفقات الرسمية المسموحة للسقف القانونى المحدد لجميع المرشحين على قدم المساواة،وهو 22.5 مليون يورو..والمتهم فى هذه القضية عدد من الاشخاص الذين تولوا حسابات الحملة من كوادر الحزب، وعلى رأسهم رئيس الحزب -المستقيل- فرانسوا كوبيه،وثلاثة مسئولين آخرين من مؤسسة بيجماليون للاعلانات. اما عن القضايا التى يصر المنافسون على استغلالها ضد ساركوزى ولحزبه( UMP)،فهى متعددة،وذلك على الرغم من تبرئته من بعضها، بينها قضايا تمويلات مشبوهة للحملات الانتخابية،كقضية ليليان بيتانكور،سيدة الاعمال وصاحبة شركات لوريال لمستحضرات التجميل،التى قيل ان ساركوزى ورئيس الصندوق فى حزبه-انذاك-اريك فيرت،قد استغلا ضعفها،وكبر سنها،وسحبا منها مبالغ نقدية(50 ألف يورو تقريبا)لتمويل حملته الانتخابية فى 2007..وقد شهدت الساحة فور رفع الحصانة الرئاسية عن نيكولا ساركوزي،بعد هزيمته امام الرئيس الاشتراكى الراهن فرانسوا اولاند،ماقامت به النيابة باستدعائه، والتحقيق معه لساعات فاقت المعتاد،بتهمة استغلال النفوذ وتضارب المصالح. ونذكر،بماتتناساه ساحة المعارضة،وأثير حول تمويل الرئيس الليبى الراحل معمر القذافى لساركوزى بأكثر من 50 مليون يورو خلال(2005-2007). بالاضافة إلى أن أصابع الاتهام تشير إلى ساركوزى فى قضية حادث انفجار طائرة"كراتشي"التى راح ضحيته عدد من المهندسين الفرنسيين،وقيل إنه حصل على عمولات لصفقة اسلحة لكارتشي،مول بها حملة المرشح الرئاسي،ورئيس الوزراء –السالف-ادور بلادوير. وفى نفس السياق،اتُهم ساركوزي،ووزيرة ماليته،وقتها،كريستين لاجارد رئيسة صندوق النقد الدولي،حاليا،بالسماح للملياردير برنارد تابى بتعويضات من خزانة الدولة قيمتها285مليون يورو،كتعويضات حكومية له عام 2008، على السلوك المخادع لبنك"كريدية ليوني"الذى تملكه الدولة ببيعه حصته فى شركة أديداس فى منتصف التسعينيات.وهو مااعتبره القضاء اختلاسا لاموال عامة،والمعروف ان برنارد تابى اُدين فى فضيحة رشى تتعلق بنادى كرة القدم"اوليبيك مارسيليا".وروج أن تابى حصل على صفقة جيدة فى مقابل دعمه القوى لساركوزى فى الانتخابات الرئاسية عام 2007. ومن بين الصفعات التى تتوالى على ساركوزى منذ إعلانه نية الترشح لخوض سباق الاليزيه فى الانتخابات المقبلة المقرر لها 2017..كانتخاب جيرار لارشيه رئيسا لمجلس الشيوخ،والمعروف انه من المقربين لمنافسه فرنسوا فييون،والصفعة اعتبرها المراقبون كتصويت عقابى، وان اعضاء مجلس الشيوخ فضله على رئيس الوزراء-السابق- بيير رافارن الذى دفع ثمن دعمه المعلن لساركوزى. أما عن فرص فوز ساركوزى..فالواقع أنه رغم أن عودة الرئيس الفرنسى السابق إلى واجهة الأحداث تفتح الأبواب والاحتمالات لفوز زعيمة الجبهة الوطنية لليمين المتطرف مارين لوبن،والمعروف ان حزبها هو المستفيد الوحيد من الانقسامات التى يشهدها اكبر حزبين على الساحة الفرنسية (الاشتراكى الحاكم) و(اليمينى الجمهورى) التابع إليه ساركوزى.الا أنه الأوفر حظا لدخول الاليزيه حاليا.. وتأتى عودة الرئيس -السابق- مفعمة بومضات سياسية، يبعث بها للفرنسيين ومفادها أنه استفاد من الكثير من الدروس التى مر بها من خلال قيادته ورئاسته للبلاد فى الحقبة الاولى من ناحية،وأنه استوعب ضرورة التواصل مع الجمهور والشباب والاستماع اليهم. أما عن بعض الإشارات التى بعث بها ساركوزى للناخب، اختياره للقناة الثانية للتليفزيون الفرنسى، وهى قناة حكومية لمنحها الانفراد بأول لقاء يعلن فيه عن نية ترشحه، وهى خطوة غير مسبوقة له حيث اُخذّ عليه سابقا الانحياز والانجراف وراء رجال الاعمال،وربما أراد أن يدلل على أنه سيكون أقرب إلى القطاع العام من القطاع الخاص.كما انه اختارا شبكة التواصل الاجتماعي"فيسبوك"ليعلن على صفحته:"أنا مرشح لرئاسة عائلتى السياسية،واتخذت قراراً بتقديم خيار سياسى جديد للفرنسيين لأننى إذا بقيت متفرجاً على الوضع الذى فيه فرنسا أكون مهملاً لحقها"، ولا يخفى على أحد أن اختياره للفيسبوك يعد إشارة قوية لمغازلة الشباب،مبينا لهم أنه قادر على التواصل معهم، ومع تكنولوجيا العصر. كما تعمد ساركوزى بتخصيص أول لقاء لحملته الانتخابية لرئاسة الحزب فى لابرسات شمال غرب فرنسا، لكسب ناخبى اليسار، خاصة ان هذه المنطقة يسيطر عليها الحزب الاشتراكى،الا ان احتمالية وقوعها فى أيدى اليمين المتطرف فى الانتخابات المقبلة غير مستبعدة. ولكن أيا كانت الرسائل"، فالمواطن يطرح سؤالا هل تغير ساركوزى؟..فالرئيس اليمينى السابق نيكولا ساركوزى عائد للمعترك السياسى بخطوات واثقة فهو يؤكد ان برنامجه الانتخابى لن يتغير، وانه سيستكمل سياساته التى اتبعها فى قيادة البلاد خلال حقبته الرئاسية الفائتة، ونشير هنا إلى أن ثقة ساركوزى العميقة فى الوصول للاليزيه، تأتى من منطلق ضعف منافسيه، سواء كانوا من داخل حزبه اليمينى، أو من الجبهة اليسارية.غير أن مؤيدى ساركوزى وزوجته كارلا برونى يعتمدون فى الانتخابات الرئاسية عام 2017،على مواجهة محتملة بين مرشح اشتراكى تتقلص شعبيه،وهو الرئيس الراهن فرانسوا اولاند،وبين مرشح للجبهة اليمينة المتطرفة، والمعروف عنها كراهية الاجانب والعداء لأوروبا،وهو ماقد يفسح المجال امام نيكولا ساركوزى.